التنقيب عن الكوبالت.. قصة ثراء ومعاناة في الكونغو الديمقراطية

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تفاجأ مواطنو جمهورية الكونغو الديمقراطية بداية ديسمبر/كانون الأول 2021 بقرار الرئيس فيليكس تشيسكيدي، إقالة ألبرت يوما رئيس شركة التعدين "جيكامينز" المملوكة للدولة من منصبه. 

ووصف موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي القرار بالمثير، خصوصا وأن رئيس الشركة كان يعتبر قبل ساعات قليلة من القرار، الرجل الأغنى والأقوى في الكونغو. 

وأشار الموقع إلى أن "يوما" جمع ثروته من نشاط التنقيب عن معدن "الكوبالت" الموجود بكثرة في البلد الإفريقي.  

ولفت إلى أن ثراء باطن البلاد بهذا المعدن بات يميز التاريخ الحديث للكونغو. 

التنقيب عن الكوبالت

في أوروبا والولايات المتحدة يجرى الحديث الآن عن التحول البيئي في إطار خطة طويلة الأجل تعتمد بصفة أساسية على استخدام مصادر بديلة للفحم والنفط. 

ضمن هذا الإطار، نوه الموقع بأن أكثر المواد الخام التي يرغب الجميع في الحصول عليها هي الكوبالت، المعدن الأساسي على سبيل المثال في صنع بطاريات للسيارات الكهربائية. 

كما لا يمكن أيضا أن يستمر إنتاج أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة والذكية دون استخدام هذا المعدن.

وكانت الكونغو الديمقراطية في عام 2005 أكبر منتج للكوبالت من رواسب النحاس في مقاطعة كاتانغا الديمقراطية. 

وفي مقاطعة شبعا سابقا، كانت المنطقة تحتوي على ما يقرب من 40 بالمئة من الاحتياطيات العالمية، وفقا لما ذكرته هيئة المسح الجيولوجي البريطانية في عام 2009. 

وبحلول عام 2015، وفر البلد الإفريقي 60 بالمئة من إنتاج الكوبالت في العالم. 

يمكن أن يرجع النمو الأخير في الإنتاج جزئيا على الأقل إلى انخفاض إنتاج التعدين خلال الحروب الأهلية العنيفة جدا في جمهورية الكونغو الديمقراطية في أوائل العقد الأول من القرن الحالي.

كما يمكن أن يرجع إلى التغييرات التي أدخلتها البلاد على قانون التعدين الخاص بها في عام 2002 لتشجيع الاستثمار الأجنبي والمتعدد الجنسيات وجلب عدد من المستثمرين، بما في ذلك شركة جلينكور التي يساهم ثلاثة من مشاريعها الحالية في الكونغو بما يقارب 10 إلى 25 بالمئة من إنتاج البلاد. 

أفاد الموقع الإيطالي بأن الطلب اليوم على الكوبالت مرتفع للغاية، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر في المستقبل واصفا جمهورية الكونغو الديمقراطية في امتلاكها لهذا المعدن بأنها باتت تشابه السعودية الغنية بمادة النفط. 

وذكر أن احتياطات الدولة الإفريقية من الكوبالت تلبي ما لا يقل عن نصف الاحتياجات العالمية في الوقت الحالي.

ولهذا السبب، وضع كثيرون أنظارهم على المناجم الكونغولية، وهو ما يتجلى في التحركات الأخيرة من قبل البيت الأبيض. 

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن حذر الحكومة الصينية من التدخل في الأعمال الأميركية المتعلقة بمناجم الكونغو.

 يأتي ذلك بعد أنباء استحواذ شركة "موليبدنوم" الصينية على منجم "كيزانفو" الذي كان تحت تصرف شركة "فريبورت-ماكموران" الأميركية العملاقة.

وصف إنسايد أوفر تركيز واشنطن على احتياطيات الكوبالت الكونغولية بأنه "قوي للغاية" وهو ما يؤكده امتلاك أرشيف وزارة الخارجية على تحقيقات ومعلومات تتعلق بألبرت يوما. 

وبحسب الأميركيين، يدير هذا الأخير المناجم في الكونغو كملكية خاصة. كما فتح تحقيقا ضده في الكونغو بتهمة الاستيلاء على مبلغ قدره 8.8 مليارات دولار من عائدات تصدير معدن الكوبالت. 

وقال الموقع إن التحقيق مصيره الفشل نظرا للثقل السياسي والاقتصادي الذي يتمتع به الرجل.

وأعلن الرئيس الكونغولي في 3 ديسمبر/ كانون الأول عن عزل "ألبرت يوما" من منصبه وعين مكانه ألفونس كابوتو كالوبي الذي يواجه حتما مسؤولية جسيمة، خصوصا وأن الكوبالت بات أهم مورد متنازع عليه داخليا وخارجيا.

تداعيات مجتمعية

أردف إنسايد أوفر بأنه إلى جانب الجوانب الاقتصادية والسياسية المتعلقة باستغلال المناجم، هناك جانب آخر يثير المخاوف وهو ذو طبيعة اجتماعية وبيئية. 

وأوضح أن العديد من المنظمات الدولية كانت طيلة سنوات تندد بظروف العمل القاسية لعمال المناجم واستغلال معظمهم دون توفير الحد الأدنى من التدابير الأمنية. 

يستخدم حوالي 100 ألف من عمال مناجم الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية أدوات يدوية لحفر مئات الأقدام، دون تخطيط وإجراءات كبيرة للسلامة، وفق ما يفيد به العمال أنفسهم والمسؤولون الحكوميون والمنظمات غير الحكومية.

من جهته، انتظر ألبرت يوما صدور التقارير من وزارة الخارجية الأميركية ليقدم وعودا بتوفير معدات الحماية من أحذية وخوذ واقية للرأس. 

وواصل الموقع: "في بلد، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يعيش جزء كبير من السكان تحت خط الفقر ولا تتوفر فرص عمل ملموسة، يعد كسب بضعة دولارات في اليوم مصدر جذب للكثيرين". 

وتابع "لذلك توجهوا بالآلاف، خاصة في السنوات العشر الماضية، إلى مناطق التعدين، مما رفع من أعداد العاملين بلا حماية، بينهم أيضا قاصرون". 

قدرت يونيسف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) القوة العاملة بـ 40 ألف طفل، تخلوا عن مقاعد التعليم المدرسي لقضاء أيام كاملة في ظلام المناجم من أجل توفير لقمة عيش لأسرهم.

بجانب التكاليف الاجتماعية، أضاف الموقع بأن الكونغو تدفع أيضا أثمانا على الجبهة البيئية والصحية، في إشارة إلى التلوث الذي تسببه رواسب الكوبالت، فضلا عن تقارير في المناطق المجاورة عن زيادة أعداد المصابين بالسرطان والأمراض الخطيرة.

 كما ربط تحقيق أجرته مجلة "ذي لانست" زيادة التشوهات عند الأطفال حديثي الولادة بالتلوث الصادر عن المناجم. 

كما لدى العديد من النساء الحوامل تركيزات معادن غير موجودة في أي مكان آخر، وترتبط التشوهات أيضا بالأمراض التي أصيب بها الآباء العاملون في هذه الأماكن. 

في الختام، استنكر الموقع الإيطالي بالقول "إن جمهورية الكونغو الديمقراطية، الغنية بالموارد التي لا غنى عنها للمسار الاقتصادي الجديد، تشهد تفاقم مشاكل الأسلاف وتدهور الظروف المعيشية بدلا من الثراء".