تضرر أجيال.. الكويت لا تزال تواجه كوارث بيئية منذ حرق صدام آبار النفط
قالت صحيفة الغارديان البريطانية إنه وبعد 30 عاما من انسحاب القوات العراقية، لا تزال الكويت تعاني تلوثا بيئيا خطيرا بعد عملية انتقامية من نظام الرئيس الراحل صدام حسين.
واندلعت حرب الخليج الثانية في أغسطس/ آب 1990 عندما أمر صدام قواته بالسيطرة على إمدادات النفط في الكويت واستمرت حتى فبراير/ شباط 1991 بتحرير الكويت من قبل تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة وخروج الجيش العراقي من البلاد.
بداية الكارثة
وأوضحت الصحيفة أنه مع انسحاب القوات العراقية، وكعمل انتقامي، أشعلت عمدا النيران في أكثر من 700 بئر نفطي. وبعد ثلاثة عقود لا تزال الكويت تعاني من أضرار كارثية، يعتبرها البعض أسوأ الكوارث البيئية في العالم.
ونقلت عن سميرة عمر عاصم، الدكتورة بمعهد الكويت للأبحاث العلمية، قولها: "ما زال صوت حرائق النفط متدفقا في ذاكرتي. أتذكر رؤية ماعز ميت يغرق في بحيرة نفط".
واحترقت آبار النفط بشكل لا يمكن السيطرة عليه. وامتدت أعمدت الدخان فوقها في البداية لمسافة 800 ميل (1287كلم)، وتدفق 11 مليون برميل من النفط الخام في الخليج، ما أدى إلى ظهور بقعة بطول تسعة أميال (14.5 كلم)، كما تشكلت ما يقرب من 300 بحيرة نفطية في الصحراء.
وكافح تحالف دولي من رجال الإطفاء الحرائق لأشهر حتى تم إغلاق آخر بئر مشتعل في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 1991 واحتفلت الكويت أخيرا تحت سماء صافية، وفق "الغارديان".
واستدركت الصحيفة: "لكن اليوم لا يزال أكثر من 90 بالمئة من التربة الملوثة مكشوفة، كما أن الوصول إلى المواقع الملوثة مقيد، لمخاوف تتعلق بالمتفجرات التي خلفتها القوات العراقية أثناء انسحابها".
تلوث واسع
وأشارت الغارديان إلى أن صور بحث ميداني أجري بين عامي 2012 و2019 تظهر أن التلوث يتخذ أشكالا مختلفة، ويصل في بعض الآبار حاليا إلى عمق أربعة أمتار.
ووقع معظم الضرر في حقول برقان النفطية في الصحراء الجنوبية بالكويت، وتضم أكثر من 100 بحيرة نفطية ملوثة، وفي بحير نفطية معروفة باسم 105 تظهر الصور دوائر بعرض متر من البقع السوداء.
ونقلت الصحيفة عن مشاري المطيري، المستشار البيئي في شركة نفط الكويت، قوله إنه عندما زار البحيرة لأول مرة في 2015، كان قادرا على تجريف التربة لرؤية تدرج اللون البني، كمؤشر على مستويات التلوث. تربة أغمق وأكثر تلوثا في الجزء العلوي، وتتحول إلى لون بيج قرب القاع.
كما رأى بركا ضخمة من الزيت الأسود بما يكفي لإغراق الطيور المهاجرة، وحاليا مع ارتفاع درجات الحرارة، تصلب النفط وأصبح غير قابل للاختراق.
وفي أماكن أخرى من حقول النفط الشمالية في الروضتين وأم العيش، المصدر الوحيد لخزانات المياه العذبة في الكويت، تغطي القشور الظاهرة من بحيرات النفط الجافة التربة الملوثة.
وعلى الرغم من أن المطيري يقول إن الرمال التي تهب عليها الرياح غطت أجزاء من بحيرات النفط في الشمال والجنوب الشرقي، إلا أن المواد الكيميائية الضارة لا تزال موجودة في التربة حتى اليوم.
وأوضح المطيري أنه "لو قررت الكويت معالجة هذا التلوث في عام 1993 أو 1994، لكان الأمر سهلا للغاية. لكن بعد 30 عاما أصبح تحديا كبيرا للغاية".
أضرار التلوث
ونقلت الغارديان عن معهد الكويت للأبحاث العلمية (غير حكومي)، أنه تمت إزالة 2.3 مليون متر مكعب فقط من الرمال الملوثة في عملية تعرف باسم المعالجة، فيما يقدر أن هناك 19 مليون متر مكعب أخرى بحاجة إلى التنظيف.
وعن هذا قالت الدكتورة سميرة عاصم: "يجب معالجة أي تلوث في الأرض أو المياه في أسرع وقت ممكن، تتمتع صحراء الكويت بموارد قيمة يجب حمايتها والحفاظ عليها".
وأضافت أن "التلوث يغير خصائص التربة ويسبب هلاكا واسعا للنباتات والحيوانات، وتسرب بالفعل إلى طبقات المياه الجوفية العذبة شمالي الكويت".
كما نقلت "الغارديان" عن محمد محمود، مدير برنامج المناخ والمياه في معهد الشرق الأوسط للأبحاث (مقره واشنطن) أن الحياة النباتية لم تنتعش بعد حول المواقع الملوثة. وتسبب تعرض النباتات للهيدروكربونات البترولية في إتلافها، بعد أن تعرضت التربة للانسداد بالزيت ما منع وصول الضوء والماء والمغذيات.
ووفق منظمة "غرين لاين" البيئية غير الحكومية في الكويت فإن الحياة البرية المحيطة التي تعيش وتعتمد على الغطاء النباتي الصحراوي أصبحت نادرة بشكل ملحوظ على مر السنين.
وعلى الرغم من أن النظام البيئي سوف يتعافى في نهاية المطاف، كما تقول سارة أكبر، مهندسة البترول الكيميائية الكويتية، إلا أن عديدا من شعب الكويت والكائنات الحية لا تزال تكافح من أجل البقاء بعد 30 عاما.
الجندي الأميركي جيفري هول، الذي تم تجنيده خلال حرب الخليج، أيضا من بين من عانوا من تلف حاد في الرئة بعد استنشاق السموم من الدخان.
ونقلت الغارديان عن هول قوله إن "الطبيب يقول إن الأمر أشبه بأنني كنت أدخن ثلاث علب سجائر كل يوم لمدة ثلاث سنوات".
وتعرض هول للسموم لمدة أسبوع خلال فترة وجوده في الكويت، وهو مصاب بمرض الساركويد الرئوي النادر الذي يستمر مدى الحياة.
جهود المعالجة
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أنه رغم الاعتراف بهذه المخاطر، من قبل الحكومة الكويتية والمجتمعات الدولية، إلا أن ذلك لم يؤد إلى تقدم كبير في جهود المعالجة.
وفي عام 2005، منحت لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة الكويت ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار لمعالجة الضرر البيئي. وخصص الجزء الأكبر من الأموال، لإصلاح 114 كيلومترا مربعا من المواقع المتضررة ودعم جهود إعادة الغطاء النباتي.
لكن وبعد سلسلة من الإجراءات البيروقراطية الطويلة، قامت شركة نفط الكويت، التي تقود العمل، بترسية مناقصتين في عام 2020، ومن المتوقع إصدار ثالث قبل نهاية 2021، لمعالجة حقول النفط في شمال وجنوب شرق البلاد.
وتضمنت خطط المعالجة الأولية دفن التربة الملوثة في مدافن النفايات. لكن المخاوف من تفاقم المشكلة في وقت لاحق دفعت الكويت إلى النظر في مقترحات لاستخدام المعالجة البيولوجية، وهي عملية تستخدم الكائنات الحية الدقيقة لتحليل الهيدروكربونات بشكل طبيعي.
غير أن أبحاثا ميدانية حديثة تظهر أنه نظرا للوجود العالي للهيدروكربونات البترولية وتركيز محتوى الملح في تربة الكويت الملوثة، فقد لا تكون المعالجة البيولوجية فعالة.
وذكرت الصحيفة أن العراق دفع أكثر من 50 مليار دولار كتعويضات في جميع أنحاء العالم عن الخسائر التي تكبدها خلال حرب الخليج. فيما بقي مبلغ 1.7 مليار دولار مستحقا لفائدة للكويت.