تحديات وتخوفات إقليمية ودولية.. ما سر توقيت جولة ابن سلمان الخليجية؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

أجرى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان جولة خليجية في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2021 كان عنوانها الأبرز "الاقتصاد"، جاءت تمهيدا لقمة مرتقبة هي الأولى منذ انتهاء الأزمة الخليجية مطلع 2021.

وأثارت هذه الجولة التي شملت الكويت، وقطر، والبحرين، والإمارات، وسلطنة عمان، تساؤلات كثيرة عن أسبابها وأهدافها، لا سيما مع توقيتها قبل نحو أسبوع من قمة مجلس التعاون الخليجي المزمع تنظيمها بالعاصمة الرياض، في 14 من الشهر نفسه.

واتفقت كل من الرياض وأبوظبي والمنامة إضافة إلى القاهرة في 5 يناير/ كانون الثاني 2021، خلال قمة العُلا بالسعودية، على إعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الدوحة، بعد قطيعة بدأت 5 يونيو/حزيران 2017، بسبب اتهامات بدعم الإرهاب، وهو ما نفته قطر.

"بين قمتين"

وبخصوص توقيت جولة ابن سلمان، قال المحلل السعودي محمد الحربي إن "الزيارة جاءت في وقت مهم، كونها تأتي بين قمتين خليجيتين، الأولى في العلا السعودية، التي انتهت فيها الأزمة الخليجية، والثانية هي قمة الرياض الـ42".

وأضاف الحربي خلال مقابلة تلفزيونية في 7 ديسمبر 2021 أن "الكل الآن يأخذ المبادرات والتفاهمات بطابع ومفهوم إستراتيجي غير تقليدي، والابتعاد عن الإجراءات البيروقراطية، لأن المنطقة تمر بأحداث متسارعة تتطلب تعزيز الشراكة وتحقيق التكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي".

ورأى أن "الزيارة في توقيتها أخذت بعدا اقتصاديا استثماريا سياسيا أمنيا عسكريا، فهي بمثابة انطلاق مرحلة جديدة لدول مجلس التعاون الخليجي، خاصة بعد قمة العلا، ومنطقة الخليج اليوم بحاجة إلى الانتقال من التعاون إلى التكامل".

وأشار الحربي إلى أن "هناك 58 مليون شخص يعيش في منطقة الخليج، التي يصدر منها أكثر من 40 بالمئة من مصادر الطاقة في العالم". 

من جهته، اعتبر الكويتي طارق آل شيخان الشمري، رئيس مجلس العلاقات العربية الدولية "كارنتر" أن الجولة التي سبقت القمة جاءت لإعادة ترتيب البيت الخليجي، وفق الرؤى الجديدة التي تعيشها دول الخليج، "بعد تجربة مريرة لم تحقق التكامل السياسي والاقتصادي والعسكري".

ولفت الشمري في تصريحات صحفية في 11 ديسمبر 2021 إلى أن "الجولة حملت عنوانين؛ العنوان الرئيس هو إعادة تشكيل مفهوم الوحدة الخليجية وفق المعطيات المستقبلية، أما الثاني فهو التركيز على التكامل الاقتصادي مقارنة بالتكامل السياسي".

وأوضح رئيس "كارنتر" أن "تركيز دول الخليج سابقا على التكامل السياسي لم ينجح، وكان أكبر دليل على ذلك الأزمة الخليجية وما تبعها".

أهداف اقتصادية

وراى الشمري أن الجولة تهدف إلى "استبدال أولوية التكامل السياسي بالاقتصادي"، مضيفا أنها "كانت اقتصادية بالدرجة الأولى، وتمثل ذلك في توقيع عدد من الاتفاقيات المهمة التي تحفظ لكل بلد خليجي أمنه واستقراره وارتباطه مع السعودية".

وأشار إلى الاتفاقيات المبرمة ضمن مجالس التنسيق بين السعودية وبقية دول الخليج، التي تم تشكيلها مع الإمارات عام 2016، ومع الكويت في 2018، ومع البحرين 2019، ومع عمان وقطر في 2021.

ونوه الشمري، قائلا: "رأينا كيف دخلت عمان بكل ثقلها في الشراكة الاقتصادية مع المملكة من خلال مجلس التنسيق السعودي العماني، الأمر الذي لم يحدث في السنوات السابقة".

وخلال بيان مشترك، في 7 ديسمبر 2021، أعلنت السعودية وعُمان افتتاح الطريق البري السعودي العماني بطول 725 كيلومترا، ليسهم في التنقل السلس لمواطني البلدين وتكامل سلاسل التوريد.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن صندوق الاستثمارات العامة بالمملكة سوف يستثمر خمسة مليارات دولار في عُمان، وشركات عُمانية وسعودية وقعت 13 مذكرة تفاهم بقيمة 30 مليار دولار.

كما أعلنت وكالة الأنباء البحرينية، في 9 ديسمبر 2021، أن الجهات والصناديق السعودية تستهدف استثمارات بخمسة مليارات دولار في مشاريع تنموية بالبحرين، وذلك عقب زيارة ابن سلمان إلى المنامة.

بينما يعد مجلس التنسيق القطري-السعودي الأحدث وتم توقيع بروتوكول تأسيسه في أغسطس/ آب 2021، ويقول الشمري إنه "يحقق مطالب قطر وأمنها وكل ما تريده".

وفي نفس الاتجاه، قال السعودي أمجد طه، الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات الشرق الأوسط خلال تصريحات صحفية في 11 ديسمبر 2021 إن الاتفاق على الحل الاقتصادي كأحد أهم الحلول لجميع الصراعات في المنطقة، إلى جانب منح الأولوية للحلول السلمية، من أبرز نتائج جولة ابن سلمان.

كما أشار بيان مشترك بين السعودية والكويت في ختام زيارة ابن سلمان في 10 ديسمبر 2021 إلى عزم الجانبين على تعزيز التعاون الاقتصادي في القطاعين العام والخاص ورفع مستوى التبادل التجاري بينهما.

وأكد على تعزيز التعاون في مجالات الصحة والسياحة والأمن الغذائي والتنمية البشرية لاسيما في قطاعي الشباب وتمكين المرأة، إضافة إلى التحول الرقمي والأمن السيبراني.

إعادة تموضع

وفي سياق آخر، تزامنت جولة ابن سلمان مع محادثات جارية في فيينا بين إيران والقوى العالمية لإحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، الذي تنتقده دول الخليج وتقول إنه لا يعالج برنامج طهران الصاروخي ولا يتصدى لسلوكها الإقليمي.

وفي 9 ديسمبر 2021، نقلت صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية عن أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، قوله إن العقوبات الإضافية على إيران "ليست حلا" في المحادثات النووية.

وبينما ينظر إلى الحرب في اليمن على نطاق واسع على أنها حرب بالوكالة بين السعودية وإيران، فإن لطهران علاقات تجارية عميقة مع الإمارات، كما تشاركها قطر أكبر حقل غاز في العالم.

ويضيف الشمري لهذه القائمة سلطة عُمان التي تتبع "سياسة مستقلة تعتبرها خط أحمر لا يمكن تجاوزه". ويفسر ذلك قائلا: "رأينا ذلك في علاقة السلطنة مع اليمن فهي تنادي بوحدة اليمن وتطالب أيضا بأمن المملكة، ونفس الشيء بالنسبة لقطر التي تربطها علاقات لا يمكن التفريط فيها مع إيران".

من جهتها، رأت الكاتبة البحرينية وفاء العم أن "ابن سلمان يسعى للملمة البيت الخليجي، الذي شابته التصدُّعات وعصفت به الخلافات خلال السنوات الماضية، وذلك قُبيل القمة الخليجية؛ لتشكيل موقف موحَّد أو متقارب، عنوانه إعادة التشبيك، سياسيا واقتصاديا".

ورأت العم في مقال نشره موقع "الميادين" اللبناني في 11 ديسمبر 2021 أن "ذلك نتيجة لأسباب عدة، أولها: الملف النووي مع إيران، والذي ما زالت مساراته متعثرة، والذي ستحدِّد بوصلته، بكل تأكيد، اتجاه البوصلة الخليجية، والبوصلة السعودية على وجه الخصوص".

وتابعت: "الرياض، حتى اللحظة، ما زالت تتحرّك في خطوات متثاقلة إزاء الحوار مع إيران، إلى أن تتّضح الصورة بشأن المسارات الدولية. وما لا شك فيه أن نجاح الاتفاق النووي مع إيران سيفرض معطياته على الخليجيين، الأمر الذي يدفع الرياض إلى محاولة تشكيل موقف موحَّد من أجل التعاطي مع هذا الأمر إذا ما صار الاتفاق النووي واقعا".

وأردفت العم قائلة: "عموما، السعودية قوية بتماسك محيطها، وضعيفة بتفكّكه، وهذا الأمر تدركه الرياض، وتحاول تداركه في مرحلة مفصلية، من شأنها أن ترسّخ توازنات جديدة على مستوى المنطقة، وخصوصا في حال التصعيد المحتمَل مع طهران".

وعن سؤال لماذا بدأت الجولة بعُمان؟ أوضحت أن السعودية تولي أهمية خاصة للسلطنة، كونها ما زالت بوابة موثوقا بها للمحادثات مع إيران، ووسيطا فاعلا في التفاوض مع الحوثيين.

"من جانب آخر، هي محاولة لدفع الدبلوماسية العُمانية خطوات تحت المظلة السعودية عبر سياسة ربط المصالح الاقتصادية، إذا ما علمنا بأن عُمان تعاني ضغوطاً ومشاكل اقتصادية كبرى، منها انخفاض احتياطيات النفط وارتفاع الإنفاق العامّ"، بحسب الكاتبة.

ورأت أن الأهمّ من نتائج الزيارة كان الإعلان بشأن "طريق الربع الخالي"، الذي لطالما كان منتظَرا كممرّ اقتصادي تجاري سياحي بين البلدين، ناهيك عن التوقيع على خمس مذكِّرات تفاهم تجارية وإعلامية.

ولفتت العم إلى أن الهدف الثاني من الجولة، يتمثل في ما تفرضه الولايات المتحدة من تحديات، وخصوصا بعد خروج الرئيس السابق دونالد ترامب من المشهد، والانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من الشرق الأوسط، والاتجاه نحو الشرق الأقصى.

وأضافت: وما لا شكّ فيه أن انسحاب واشنطن من أفغانستان أثار مخاوف حقيقية إزاء التزام أميركا بأمنَ الخليج، وهذا ما برح مسؤولون سعوديون يصرّحون به، الأمر الذي يتطلّب من الخليجيين رؤية مشتركة تجاه هذا الأمر بالتوازي مع سياستهم تجاه جارتهم الشرقية، إيران.

وخلصت الكاتبة إلى أنه "ما لا يمكن القفز عليه، ملفُّ الحرب في اليمن، الذي ما زال يستنزف السعودية. وهو ملف يتشابك مع الملفات الأخرى، ويمثّل أولوية الأولويات".