باستغلال ملف الشركس.. هكذا حاولت دويتشه فيله "اغتيال" سمعة تركيا

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

رأت وكالة الأناضول التركية أن وسائل الإعلام الغربية تعمل على زيادة أنشطتها في مناطق جغرافية مختلفة على حساب الهويات العرقية ومن خلال استغلالها. 

أحدث هذه الأنشطة، ما فعله موقع إذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيله" عبر نسخته التركية، من إصدار فيلم وثائقي قصير طوله 12 دقيقة بعنوان "قصة الشركس من القوقاز إلى تركيا".

الفيلم الوثائقي الذي بث في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تضمن مزاعم تقول إن "الشركس تعرضوا في تركيا لممارسات طمست هويتهم، مثيرا ردود فعل كل من يعرف حقيقة الأمر وخاصة تلك الفئة".

وقال المدير العام لوقف القوقاز يوسف تونتش بيليك في مقال نشرته الأناضول: "الشركس أمة تعرضت لعمليات تهجير قسري مؤلمة ارتقت إلى مستوى الإبادة الجماعية في أحداث ارتبطت بتاريخ 21 مايو/أيار 1864".

 وكما هو معروف عند الجميع، كانت الإمبراطورية الروسية هي المسؤولة عن كل ذلك، وفق قوله.

وأضاف: ومع أن جميع شعوب القوقاز ناضلوا نضالا شريفا استمر عدة قرون، فإنه لم يكن من الممكن الوقوف بوجه الإمبراطورية الروسية أكثر من ذلك.

وكان الشركس أكثر من دفع ثمن هذه الحروب الضارية من بين باقي شعوب القوقاز.

على الناحية الأخرى، كانت الإمبراطورية العثمانية تحتضن جميع المهاجرين وتدعمهم ماليا ونفسيا لضمان استقرارهم في أراض جديدة في منطقة الأناضول بصفتها أكبر دولة مسلمة حينذاك. 

وقد استمر هذا حتى في عهد الجمهورية بعد الحربين العالميتين، فحينها أيضا احتضنت تركيا المهاجرين القادمين من القوقاز في مجموعات صغيرة، بحسب الكاتب.

صحافة موجهة

وكنتيجة لكل حركات الهجرة هذه، استوطنت غالبية الشركس تركيا وتمكنوا من إعادة تأسيس حيواتهم هنا. ولعب الشركس دورا نشطا في تأسيس الجمهورية التركية. 

ولم يعقهم عائق من تولي مناصب إدارية وعسكرية سواء كان ذلك في الإمبراطورية العثمانية أو جمهورية تركيا الحديثة، وفقا للكاتب التركي. 

ومع أنه يمكن تقييم ارتقاء الشركس في المناصب المهمة في تركيا كنوع من التمييز الإيجابي لصالحهم، فإن مؤسسة دويتشه فيله الإعلامية لم تكن لتنظر على الأمر من هذه الناحية. 

بل هي ترغب أن تصنف الشركس كأقلية ذات مطالب عرقية تعارض الدولة، مع أن الحقيقة ليست كذلك البتة، يقول الكاتب.

وأوضح ذلك بالقول: من الملاحظ أنه جرى التأكيد على الكلمات مثل "طمس الهوية" و"اللغة الأم" و"الشتات" مرارا وتكرارا أكثر من حديث الشركس أنفسهم في الوثائقي المذكور. 

وبدا كما وكأن الشركس غير راضين عن سير حياتهم في تركيا، ليبرز هذا العمل كأحدث الأمثلة على الصحافة الموجهة والعملياتية.

ويتضح الأمر أكثر عند النظر في التطورات الإيجابية المتعلقة بالشركس في تركيا خلال السنوات العشرين الماضية.

 ففي عام 2004، بدأت قناة تي آر تي التركية (مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الحكومية) بثها باللغة الشركسية.

 أما في عام 2012-2013 الدراسي، فقد أتيحت دراسة العديد من اللغات كدروس اختيارية في المدارس من بينها اللغات القوقازية. 

وحاليا، الأمر مفتوح لدراسة لغات الأديغية والأباظية والجورجية التي يتحدث بها القوقازيون. 

في هذا الإطار، جرى افتتاح أقسام للغات والثقافات القوقازية في جامعات مختلفة في تركيا، لكن الوثائقي لم يذكر أيا من هذا للأسف الشديد، يلفت الكاتب.

وأضاف: على عكس الحال في تركيا، هناك ممارسات لتقييد وحصر فرص تعلم اللغات المحلية والبث التلفزيوني بها شيئا فشيئا في منطقة القوقاز بتأثير من روسيا. 

لذلك، لا تزال حركة الهجرة مستمرة إلى تركيا لأسباب دينية واقتصادية من مناطق أديغيا وقره تشاي - شركيسيا وكباردينو - بلقاريا، حيث يعيش غالبية الشركس.

ومع أنه من الصعب إعطاء أرقام محددة بسبب عدم وجود إحصائيات موثوقة تتعلق بأعداد المهاجرين منهم في الفترة الأخيرة، فإن حركة الهجرة لا تزال مستمرة. 

إذ يفضل الشركس العيش في تركيا بدلا من روسيا. وبما أن الأمر بهذا الشكل، لماذا قد يرغب أحدهم في العيش في مكان يعلم أنه سيتعرض فيه لطمس هويته وثقافته؟ يتساءل الكاتب مستنكرا.

ويؤكد: يعرف عن ألمانيا التي تحتضن دويتشه فيله، أنها تنفذ سياسات لمحو هوية المجتمعات الأجنبية تحت مسمى "الاندماج". 

وعند النظر فيما تفعله ألمانيا من منع الطلاب الأتراك من التحدث بالتركية حتى في أوقات الفسح المدرسية في بعض المدارس، بذريعة أنه سيعرقل عملية الاندماج والتوافق، سيظهر مدى تحيز أخبار دويتشه فيله الدعائية، واضحا للعيان.

اختيار التوقيت

وفيما يتعلق بتوقيت عرض الوثائقي، فهو لغز كبير، وإن كان ربما يرتبط بحقيقة تولي جيم أوزديمير منصب وزير في الحكومة الألمانية الجديدة، خاصة وأنه معروف بتصريحاته المعادية لتركيا والتي يؤكد فيها على أصله الشركسي بين الحين والآخر.

وأردف: أو قد يكون مرتبطا بمنظمة "KAFFED" التي تعتبر نفسها مظلة الجمعيات القوقازية في تركيا، التي دخلت في عملية انتخاب الهيئة العامة فيها في نفس يوم عرض الوثائقي في أنقرة. 

وعلى ما يبدو، أرادت دويتشه فيله اغتيال سمعة تركيا من خلال ملف الشركس، وإن كانت- بالحكم على ردود الفعل- فشلت في ذلك فشلا ذريعا، وفق تقدير الكاتب.

وشرح بالقول: لم يمض وقت طويل على عرض الفيلم الوثائقي، حتى شعر الشركس في تركيا بمحاولة دويتشه فيله لاستفزازهم.

كما أعربوا عن اعتراضهم ورفضهم ما جاء في الوثائقي على وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب الكاتب.

 أما المنظمات القوقازية فقد أدلت بالعديد من التصريحات والبيانات التوعوية إثر تضخم الحدث.

ويقول ذوو الأصول القوقازية الذين يعيشون في تركيا إن الشركس مواطنون من الدرجة الأولى ولا يخضعون لأي تمييز.

ويوضحون بحسب الكاتب، أنه جرت حماية هويتهم وثقافتهم من خلال الإصلاحات الديمقراطية في السنوات الأخيرة، وأن استخدام مصطلح "طمس الهوية" غير صحيح، وأن ألمانيا يجب أن تواجه تاريخها أولا. 

وأضاف الكاتب: أخيرا، يجب التأكيد على أن الشركس الذين أصبحوا جزءا لا يتجزأ من تركيا، ليس لديهم أي مطالب تتعلق بهم كأقلية بالطريقة التي تحلم بها دويتشه فيله. 

فلا يعتقد الشركس في تركيا، بل وجميع القوقازيين أنهم تعرضوا لطمس في هويتهم أو ثقافتهم. ومن الممكن ملاحظة ذلك بسهولة في التعليقات المكتوبة حول الفيلم الوثائقي عبر شبكة الإنترنت.

وختم تونتش بيليك مقاله بأن "الشركس يتبوؤون مناصب وأعمالا مختلفة سواء كان ذلك كمدرسين أو جنود أو شرطيين أو أكاديميين أو عمال أو تجار، مثل جميع المواطنين في تركيا". 

وقال: هم يتمتعون بجميع الحقوق الديمقراطية في تركيا، ويدركون جيدا من هم المسؤولون الحقيقيون عن معاناتهم التاريخية، وقادرون كذلك على إدراك التلاعبات والتدخلات السياسية التي تتم باستخدام ملفهم.

 وفي محاولة دويتشه فيله الأخيرة تأكيد على هذه الحقيقة، يخلص الكاتب.