ليست للتقارب الرياضي فقط.. ما تأثير بطولة كأس العرب على قطر والمنطقة؟
.jpg)
بعد غياب دام تسع سنوات عادت بطولة كأس العرب مجددا، لتنطلق النسخة العاشرة منها بمشاركة 16 منتخبا عربيا ظهر 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، في قطر، وسط أجواء سياسية عربية يحيط بها التوتر والصراع.
وبعد عقد ساخن شهد خلافات وصراعات وثورات وحروبا وأزمات سياسية عربية توقفت فيها البطولة؛ تستضيفها قطر تحت مظلة الاتحاد الدولي "فيفا" للمرة الأولى.
وتعتبر البطولة بمثابة "بروفة" لكأس العالم المقررة في الملاعب القطرية عام 2022.
ومن الدول العربية الإفريقية تشارك ستة منتخبات هي مصر والسودان والمغرب والجزائر وتونس وموريتانيا، بينما تواجدت 10 منتخبات عربية آسيوية هي قطر والعراق، الأكثر تتويجا بالبطولة، والسعودية والإمارات والبحرين وعمان وفلسطين وسوريا ولبنان والأردن.
أهمية تلك البطولة تتمثل في عدة نقاط أنها بداية لاستعادة التقارب الرياضي العربي بعد انقطاع منذ النسخة الأخيرة عام 2012 في السعودية.
وهي الأولى التي تقام برعاية الاتحاد الدولي لكرة القدم، وليس الاتحاد العربي، إذ نجحت الدوحة في الحصول على رعاية "فيفا"، لكأس العرب.
كما أن البطولة تضم لأول مرة معظم الدول العربية، إذ أعلن عنها "فيفا" رسميا في مارس/آذار 2021، وبدأت مباريات تصفياتها الأولية بين 23 دولة في يونيو/حزيران.
ليلة عربية خالصة
رئيس "فيفا" جياني إنفانتينو وصف النسخة العاشرة من كأس العرب بأنها "ستكون مميزة واستثنائية"، مضيفا أنها "ستستخدم للعمل على توحيد العالم العربي".
وأضاف قبيل حفل الافتتاح: "كل شيء جاهز في قطر لاستضافة كأسي العرب والعالم، والأهم هو الاحتفاء بالوحدة والأخوة العربية وأيضا الاحتفال بكرة القدم التي ستهيئ المشهد لما سيكون أفضل كأس عالم".
الافتتاح الذي حضره أمير قطر تميم بن حمد والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وإنفانتينو الذي تحدث باللغة العربية، بجانب سفراء من الدول المشاركة كافة؛ تميز بطابع تراثي عربي خالص مستعرضا تاريخ المنطقة العربية ومستخدما التكنولوجيا الحديثة.
وفي كلمته في افتتاح البطولة ألمح أمير قطر إلى أن البطولة "تهدف لتقوية أواصر الأخوة والصداقة بين شعوبنا الشقيقة".
باسمي وباسم الشعب القطري أرحب كل الترحيب بكل العرب في دوحة العرب، متمنياً لهم الاستمتاع بهذه البطولة الكروية العربية الفريدة والتي تهدف لتقوية أواصر الأخوة والصداقة بين شعوبنا الشقيقة، راجياً التوفيق لكل الفرق المشاركة. #مونديال_العرب #FIFArabCup
— تميم بن حمد (@TamimBinHamad) November 30, 2021
وجاء كأس العرب منحوتا من الذهب الخالص منقوشا عليه خريطة الوطن العربي واسم البطولة باللغة العربية.
وفاجأت قنوات "بي إن سبورت" القطرية صاحبة الحق الحصري لنقل البطولة الشعوب العربية بإذاعة جميع المباريات مجانا لكل الدول العربية في لفتة أثارت إعجاب متابعي الحدث.
وفي مشهد آخر يوحي بأن كأس العرب يوحد شعوبه، جرى عزف الأناشيد الوطنية لجميع الدول العربية المشاركة بالتزامن مع عرض أعلامها على أرض استاد البيت، مكان الافتتاح بالعاصمة الدوحة، ما أثار ردود فعل إيجابية لدى المتابعين.
وشهد النشيد الوطني الفلسطيني تفاعلا كبيرا من الحضور، ما يكشف عن تعلق الشعوب العربية بتلك القضية رغم موجات التطبيع العربي الأخيرة مع الكيان الإسرائيلي.
وأشار متابعون إلى أن غناء المقطع: "فدائي فدائي ياأرضي ياأرض الجدود.. فدائي فدائي يا شعبي يا شعب الخلود أعاد الحنين لأن نكون أمة واحدة موحدة".
فدائي فدائي ياارضي ياارض الجدود..
— maya rahhal (@Memyrahhal77) November 30, 2021
فدائي فدأئي ياشعبي ياشعب
الخلود...
ماأجمل أن تسمع النشيد الفلسطيني في كأس العرب..
مقدمه ومشهد أكثر من رائع
كأس العرب وحدت العرب... #فلسطين#قطر#كاس_العرب pic.twitter.com/mhLKH5OQNg
تأثير البطولة الإيجابي على مشاعر العرب بدا لافتا ليأكل من رصيد السجال الإعلامي والصراع السياسي الذي صنعته الأنظمة العربية طوال عقد كامل.
ففي خطوة غير معهودة، أشادت الصحف المصرية بحفل افتتاح البطولة ووصفه موقع "صدى البلد" المحلي الذي طالما انتقد دولة قطر بأنه "مبهر"، واستعداد جيد وبروفة لكأس العالم 2022.
وهنا أكد الكاتب الصحفي سيد الجعفري أن أولى رسائل البطولة العربية كانت التأكيد على أن "فلسطين ستظل قلب الأمة العربية النابض مهما تعاقبت السنون، وجرى قطار التطبيع".
وأضاف عبر "فيسبوك" أن الرسالة الثانية التي تضمنتها الفقرة الساحرة للأناشيد الوطنية تخص مصر، معربا عن سعادته بمجيء النشيد المصري عقب القطري مباشرة.
وبين أن قطر بهذا أكدت احترامها مكانة مصر رغم بقايا الخلاف السياسي، معتبرا أن الدوحة أرسلت رسالة للإعلام المصري الذي سبق وتطاول عليها بمباركة النظام ضمن ما عرف بأزمة الخليج.
أجواء غائمة
وتقام البطولة في ظل أجواء عربية أقل سخونة سياسية عن الأعوام السابقة، وإن لم تنته بشكل نهائي المواقف العربية المتباينة.
وبقيت في الكواليس خيوط صراع لم ينته رغم ما أحدثته قمة "العلا" بالسعودية مطلع 2021، من مصالحة خليجية مع قطر، بعد مقاطعة رباعية لها منذ منتصف 2017.
ورغم ذلك، تشهد العلاقات العربية أزمات عديدة بينها ما يجرى بين لبنان ودول الخليج خاصة السعودية على خلفية انتقاد وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021، دور الرياض وأبوظبي في حرب اليمن.
كما تشهد العلاقات الجزائرية المغربية تأزما كبيرا وصل قمته بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 24 أغسطس/آب 2021.
زاد الموقف تأزما بتوقيع المغرب اتفاقا أمنيا غير مسبوق مع إسرائيل 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بعد زيارة مثيرة للجدل من وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس للرباط.
ورغم هدوء الأجواء وتراجع حدة المواقف السياسية، فإن علاقات قطر والإمارات ما زالت تحت نيران خامدة، حيث لم تعد إلى سابق عهدها كما حدث مع السعودية بعد أزمة القطيعة عام 2017.
وأيضا، تتصارع السعودية والإمارات بشكل كبير على كعكة الاقتصاد وعلى استقدام الشركات العالمية.
وكذلك الصراع الكامن بينهما في اليمن، وأيضا الخلاف بشأن وضع سوريا وسط تقارب إماراتي من دمشق وغضب سعودي من هذه الخطوة.
وبرغم ما حققته العلاقات المصرية القطرية من خطوات أزالت السجال والتلاسن الإعلامي فإنها لم تحقق النجاح المطلوب حتى الآن.
ويجرى ذلك رغم تصريحات إيجابية من الطرفين ولقاءات على أعلى مستوى بين رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي وأمير قطر بالعاصمة العراقية بغداد 29 أغسطس/آب 2021، وفي قمة "غلاسكو" للمناخ بأسكتلندا مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وخلف الكواليس؛ يثار الحديث عن عدم توافق مصري إماراتي رغم سنوات الوئام بين القاهرة وأبوظبي منذ منتصف 2013.
إذ يجرى الحديث عن دعم إماراتي للحكومة الاتحادية في إثيوبيا بمواجهة قوات عرقية التيغراي، على غير رغبة القاهرة والخرطوم اللتين تواجهان أزمة حول مياه النيل مع أديس أبابا.
وهو الحديث الذي أشار إليه موقع "المونيتور" الأميركي عبر تقرير رصد فيه دعم الإمارات لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وتداعيات ذلك على العلاقات مع مصر.
واتهم المتحدث باسم جبهة تحرير "تيغراي" جيتاشيو رضا، في 15 نوفمبر/تشرين الثاني، أبوظبي بدعم آبي أحمد بطائرات مسيرة تنطلق من القاعدة العسكرية الإماراتية بمدينة عصب الإريترية.
وفي ملف آخر، يعيش الشعب الفلسطيني أشد محنة مع ما أقدمت عليه الإمارات والبحرين والسودان والمغرب خلال 2020، من اتفاقيات تطبيع مع الكيان المحتل، وبخاصة ما عقدته أبوظبي والرباط أخيرا من اتفاقيات اقتصادية وأمنية مثيرة للجدل.
وتعيش بلدان الربيع العربي تونس وسوريا وليبيا واليمن، أزمات سياسية واقتصادية وصراعات داخلية.
وبينما تقدمت تونس خطوات ديمقراطية، تعثرت مجددا بانقلاب ناعم قاده الرئيس قيس سعيد على الحكومة والبرلمان في 25 يوليو/تموز 2021، فيما تعيش ليبيا على أمل عقد انتخابات في ديسمبر/كانون الأول 2021، قد تخرجها من أزماتها الداخلية.
دور الرياضة
مع تلك الأجواء الغائمة وذلك المشهد العربي المعقد والمرتبك سياسيا واقتصاديا والعلاقات البينية المهترئة والمتوترة؛ يثار التساؤل بشأن دور بطولة كأس العرب هذه في إذابة بعض تلك الصراعات واستعادة قليل من الوئام العربي.
مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات الباحث محمد حامد، قال: "لا أعتقد أن تذيب بطولة كأس العرب تلك الصراعات العربية، أو أن يفعل لاعبو كرة القدم ما عجز عنه السياسيون العرب".
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "الحدث في الأساس رياضي وأهميته تأتي في أن المنطقة العربية بحاجة ماسة لمثل هذه الأحداث الجماهيرية التي تزيد من الشعور الوطني وتبعث على فرحة المواطن العربي".
ولفت إلى أن تأثير الأحداث الرياضية على الواقع السياسي العربي يكاد يكون محدودا، ملمحا إلى أن البطولات الرياضية تجرى بعيدا عن الكثير من الصخب السياسي.
الباحث المصري استشهد بأن "بطولة خليجي 24، أقيمت في الدوحة 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، في ظل الأزمة الخليجية، ولم يكن هناك مشكلة في التقاء الفرق الرياضية رغم ما كان من خلاف سياسي".
لكن حامد، عاد ليؤكد على أن "ما حدث في حفل افتتاح بطولة كأس العرب في الدوحة كان أمرا جيدا، ونال إشادات عربية عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
وختم أن "الأزمات العربية؛ تبقى كما هي، ولكن في أوج أزماتنا تلك نحتاج إلى صناعة بعض أحداث البهجة والسعادة للمواطن العربي وبينها البطولات الرياضية".
في رؤيته للمشهد العربي واحتمالات تأثير كأس العرب عليه أكد مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية ممدوح المنير، أن "الأنظمة العربية تستخدم الرياضة كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية تعمق الخلافات ولا تتجاوزها".
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "المشهد الحالي، تتصدره قوى الثورة المضادة التي نجحت في تقليم أظافر الربيع العربي ونجحت في إعادته إلى حظيرة الديكتاتورية" .
وأوضح أنه "بتواطؤ غربي اعتبر أن الثورات العربية والحرية التي نتجت عنها هي تهديد لمصالحها في الشرق الأوسط".
وتابع: "فهم (الدول الغربية) يفضلون التعامل مع زعماء طغاة يمكنهم التأثير عليهم عوضا عن مؤسسات منتخبة ديمقراطيا تراعي مصالح شعوبها في المقام الأول" .
ولهذا "لا يمكن الوصول إلى صفر مشكلات عربية، فهذا لا يحدث حتى في الأنظمة الديمقراطية، فالمصالح حين تتعارض تبدأ المشكلات في الظهور، وهنا يضعف تأثير أي حدث رياضي".
وتابع: "لكن حتى لو كان الهدف هو تقليل هوة الخلافات وليس تصفيرها فهذا يقتضي وجود أنظمة تعبر عن إرادة الشعوب وتراعي مصالحها".
وبالتالي يمكن حينها البحث عن التقارب العربي، ولكنه سيظل هدفا بعيد المنال في ظل وجود الأنظمة العربية بتركيبتها الحالية، بحسب تقديره.