سحب قانون "الكسب غير المشروع".. كيف يمهد أخنوش طريق الفساد في المغرب؟
في وقت كان الرأي العام المغربي ينتظر المصادقة على مشروع القانون الجنائي الذي يضم مادة عن "تجريم الإثراء غير المشروع"، تفاجأ بسحب الحكومة الجديدة برئاسة عزيز أخنوش للمشروع، في أسرع قراراتها منذ تعيينها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
مشروع القانون الذي عمر طويلا في ردهات البرلمان، كان بانتظار المصادقة منذ عام 2016، لتعزيز منظومة مكافحة الكسب غير المشروع ومحاسبة الفاسدين.
وهذه المنظومة سجلت "تدهورا" في مؤشراتها، حسب تقرير "الهيئة الوطنية للنزاهة" الصادر في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وكان حزب التجمع الوطني بقيادة رجل الأعمال الثري أخنوش، من أبرز معارضي المصادقة على القانون في البرلمان السابق، وأثار سحب حزبه المشروع، عندما قاد الائتلاف الحكومي الحالي، تساؤلات حول طبيعة الخطوة وتداعياتها.
ثلاجة الانتظار
تعود فصول هذا المشروع المثير للجدل إلى يونيو/حزيران 2016، حين طرحت الحكومة السابقة برئاسة عبد الإله بنكيران مشروعا لتعديل "القانون الجنائي".
ونص التعديل على عدة مواد منها "تجريم الإثراء (الكسب) غير المشروع"، دون مصادقة البرلمان عليه منذ ذلك التاريخ، لتسحبه الحكومة الحالية في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
ويقصد بـ"الإثراء غير المشروع" الزيادة غير المبررة للذمة المالية للشخص الملزم بالتصريح الإجباري للممتلكات أو ذمة أولاده القاصرين مقارنة مع مصادر دخله المشروعة دون إثبات المصدر المشروع لتلك الزيادة.
وعلى خلفية أصداء الخطوة، أكدت حكومة أخنوش في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 عدم نيتها التراجع عن بنود "تجريم الإثراء غير المشروع".
.
وقال المتحدث باسم الحكومة مصطفى بايتاس ردا على سؤال حول الموضوع في مؤتمر صحفي بالقول : "لا نية للحكومة بالتراجع عن مقتضى تجريم الإثراء غير المشروع".
وأضاف: "القانون الجنائي تم إيداعه في مجلس النواب منذ 2016، ومنذ ذلك الوقت إلى 2020 شهدنا حكومتين (برئاسة بنكيران وسعد الدين العثماني)، ووقعت متغيرات كثيرة".
ولفت إلى أن "هناك ما بين 20 و50 مقتضى (مادة) يجب تعديلها وليس مادتان فقط، وقد يصل العدد إلى 50، يتضمنهم القانون الجنائي".
وأوضح أن "هذا القانون سيعرف نقاشا وطنيا قبل إحالته مجددا إلى البرلمان"، دون تحديد موعد لذلك.
لكن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية (معارض) في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعربت عن استغرابها الشديد لـ"اختيار الحكومة سحب مشروع هذا القانون بالذات، ما ينذر بالتراجع عن التزام البلاد بمحاربة الفساد".
ونبهت لـ"الهوة الكبيرة بين ما ضمنته الحكومة في قانون المالية من مقتضيات وإجراءات من جهة، والوعود الكبيرة التي حملها البرنامج الحكومي وتعهدت بها أحزاب الحكومة (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال) في برامجها الانتخابية من جهة أخرى".
وفي مارس/ آذار 2020، قال رئيس الحكومة آنذاك سعد الدين العثماني، إن حزبه (العدالة والتنمية) "لن يغير موقفه من تجريم الإثراء غير المشروع، فعدم المصادقة على مشروع ظل في البرلمان لمدة أربع سنوات يوحي وكأن الإرادة السياسية غير متوفرة (لدى باقي الفرقاء السياسيين)".
نزيف الفساد
الباحث السياسي محمد أمين الإدريسي، أشار إلى أن "مشروع القانون كان مثار جدل سياسي وقانوني بين أطراف الائتلاف الحكومي السابق وأيضا المعارضة، ولعل جزءا من هذا النقاش أثاره علانية في أكثر من مناسبة وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد".
وأضاف لـ"الاستقلال": "الرميد يرى أن الغرض من الامتناع عن مناقشة والتصويت على القانون الجنائي برمته ليس كما كان يشاع الخلاف حول الحريات الفردية، إنما المادة المتعلقة بالإثراء غير المشروع".
وأوضح الإدريسي أن "الأطراف التي كانت تعارض إدراج هذه المادة في القانون الجنائي لما تولت الحكومة سحبت المشروع عموما بمبرر أنها ستعيد النظر في مجموعة من المواد وليس فقط الإثراء المشروع، لكن سؤال لماذا سحبته الحكومة يبقى مباحا".
وأكد أن "التخوف من هذا السحب يبقى مشروعا، لأن الذين يتزعمون الحكومة الحالية كان لهم موقف معارض من هذه المادة خلال الائتلاف السابق، ولهذا تأخرت مناقشته والتصويت على القانون الجنائي، نظرا للخلاف السياسي في مجموعة من القضايا أبرزها، مادة الإثراء غير المشروع".
واستدرك: "قد يكون من التسرع الحكم النهائي على القرار، لحد الآن الحكومة الحالية لم تعرض مشروع القانون بعد التعديل حتى نرى إن كانت أبقت على هذه المادة أو أزالتها أو عدلت عليها، لكن من الناحية السياسية هذا المعطى يبقى محسوبا ضد الأغلبية الحالية، نظرا لمواقفهم السابقة منه".
من جانبها، قالت الناشطة مايسة سلامة الناجي إن "مشروع القانون هذا، تم سحبه من البرلمان بطلب من باطرون (رئيس) حكومة المازوط (البنزين)، أخنوش، ورميه في مزبلة دولة الحق والقانون".
وذكرت أن " المغاربة كانوا ينتظرون المصادقة على قانون تجريم الإثراء غير المشروع وتفعيله منذ 2016؛ للتحقق من مصادر أموال وممتلكات الأثرياء ومتابعة جامعيها بطريقة غير قانونية واستردادها".
وأيضا من أجل "إيقاف نزيف الفساد المالي الذي يكلف الخزينة أكثر من 50 مليار درهم سنويا (نحو 6 مليارات دولار).
وأشارت إلى أن "المشروع تم سحبه في صمت مطبق للصحافة التي أصبحت متخصصة في اللقاح والسياسة الخارجية وعين ميكة (التجاهل) عن الغلاء الفاحش الذي طال أساسيات العيش".
واعتبرت الخطوة "وأدا لكل وعود الإصلاح الملغومة، هذه هي الدولة الاجتماعية برئاسة أغنى أغنياء إفريقيا (في إشارة إلى أخنوش)".
تضييق الخناق
فيما أوضح الباحث الأكاديمي أحمد لبراهمي أن "مشروع القانون يتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، ويتضمن مادة حول تجريم الإثراء غير المشروع، ويضع عقوبة لذلك، الحبس خمس سنوات مع مصادرة كل ممتلكات الموظف الذي ثبت في حقه ذلك".
وأوضح في تدوينة عبر فيسبوك أن "مشروع القانون أثار جدلا كبيرا إبان تقديمه كمقترح قانون، وأثار جدلا أوسع خلال عرضه على البرلمان، وأثار مع ذلك حفيظة عدد مهم من المسؤولين الفاعلين ضمن الجهاز التشريعي خلال الولاية الحكومية السابقة، ما دفع إلى تقزيمه بعدد من التعديلات".
وتساءل عن خطوة أخنوش: "هل هناك ما يبررها؟ أم أن السؤال حول مشروعية الإثراء من عدمها ضمن مبدأ الحكامة الجيدة غير وارد في فلسفة الحكومة الجديدة؟!".
وفي جواب على سؤال لبراهمي، قال الإدريسي: "هناك تخوفات من الحقوقيين والنشطاء الذين يدعون إلى الشفافية ربط المسؤولية بالمحاسبة، من أن الحاضنة السياسية للحكومة جزء كبير منها تزاوج المال بالسياسة، لأن هناك مجموعة من المسؤولين لديهم مشاريع اقتصادية خاصة وضخمة، وهذا أحد مداخل الإثراء غير المشروع".
وزاد: "ربما هذا التخوف من المحاسبة نابع من إجراءات قد تكشف عما يقدم عليه بعض المسؤولين بالتحايل على القانون، والاستفادة من الصفقات والبرامج العمومية عبر تمريرها للمقربين أو لشركات خاصة لهم فيها نسب من الأرباح".
وأضاف الإدريسي لـ"الاستقلال" أنه "في حال السحب النهائي لهذا المشروع، ستكون رسالة سياسية شديدة الوضوح من أن اتجاه الحكومة الحالية نحو تخليق الحياة السياسية وربط المحاسبة والمسؤولية غير قائمة وغير جادة، وأنها تقف على النقيض منه عمليا".
من جانبه، اعتبر البرلماني السابق رضا بوكمازي، في تدوينة على فيسبوك، أن "هذا السحب يؤكد الرغبة الواضحة في عرقلة خروج هذا المقتضى القانوني الذي من شأنه تضييق الخناق على الفساد، ويفسر بشكل واضح الأسباب الكامنة وراء عدم قبول عرضه على المصادقة خلال المرحلة السابقة".
وأضاف: "يؤكد سحب مشروع القانون رغبة منظومة الفساد في الإثراء والاغتناء على حساب ممارسة السياسة ومواقع المسؤولية، عموما المغرب يستحق الأحسن، وواضح أن الأحسن خلال هذه المرحلة هو المزيد من التمكين للفساد ومنظومة المصالح".