مكاسب مادية خاصة.. كيف يضاعف فساد "الداخلية" أعداد المعتقلين في مصر؟

12

طباعة

مشاركة

رغم عدم وجود مظاهرات معارضة أو أحداث كبيرة تستدعي تدخلا أمنيا، إلا أن مراقبين يلاحظون استمرار الاعتقالات بالشارع المصري وحتى انتقالها إلى بعض أنصار رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.

وتجرى في الريف المصري بشكل خاص حملات اعتقال متواصلة بحق أنصار جماعة الإخوان المسلمين، لكنها طالت أخيرا شخصيات ليست لها انتماءات سياسية ولا تتصل بالتيارات الثورية أو الإسلام السياسي، ما أثار تساؤلات حول أسباب ذلك التوجه من الأمن المصري.

وأرجع مصدر أمني وآخر بالإخوان المسلمين المحظورة في مصر سبب ذلك إلى حجم الاستفادة المادية الكبيرة التي تعود على ضباط جهاز "الأمن الوطني" وأفراده من حملات الاعتقال التي لا تنتهي.

و"الأمن الوطني" هو الاسم الجديد لجهاز أمن الدولة بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وهو الأكثر فسادا وإجراما بوزارة الداخلية المصرية.

بدل مخاطر

مصدر بالإخوان المسلمين أكد لـ"الاستقلال"، مفضلا عدم ذكر اسمه أن "هذه الحالة مثيرة للجدل منذ فترة غير قصيرة".

وأشار إلى اعتقال كثيرين من غير ذوي الانتماءات الأيدولوجية، ذاكرا شخصين جرى اعتقالهما رغم أنهما مناوئان للإخوان المسلمين ومن أنصار النظام العسكري الحاكم.

وقال إن قوات الأمن في محافظة الشرقية (شمالا) على سبيل المثال بعد أن اعتقلت أغلب قيادات وأعضاء وأنصار الإخوان، بدأت في التفتيش في دفاترها القديمة.

فقبضت على كل من جرى اعتقاله مسبقا ثم أُفرج عنه، حتى لو كان من أنصار النظام العسكري.

وأوضح أن الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية اعتقل في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، المدرس ناصر حبيب، (54 عاما) للمرة الثانية رغم أنه عضو بحزب "حماة وطن" الموالي للنظام.

وحبيب يشارك بكل فعاليات الحزب ويدعم النظام بشدة، وقدم كل فروض الولاء والطاعة للأمن الوطني بمركز شرطة منيا القمح، وفق المصدر.

ومن نفس المنطقة، اعتقل الشاب علي سليم، (30 عاما)، للمرة الثانية رغم أنه كان من رافضي حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، ومن أشد داعمي نظام السيسي.

وأكد المصدر أن هناك آخرين كثيرين مثل حبيب وسليم.

 وبسؤال أحد ضباط الشرطة المصرية من خارج جهاز الأمن الوطني، تبين أن "السبب وراء ذلك مادي فقط، يتمثل بأن ضباط الأمن الوطني يحصلون على مبلغ 2000 جنيه نحو (127 دولارا) مع كل حملة أمنية لاعتقال أحد الأفراد".

"وذلك تحت بند بدل مخاطر، كما يحصل جميع أفراد القوة على مبالغ أقل"، يضيف الضابط لـ"الاستقلال"، مفضلا عدم ذكر اسمه لدواع أمنية.

ولفت الضابط إلى أن "ما يحصل عليه ضابط الأمن الوطني برتبة ملازم أول حتى نقيب لا يتعدى 10 آلاف جنيه (نحو 635 دولار)، وبالتالي فإن تلك الحملات تمثل له فرصة لمضاعفة دخله الشهري".

وفي ذات الوقت يظهر أمام رؤسائه بصورة أفضل فيحصل على التقدير والترقيات.

 وأكد أن الأمر لا يعني ضابط الأمن الوطني إن كان من جرى اعتقاله أو مداهمة بيته من الخطرين على الأمن أو له انتماء سياسي أم أنه فرد عادي.

بل الأهم لديه هو تسجيل خروج حملة أمنية على الأقل مرتين كل أسبوع، ليحصل على بدل المخاطر.

تلفيق وسرقة

وفي تعليقه على تلك المفارقة، قال الحقوقي المصري خلف بيومي إن "النظام يعتمد على عدة أذرع لتحجيم المعارضة واستهداف كوادرها، حتى لا يكون هناك صوت مناهض له أو كاشف لجرائمه".

وأضاف لـ"الاستقلال" أنه "وفي سبيل ذلك تفتح الدولة خزائنها للقضاة والجيش والشرطة لشراء ولائهم؛ ولأن البيئة فاسدة فلا تتعجب أن تجد أن هذه الأذرع تسلك كل سبيل قانوني وغير قانوني لمضاعفة المال".

وأكد أنه "من هنا لجأ مئات من القضاة وأعضاء النيابة ورجال الشرطة لتأليف وتلفيق القضايا حتى يتسنى لهم الحصول على مكافآت وعلاوات نظير الجهد المبذول".

وإلى جانب بدل المخاطر البالغ 2000 جنيه، رأى مراقبون أن غنائم الحملات الليلية على منازل أنصار الإخوان المسلمين كبيرة ومتنوعة.

ورصدت "الاستقلال" عشرات الحالات لأسر معتقلين اقتحم الأمن الوطني منازلهم، وفي تلك الأثناء يجرى تفتيش كل شبر في البيت ليكتشف الأهالي بعد انتهاء المداهمة أنهم تعرضوا لعملية سطو علني ولا يمكنهم فتح أفواههم.

وعديد من أسر المعتقلين -تتحفظ "الاستقلال" على ذكرها- أكدت أنه جرى سرقة أموال بالآلاف، وقطع حلي ذهبية، وهواتف محمولة، وأجهزة لوحية خلال المداهمات.

مدرس (60 عاما) أحد من تحدثوا لـ"الاستقلال" عن واقعة مماثلة، قال إنهم "اقتحموا بيتي قبيل الفجر في شتاء عام 2018، وفتشوا كل شبر في ثماني شقق بأربعة طوابق، وسرقوا كل متعلقات العائلة من هواتف ونقود وبعض القطع الذهبية".

وأضاف: "عندما لم يجدوا ابني الذي كانوا يقصدونه، نزلت سريعا خلف عميد الأمن الوطني، وقلت له: ياباشا رجالتك أخذت كل حاجة وجدوها في البيت، لو تريدوا ابني اذهبوا واقبضوا عليه، لكن لا تسرقونا، فما كان منه إلا أن أمر جميع القوات برد ما سطت عليه".

فيما أوضح أحد المعتقلين السابقين أن "تلك الأدوات المسروقة والأموال المنهوبة أثناء حملات الاعتقال يجرى توزيعها بين قوات الأمن الوطني، إثر كل حملة، وسمع خلافاتهم على المسروقات أثناء ترحيله إلى مركز الاحتجاز إثر اعتقاله".

تهديد وابتزاز

ولفت محام مصري لـ"الاستقلال"، مفضلا عدم ذكر اسمه إلى أن "هناك عمليات ابتزاز حقيرة تجري بحق ذوي المعتقلين من طرف أفراد الأمن الوطني".

وأوضح أن الابتزاز يبدأ من فرد الأمن أو الخفير المكلف من الأمن الوطني بمتابعة تيار الإسلام السياسي، إذ يبتز أسر المعتقلين طالبا مبالغ مالية نظير تقديم تحريات في صالح المعتقل، رغم أنه هو من أبلغ عنه ليجرى اعتقاله".

وأضاف أن حلقة الابتزاز الثانية يمارسها عناصر الأمن الوطني داخل أقسام الشرطة بحق الأهالي ويفرضون مبالغ ما بين 500 و1000 جنيه، (32 إلى 64 دولارا) لأجل زيارة غير رسمية في مراكز الاحتجاز أو إدخال أدوية أو أغطية أو متعلقات.

وأشار إلى أن "الابتزاز الأكبر يكون في المحاكم من طرف عناصر الأمن الوطني مع بعض موظفي وزارة العدل، لوضع قضية ما في دائرة معينة وحجبها عن دائرة أخرى يُصدر فيها القاضي أقسى الأحكام، وذلك مقابل مبالغ تصل لـ10 آلاف جنيه أحيانا (640 دولارا)".

وأكد المحامي أن الأمر يصل إلى دفع مبلغ 50 ألف جنيه (3200 دولار) في بعض الحالات التي تحصل على البراءة، كما أنه لا يجرى الإفراج عن المعتقل إلا بعد دفع المبلغ كاملا.

ومع ذلك يؤخر عناصر الأمن الوطني تنفيذ قرارات الإفراج ويتحفظون على المعتقلين لفترة حتى يستنزفوهم وذويهم ماديا، بل ويصل الأمر لاستنزاف المحامين أنفسهم.

وأشار إلى أن إتاوات الأمن الوطني بلغت المحال التجارية وكل من يمارس عملا في الشارع مقابل تركه بلا مضايقة.

إلى جانب ملف مخالفات البناء التي يتخذها أفراد الشرطة والأمن الوطني فرصة للحصول على رشاوى مالية من الأهالي مقابل عدم الإبلاغ عن عمليات البناء وترميم المنازل.

عقاب وتعويض

من جانبه، أوضح الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا أن رجال الشرطة يعانون مثل باقي المصريين من الغلاء، وما يحصلون عليه من رواتب ومكافآت وامتيازات غير كاف.

لذا يبحثون عن الحياة الكريمة على حساب سجن أبرياء والتنكيل بذويهم.

وأضاف لـ"الاستقلال" الابتزاز والسرقة والتنكيل بالمعتقلين وذويهم عقاب مقصود، وهم عبره يحسنون أحوالهم المادية التي أصبحت صعبة كغيرهم من المصريين مع توالي تضاعف الأسعار.

وتابع: "ظني أنه مزيج بين الاثنين، عمل عقابي، ولتحسين الحالة المالية، فالراتب الحكومي لا يكفي لتحقيق الوجاهة الاجتماعية التي توفرها وظيفة العمل كضابط، ومن ثم يكون استغلال المنصب لتحقيق ثراء سريع وسيلة يلجأ إليها البعض".

وعن عدم مساواة السيسي بين ضباط الشرطة والجيش بالرواتب والامتيازات رغم تعرض ضباط الشرطة لمخاطر أكثر، أشار الباحث المصري إلى عدم الشفافية وغياب الأرقام المعلنة عن رواتب ضباط الجيش والشرطة وتبايناتها.

فساد جماعي

فساد قوات الشرطة وابتزازها المصريين بشكل عام وليس الأمن الوطني وحده كشفته أنباء تورط نحو 600 شرطي مصري -ما بين قيادي أمني برتبة لواء وضباط وأفراد وأمناء- في قضايا فساد خلال الستة أشهر الأولى من 2021، وفق خبر حصري نشره موقع "عربي21"، مطلع يوليو/ تموز 2021.

ويؤكد فساد جهاز الأمن الوطني كذلك القضية المعروفة إعلاميا بـ"فساد وزارة الداخلية".

وتتلخص إحدى وقائعها بحصول أمين الشرطة محمد عبدالسميع، على 19 مليون جنيه، (مليون و730 ألف دولار) وفقا لأسعار عام 2016، بقرار وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، بدعوى أنها حافز احتياطي لمواجهة الأهداف الأمنية.

أمين الشرطة هذا إلى جانب 72 متهما آخرين في قضية فساد وزارة الداخلية، قاموا برد 182 مليون جنيه قرابة (17 مليون دولار حينها)، ضمن القضية التي أعلن عن تفاصيلها مطلع 2016.

وفي المقابل، تواجه وزارة الداخلية بعصاها الغليظة أي حديث أو تقارير تشير إلى مثل تلك العمليات من الفساد والرشوة بأجهزتها.

وفي أبريل/نيسان 2015، قررت الداخلية المصرية مقاضاة صحيفة "المصري اليوم" الخاصة، بعد تجرؤها على نشر تحقيق عن التعذيب بالسجون وفساد ضباط الشرطة، بعنوان "الشرطة شهداء وخطايا.. ثقوب في البدلة الميري".

كما أن النظام العسكري الحاكم ومنذ انقلاب السيسي منتصف 2013، وجه الأعمال الدرامية بتجميل صورة الشرطة وحذر من التجاوز في حق الجهات السيادية، مانعا تماما الحديث أو الإشارة إلى فساد قوات الأمن والضباط.

وتحدثت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية في تقرير لها في 16 أبريل/نيسان 2021، عما أسمته بهوس السيسي بالسيطرة على مجال الترفيه، لافتة لتحذيره نجوم التلفزيون من أنهم سيحاسبون إذا لم تعكس أعمالهم صورة إيجابية عن الدولة. 

ولفتت المجلة إلى اعتقاد النظام أن الأفلام القديمة التي تصور فساد رجال الشرطة ساهمت في تأجيج الاحتجاجات ضد الشرطة خلال الربيع العربي عام 2011.