عينها على إيران وتركيا.. لهذا فتحت روسيا باب التسويات في دير الزور
بعد إنهاء روسيا لملف درعا جنوب سوريا، توجهت شرقا إلى محافظة دير الزور، سعيا منها لمحاولة خلق نموذج مصالحات جديد مع الأهالي في حال نجاحه ستعممه على محافظتي الشرق السوري الحسكة والرقة.
ومحاولة روسيا تعويم حالة التصالح مع النظام السوري في دير الزور، هي إحدى أدوات الضغط التي تريد من خلالها تعزيز أوراق مفاوضات النظام مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المتعثرة، حول عدة ملفات ومدن بالشرق والشمال السوري كعين العرب.
كما تسعى روسيا عبر الخطوة نفسها إلى تحجيم الدور الإيراني المتزايد بدير الزور وقطع الطريق أمام أي وجود تركي مستقبلي من خلال اتفاقات عاجلة مع قسد وكأدنى حد مع بعض فصائلها.
كذلك تحمل رعاية روسيا لتسويات النظام السوري في دير الزور في طياتها رسائل دولية تدلل على قدرتها على رعاية ما يسمى بـ "عفو" رأس النظام بشار الأسد محليا.
اختبار روسي
إذ إن ما تشهده المحافظة جاء بعد إعلان بشار الأسد عن تسوية شاملة خاصة بأبناء دير الزور، التي تقضي بحصول الشخص على بطاقة تسوية لمدة عام يستطيع التنقل بها دون التعرض له من قبل الحواجز الأمنية.
ويرى كثير من المراقبين أن النظام السوري يسمر عينيه نحو مناطق نفوذ مليشيا قسد بمحافظتي الحسكة والرقة، لتكرار التجربة التي أجراها في دير الزور.
وتبدو مليشيا قسد مدركة لحجم الخطة الروسية التي ستبتلعها، سيما أن إدارتها السياسية أصدرت قرارا هددت فيه موظفيها من أبناء محافظة دير الزور الموجودين في الحسكة والرقة بالفصل في حال إجراء مصالحة أو تسوية مع النظام السوري.
وعلى هذا النحو تواصل روسيا ضغطها على قسد من أجل انتزاع اتفاقات جديدة منها تصب في صالح النظام السوري، في وقت تصر فيه "قسد" على اعتراف موسكو ورأس النظام بشار الأسد بإدارتها الذاتية، وهو أبرز العقبات أمام حصول اتفاق شامل في المفاوضات الجارية بينهما.
واللافت أن عمليات التسوية التي أجريت في دير الزور حضرها ضباط روس كبار، وبإشراف مباشر من مدير مخابرات النظام السوري اللواء حسام لوقا، الذي لم يتخلف عن الوجود شخصيا بلباسه المدني.
ويعرف لوقا بأنه خبير في التسويات والمصالحات، وتمكن في نهاية أغسطس/آب 2021 من إخضاع محافظة درعا لنفوذ الأسد بعد أن قاد مفاوضات تسوية مع الأهالي بدعم روسي.
وتشكل محافظة دير الزور أحد أكبر معاقل الميليشيا الإيرانية المحلية والأجنبية التي يشرف عليها بشكل مباشر قادة من الحرس الثوري الإيراني، وأسست نهاية عام 2017 عقب انسحاب تنظيم الدولة منها.
وبحسب دراسة لمركز "جسور للدراسات، نشرها في 5 يناير/كانون الثاني 2021 فإن إيران تمتلك 131 موقعا عسكريا بين قاعدة ونقطة وجود في عشر محافظات سورية، منها 13 في دير الزور.
بينما تمتلك روسيا 83 موقعا عسكريا بين قاعدة ونقطة وجود، موزعين على 12 محافظة سورية، منها 11 في الحسكة، و7 في دير الزور، و6 في الرقة.
ويلاحظ أن هناك تركيزا من قبل روسيا لتعزيز وجودها في محافظات شرق الفرات، ما يشكل ضمانا وفق مركز جسور لتحقيق أهدافها الإستراتيجية في ظل التنافس المحتدم مع إيران وتركيا والولايات المتحدة.
وأشار المركز إلى أن الانتشار العسكري الروسي لا يبدو كافيا لتأمين مصالح ومخاوف موسكو، ما لم يتم ترجمة ذلك إلى مكاسب سياسية.
خلق النموذج
ووفق وسائل إعلام سورية محلية، فإن عشرة آلاف شخص أجروا عملية تسوية لأوضاعهم الأمنية من أهالي دير الزور منذ انطلاق عملية المصالحات في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
واعتبرت شبكة "فرات بوست" المحلية أن عملية التسوية في دير الزور كانت شاملة للمليشيات المدعومة من النظام وروسيا، بهدف دمجها مع قوات النظام.
ولفتت الشبكة في تقرير بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إلى أن دمج هذه الملشيات هو "لعبة دولية بهدف التستر وإخفاء الهيمنة الإيرانية على المحافظة بحيث يظهر للمجتمع الدولي بأن جميع المليشيات صارت مدمجة بقيادة وإمرة قوات نظام الأسد".
وحول دوافع روسيا لفتح باب التسويات أمام أهالي دير الزور، رأى الصحفي السوري حسن الشريف أنها تأتي "ضمن مساعي روسيا التمدد في دير الزور وشرق الفرات بشكل عام، عبر المفتاح الأساسي المتمثل بالأهالي".
وقال الشريف لـ"الاستقلال" إن "كسب موسكو ود الأهالي يعني تعزيز قوتها على الأرض من أجل تشجيع عودة الراغبين إلى بيوتهم عبر تسويات أمنية تشطب السجل الأمني عن أي شخص مطلوب للنظام؛ سواء متخلفا داخل تلك المناطق أو يعيش خارجها بمناطق قوات قسد أو في الشمال السوري".
وألمح الصحفي إلى أن "من بين الأهداف أيضا سحب البساط من يد المليشيات الإيرانية والتوسع بشكل أكبر خاصة في مناطق هي تحت سلطة الإيرانيين بشكل مطلق مثل الميادين والبوكمال".
ولفت الشريف إلى أن "روسيا أرادت تسوية شاملة لكل من هو مطلوب لأجهزة مخابرات الأسد وغير مطلوب، ولهذا جلبت موسكو رئيس المخابرات العامة اللواء حسام لوقا لحضور عمليات التسوية على مدى أكثر من أسبوعين، لبعث رسالة طمأنة مزعومة للشباب وعوائلهم".
ونوه الشريف إلى أن "الحركة الروسية في دير الزور كانت عبارة عن تسوية شاملة ليس فقط للمطلوبين للنظام من المعارضة أو متخلفين عن أداء الخدمة العسكرية، بل شملت عناصر سابقين من تنظيم الدولة".
واعتبر الشريف إن "النظام السوري يريد أن يجمع السلاح السري الذي بيد الأهالي الذي جرى تخزينه على مدى السنوات السابقة، لذا فإن ما قام به هو خطوة أولى ستتبعها خطوة جمع السلاح بعد حصر كامل أعداد شباب المحافظة".
وذهب للقول إن "روسيا تفكر بتشكيل مليشيا موحدة تضم كل شباب محافظة دير الزور المنخرطين بالعمل العسكري وتنظيمهم من جديد وإنهاء حالة التشرذم الحاصلة بين دفاع وطني ومليشيات إيرانية".
وأضاف أن روسيا تستعد من الآن لملء الفراغ في مناطق الوجود الأميركي عبر خلق قوة عسكرية محلية تشكل ضغطا على قوات قسد، وفي حال نجاحها فستعطي موسكو نموذجا جاهزا للأهالي في محافظة الحسكة والرقة وهذا الهدف الرئيس من مسرحية التسوية".
سباق محموم
وتبدو أن المفاوضات بين مليشيا قسد ونظام الأسد تراوح مكانها، حيث تسعى قسد حاليا لكسب الوقت فقط وإبقاء حالة التجاذب السياسي نحوها قائما.
لا سيما وأن النظام السوري، لن يقبل بما دون إنهاء سلطة "قسد" بشكل كامل على المناطق التي تسيطر عليها، وتسليمه حقول النفط والغاز، ودمج مليشياها ضمن تشكيلات وزارة دفاعه، وهو ما ترفضه قسد.
وتستأثر قوات قسد حاليا وبدعم أميركي على 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا، ومعظمه في محافظة الحسكة ذات الأهمية الإستراتيجية والحدودية التي تربطها مع كل من تركيا والعراق.
وفي مارس/آذار 2020، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه عرض على نظيره الروسي فلادمير بوتين "الاشتراك في إدارة حقول النفط في دير الزور (خاضعة لقسد) بدلا من استغلال الإرهابيين لها".
وأضاف أردوغان حينها أنه "إذا قدم الدعم الاقتصادي فبإمكاننا عمل البنية، ومن خلال النفط المستخرج يمكننا مساعدة سوريا المدمرة في الوقوف على قدميها".
واعتبر هذا التصريح وقتها من أردوغان بمثابة استشراف لواقع مناطق شمال شرق سوريا مستقبلا في حال حدوث تغير في خارطة النفوذ العسكري بالبلاد وتطبيق الولايات المتحدة خطة الانسحاب التي سنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب نهاية 2018.
ولهذا ما يزال كثير من المراقبين العسكريين يرون أن روسيا تحاول أن تعزز حضورها شرق سوريا لقطع الطريق على تركيا.
وفي هذا الإطار يرى القيادي في المعارضة السورية، فاتح حسون، أن إجراء تسويات لكل أهالي دير الزور بمناطق سيطرة النظام، هو "مشروع روسي بامتياز، كونها في سباق محموم للسيطرة على المنطقة الشرقية من سوريا في حال تم انسحاب مفاجئ متوقع للقوات الأميركية".
واعتبر حسون لـ"الاستقلال": أن "روسيا تسعى من ذلك لتحجيم الدور الإيراني وللضغط على تركيا من خلال اتفاقات عاجلة مع مليشيا قسد وكأدنى حد مع بعض فصائلها".
وزاد: "قسد تدرك أنه في حال رحيل القوات الأميركية فستكون في مهب الرياح تتقاذفها الأقدار، واحتمالية السيطرة التركية محفوفة بأخطار الانتقام وجر قادتها إلى السجون التركية بتهم الإرهاب وارتكاب جرائم الحرب لذلك فإن خيارهم الأكثر أمانا هو الدخول تحت المظلة الروسية".
وختم حسون بالقول:"ولهذا تحث روسيا الخطى لاستمالة السكان المحليين عبر مشروع التسوية للمطلوبين بقضايا أمنية وجنائية، بما يضمن للروس وجودهم بالمنطقة بصفة ضامن لهذه الاتفاقات والتسويات".