المجلس الإسلامي المعارض.. لماذا اختار أسامة الرفاعي مفتيا عاما لسوريا؟
في خطوة رأى كثيرون أنها "ليست فقط لملء الفراغ"، أعاد المجلس الإسلامي السوري المعارض منصب دار الإفتاء وعين مفتيا جديدا للبلاد، بعد إلغاء رئيس النظام بشار الأسد هذا المنصب.
وأعلن المجلس المعارض انتخاب رئيسه الشيخ أسامة الرفاعي مفتيا عاما لسوريا في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، في رسالة تهدف إلى التأكيد على الهوية الدينية السورية التي يشكل فيها السنة غالبية الدولة.
تأتي هذه الخطوة بعد إجماع العلماء السوريين على الرفاعي مفتيا في ظل مضي الأسد نحو تفكيك مؤسسات الدولة، ورهن بعضها لحلفائه الذين ساندوه في البقاء حاكما، كما فعل بشار الأسد حينما اختار الشيخ أحمد حسون الذي أقاله لاحقا.
وهذا ما ألفته سوريا منذ أن تحالف رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد مع الشيخ أحمد كفتارو الذي تقلد منصب الإفتاء عام 1964.
وبقي كفتارو في منصبه بعد تولي حافظ السلطة عام 1971 بموجب انقلاب عسكري، إلى أن توفي الأول عام 2004 أي بعد أربع سنوات من استلام بشار الأسد السلطة بعد وفاة أبيه عام 2000.
وبعد ذلك وجد بشار الأسد بالشيخ أحمد حسون، والمولود عام 1949 بمدينة حلب، الشخص المناسب ليتولى دور المفتي منذ 16 يوليو/تموز 2005، بعدما بقي المنصب شاغرا لأكثر من تسعة أشهر عقب وفاة كفتارو.
وفي خطوة مفاجئة ولها أهدافها، أصدر الأسد مرسوما تشريعيا في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ألغى بموجبه منصب المفتي العام لسوريا ومهامه واختصاصه.
وأسند المرسوم المذكور "إصدار الفتاوى" التي كانت مناطة بدار الإفتاء، إلى "المجلس العلمي الفقهي" الجديد والذي وسع الأسد صلاحياته، وعين وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد رئيسا له مع معاونين وثلاثين عالما من كبار العلماء في سوريا "ممثلين عن المذاهب كافة".
ومنذ الإعلان عن شطب دور المفتي العام بسوريا وإسناد مقام الإفتاء إلى "مجلس علمي فقهي" من المذاهب كافة بالبلاد رغم تشكيل السنة للغالبية فيها، بدا أن النظام أخرج يد المذهب السني من عملية الإفتاء كما كان معمولا بها سابقا وأصبح أمر الفتوى تشاركيا.
وكان المجلس السوري المعارض أكد في تسجيل مصور 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن "النظام السوري ينفذ حاليا عبر إلغاء مقام الإفتاء أخطر الجرائم حول تاريخ وهوية البلاد خدمة للولي الفقيه (في إيران) وأتباعه الذين يحتلون سوريا ويريدون تحويلها طائفية بعيدة عن الإسلام والعروبة".
المفتي المنتخب
ولهذا لم يدع المجلس الإسلامي السوري المنصب فارغا، وأبرز دلالة على الحفاظ عليه ما قاله الشيخ أسامة الرفاعي:"إن مفاجأة إلغاء دار الفتوى من قبل النظام السوري دعتنا للمسارعة في إعادة صياغته من جديد، لضرورة وجود مفت على الأرض السورية لمعرفة شؤون دينهم ودنياهم".
وفي أول كلمة له عقب تسلمه منصب المفتي العام لسوريا أكد الرفاعي في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021: "مما ألفت النظر إليه أن تاريخ بلادنا معروف بوجود مفت يجري انتخابه على الطرائق الصحيحة والشرعية من قبل العلماء".
وأردف قائلا: "لا ينبغي لأحد أن يمارس تعيين المفتي سوى العلماء لأنهم أهل الاختصاص، ولا سيما أنه في بعض البلدان يتحكم الحاكم بهذا المقام فيعينون من يشاؤون، وبالتالي يكون المفتي مضطرا لتفصيل الفتاوى على مقاس الحاكم الذي عينه، وهذا ما كان في سوريا".
وشدد الرفاعي على "أن المفتي منذ زمن بسوريا كان يجري انتخابه ويساعده العلماء"، واستدرك قائلا: "اليوم أعاد المجلس الإسلامي السوري ومجلس الإفتاء السوري الأمور إلى نصابها وقاموا بالانتخاب وكلفوني بهذه المهمة التي أسأل الله أن تكون حجة لي لا علي".
وأضاف: "المفتي عندما ينتخب من قبل العلماء يبذل كل جهد لحفظ البلد من العبث في الدين والأحكام ومن امتطاء الحاكم لمثل هذه الأحكام بحيث يكون حرا في فتاويه التي يصدرها بما يناسب البيئة والزمن الذي فيه من شرع الله، وهذا لا يكون إلا لمفت منتخب".
ولفت الرفاعي إلى أن: "مقام الإفتاء ليس محصورا بأمور الزواج والطلاق والحلال والحرام، بل هو أوسع من ذلك، وهذا ما أدركناه من المفتين السابقين (قبل صعود حزب البعث في سوريا) من التصدي للأحداث كلها، ويثبت فيها الشرع ولا يخشى في الله لومة لائم".
وشكل أحمد حسون، نموذجا حيا لمفتي السلطان، إذ لم يدع بابا في التملق إلا وطرقه تزلفا لبشار الأسد وتقربا حتى من حلفائه من الروس والإيرانيين، وفق ما يرى سوريون.
وكان حسون بذلك يطمع في الحفاظ على منصبه، دون مراعاة لمقام الإفتاء الذي صعد إليه بتوصية من الأجهزة الأمنية، والذي أثبتت أيام العقد الأخير في سوريا دوره الوظيفي في تجيير الإفتاء لصالح الأسد.
ترسيخ المرجعية
بدوره اعتبر المعارض السوري البارز هيثم مالح، أن المجلس الإسلامي السوري، "هب هبة رجل واحد ورد على جريمة عصابة الأسد في دمشق، وانتخب الشيخ الداعية أسامة الرفاعي ابن الداعية صاحب المدرسة الرفاعية الشيخ عبد الكريم".
وزاد بالقول في منشور على صفحته الشخصية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 :"إن التفاف كافة المنظمات والتجمعات السورية والشخصيات حول قرار المجلس الإسلامي السوري وحول المفتي المنتخب الشيخ أسامة كان من أقوى الردود على خطوة الخائن المجرم رئيس العصابة بشار الأسد".
وحول دلالات انتخاب الرفاعي، رأى الكاتب والباحث الفلسطيني محمد خير موسى، أن "المجلس الإسلامي السوري يحسب أنه التقط المبادرة بذكاء سياسي إذ إن فراغ منصب الإفتاء العام في سوريا هو فرصة لكسب جولة سياسية في المعركة المستمرة بين النظام والمؤسسة الدينية".
وفي مقالة نشرها بـ21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قال إن "فكرة الانتخاب في اختيار المفتي خطوة جيدة لترسيخ معنى المرجعية المستقلة عن التحكم السياسي في الفتوى".
ومضى موسى يقول: إن انتخاب أسامة الرفاعي كان خيارا موفقا فالشيخ يحمل مؤهلات كثيرة لتحقيق الالتفاف المرجعي حوله، بما يملكه من كاريزما وحضور، ومكانة في الوسط العلمي الشرعي والبيئة المجتمعية، وعلم راسخ ورمزية حاضرة لا تحتاج إلى أن تبنى من جديد، وتاريخ عريق في المؤسسة الدينية".
من جانبه، أكد رفاعة عبد الفتاح رئيس هيئة الأوقاف والشؤون الدينية في الحكومة السورية المؤقتة المعارضة أن "إلغاء النظام دار الإفتاء هو تكريس للتغيير الديمغرافي من أغلبية مسلمة إلى مجلس يجمع أقليات وطوائف وديانات مختلفة مع الأغلبية المسلمة".
وأضاف عبد الفتاح لـ "الاستقلال": نحن نعلم أن المراد من هذا المشروع هو إصباغ أو إعطاء صفة وصبغة قانونية لعملية التشييع التي ينفذها الاحتلال الإيراني لسوريا من أجل تغيير هوية الشعب السوري.
وألمح إلى أن "الذي عين الشيخ أسامة الرفاعي مفتيا عاما ليست المعارضة، وإنما الشعب السوري، بعد دراسة المطالب التي تلقفها المجلس الإسلامي بكل مسؤولية وأمانة عقب دراسة كل المطالب".
ولفت بالقول: "إن منصب المفتي استعاده أهله، وهو حق العلماء والشعب السوري، وعاد إليه دون تأثير السياسات والحكومات، بمعنى أن السوريين الأحرار يمكنهم إعادة بناء المؤسسات ووضعها في طريقها الصحيح لخدمة الشعب بعيدا عن المصالح الفئوية لبعض السياسيين والحكام".
أعمدة الهوية
كثير من العلماء السوريين أجمعوا على أن إلغاء منصب المفتي هو تأكيد على شطب الهوية السنية وحقها بالأكثرية في البلاد، ولا سيما أن النظام أنشأ مجلسا علميا فقهيا يضم كل الطوائف.
وهذا ما دلل عليه المتحدث الرسمي للمجلس الإسلامي السوري المعارض، الشيخ مطيع البطين، حينما شبه في منشور له على فيسبوك في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 "مقام الإفتاء في سوريا بمشيخة الأزهر في مصر".
وأضاف قائلا: "عندما يتم إلغاء مشيخة الأزهر يضيع العنوان ولا يمكن تعويضه بالمفردات كالمجالس الفقهية العلمية".
وتابع: "هذه هي الصورة بسوريا حيث اغتصب مقام الإفتاء فيها ووضع فيه من ليس له بأهل علما وخلقا ومكانة وكفاءة ثم ألغي هذا المقام بجرة قلم ممن هدفه الوصول إلى سوريا بغير عنوان".
كما اعتبر البطين، أن "ما قام به النظام السوري أخيرا شمل شطب دار الإفتاء والأحوال الشخصية والقضاء الشرعي، وهذه بجملتها تشكل اعتداء على هوية السوريين".
ورأى أن "تعيين الشيخ أسامة الرفاعي بمنصب المفتي العام هو للتأكيد على أن سوريا تنتمي لهذا المقام الساري منذ زمن والذي يعني الحفاظ على أحد أعمدة الهوية السورية".
ونبه البطين إلى "أن المفتي مطلوب منه الفتوى في الموقف، ولا سيما أن المنصب كان مغتصبا من قبل النظام وجاء الوقت ليرد إلى الطريقة الشرعية".
أسامة الرفاعي
عرف الشيخ أسامة بأنه من أوائل العلماء الذين جهروا بانتقاد نظام بشار الأسد، بعد اندلاع الثورة في مارس/آذار عام 2011، ويعد أحد كبار العلماء، وخطيب مسجد عبد الكريم الرفاعي في كفرسوسة بدمشق.
هو الابن الأكبر للعلامة الراحل عبد الكريم الرفاعي، حيث لازم والده هو وشقيقه الداعية "سارية" وتلقى عنه العلوم العقلية والنقلية، فيما شرح عددا من الكتب وتنقل بين عواصم إسلامية أثناء مسيرته الدعوية حتى استقر في إسطنبول.
ولد الشيخ الرفاعي في العاصمة السورية عام 1944، وتخرج في مدارسها وثانوياتها، ثم التحق بجامعة دمشق ودرس اللغة العربية وعلومها في كلية الآداب قسم اللغة العربية، وتخرج منها عام 1971، وأصبح خطيبا في جامع الشيخ عبد الكريم الرفاعي (نسبة لوالده) في دمشق.
ومع حملة حافظ الأسد ضد الجماعات الإسلامية، ولا سيما الإخوان المسلمين في سوريا وارتكابه مجازر في حمص وحماة ومطاردة الإسلاميين، أجبر الشيخ أسامة الرفاعي على الخروج إلى السعودية عام 1981.
عاد الشيخ أسامة وشقيقه سارية إلى دمشق في تسعينيات القرن الماضي، وأسهم خلال فترة قصيرة بإحياء دور "جماعة زيد" من جديد.
و"جماعة زيد" الصوفية كانت بزعامة والده العلامة الراحل عبد الكريم الرفاعي (1901-1973) ظهرت في أربعينيات القرن الماضي، حيث سميت بهذا الاسم نسبة إلى جامع زيد بن ثابت الأنصاري في العاصمة السورية دمشق.