عودة الشعبويين لأوروبا.. هكذا سقطت "أم القيم" في يد اليمين المتطرف

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفة "لينتا دوت رو" الروسية عن ما أسمته "انقسام الأحزاب في أوروبا"، في ظل تصاعد تصريحات السياسيين اليمينيين المتطرفين. 

ويرى الكاتب ديمتري بلوتنيكوف أن وسائل الإعلام في أوروبا تصف المحافظين ذوي الأفكار اليمينية بأنهم "ورثة (الزعيم النازي أدولف) هتلر".

وذكر أنه "يسمع في البرلمانات داخل أوروبا تصريحات مفادها أن السياسيين اليمينيين وأنصارهم أصبحوا التهديد الرئيس للقيم الأوروبية".

اليمينيون يسيطرون 

ويشير الكاتب إلى أنه "في عام 1989 سقطت الحكومات الشيوعية في بلدان أوروبا الشرقية، وانطلقت شعوبهم بحماس في رحلتهم نحو الديمقراطية التي أوصلتهم إلى الاتحاد الأوروبي".

وتابع: "انتصر وقتها مفهوم أوروبا الموحدة. ومع ذلك، سرعان ما بدأ الحلفاء الجدد في التعرض للانتقاد بسبب محافظتهم ورفضهم للقيم الأوروبية".

أما في بروكسل، جرى تفسير ذلك من خلال إرث الماضي الشيوعي، ولكن بعد ذلك بدأ المحافظون ذوو الأفكار اليمينية يكتسبون شعبية في الديمقراطيات الغربية القديمة.

وأردف: "لقد توحدوا خلف كره الأجندة السياسية السائدة والمهاجرين والقيم الليبرالية". 

وتطرقت الصحيفة الروسية إلى أسباب تزايد شعبية اليمين المتطرف في أوروبا ولماذا أدى نجاحهم إلى حدوث انقسام في المجتمع الأوروبي.

وذكر الكاتب ديمتري بلوتنيكوف أنه في عام 1992 نشر الفيلسوف الأميركي فرانسيس فوكوياما كتاب "نهاية التاريخ"، وكان بمثابة النهاية النهائية للمواجهة الرئيسة في النصف الثاني من القرن العشرين وهي الحرب الباردة. 

علاوة على ذلك، لم تكن هذه المواجهة جيوسياسية فحسب، بل كانت أيديولوجية أيضا فقد اصطدم نظامان وطريقتان للحياة.

ويعتقد فوكوياما أن ليس فقط الولايات المتحدة، التي أصبحت القوة العظمى الوحيدة، هي من فازت بالحرب الباردة، بل انتصرت طريقة حياة الغرب ذاتها، والتي تجسدها الديمقراطية الليبرالية بالنسبة للفيلسوف الأميركي.

ويتساءل الكاتب: هل كان أحد يعرف أنه بعد 30 عاما، ستصبح أوروبا مرة أخرى ساحة صدامات أيديولوجية، وستتعرض قيمها الليبرالية لانتقادات قاسية؟

وأشار أنه بعد سقوط الحكومات الشيوعية عام 1989، تولى الليبراليون المتجهون للقيم الغربية السلطة في بلدان المعسكر الاشتراكي السابق. 

ولكن ليس لوقت طويل؛ فسرعان ما تم استبدالهم بالمحافظين المتشددين.

إذ أضاف رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان قوانين المسيحية إلى الدستور، وفي بولندا، حزب القانون والعدالة "فرض قيودا قانونية على الإجهاض وحقوق المثليين". 

وبعد ذلك جرى اتهام الأوروبيين الشرقيين في بروكسل بـ"عدم النضج السياسي" والذين تخلصوا مؤخرا من الديكتاتورية الشيوعية. 

ومع ذلك، سرعان ما بدأ السياسيون اليمينيون أو كما يطلق عليهم في كثير من الأحيان "الشعبويون" أي (الذين ينشدون رأي الجماهير العريضة) في اكتساب شعبية في أوروبا الغربية. 

وأصبح الديمقراطيون السويديون وحزب الحرية النمساوي والجبهة الوطنية الفرنسية ثالث أكثر الأحزاب شعبية في بلدانهم؛ وحزب البديل الألماني الذي فاز بالانتخابات الإقليمية، "ضد أسلمة الغرب".

 وخرجت مظاهرات تضم الآلاف في المدن الألمانية الكبرى. أما في المملكة المتحدة، نجح المتشككون الأوروبيون في طرد البلاد من الاتحاد الأوروبي، وفي إيطاليا، انضم الشعبويون اليمينيون من "عصبة الشمال" إلى الحكومة.

ويرى الكاتب أن أوروبا الغربية ظلت لسنوات عديدة مكانا للتسامح والقيم الليبرالية، لكنها استسلمت إلى "شعب اليمين". فكل ما حدد مظهر المنطقة على مدى السنوات الـ30 الماضية جرى انتقاده بشدة. 

خيبة أمل الجماهير

ويضيف بلوتنيكوف بأن الفرضية الرئيسة للشعبوية اليمينية الحديثة هي الحاجة إلى حماية "عامة الناس" من النخبة الفاسدة المنقطعة عن جذورهم. 

في الوقت نفسه لاحظت بريتا شيلينبيرج، الأستاذة المساعدة في جامعة لودفيج وماكسيميليان في ميونيخ، أن قادة الأحزاب الشعبوية يتجاهلون عمدا تعريف "الناس". 

فبحسب ما ذكرته، هناك محاولات لتوضيح حقيقة أن مصالح الفئات الاجتماعية المختلفة غالبا ما تتعارض مع بعضها البعض. 

وكمثال على ذلك، استشهدت بـ"البديل من أجل ألمانيا"، الذي أجل إصدار البرنامج الاجتماعي والاقتصادي للحزب قبل الانتخابات الإقليمية في عام 2016، حتى لا يضيق القاعدة الانتخابية.

 وأضاف الكاتب أن الحياة السياسية كلها في أوروبا اليوم هي مجرد تقليد. 

يتظاهر السياسيون من الأحزاب "النظامية" بوجود صراع فيما بينهم، رغم أنهم في الواقع يمثلون نفس الطبقة السياسية ولديهم مصالح مشتركة للحفاظ على سلطتهم. 

علاوة على ذلك، فإن "البديل لأجل ألمانيا" نفسه لا يخجل من عبارات التنديد بهذا الوضع. 

فعلى سبيل المثال، تتهم وسائل الإعلام الرائدة في البلاد بالتواطؤ مع النخب وتستخدم مصطلح "الصحافة الكاذبة" والذي استخدمه النازيون بكثرة، وفق الكاتب.

وأشار إلى أن انتقاد "الطبقة السياسية غير الكفؤ"، والتي تدافع عن إخفاقاتها وسائل الإعلام بـ "سيل من الأكاذيب"، هو أيضا ما تفعله مارين لوبان الزعيمة اليمينية الشعبوية الفرنسية التابعة للجبهة الوطنية الفرنسية. 

ويجري التعبير عن هذه الآراء في أوروبا ليس فقط من قبل الشعبويين، بل أيضا من الباحثين الجادين.

على سبيل المثال، كتب البروفيسور كريستوفر لاش في كتاب "صعود النخب وخيانة الديمقراطية" أن النخب الحاكمة "فقدت الاتصال مع الناس. 

ويناقش توماس بيكيتي مدير الدراسات في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية و أستاذ في مدرسة باريس للاقتصاد، الاغتراب بين النخب والمجتمع في كتابه "رأس المال في القرن الحادي والعشرين".

كما يناقش جوزيف ستيغليتز (اقتصادي أميركي وأستاذ في جامعة كولومبيا) في كتابه "ثمن عدم المساواة". وبالطبع هناك أسباب لهذا الإجماع، وفق ما يرى الكاتب. 

وتسمى أول 30 عاما بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا بـ"الذكرى الثلاثين المجيدة"، وخلال هذه الفترة بدأ التكامل، وحدث نمو اقتصادي وديمغرافي سريع، وجرى تشكيل طبقة وسطى واسعة. 

وشرعت الحكومات الأوروبية، بمشاركة جميع الاقتصاديين الليبراليين، في برامج خصخصة واسعة النطاق، وخفضت المزايا الاجتماعية، وتوقفت عن دعم المنتجين المحليين، والسعي إلى أقصى حد إلى عدم تدخل الدولة في شؤون الأعمال.

وأشار الكاتب إلى أن الفجوة مع النخب محسوسة بشكل أعمق على نطاق الاتحاد الأوروبي بأكمله. 

ففي السنوات الأخيرة، مع التأثير المتزايد لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، يتحدث الباحثون بشكل متزايد عن وجود ما يسمى بالعجز الديمقراطي في الاتحاد. 

ومن هنا فإن سكان الدول الأوروبية يشاركون بشكل مباشر فقط في انتخابات البرلمان الأوروبي، الذي لا يعد دوره كبيرا. 

لكن هيئات صنع القرار لا يتم انتخابها من قبل أي شخص، لذلك يعتبر المواطنون تلك الهيئات غير خاضعة للمساءلة على الإطلاق. 

ويتابع: هنا يكمن الفرق الرئيس بين الشعبويين اليمينيين للموجة الجديدة من الأحزاب اليمينية المتطرفة الكلاسيكية في أوروبا، ويتحدثون بخطاب مماثل مناهض لبروكسل ومناهض للمهاجرين. 

ويتميز حق "الحزب القديم" بالرغبة في تنظيم صارم للسلطة، في حين أن الشعبويون الجدد ينشدون الديمقراطية ويعلنون أنهم على أهبة الاستعداد لها في وقت تسعى النخب الحالية إلى تدميرها من أجل الحفاظ على سلطتهم، وفق تقدير الكاتب.