مؤامرات لا تنتهي.. هذه خطط الإمارات لانتزاع "شبوة" من الحكومة اليمنية

12

طباعة

مشاركة

مع تعاظم خطورة الدور الذي تقوده الإمارات في اليمن على أكثر من صعيد، تشهد الساحة وضعا معقدا أكثر من أي وقت مضى، إذ تشير تطورات ميدانية متداخلة، اتبعت أبوظبي خلالها إستراتيجية "حرق المراحل" إلى أنها باتت تتحرك في مسارات متوازية لانتزاع محافظة شبوة من يد الحكومة الشرعية.

ولعل هذا السبب ما دفع محافظ محافظة شبوة في الحكومة، محمد صالح بن عديو، إلى الخروج واتهام الإمارات بـ"خلق مليشيات مناهضة للدولة، ودفع رواتب 90 ألف مرتزق شهريا في اليمن، تحركهم أبوظبي كيفما تريد".

مقابلة ابن عديو مع وكالة "سبوتنيك" الروسية في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بدت وكأن الرجل يدق "ناقوس الخطر"، ويؤكد على "تهديد بالغ" ينتظر شعب اليمن، في حال تكللت تحركات الإمارات الأخيرة في محافظة شبوة بالنجاح.

وتمثل محافظة شبوة العقبة أمام إتمام مشروع الإمارات "الانفصالي" في جنوب اليمن، وأمام "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتيا في فرض سيطرته على المحافظات الجنوبية الشرقية، المهرة وحضرموت.

خديعة الوساطة

بالنظر إلى التوتر المتصاعد في المشهد الشبواني، فإن المحافظة النفطية قادمة على معركة مفتوحة مع أبوظبي، ما لم تبدل الأولى هويتها السياسية، وتدخل في بيت الطاعة الإماراتي.

هجوم ابن عديو على أبوظبي جاء على بعد أيام قليلة من موعد انتهاء المهلة الممنوحة لمغادرة قوات الإمارات ميناء "بلحاف" الإستراتيجي ومنشآته الغازية بمحافظة شبوة جنوبي شرقي البلاد.

وقضى تفاهم توصلت إليه وساطة سعودية بين الإمارات والسلطة المحلية بمحافظة شبوة في أغسطس/آب 2021، بعد أن تفاقمت الأزمة بين الطرفين، على خلفية تكرار مطالبات السلطة المحلية بالمحافظة للإمارات بإخلاء قواتها من "بلحاف"، بمنح مهلة شهرين إلى 3 أشهر قبل أن تخلي القوات الإماراتية المنشأة.

ويتضمن الإخلاء تسليم المنشأة إلى الحكومة، حتى تتمكن من استئناف العمل فيها، وإنقاذ الوضع الاقتصادي المتدهور في اليمن.

في غضون ذلك أفصحت الترتيبات الأخيرة لأبوظبي في اليمن عن أن تلك الوساطة لم تكن غير "حيلة سعودية" أكسبت الإمارات مزيدا من الوقت، لإعادة ترتيب أوراقها والعودة لإدارة حرب جديدة ضد قيادة السلطة المحلية بشبوة.

ويرى محللون أن المحافظ ابن عديو أراد من خلال المقابلة الأخيرة إيصال رسائل قوية، تتضمن فضحا وتحديا لأبوظبي وحلفائها في اليمن.

وقال ابن عديو إن المليشيات التابعة للإمارات "تقف على نفس المسافة مع الحوثيين".

واعتبر أن "ما حملته الإمارات من مشاكل في المناطق المحررة لا يقل خطورة عما قام به الحوثي من انقلاب".

توظيف القبيلة

وفي خطوة تؤذن بتدشين فصل جديد من مسلسل الحرب التي تديرها أبوظبي ضد الحكومة اليمنية في شبوة، دعا البرلماني والقيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، عوض بن الوزير العولقي، إلى تنظيم احتجاجات شعبية ضد قيادة السلطة المحلية في شبوة.

وقال العولقي في بيان ألقاه خلال لقاء جماهيري في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بمنطقة "نصاب" غربي شبوة، إن عودته إلى شبوة "جاءت بدوافع وطنية، بهدف إنقاذ المحافظة من الوضع الخطير الذي تعيشه في ظل سلطة ابن عديو".

وفور وصوله إلى محافظة شبوة، قادما من أبوظبي، شرع الوزير في محاولة استقطاب الزعامات القبلية والسياسية.

وتهدف تحركات الزعيم القبلي، المنحدر من قبيلة العوالق، صاحبة الثقل الكبير في شبوة، إلى محاولة تقويض سلطة ابن عديو من خلال رفع الغطاء القبلي عنه.

ويرى مراقبون أن لجوء أبوظبي لاستعمال أدوات الفعل القبلي في مواجهة شخصية (ابن عديو) تحظى بشعبية لافتة وحاضنة اجتماعية واسعة، يكشف عن آخر أوراق الإمارات في شبوة، ويعبر عن عدم فعالية أساليبها السابقة في محاربة السلطة المحلية هناك. 

في هذا السياق، ذهب الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي إلى أن "الخطة الأخيرة التي يجري تنفيذها بواسطة عوض الوزير، هدفها إنجاز مهمة لم تنجح فيها الإمارات عبر قوات النخبة الشبوانية، ولا عبر العمليات التخريبية، ولا عبر التموضعات العسكرية في بلحاف".

وقال التميمي لـ"الاستقلال" إن "العولقي قام بإلقاء خطاب ونظم لقاء، محاولا الإيهام بأن أبناء محافظة شبوة يرفضون وجود ابن عديو على رأس السلطة المحلية".

وأوضح أن الهدف هو "محاولة توظيف أبناء القبائل، من أجل السيطرة على المحافظات الجنوبية، وإتمام مشروع الانفصال".

وأكد التميمي على أن "أي دور تقوم به الإمارات، سواء عبر العولقي أو غيره في شبوة باتت مفضوحة ومكشوفة ولن تحقق أهدافها".

واعتبر أن "اجتماع العولقي كشف عن تفاعل شعبي ضعيف، وخيب آمال أبوظبي كثيرا". 

إسقاط الجبهات

وسعت الإمارات عن طريق الدفع بالتطورات الميدانية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة إلى إحراج الحكومة اليمنية وإظهارها في حالة "عجز وتيه" سياسيين، بالإضافة إلى إظهار الجيش اليمني في حالة عدم كفاءة وانهيار عسكريين.

وخلال المعارك العنيفة التي اندلعت في محافظة البيضاء وسط اليمن، في سبتمبر/أيلول 2021، بين جيش الحكومة اليمنية المسنود برجال القبائل ومليشيا الحوثي الموالية لإيران، تورط قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا في التواطؤ مع المليشيات.

وسهل ذلك مهمة المليشيا في إسقاط محافظة البيضاء، خط الدفاع الأول عن شبوة في 23 سبتمبر/أيلول 2021.

وبالتزامن مع سقوط البيضاء تقدمت مليشيات الحوثي نحو محافظة شبوة وسيطروا على مديرتي بيحان وعين، ومساحات واسعة في مديرية عسيلان الغنية بحقول النفط، شمال غربي المحافظة.

ونقلت وكالة "الأناضول" التركية للأنباء عن عدد من سكان المحافظة أن "رجال القبائل في بعض القرى قاوموا الحوثيين، إلا أن الغلبة كانت للقوات الكبيرة التي حشدتها مليشيا الحوثي".

وسبق أن سيطر الحوثيون على مناطق عدة في محافظة شبوة، عقب الانقلاب الذي نفذوه بالعاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، وتمكنت قوات الحكومة من استعادة تلك المواقع عام 2018.

وكشف العقيد في ألوية العمالقة المدعومة إماراتيا، حسين فضل الصلاحي، في تسجيل صوتي مسرب، عن "تورط قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي لأبوظبي بمنع وصول الإمدادات والتعزيزات العسكرية إلى جبهات البيضاء".

قرار المنع تسبب في عجز قبائل البيضاء عن الاستمرار في التصدي للحوثيين، واضطرهم في النهاية إلى الانسحاب من مواقعهم.

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي التسجيل الصوتي للصلاحي، الذي شارك بفعالية في المعارك التي شهدتها محافظة البيضاء.

وقال الصلاحي إن "قوات الانتقالي منعت وصول الذخيرة والتعزيزات عن طريق منطقة (يافع) بمحافظة لحج جنوبي اليمن".

وأشار إلى أن "الضابط المسؤول عن إيصال الإمدادات تعرض للاعتقال ثلاثة أيام من قبل قوات الانتقالي".

من جانبه، أكد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي على محادثات مباشرة سيجريها مجلسه مع مليشيا الحوثي، إذا سيطرت الأخيرة على مأرب.

وقال الزبيدي في مقابلة مع صحيفة "الغارديان" البريطانية في 1 مارس/آذار 2021 قد يؤدي دخول الحوثيين مأرب إلى "وضع يسيطر فيه المجلس الانتقالي الجنوبي إلى حد كبير على الجنوب، وسيطرة الحوثيين على معظم الشمال، وفي هذه الحالة سيكون من المنطقي إجراء محادثات مباشرة بين الأطراف المسيطرة".

"التخادم" القائم بين المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا ومليشيا الحوثي لعب دورا مهما في تغيير موازين القوى العسكرية، في المواجهات بين قوات الحكومة اليمنية ومليشيا الحوثي.

وحقق هذا الأمر العديد من المكاسب العسكرية للحوثيين، فيما مكن الإمارات من تهديد محافظة شبوة من الغرب عبر مسلحي المليشيات، وبالقوات التابعة لها من الجنوب.

بقاء هذا الوضع، من وجهة نظر أبوظبي، يجعل الحديث عن خروج إماراتي من محافظة شبوة يقابل بتحفظ وقلق شعبيين، ويحرج ابن عديو الذي يهاجم الإمارات ويطالبها بمغادرة شبوة.

وتهدف الإمارات إلى نزع الثقة التي يحظى بها ابن عديو من قبل قبائل المحافظة، في ظل وجود مليشيا الحوثي داخل حدود المحافظة، وفق محللين.

إعادة انتشار

كان السبب وراء الانسحاب المفاجئ في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 من مناطق واسعة في محافظة الحديدة غربي اليمن، نفذته "القوات المشتركة في الساحل الغربي" المدعومة إماراتيا، تاركة للحوثيين المواقع التي انسحبت منها، هو قرار اتخذته قيادة التحالف السعودي الإماراتي.

ويرى مراقبون أن الإمارات تقف خلف انسحاب "الحديدة" لأبعاد إستراتيجية، من شأنها تعزيز موقف القوات التابعة لها أمام القوات الحكومية في محافظة شبوة.

وفي هذا الإطار، يرى الباحث السياسي فهد سلطان، أن "فهم سلوك التحالف السعودي الإماراتي، وطبيعة الصراع الذي يخوضه في اليمن يجعل القول بأنه يحشد القوات الموالية له من الساحل الغربي إلى شبوة يبدو صحيحا".

واعتبر سلطان خلال حديثه لـ"الاستقلال" أن "التحريض الذي يواجهه محافظ شبوة والمحافظة بشكل عام في وسائل إعلام التحالف يتجاوز حدود المعقول".

ويرى أن "شبوة حاولت أن تخرج عن النص المرسوم من قبل التحالف السعودي الإماراتي، وهو ما فتح عليها الحرب من قبل الرياض التي تتخفى في الغالب خلف أبوظبي".

وشدد سلطان على أن "السلطة المحلية في شبوة مضطرة لاستعادة منشأة بلحاف كي تدخل حيز التنفيذ، وتشارك في عملية التنمية التي يقودها المحافظ بن عديو، وهذا تحد يحاول إنجازه، وهو ما أغضب السعودية والإمارات".

وتعليقا على عملية الانسحاب، كتب المحلل السياسي عادل الشجاع منشورا عبر صفحته على "فيسبوك" في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قائلا: "بالأمس وجدت الإمارات والسعودية نفسيهما في مأزق، فالأولى محتلة لمنشأة بلحاف الغازية، والثانية ضامنة عليها لمغادرتها بعد مهلة أقصاها ثلاثة أشهر".

وتساءل الشجاع "وماذا بعد؟ هل سيتم نقل القوات المشتركة إلى شبوة والبيضاء والجوف كما ورد في بيان هذه القوات الذي قال بأن هناك جبهات أكثر أهمية وبعيدة عن الاتفاقيات".

وأوضح أنه "بسبب مطالبة السلطة المحلية في شبوة مغادرة المنشأة، ولما كان الوقت يقترب من نهاية المهلة، طلبت الإمارات بعلم من السعودية من القوات المشتركة إخلاء مواقعها للحوثي بطريقة تحدث صدمة ورعبا حتى يتم تأجيل الانسحاب من شبوة".

وتعد منشأة "بلحاف" لتصدير الغاز أكبر مشروع استثماري في اليمن، وتقدر تكلفة إنشائه بنحو 5 مليارات دولار، وترفد الاقتصاد اليمني بحوالي 4 مليارات دولار سنويا.

وتساهم في المنشأة شركات دولية ويمنية، أبرزها شركة "توتال" الفرنسية التي تستحوذ على نحو 40 بالمئة من المشروع.

حمى تخريبية 

على غرار أنشطتها التخريبية في البلدان التي لا يسيطر عليها حلفاؤها، اتبعت أبوظبي مختلف الأساليب غير المشروعة في سبيل تحقيق فرض أجندتها السياسية والاقتصادية في محافظة شبوة.

وتواجه محافظة شبوة لعمليات تخريب متواصلة تستهدف الاستقرار والتنمية في المحافظة.

وتتعرض شبكة الكهرباء وخطوط نقل البترول والغاز ومواقع نفطية للاستهداف، فضلا عن هجمات عسكرية لا تتوقف على النقاط والدوريات في المحافظة.

ويرى مراقبون أنه رغم توقف المعارك في شبوة بين الحكومة الشرعية و"المجلس الانتقالي" بعد أن سيطرت القوات الحكومية على كامل تراب المحافظة، باستثناء منشأة بلحاف، إلا أن الحرب بين الطرفين تحولت من مضمار المواجهة العسكرية إلى مضمار المواجهة الأمنية.

وتشهد المحافظة سلسلة من العمليات التخريبية تحمل بصمات "حرب العصابات"، تقودها جماعات مسلحة، وغالبا ما كانت تكشف عمليات التحري والمراقبة عن وقوف خلايا تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وراء العمليات التخريبية.

وفي مواجهة عمليات التخريب أعلنت الأجهزة الأمنية في شبوة، عدة مرات، أنها تمكنت من القبض على عناصر مسلحة متهمة بالقيام بأعمال تخريبية، تستهدف المصالح العامة والخاصة في المحافظة.

وقال مدير البحث الجنائي في محافظة شبوة، عبدالله العياشي، خلال تصريح صحفي في 9 أبريل/نيسان 2021 إن "التحقيقات مع العناصر المسلحة كشفت انتماءهم لما تسمى قوات (النخبة الشبوانية) التابعة للمجلس الانتقالي، وارتباطهم المباشر بلقاءات مع المندوب الإماراتي في منشأة بلحاف للغاز الطبيعي المسال".

و"النخبة الشبوانية"، هي قوات تشكلت على أساس قبلي، وأشرفت الإمارات على إنشائها عام 2016.

وكانت قوات النخبة قد تحركت في أغسطس/آب 2019 للسيطرة على محافظة شبوة كليا، بعد تمكن قوات المجلس الانتقالي من طرد الحكومة وقوات الحماية الرئاسية من عدن.

واشترطت قوات النخبة رحيل محافظ المحافظة ابن عديو وأي جنود من المحافظات الشمالية، لكنها هزمت على إثر هجمة عسكرية معاكسة للجيش اليمني انتهت بطردها من المحافظة.

وأكد العياشي أن التحقيقات أفضت لاعتراف المتهمين بالعمل ضمن خليتين، مهمتهما تخريب المصالح العامة، ورصد منازل القيادات العسكرية والأمنية والشخصيات الاجتماعية الموالية للحكومة اليمنية.

وقال الصحفي والناشط السياسي، أحمد ماهر لـ"الاستقلال"، إن "الإمارات تنتهج سياسة التخريب وافتعال الأزمات في شبوة، بهدف نشر الفوضى وإفشال سلطة المحافظ ابن عديو".

وأكد الناشط السياسي أن "أبو ظبي لم تتقبل طلب السلطة المحلية بشبوة إخلاء منشأة بلحاف من القوات الإماراتية، وهي تنتقم من المحافظ باللجوء للتخريب ومحاولة زعزعة الأمن داخل المحافظة".