لماذا ترفض "قوات سوريا الديمقراطية" تسليم الأسد مناطق على حدود تركيا؟

تواصل روسيا ضغطها على قوات سوريا الديموقراطية، من أجل انتزاع اتفاقات جديدة حول مدن الشمال السوري تصب في صالح نظام بشار الأسد، وذلك عبر استغلال مخاوف مليشيا "قسد" من عملية عسكرية تركية مرتقبة بالمنطقة.
ورغم أن المفاوضات بين "قسد" والنظام السوري برعاية روسية، تسير وفق توافقات كثيرة، إلا أن تمسك الأولى باعتراف موسكو ورأس النظام بشار الأسد بإدارتها الذاتية، هو أبرز العقبات أمام حصول اتفاق شامل.
وهذا الاتفاق هو الذي تعول عليه "قسد" من أجل قبول الاعتراف بها من قبل النظام السوري، ورسم ملامح المناطق التي تسيطر عليها شمالي وشرقي سوريا، ويشكل وجودها فيها التهديد الأكبر لتركيا.
لكن الوقائع الميدانية تشير إلى أن الاتفاق غير ممكن، لكون النظام السوري، لن يقبل بما دون إنهاء سلطة "قسد" بشكل كامل على المناطق التي تسيطر عليها، وتسليمه حقول النفط والغاز، ودمج مليشياها ضمن تشكيلات وزارة دفاعه، وهو ما ترفضه قسد.
مناورة روسية
وجديد ذلك ما كشفته إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية "مسد" وهو الذراع السياسي لمليشيا "قسد"، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عن رفضهم عرضا روسيا بإدخال ثلاثة آلاف عنصر من قوات النظام السوري إلى مدينة عين العرب الخاضعة لقسد شمالي سوريا.
وتتمثل المناورة الروسية في اللعب على رغبة تركيا في السيطرة على عين العرب لربط مناطق المعارضة شرق نهر الفرات وغربه، عبر طرح عروض على "قسد" لدخول النظام إلى المدينة، ما سيكسبه أوراقا عسكرية لمقايضة تركيا، لا سيما في محافظة إدلب التي تعد حاليا بيضة القبان في الملف السوري.
وتذرعت أحمد أن سبب الرفض لمقترح موسكو، هو منع تكرار سيناريو درعا في عين العرب، حسبما نقلته وكالة "نورث برس" المحلية.
وكان النظام السوري أنهى ملف محافظة درعا وأخضعها لنفوذه عبر اتفاق تسوية فرضه على الأهالي أواخر أغسطس/آب 2021، قضى بعودة النظام إلى بعض أحيائها ومدنها التي جرى طرده منها قبل تسع سنوات.
ويجرى حاليا بشكل متقطع حوار سياسي بين "قسد" والنظام السوري، برعاية روسية، لم يتم التوصل خلاله لأي تقدم، بينما قدم الروس مقترحا لدمج "قسد" مع قوات الأسد.
وهذا المقترح يرفضه قائد "قسد"، مظلوم عبدي، الذي يطالب بأن تحافظ مليشياه على "وجودها التنظيمي العسكري وتحمي المناطق التي تنتشر فيها شمالي وشرقي سوريا كجزء رسمي من الجيش السوري".
وأوضح عبدي أن النظام "يقبل أن تكون قسد جزءا من قواته، لكن دون أن تكون لهذه القوات خصوصيتها واستقلاليتها العسكرية".
وسبق لـ"إلهام أحمد" أن أكدت في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أن جميع اللقاءات مع النظام السوري للوصول إلى تفاهمات معه حول مصير مناطق شمال شرقي سوريا الخاضعة لقسد باءت بالفشل.
وتأتي العروض الروسية المقدمة لقسد، على ضوء استعداد تركيا لشن عملية عسكرية تستهدف "قسد" بمناطق شمالي سوريا ذات أهمية إستراتيجية.
وسبق أن نقل موقع "المونيتور" الإخباري في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2021 عن قائد ميداني لم يسمه في الجيش الوطني التابع للمعارضة، ترجيحه بأن تكون العملية التركية القادمة في تل رفعت بريف حلب كما لم يستبعد أن تكون العملية في مدينة عين العرب بريف حلب.
قرار أميركي
وكانت غرف عمليات عسكرية تتبع فصائل المعارضة تحدثت أواخر أكتوبر/تشرين الأول أن العملية التركية المرتقبة بمساندة من الجيش الوطني السوري ستكون على محورين.
الأول، يشمل مدن (تل تمر _عين عيسى _ عين العرب) الخاضعة لـ "قسد"، بهدف ربطها بمدينتي تل أبيض ورأس العين الخاضعتين للجيش الوطني.
أما المحور الثاني، من العملية فيشمل مدينتي منبج وتل رفعت بريف حلب الخاضعتين لـ"قسد" ووصولا إلى رادار الشعالة غرب مدينة الباب الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني.
وفي هذا الإطار، ينظر القيادي في المعارضة السورية، فاتح حسون، إلى أن رفض "قسد" للعرض الروسي، يأتي نتيجة تخوفها من العملية التركية، لكن غدر نظام الأسد بمباركة روسية يشكل خطرا أكبر عليها من تكرار سيناريو درعا في عين العرب".
وأضاف حسون لـ "الاستقلال"، أن مليشيا قسد "تقف خلفها أميركا وهي لن تقبل بأي اتفاق مع الأسد، لأن واشنطن لها أجنداتها الخاصة، وبالتالي فإن تسليم قسد مناطق حدودية لنظام الأسد يعني أن واشنطن ستخسر هذه الورقة لصالح موسكو".
وذهب القيادي في المعارضة للقول إن "نظام الأسد يسعى لتعزيز وجوده في مناطق سيطرة "قسد" بدفع من روسيا لزيادة الضغط على كل من أميركا التي تسيطر على منابع النفط، وكذلك على تركيا وقوات الجيش الوطني".
فيما يرى مراقبون سوريون أن مسألة المناطق الحدودية وتسليم بعضها للنظام السوري هو قرار واشنطن ومرتبط بانسحاب قواتها من سوريا.
ويؤكد هؤلاء أن واشنطن لن تخسر كل الأوراق لصالح الروس والنظام السوري، ما سيعزز موقفهما من الحل السياسي في البلاد الذي تؤجله وتماطل فيه أميركا بشكل واضح.
وتدل الوقائع أن "قسد" ما تزال تربط كثيرا من الملفات التي تمسك بها في الملف السوري، بمسألة الاعتراف بـ "إدارتها الذاتية" الكردية شمال شرقي سوريا، وهو ما ترفضه موسكو والنظام معا.
الاعتراف بـ"قسد"
وفي السياق، ربط عضو رابطة المستقلين الكرد، عبد العزيز التمو، رفض "قسد" للعرض الروسي، بأنه جاء "ردا على التصريحات النارية الروسية التي أطلقها مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا من دمشق بأنهم لن يقبلوا دولة داخل دولة".
واعتبر التمو في تصريحات تلفزيونية في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أن "حالة الرفض التي تدعيها قسد هي عبارة عن بروباغندا إعلامية لبعث رسائل لإرضاء جمهورها بأنها تعترض على شروط النظام، لكن قسد تعترض فقط على مسألة الاعتراف بالإدارة الذاتية".
وأضاف: "قسد تريد استمرار الإدارة الذاتية القائمة حاليا في مناطقها شمال شرقي سوريا، واعتراف النظام وروسيا بها كإدارة ذاتية يشرعن تواجد حزب العمال الكردستاني على الأراضي السورية ما يعني جعل المنطقة غير مستقرة، لرفض تركيا وجود إرهابيين على حدودها".
وزاد بالقول إن "قسد وضمن المباحثات مع النظام السوري برعاية روسية قبلت بانضمام قواتها إلى جيش النظام ضمن الفيلق السادس الذي سيُشكل لاحقا".
وكان الائتلاف الوطني السوري المعارض حذر في بيان صدر في 20 يوليو/تموز 2021 من أن "المطالبة بالاعتراف بمليشيات قسد التي تفرض نفسها على الشعب السوري بالحديد والنار، يمثل انتهاكا لوحدة التراب السوري".
واعتبر الائتلاف أن كل من يفتح الطريق للتعامل مع مليشيا قسد، "فهو يعلن عن علاقة مباشرة مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي PKK".
وأكد كذلك أن "هذه المليشيا ارتكبت بحق الشعب السوري جرائم تهجير وتغيير ديموغرافي وانتهاكات جسيمة، وسيطرت على موارد سوريا وجيرتها لتحقيق أجندات دخيلة غير وطنية".
بدوره، عزا الصحفي السوري حسن الشريف، ما يجرى بين قسد وموسكو، بأنه ضمن "استمرار عملية الابتزاز من قبل روسيا والنظام السوري لقسد لتقديمها تنازلات على وقع التهديد التركي بعملية عسكرية".
وتعد مدينة عين العرب ضمن مشروع قوات قسد الانفصالي شمالي سوريا، وهي تقع شرق نهر الفرات بنحو 25 كيلومترا وقرب الحدود التركية، حيث يهدف النظام السوري من السيطرة عليها لقطع الطرق الواصلة لمناطق الجيش الوطني بين شرق الفرات وغربه.
ابتزاز لتركيا
وضمن هذه الجزئية يلفت الشريف لـ "الاستقلال" إلى أنه "بحسبة عسكرية واقعية على الأرض فإن طلب دخول قوات الأسد إلى عين العرب تحديدا يأتي لأهميتها الإستراتيجية أولا".
ثانيا، تقول الوقائع العسكرية وفق الشريف "إن النظام يريد أن يسبق تركيا ويأخذ عين العرب، لأن العملية العسكرية التركية ربما ستبدأ بهدف السيطرة على طرق رئيسة تربط بين المحافظات الثلاث (الحسكة- حلب- الرقة) والتي تسيطر قسد على قرى فيها".
وزاد بالقول: "إن سقوط تلك الطرق يعني محاصرة مدينة عين العرب وعزل مدينة منبج الإستراتيجية التي تعد أبرز أهداف الجيش التركي للسيطرة عليها".
ولهذا بدت رغبة النظام السوري واضحة حول اللعب على وتر الرغبة التركية بسيطرة الجيش الوطني السوري على مدينة عين العرب، الذي يعني شريط سيطرة جديد على الحدود السورية يمتد من عين العرب غربا إلى رأس العين شرقا.
وذهب الشريف للقول إن "العرض الروسي لقسد بدخول قوات الأسد لمدينة عين العرب كان بمثابة ورقة ضغط روسية على تركيا فيما لو حصل اتفاق ووافقت قسد، لطلبت موسكو من أنقرة تقديم بعض التنازلات في محافظة إدلب".
ويضيف الصحفي السوري أنه "في مقدمة تلك التنازلات تسليم قوات النظام السوري مدينة أريحا الخاضعة للمعارضة والواقعة جنوب إدلب".
وأريحا ذات موقع حيوي بتموضعها على سفح جبل الأربعين الذي يشرف على مساحات واسعة في محافظتي إدلب وحماة التي يمر بجانبها الطريق الدولي حلب– اللاذقية (أم 4) الذي يربط عاصمة الاقتصاد حلب بالساحل السوري.
لذا يسعى النظام السوري حاليا أكثر من أي وقت مضى، لتغيير خارطة السيطرة جنوب إدلب عبر إيجاد موطئ نفوذ له هناك من خلال صفقة تركية - روسية يكون هو المستفيد منها اقتصاديا.