"سرق حلم مرسي".. هل يفلح السيسي في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح؟

12

طباعة

مشاركة

"إذا أردنا امتلاك إرادتنا؛ علينا إنتاج غذائنا ودوائنا وسلاحنا"، كلمات أطلقها الرئيس المصري الراحل محمد مرسي أمام قادة الجيش الثاني الميداني بالإسماعيلية في 4 أغسطس/آب 2012، في وقت مبكر من ولايته التي امتدت لعام واحد فقط، معلنا إستراتيجيته لقيادة البلاد نحو الاكتفاء الذاتي.

ومنذ انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح السيسي، رئيس النظام الحالي، على الرئيس مرسي في 3 يوليو/تموز 2013 لم يعلن يوما عن رغبته في الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء والسلاح، بل ظل طوال 8 سنوات يدعم بشكل مبالغ فيه الاستيراد والمنتج الأجنبي على حساب المنتَج والمنتِج المحلي.

غير اعتيادية

لكن وعلى غير العادة اتخذ نظام السيسي قرارا في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، اعتبره البعض خطوة نحو الاكتفاء الذاتي من الحبوب، وذلك برفع سعر توريد الفلاح المصري للقمح بالتزامن مع تحذيرات عالمية من احتمال حدوث أزمة غذاء كبيرة، وبالتالي ارتفاع أسعار الحبوب المستوردة.

وعلى طريقة الرئيس الراحل مرسي في دعم الفلاح خلال عام حكمه، قرر مجلس وزراء النظام زيادة سعر إردب القمح المحلي 100 جنيه (6.3 دولارات) ليصبح 825 جنيها (53 دولارا).

وثمن الخطوة رئيس حزب "الجيل"، ناجي الشهابي، مطالبا الحكومة بتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، داعيا إياها في بيان للتوسع الأفقي بزيادة مساحات زراعة القمح، والتوسع الرأسي بزراعة أصناف ذات إنتاجية عالية (24 إردبا) للفدان، وإنشاء الصوامع الحديثة لتقليل نسبة الهدر والفاقد.

وتستورد مصر القمح بأسعار أغلى مما تعطيه للفلاحين مقابل توريد القمح لوزارة التموين، ما تسبب في تقليل المساحة المنزرعة وجعل القاهرة المستورد الأول للقمح عالميا.

ويستهلك المصريون سنويا نحو 21  مليون طن تقريبا، ينتج الفلاح منها 9 ملايين طنا تزرع في ثلث المساحة المنزرعة في فصل الشتاء، ويجري استيراد الباقي بنحو 12 مليون طن.

وعن أهمية قرار رفع سعر توريد القمح من الفلاح في تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر، قال مستشار وزير التموين الأسبق، عبدالتواب بركات: "في الوجه البحري ومصر الوسطى يزرع الفلاح المحصول الشتوي في سبتمبر/أيلول".

وأضاف لـ"الاستقلال": "زراعة البرسيم، المحصول صاحب العائد المالي الأوفر والمنافس الأكبر للقمح، تكون في أكتوبر/تشرين الأول، وتجهيز الأرض وحرثها وريها لزراعة القمح في أكتوبر/تشرين الأول، وزراعتها في نوفمبر/تشرين الثاني والأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول".

وأكد بركات، وهو الأستاذ المساعد بمركز "البحوث الزراعية" في القاهرة، أن "فلاحي مصر العليا يفعلون ذلك، لكن تتأخر زراعتهم 15 يوما عن الوجه البحري لارتفاع درجات الحرارة، أما تبكير الزراعة عن هذه المواعيد أو تأخيرها يضر بالمحصول ويصيبه بالأمراض والأصداء ويقل إنتاج القمح بدرجة تصل للنصف".

وتابع: "لذلك يوصي خبراء مركز البحوث الزراعية الحكومات منذ بدأ الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر استيراد القمح بداية ستينيات القرن الـ20 بضرورة إعلان سعر ضمان محفز لمحصول القمح بداية أغسطس/آب؛ لتشجيع الفلاحين على زراعته قبل زراعة البرسيم".

ويجزم بركات بأن "هذا لم يحدث أبدا، وكانت الحكومة تعلن السعر قبل الحصاد بأسبوعين، أي أبريل/نيسان، وغالبا ما يكون سعرا مجحفا وبخسا، وعادة تشتري الحكومة المحصول من المزارعين بعهد عبدالناصر وأنور السادات بسعر يقل عن نصف سعر السوق العالمي".

وشدد على أن "هذا السبب دفع المزارعين للعزوف عن زراعته، حتى أصبحت مصر على كرسي الدولة المستوردة الأولى للقمح في العالم".

ولفت بركات إلى أنه "بعهد المخلوع حسني مبارك، اتبع وزير زراعته يوسف والي سياسة أكثر خبثا، فوضع سعرا عاليا لاستلام القمح ولكنه أقل منافسة من محاصيل أخرى شجع بزراعتها وتنافس القمح أو تشغل الأرض الزراعيـة المناسبة لزراعته كالعنب والكاكي والبطاطس".

وهذا ما أدى إلى "تراجع المساحة المنزرعة بدرجة كبيرة، وزادت درجة اعتماد الحكومة على الاستيراد من أميركا وروسيا وفرنسا وأوكرانيا طوال عهد مبارك وحتى السيسي".

وأوضح بركات، أنه "لذلك لن يكون لقرار الحكومة إعلان سعر شراء القمح من الفلاحين بهذا التوقيت تأثير كبير على زيادة المساحة المنزرعة بالقمح 2021، لسببين، الأول، أن الفلاح زرع مساحة البرسيم التي اعتادها سنويا بالفعل قبل شهر من القرار".

ولمح إلى أن "السبب الثاني، أن الزيادة الجديدة في السعر عن 2020، وهي 100 جنيه (6.3 دولارات) للإردب غير عادلة ولا كافية ولا تغطي الزيادة في تكاليف الأسمدة التي زادت من 65 جنيها عام 2013 إلى 250 جنيها وتصل 400 جنيه (25 دولارا) بالسوق السوداء".

ويستبعد مستشار وزير التموين الأسبق أن "يسعى السيسي إلى الاكتفاء الذاتي من القمح لأن الأموال المخصصة بالموازنة العامة للدولة لدعم القمح أصبحت صفرا على يديه، وأعلن وزيرا التموين والزراعة بعهده انتهاء دعم القمح، وكتبت صحيفة الأهرام الزراعي مانشيتا عريضا يقول (القمح في ذمة الله)".

يغضب أميركا

وفي السياق، يقول أستاذ علوم الوراثة والجينات بكلية الزراعة جامعة الزقازيق، سعيد سليمان: "نادينا بإعلان سعر توريد القمح قبل الزراعة، أي سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول، وألا يقل عن 800 جنيه للإردب (51 دولارا)".

ويضيف لـ"الاستقلال": "وأخيرا استجابت حكومة النظام ولكن متأخرا، فالكل زرع البرسيم والبنجر بدلا من القمح؛ لكن أن يأتي متأخرا خير من ألا يأتي مطلقا".

لكن صاحب مشروع "أرز عرابي المقاوم للجفاف"، سليمان، يجزم بأن "تأثير القرار محدود في زيادة المساحة المنزرعة من القمح للأسف، ولكنه يرفع الإنتاجية خاصة إذا وفرت الدولة الأسمدة التي تصدر 50 بالمئة منها وتترك الفلاح يشتري شيكارة اليوريا بـ400 جنيه (25 دولارا) من 160 جنيها نحو (10 دولارات) سعرها الأصلي".

ويلفت إلى أن "الأهم أننا نستطيع زراعة 2 مليون فدان على المطر فقط بالقمح، ونجحنا في ذلك عام 2018 بمنطقة برج العرب، لكن لم يهتم أحد للأسف، لأنه لا يوجد مسؤول يريد تحسين الاكتفاء الذاتي من القمح حتى لا يغضب أميركا وشركائها التي نستورد بقاياهم الرديئة من القمح".

ويختم الأكاديمي سليمان مشددا على أن "مصر قادرة على الاكتفاء الذاتي من القمح وكل المحاصيل إذا تولى مسؤولية الزراعة بشر يعملون على تطويرها لا تدميرها".

من جانبه، يرى القيادي بحزب "التحالف الشعبي"، المهندس الزراعي، فؤاد سراج الدين أن "الاكتفاء الذاتي في ظل مساحة الأرض الزراعية المصرية المحدودة حوالي 8 ملايين فدان يحتاج مركبا محصوليا مركزيا وتمويلا لهذا المركب، وطرحنا دراسات كثيرة بهذا الشأن".

ويضيف لـ"الاستقلال": "أما سعر القمح عالميا ربما يكون أقل من سعر القمح المصري، نظرا لأن معظم الدول المنتجة تزرعه على المطر، ودون تكلفة ري، وتدعم الحكومات الفلاح أو المزرعة، وهذا يمثل فرق السعر".

ويستدرك سراج الدين قائلا: "لكن الفكرة في الاكتفاء الذاتي؛ فربما يكون معك أموال ولا تجد السلعة، ثم إن إنتاج القمح يوفر فرص عمل كثيرة مترتبة على إنتاجه محليا، وتشغيل عمالة وعلفا وتبنا ومطاحن وإنتاجا حيوانيا وصوامع ونقلا وغيرها".

ويتابع: "ما يعني منظومة جبارة مفيدة للفلاح والبلد والمستهلك والنقل وخلافه، ونحن في ظل هذه المساحة المحدودة نستطيع تحقيق أكثر من 80 بالمئة من الاكتفاء الذاتي للقمح خلال ثلاث سنوات، وكذلك باقي حبوب الغذاء، خاصة حبوب الزيوت".

اكتفاء مرسي

وفي مقابل ما لاقاه الفلاح المصري من تجاهل نظام السيسي وفرض الأعباء التي تتضاعف سنويا في ظل ارتفاع أسعار القمح عالميا، إلا أن مرسي خلال عام حكمه حاول رفع الظلم عن الفلاح، وزيادة الإنتاج والاكتفاء الذاتي من القمح كسلعة إستراتيجية.

وفي 15 مايو/أيار 2013، أعلن الرئيس مرسي أن مصر أكبر مستورد للقمح في العالم في طريقها للتوقف عن استيراده خلال 4 سنوات والاعتماد على إنتاجها المحلي المتزايد.

ومن قلب حقول القمح، قرب مدينة الإسكندرية (شمال)، أكد مرسي أنه من المنتظر وصول إنتاج القمح في 2013، إلى 9.5 ملايين طن، بزيادة 30 بالمئة مقارنة بـ7 ملايين طن في الأعوام السابقة.

وأضاف أن البلاد تسعى خلال عامين لإنتاج 12 مليون طن، لتغطي 80  بالمئة من احتياجات مصر من القمح، وأنه يهدف لوقف استيراد تلك السلعة الإستراتيجية في غضون 4 سنوات.

وتحت عنوان "مشروعات التحرر الوطني عند الرئيس مرسي: الاكتفاء الذاتي من الغذاء"، نشر مستشار وزير التموين في عهد مرسي، بركات، دراسة بـ"المعهد المصري للدراسات" في 23 يونيو/حزيران 2020.

بركات، رصد خطوات برنامج مرسي لتحرير الاقتصاد المصري من التبعية، عبر "تشجيع الإنتاج المحلي، وترشيد الاستيراد، و"العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية كالقمح والسكر والزيت واللحوم والقطن".

وأكد أن مرسي سعى لزيادة الرقعة الزراعية واستصلاح أراض جديدة بالصعيد وشمال سيناء والساحل الشمالي الغربي والوادي الجديد بنحو مليون ونصف فدان، مع زيادة إنتاج الأرض القديمة لـ7 بالمئة سنويا بتطوير نظم الري والزراعة الحديثة.

ولفتت الدراسة إلى أن مرسي قدم الدعم للفلاح لمواجهة ارتفاع تكلفة الزراعة، وألغى ديون 52 ألفا من صغار المزارعين، وقام بهيكلة "بنك التنمية الزراعي" ليقتصر على تمويل النشاط الزراعي بدون فوائد مبالغ فيها، كما دعم المشروعات الصغيرة بمجالات الزراعة.

وأوضحت أنه وفي إطار الاكتفاء الذاتي من القمح زادت المساحة المزروعة بعهد مرسي 10 بالمئة، والإنتاجية 30 بالمئة، كما أوقف استيراد القمح في فبراير/شباط 2013.

وأشارت الدراسة إلى أن قرار الاكتفاء الذاتي من القمح "رغم أنه يحرر مصر من التبعية الغذائية، لكنه يغضب القوى الدولية"، مبينا أن ممثل وزارة الزراعة الأميركية قال لوزير التموين بعهد مرسي، باسم عودة: "قرار الاكتفاء الذاتي من القمح خاطئ، ويسبب لكم الكثير من المشاكل".

وفي بداية حكم مرسي، تم الاتفاق على بناء 100 صومعة بمواصفات عالمية لتخزين القمح بتكلفة  80 مليون جنيه (5.1 ملايين دولار) للصومعة سعة 60 ألف طن، لكن بعد الانقلاب زادت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة التكلفة إلى 180 مليون جنيه (11.5 مليون دولار) للصومعة الواحدة، ثم تضاعفت لاحقا.

أعباء السيسي

الكثير من قرارات مرسي لدعم الزراعة والفلاح والقمح ألغاها وزير الزراعة بعد الانقلاب، أيمن فريد أبوحديد، وخاصة قرار إسقاط الديون الأخرى على الفلاحين.

كما أن الوزير أعلن في مايو/أيار 2014 أن إنتاج القمح بلغ 8 ملايين طن، في انخفاض غريب بنحو 1.5 مليون طن بعد عام من الانقلاب على مرسي.

واستكمالا لتوجهه لإلغاء قرارات مرسي بدعم الفلاح، أصدر السيسي القانون (84 لسنة 2016) بتحويل بنك "التنمية والائتمان الزراعي" إلى شركة مساهمة يعمل وفق قوانين البنك الاستثماري، ونقل ملكياته وأصوله المملوكة للمزارعين للنسخة الجديدة من البنك.

كما أوقفت حكومات السيسي مبادرة مرسي للتوسع في زراعة الذرة الصفراء لصالح زيادة الاستيراد لتبلغ 9.5 ملايين طن، ولتحتل مصر المرتبة السادسة عالميا بواردات الذرة بقيمة 1.5 مليار دولار، تمثل 5.1 بالمئة من التجارة العالمية، وفق دراسة بركات.

وأشارت الدراسة إلى أنه في عهد السيسي حدثت عمليات فساد باستيراد القمح وصفها بـ"القذرة"، مبينا أنه عام 2016، استلمت وزارة التموين 2 مليون طن قمح مستورد على أنه محلي، بعملية فساد كبدت الدولة 2 مليار جنيه نحو (128 مليون دولار) فرق أسعار.

ورصدت الدراسة أن السيسي لم ينطق بكلمة عن الاكتفاء الذاتي من القمح، موضحة أن وزير التموين في حكومته خالد حنفي، قال: "لا يجب أن يكون عندنا اكتفاء ذاتي من القمح، وليس من مصلحة مصر الاكتفاء ذاتيا منه"، بل وقفز بالاستيراد إلى 12 مليون طن، بزيادة 70بالمئة.

وفي عهد السيسي تراجعت المساحات المنزرعة بالقمح لعام 2020، بنحو 500 ألف فدان عن 2019، بحسب تقرير وزارة الزراعة.

وزادت واردات القمح في العام الأول من انقلاب السيسي من 8.4 ملايين طن في عهد مرسي، إلى 10.15 ملايين طن نهاية 2013، وارتفعت إلى 11.3 مليون طن عام 2014، ثم إلى 11.9 مليون طن عام 2015، ووصلت إلى 13 مليون طن في 2019، وفقا للجهاز المركزي للمحاسبات.