حال سقوط مأرب بيد الحوثيين.. ما مستقبل الحكومة الشرعية في اليمن؟

12

طباعة

مشاركة

يوما بعد آخر، يفضي التصعيد الميداني الذي بدأته جماعة الحوثي في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، على الأطراف الجنوبية لمحافظة مأرب (شمال)، إلى تقدم عناصرها وسيطرتهم على أهم المديريات.

وتمكن مسلحو الحوثي من إسقاط مديرية حريب، في 23 سبتمبر/أيلول 2021، فيما انسحب مقاتلو قبائل مديرية العبدية في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعد حصار خانق فرضته عناصر الحوثي على المديرية.

وسقط مركز مديرية الجوبة، وإدارة أمنها، بيد الحوثيين نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2021، وفي 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثي يحيى سريع، في تغريدة عبر تويتر سيطرة جماعته على مديرية جبل مراد.

وبهذا باتت المليشيات الحوثية على بعد 30 كيلومترا من مدينة مأرب، مركز المحافظة، والمعقل الأخير للحكومة اليمنية، والمقر الرئيسي لوزارة الدفاع.

وتضم محافظة مأرب أكبر تجمع للطاقة في اليمن، ويوجد فيها محطة مأرب الغازية، التي ظلت تزود معظم المحافظات بالطاقة الكهربائية قبل تضررها إثر اندلاع الحرب في المحافظة.

هذه التطورات أثارت تساؤلات بخصوص المآلات والسيناريوهات المتوقعة لمعركة مأرب، في وقت كانت تلوح في الأفق جهود تسوية سياسية برعاية دولية.

أسوأ سيناريو

يرى العديد من الخبراء أن "السيطرة على مدينة مأرب لها الكثير من التعقيدات والأبعاد الخطيرة التي يجب النظر فيها باهتمام خاص"، مؤكدين أن "مأرب تمتلك قرار حسم المعركة في اليمن".

وقال مدير "برنامج السياسة العربية" في معهد واشنطن، ديفيد شينكر: "إذا هزم الحوثيون الجيش اليمني المدعوم من السعودية وسيطروا على مركز الطاقة في اليمن، فإنهم يكونون بذلك قد انتصروا فعليا في الحرب".

وتوقع شينكر بأن "تكون العواقب المحتملة كبيرة، ولن يتوقف الحوثيون على استهداف حلفاء الولايات المتحدة في الخليج عسكريا".

ولفت إلى أن "التحالف السعودي المتأرجح إذا خسر مدينة الحديدة اليمنية وبقية ساحل البحر الأحمر، يمكن للحوثيين بسهولة أيضا تعطيل أكثر من 6 ملايين من براميل النفط والمنتجات البترولية التي تمر يوميا عبر أحد الممرات الرئيسة في العالم، وهو مضيق باب المندب".

ويشير مراقبون دبلوماسيون إلى أن جماعة الحوثي قررت منذ بداية الحرب، التصعيد العسكري للاستيلاء على مأرب، "بعيدا عن مجرى المفاوضات التي تضلل العالم بالترحيب بها".

وتعثرت المحادثات المكثفة التي توسطت فيها الأمم المتحدة، في نيسان/أبريل ومايو/أيار 2021، لمناقشة وقف إطلاق النار في كل من مأرب واليمن بشكل عام، بعد أن رفض الحوثيون الاتفاق. 

وأفاد تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن "ميل الحوثيين نحو الحل العسكري بدلا من حل تفاوضي يؤتي ثماره، بعد عامين من حملتهم العسكرية في مأرب".

وقالت "إذا حقق الحوثيون انتصارا، فسيكون بالتأكيد باهظ الثمن، فقد أفادت الأنباء أن الحوثيين فقدوا آلاف الجنود، والعديد منهم أطفال، في هذا الجهد، لكنه سيمثل نقطة تحول".

وتابعت المجلة: "في الواقع، كان وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو محقا عندما وصفهم رسميا بالإرهابيين، فالجماعة تقصف عمدا المستشفيات وتجند وتنشر جنودا من الأطفال، وفي 30 ديسمبر/كانون الأول 2020، حاولت قتل جميع أعضاء الحكومة اليمنية".

ونقل مراسل وكالة "شينخوا" الصينية، فارس الحميري، عن مصادر محلية أن "الحوثيين باتوا يدفعون بأعداد كبيرة من الأطفال ضمن أنساقهم الهجومية في المعارك الدائرة منذ أسابيع جنوب مأرب، في ظل سقوط العشرات من هؤلاء الأطفال قتلى وجرحى بشكل شبه يومي".

جحيم إنساني

وبحسب مراقبين فإن كارثية الوضع الإنساني في حال سقوط مأرب بيد جماعة الحوثي "ستمثل أسوأ سيناريو يمكن أن يعيشه اليمن". 

ونشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلتها في الشرق الأوسط، بيثان ماكرنان، استعرضت فيه الكلفة الباهظة لمعارك مأرب، التي لطالما كانت تستقبل النازحين من مناطق البلاد الأخرى على مدار السنوات الماضية.

وأشارت ماكرنان إلى أن "أكثر من 100 مدني قتلوا او جرحوا في مأرب خلال أكتوبر/تشرين الأول 2021، مع احتدام القتال هناك".

وفي 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قُتل 39 مدنيا في هجوم صاروخي شنه الحوثيون استهدف مسجدا ومدرسة دينية للسلفيين في قرية العمود جنوب مأرب.

وقالت "الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب" (حكومية)، في تقرير نشرته وكالة الأناضول التركية نسخة منه، إنه منذ مطلع سبتمبر/أيلول 2021 "لم تتوقف الأعمال العدائية للحوثيين على الآمنين" في مديريات مأرب الجنوبية.

وأضافت أن "الوضع الإنساني سيظل حرجا، حيث لا يزال ثلث اليمنيين يواجهون المجاعة ويعتمدون على برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة للحصول على القوت اليومي".

وفي السياق ذاته، يرى الباحث في مركز "مجموعة الأزمات الدولية"، بيتر سالزبوي، أن "عدد سكان مأرب زاد خلال سنوات الحرب الأهلية من 300 ألف إلى 3 ملايين نسمة".

ومنذ بداية الحرب في اليمن قبل نحو 8 أعوام، حظيت مأرب بالأمن والتنمية، ومكنها ذلك من إيواء أكثر من مليوني نازح، فروا من القمع في مناطق سيطرة "الحوثي".

ونزح حوالي 10 آلاف شخص في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بحسب "وكالة الإغاثة" (خيرية دولية)، في أكبر موجة نزوح سُجلت في أقل من شهر واحد هذا العام، بسبب التصعيد الحوثي الأخير على مأرب.

وكانت المديرة الإقليمية لقسم اليمن في مجلس اللاجئين النرويجي، إيرين هاتشينسون، قد أصدرت بيانا قالت فيه: "لا يمكن لموظفينا الوصول إلا إلى جزء صغير من المحتاجين في مأرب، وما نقدمه هو مجرد قطرة في المحيط مقارنة بالاحتياجات الهائلة".

ويحتاج أكثر من 70 بالمئة من اليمنيين إلى المساعدة للبقاء على قيد الحياة، ومع وجود 5 ملايين جائعين بالفعل يعاني قرابة نصفهم من انعدام الأمن الغذائي.

حسابات إيرانية

وفي مقال نشر على موقع مركز دراسات "جريان" الفارسي، قال الكاتب الإيراني علي رضا مجيدي إن "سيطرة الحوثيين على مأرب، ستغلق قضية الشرعية، وسيصبح الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وحكومته المعترف بها دوليا من الماضي".

وأضاف "لدی مدینة مأرب أهمیة اقتصادية ملحوظة، فهي أهم مراكز النفط والغاز في اليمن، وامتلاك ورقة مأرب في المفاوضات السياسية سيكون عاملا فعالا؛ لأنه في أي إطار سياسي، تعتمد صنعاء اعتمادا كبيرا على اقتصاد مأرب".

ومن وجهة نظر مجيدي فإنه من أجل تحقيق المصالح الإيرانية "يجب التمييز بين فئتين من العوامل الإيجابية والسلبية لهذا الحدث". 

ولفت إلى أنه "يوجد 138 مخيما للنازحين في المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية، وتعد محافظة مأرب أكبر مكان لتجمع معارضي الحوثي، بما في ذلك أحزاب المعارضة والقبائل في شمال اليمن".

وشدد مجيدي على أنه "في حال سيطر الحوثيون على مدينة مأرب، فستكون الطريق لتجزئة اليمن وانقسامه إلى دولتين مستقلتين".

وأضاف "لعل من أهم أسباب التأييد العلني للمجلس الانتقالي الجنوبي (المؤسسة السياسية البارزة للانفصاليين الجنوبيين)، لسيطرة الحوثيين على مأرب، اعتبار هذه العملية خطوة كبيرة نحو تفكيك وتجزئة اليمن واستقلال مناطق الجنوب عن صنعاء".

وبحسب مجيدي، ينبغي تسمية مدينة مأرب "حلقة الوصل الأخيرة بين شمال اليمن وجنوبه".

معركة وجودية

وعلى وقع التطورات العسكرية الأخيرة، أعلن محافظ محافظة مأرب، سلطان العرادة، رفض اليمنيين قبول الهزيمة أمام جماعة الحوثي.

وقال العرادة خلال مقابلة تلفزيونية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 عقب لقائه اللجنة الأمنية بالمحافظة، إن "مأرب صمدت وستصمد، مأرب كسرت أنوفهم في البداية، وستقضي على هذا المشروع في النهاية".  

واستدرك العرادة قائلا: "صحيح هناك مديريات سقطت، أنا أعترف بهذا، وليس عيبا، فالحرب سجال".

وبشأن الحديث عن سقوط جبهات جنوبي المحافظة بيد الحوثيين، أوضح العرادة أنه "ليس من مصلحة الوطن في هذه اللحظات الحديث عن أسباب سقوط تلك المناطق".

وشدد العرادة على أن "الشعب اليمني معني باستعادة دولته، يجب أن يعتمد اليمنيون على أنفسهم، لأنها معركتهم قبل أن تكون معركة التحالف العربي".

وتابع: "إيران دخلت بقوتها تدير المعركة من داخل صنعاء، من خلال ضباطها وخبرائها، وهذا يكثف المسؤولية على الإخوة الأشقاء في التحالف العربي".

وأكد مدير مكتب محافظ محافظة صنعاء في الحكومة الشرعية، نايف القيري، أن "التكتيك العسكري لقوات الجيش الوطني في جبهات جنوبي مأرب اقتضى تحويل تلك المناطق إلى بؤرة استنزاف للمقاتلين الحوثيين".

وذكر القيري لـ"الاستقلال" أن "خطة الشرعية في مناطق جنوبي مأرب تمثلت في الانسحاب التكتيكي من المواقع العسكرية الجبلية صعبة التضاريس، وهذا سيسهل على قوات الشرعية وطيران التحالف صيد كل القوات الحوثية".

فيما يرى الصحفي والباحث اليمني، فهد سلطان، أن التهوين من خطورة التقدم الحوثي في مديريات جنوبي مأرب "خطأ كبير".

وقال سلطان في حديث مع "الاستقلال" إن "التكتيك العسكري لا يكون بهذه الطريقة، مأرب تعيش خطرا حقيقيا أكثر من أي وقت مضى، وعدم الاعتراف بالخطأ خطأ كبير، لكن هل يعني ذلك أن المعركة منتهية، الإجابة غير صحيح".