بعودة رفعت الأسد إلى سوريا.. ما الدور الذي يمكن أن يلعبه وأبناؤه تجاه روسيا؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فتحت عودة "رفعت" عم رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى سوريا بعد 37 عاما قضاها بمنفاه الأوروبي، الباب حول طبيعة الدور الذي سيلعبه لدعم وتثبيت الوجود الروسي في الساحل السوري.

إذ إن صفقة عودة رفعت الأسد الملقب بـ "جزار حماة" بعفو من ابن أخيه بشار عن حقبة الصراع مع شقيقه رئيس النظام السابق حافظ على السلطة، بدت تحمل بصمات روسية لها تأثيرها المستقبلي على الوضع بسوريا.

وأبعد رفعت إلى خارج البلاد عام 1984، قبل أن يعلن النظام صفح بشار عن عمه والسماح له بالعودة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وذلك منعا لسجنه في فرنسا بعد صدور حكم قضائي لمصادرة ممتلكاته وأمواله.

وذكرت صحيفة "الوطن" الموالية حينها أن بشار "ترفع عما فعله وقاله رفعت مثله مثل أي مواطن آخر لكن بضوابط صارمة، ولن يكون له أي دور سياسي أو اجتماعي".

ولد رفعت الأسد عام 1937 في مدينة القرداحة بريف اللاذقية، وهو الأخ الأصغر لحافظ من أبيه علي سليمان.

تزوج رفعت من أربع نساء، وهن أميرة الأسد ورجاء بركات وسناء مخلوف ولينا الخير، أما أولاده فمنهم، فراس ودريد وريبال وسوار وتماضر ومضر وسومر ولاما وتماذين.

وشغل رفعت مناصب نائب رئيس الجمهورية لشؤون الأمن القومي، وعضو القيادة القطرية لحزب "البعث" الحاكم.

وكذلك قائد "سرايا الدفاع" وهو تشكيل عسكري أسسه من عناصر وضباط من الطائفة العلوية المنتمي لها. وبعد نفيه خارج البلاد، أدمجت تلك السرايا في "الفرقة الرابعة" التي يقودها حاليا شقيق بشار، ماهر الأسد.

وفشل رفعت في الانقلاب على أخيه حافظ الذي كان رئيسا للنظام السوري بموجب انقلاب عسكري منذ 1971 وحتى وفاته عام 2000.

بقيت التكهنات تحوم حول أهداف الأطراف الدولية التي لعبت دورا بارزا في السماح لرفعت بالعودة في هذا التوقيت إلى سوريا.

صفقة مخابراتية

وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2021 نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تقريرا كشف الصفقة التي أعادت رفعت الأسد إلى مسقط رأسه في الساحل السوري، مؤكدة أنها تمت "بفضل خدمات قدمها للمخابرات الفرنسية".

وتشرح الصحيفة طبيعة الدور المخابراتي الذي لعبه رفعت مع باريس، بقولها إنه "أدى دورا في نسج علاقة من نوع مختلف مع المخابرات الفرنسية منذ العام 1982، استمرت لنحو 40 عاما".

وتضيف "لوفيغارو": "قدم رفعت خدمة كبيرة إلى مدير المخابرات الفرنسية في العام 1982، والتي كان لها دور كبير في الكشف عن شبكة صبري البنا، التي نفذت عمليات تفجير في فرنسا"، نالت مطعما يهوديا في باريس في العام المذكور وأوقعت آنذاك ستة قتلى و22 جريحا.

واستذكرت الصحيفة الوسام الذي منحه الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران لرفعت، وأكدت أن ذلك كان نتيجة تلك الخدمات التي قدمها للمخابرات الفرنسية.

ونوهت إلى أن رفعت دون مال ورجال، لم يعد يشكل أي تهديد، مشيرة إلى أنه منذ عام 2016 توقف عن مواقفه المعادية لابن أخيه رئيس النظام السوري.

ولعل هذا السياق يتقاطع ما ذكرته "لوفيغارو" مع تسجيل صوتي لرفعت مقتطف من مقابلة له في يوليو/تموز 2016، سربه الصحفي السوري خليل العجيلي الذي كان يعمل بقناة يملكها عم بشار وتسمى (ANN).

وتحدث رفعت في مقتطف المقابلة التي لم تبث وبقي محتفظا بها العجيلي ونشرها في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عن عودته إلى سوريا عدة مرات بعد مغادرته عام 1984.

وتحدث في التسجيل عن مكوثه لفترة ست سنوات متواصلة في سوريا، وكشف أن النظام طلب منه تشكيل حزب معارض لكن دون أن يكون له فاعلية.

 وقال رفعت بلسانه إنه غادر من مطار حميميم باللاذقية إلى فرنسا وودعه عدد من المسؤولين الكبار آنذاك.

قرأ كثير من المراقبين، عودة رفعت الأسد على أنها مرتبطة بتخفيف حالة الاحتقان داخل أبناء الطائفة العلوية، التي أنهكها الجوع، وفقدان المعيل من أولادها الذين جعلوا من أنفسهم حطبا لحرب الأسد الطائفية ضد شعبه.

وهذا ما يستشف من خلال منشورات دريد بن رفعت التي ينتقد فيها خدمات حكومة الأسد الحالية، في منشوراته.

وكتب دريد في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021: "عندما تغيب كل الخدمات الصحية والبلدية عن مدينة اللاذقية، عندما تتراكم النفايات على الأرصفة والشوارع الفرعية والعامة وتبقى أياما وأياما وشهورا حتى دون أن يأبه لها أحد، لا بد وأن يظهر مرض الفطر الأسود القاتل في مدينتنا".

كما انتقد دريد في منشور له بـ17 أكتوبر/تشرين الأول، واقع الزراعة في معقل الطائفة العلوية ووصولها لمرحلة الكساد.

وقال: "ما هو تعريف السياسة الزراعية الرشيدة في سوريا؟ هو أن يتم السماح باستيراد الموز اللبناني بنفس الوقت الذي يتم فيه وصول موسم الحمضيات السوري".

وتابع: "ملاحظة: كيلو حامض الماير (شجرة ليمون مهجنة) من أرضه 150 ليرة! يعني ما عم يجيب نص كلفته! يا هيك بيكون الرشد يا بلا !".

وحول هذه الجزئية وما إذا كان أبناء رفعت يتمتعون بحرية مطلقة في انتقاد ابن عمهم بشار في عقر دراه، رأى الباحث الاجتماعي السوري حسام عبد الغني، أن "خداع الطائفة واللعب بعواطفهم يبدو أنه أنيط بأولاد رفعت لقربهم منهم وحبهم لأبيهم".

ولم يستبعد عبد الغني أن تكون "مساحة الانتقاد الممنوحة لأولاد رفعت هي ضمن سقف محدود وخطة مدروسة لتعلق الطائفة من جديد بآراء وأفكار ما يطرحه هؤلاء بعيدا عن الإعلام وصفحات الفيسبوك بما يصب في مصلحة بقاء النظام بقيادة بشار".

ولفت إلى أن "حالة التذمر داخل الطائفة في الساحل وصلت مداها وأصبحت خارجة عن السيطرة لأنه لا يوجد بيت إلا وفيه عنصر أو ضابط سقط قتيلا في المعارك وترك خلفه أطفالا ونساء، ولهذا يبدو أن رفعت وأولاده لديهم مهمة في توجيه الطائفية لناحية محددة يريدها بشار قطعا".

عدة أهداف

ومنذ عودة رفعت تحدثت تقارير إعلامية عن الدور الروسي الكبير في التمهيد لذلك، لأسباب تتعلق بالوجود الروسي العسكري في الساحل السوري وتشكيل محافظتي اللاذقية وطرطوس بموقعهما المطل على البحر المتوسط بيئة إستراتيجية للروس.

إذ يرى كثير من المراقبين أن التدخل الروسي لمساندة النظام السوري ووقف سقوط رئيسه بشار الأسد، جاء على أساس كسب نفوذ أكبر في المحافظتين الساحليتين بالدرجة الأولى.

فلم تكن موسكو تستطيع تأمين وجودها الدائم على ساحل البحر المتوسط، إلا بعد توقيع عقدي استئجار طويلي الأجل عام 2017 لمدة 49 عاما قابلة للتمديد لمدة 25 سنة أخرى، لكل من قاعدة حميميم الجوية بريف اللاذقية وأخرى بحرية على ساحل طرطوس.

وفي هذا المضمار سرد أبو زهير الشامي، الذي يعرف نفسه أنه قائد لواء المهام السري في دمشق ومحيطها، والمسؤول عن عدد من الاغتيالات التي نالت ضباطا في مخابرات الأسد، أن عودة رفعت مرتبطة "بورطة روسيا الكبيرة في وجودها العسكري بسوريا التي أنهت عامها السابع في التدخل العسكري بالبلاد دون تحقيق هدفهم فيها".

وأضاف الشامي في منشور له على فيسبوك 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أن "كلفة الحرب الباهظة على روسيا لم تنته بعد ولم يتحقق الاستقرار في سوريا بعد للاستفادة من مصالحهم الاقتصادية فيها".

إضافة إلى أن موسكو: "لم تتمكن من الضغط على أوروبا وإقناعها بإعادة الإعمار بسوريا وإرجاع اللاجئين إليها لتدوير عجلة الاقتصاد فيها دون تحقيق حل سياسي مقبول، فضلا عن الخلاف الروسي الأميركي التركي حول السيطرة على النفوذ الاقتصادي والسياسي والعسكري بالبلاد".

واعتبر الشامي أن "المشكلة هي أن أي حل سياسي في سوريا يعني التخلي عن بشار الأسد وتسليم السلطة لمن يخلفه".

وهنا "تكمن المعضلة الكبرى للروس، لأن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يدرك تماما بأن ذهاب بشار يعني سقوط النظام وخسارة الطائفة العلوية التي تدعمه والتي تشكل 90 بالمئة من أركان نظامه"

ورأى أن "بوتين وجد ضالته بأولاد رفعت الأسد الذين كانوا قد تربوا وتعلموا في الخارج ولديهم علاقاتهم الدولية مع الغرب كما أنهم يحظون ويحظى والدهم بشعبية كبيرة في داخل الطائفة".

كما اعتبر الشامي أن "رفعت جرى استخدامه ليكون الأب الروحي من أجل لم شمل الطائفة العلوية المستفيد من الاحتلال بعد ما أصبحت مشتتة ومختلفة مع شخص بشار وهيمنة زوجته أسماء على الاقتصاد السوري".

أطماع روسية

وفاجأ الإعلام الروسي ومثيله لدى النظام السوري العالم، في 14 سبتمبر/أيلول 2021، بإعلان زيارة بشار الأسد إلى موسكو، وذلك قبل يوم من نشر الخبر.

ونشر الإعلام بشكل موحد تفاصيل لقاء الأسد ببوتين، وبرر الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، أسباب التكتم على حضور الأسد لموسكو كما جرت العادة في الزيارات السابقة، لوجود ما سماه "اعتبارات أمنية معينة"، قال إنه "يجب اتباعها".

وربط الشامي زيارة بشار الأسد هذه إلى روسيا، "بترتيب صفقة عودة رفعت والتي أعلم بها بشار الأسد عند وصوله".

واستبق ريبال ابن رفعت إعلان وصول أبيه إلى دمشق، بنشره عبر صفحته الشخصية أغنية تمجده بما "سماه القائد والأمل لقيادة سوريا والوطن".

 واعتبر الشامي أن هذه الأغنية هي بمثابة "رسالة مباشرة لأسماء الأسد ولماهر شقيق بشار".

وبين أن الأغنية أثارت حفيظة الدائرة الضيقة من بشار ما استدعى وفق الشامي ترطيب الأجواء عبر نشر دريد ابن رفعت "تمجيدا خاصا يخص بشار الأسد والعائلة ليحتوي الكارثة التي أقدم عليه ريبال كونها خطوة مبكرة ولم تكن في وقتها".

ورغم عودة رفعت المفاجئة والتي أحدثت دويا كبيرا في سوريا، فإن الإعلام المحلي والعالمي، لم ينشر عن حدوث لقاء بين بشار وعمه.

 وهذا ما قرأه كثير من المراقبين أنها من ضمن شروط قبول عودة رفعت لسوريا وعدم لعب أي دور سياسي أو اجتماعي مما قد يضعف من حاضنة ابن أخيه الذي يعاني أصلا من هزة في حكمه مستمرة منذ عقد من الزمن.

بدوره يؤكد القيادي في المعارضة السورية، فاتح حسون، لـ "الاستقلال" "أن هناك فئة من الضباط وأبناء الطائفة العلوية ما يزالون يرون أن رفعت الأسد يمكن أن يكون بديلا عن بشار الأسد في استلام زمام الحكم في سوريا، كونه قريبا من المحور الغربي وروسيا، وهذا خطأ جسيم".

وأضاف أن رفعت "ارتكب مجازر بحق السوريين في أحداث حماة، وهذا الأمر لن ينساه السوريون ولن يقبلوا به، لا سيما أنه كان أحد الأسباب غير المباشرة لانطلاق الثورة السورية".

ولقب رفعت بـ"جزار حماة" لإصداره أوامر بقتل 40 ألف سوري في المحافظة الواقعة وسط سوريا، بعد إعطاء الأسد الأب شقيقه، ووزير دفاعه آنذاك مصطفى طلاس عام 1982 أوامر بقمع جماعة "الإخوان المسلمين".

وحينها أفرغ رفعت إجرامه وحقده على أهالي حماة التي اقتحمها جيش النظام في الثاني من فبراير/شباط 1982.

واستمر الهجوم 27 يوما، وطال محتجين في المدينة ضد عائلة الأسد، ما أدى لارتكب مجازر بشعة على يد قوات "سرايا الدفاع" التابعة لرفعت، حيث كان وقتها قائد الاقتحام وضابطا في الجيش برتبة عقيد.

 وذهب حسون للقول: "إن روسيا لعبت دور العراب في صفقة عودة رفعت الأسد لسوريا، حيث توسطت لدى كل من فرنسا والنظام السوري للسماح له بالعودة".

ويتابع: "لذا لا أستبعد استخدامها لرفعت كورقة ضغط ضد بشار الأسد إذا ما حاول الأخير الانحياز للجانب الإيراني- الذي عارض بشدة عودة رفعت- على حساب الروس".

وألمح القيادي في المعارضة السورية إلى أن "أطماع روسيا في ثروة رفعت دفعها للتوسط وإتمام هذه الصفقة، حيث لا يزال يمتلك الأخير حاضنة شعبية في الساحل السوري".

واستدرك قائلا: "سيعمل رفعت على إعادة أمواله التي نهبها من الشعب السوري للاستثمار في البلاد عموما وفي منطقة الساحل بشكل خاص، وهو ما تسعى روسيا للاستفادة منه، حيث تهدف إلى محاصصته في أمواله ووضع يدها على مزيد من المشاريع الاقتصادية لرفد خزينتها".