ارتباك واضح.. لماذا تراجعت إيران عن استقبال الأفغان بعد ترحيبها بهم؟
رغم تخطيط إيران لإنشاء مخيمات في المدن الحدودية لاستيعاب اللاجئين الأفغان الفارين من بلدهم بعد سيطرة حركة "طالبان" على البلاد في 15 أغسطس/آب 2021، إلا أن المسؤولين الإيرانيين يطلقون دعوات حاليا لإيقاف الهجرة الأفغانية "بأي طريقة ممكنة".
وتستضيف إيران نحو 3 ملايين أفغاني منهم 800 ألف فقط مسجلون رسميا، وفقا للبيانات الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وعقب سيطرة "طالبان" على الحكم فر بعض الأفغان إلى إيران، لكن قوات الأمن لم تسمح لهم بدخول البلاد.
تحول الموقف الإيراني من الأفغان بعد سيطرة "طالبان"، يثير تساؤلات حول الأسباب التي دفعت السلطات في إيران إلى التراجع عن خطوة احتواء الفارين من أفغانستان وبناء مخيمات لهم على الحدود معها، فهل ثمة رسائل من وراء ذلك؟
قلق إيراني
في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قال وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، إن المهاجرين الأفغان الذين جاؤوا إلى الحدود "هم إخواننا المسلمون، لكن يجب أن يكونوا قنوعين".
وأضاف: "نحث شعب أفغانستان على عدم القدوم إلى حدودنا والبقاء في بلدهم والاستقرار هناك وبناء بلدهم الإسلامي"، لافتا إلى أنه "طالما طلبنا من الشعب الأفغاني عدم القدوم إلى حدودنا وإذا كانت لديهم أي احتياجات فسنوفرها لهم بطرق أخرى داخل أفغانستان".
وشدد وزير الداخلية الإيراني على ضرورة أن يسعى المسؤولون الأفغان الحاليون إلى ضمان أمن شعبهم ومعالجة مخاوفهم المعيشية، مشيرا إلى أن بلاده "في هذا الوضع الحرج، تستضيف 3.5 ملايين لاجئ أفغاني".
وقبل ذلك، دعا مساعد عمدة طهران للشؤون الاجتماعية والثقافية، أمين توكلي زاده، المسؤولين الإيرانيين إلى وقف هجرة الأفغان إلى إيران "بأي طريقة ممكنة"، وإعادة المهاجرين إلى بلادهم.
وخلال تصريح لوكالة أنباء "إرنا" الإيرانية الرسمية، في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قال توكلي زاده إن طهران "مشبعة" بوجود المهاجرين الأفغان، وإنه يجب وقف دخول المهاجرين الجدد إلى العاصمة.
وأضاف أن "السلطات ملزمة بمنع هجرة المواطنين الأفغان إلى إيران في أسرع وقت ممكن، كما ينبغي إعادة الأشخاص الذين هاجروا وعبروا الحدود إلى بلادهم، لأن طهران ليست في وضع جيد في هذا الخصوص".
وأشار توكلي زاده إلى أنه نظرا للإمكانيات الحضرية الموجودة في طهران، فإنه "لا يمكن قبول حجم جديد من المهاجرين"، مشددا على ضرورة أن "يعود هؤلاء المهاجرون بشكل قانوني، ولا يتوجب علينا قبول جميع المهاجرين أو توطين أي شخص بشكل غير قانوني".
يشار إلى أن الموجة الجديدة من لجوء المواطنين الأفغان إلى الخارج بدأت بعد سيطرة "طالبان" على العاصمة كابول، بعد الانسحاب الأميركي من البلاد خلال أغسطس/آب 2021.
وبعد أسابيع من سيطرة طالبان على مقاليد الأمور في أفغانستان، حاول آلاف اللاجئين عبور الحدود بحثا عن ملاذ في إيران أو للوصول إلى تركيا والدول الأوروبية عبر إيران، لكن مسؤولين في طهران أعلنوا أنهم أعادوا آلاف اللاجئين الأفغان بعد عبورهم الحدود.
دوافع متعددة
وبخصوص أسباب التحول الحاصل في الموقف الإيراني وإلغاء بناء المخيمات للأفغانيين، قال الباحث المختص في الشأن الأفغاني، محمد العقاد إن "هناك أسبابا عدة تجعل إيران تتراجع عن بناء معسكرات للاجئين الأفغان، أو استقبالهم على أراضيها".
وأوضح العقاد في حديث مع "الاستقلال" أنه "يمكن القول إن العوامل الاقتصادية لها أهمية في هذا السياق، حيث إن زيادة عدد اللاجئين الأفغان في إيران يفاقم من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة ويمكن أيضا أن تؤثر على معدلات الفقر والبطالة".
ورأى الباحث أن "العوامل الأمنية أيضا لها أهمية كبيرة، حيث تشعر إيران بالقلق من احتمال تسلل مقاتلين أو إرهابيين إلى إيران متنكرين بين اللاجئين، وهنا يدور الحديث عن تنظيم الدولة بشكل خاص، حيث قام التنظيم بشن هجمات مميتة ضد الشيعة خلال الأسابيع الماضية، ولذلك تعتبر طهران أن التنظيم سيوسع من نطاق هجماته ليستهدف عمقها".
وكذلك، بحسب العقاد، فإن "إيران تستخدم قضية اللاجئين كورقة ضغط ضد الحكومة الأفغانية أو الغرب، كما كانت تفعل سابقا، ربما تكون قد تقلصت قيمتها، وذلك أن طالبان لا تكترث ولا تهتم كثيرا بهذه المسألة في الوقت الحالي، وربما كذلك الوضع بالنسبة للولايات المتحدة والغرب".
وتابع: "إضافة إلى ذلك، فإن تركيا تتخذ إجراءات أمنية مشددة أمام حركة الهجرة للأفغان، وبالتالي فإنه سيكون هناك صعوبة بالغة أمام اللاجئين للعبور إلى تركيا، وهذا يعمل على زيادة أعداد اللاجئين لدى إيران".
وتحاول طهران من حين لآخر استخدام اللاجئين الأفغان المقيمين بها منذ 42 عاما كورقة ضغط وتهديد في التفاوض مع أوروبا، ففي مايو/أيار 2019 عندما اشتدت وطأة العقوبات الأميركية على إيران، أعلن نائب وزير الخارجية عباس آراقتشي، أنه "من الممكن أن نطالب اللاجئين الأفغان بمغادرة البلاد في حالة مواصلة واشنطن هذه الضغوط الاقتصادية".
وبحسب آراقتشي، فإن هؤلاء اللاجئين يمكنهم التوجه إلى أوروبا، إذا ما وصلت إيران إلى مرحلة لا يمكن فيها أن تستمر في مواجهة النفقات، مشيرا إلى أنه "في هذه الحالة يمكن أن نطلب من الأفغان أن يغادروا إيران، وعلى دول أوروبا أن تقوم بدورها تجاه قبول اللاجئين، وسيتعين على أوروبا إما سداد نفقات استضافة اللاجئين أو استقبال جزء منهم على أراضيه".
تصريحات آراقتشي هذه لاقت في حينها ردود فعل كبيرة من الحكومة الأفغانية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ما اضطر المسؤول الإيراني إلى التراجع عنها بالقول: "إنهم (السلطات الإيرانية) يتجهزون لتقديم خيارات جديدة للمهاجرين الأفغان".
وفي مايو/أيار 2021، أيضا لوحت إيران بورقة اللاجئين الأفغان، فقد هددت بطرد اللاجئين والمهاجرين الأفغان الذين يبلغ عددهم في المجمل 2.4 مليون نسمة إذا وقعت أفغانستان معاهدة أمنية إستراتيجية مع الولايات المتحدة، وجرى توقيع الاتفاق.
وردا على ذلك، قال نائب وزير شؤون اللاجئين في أفغانستان، عبد الصمد حامي إن "اللاجئين والمهاجرين الأفغان أصبحوا ضحايا للعبة سياسية كبيرة بين القوتين الإيرانية والأميركية".
ارتباك إيراني
بدت تصريحات المسؤولين الإيرانيين مرتبكة بخصوص التعامل مع الأفغانيين الفارين من أراضيهم بعد تصاعد الصراعات على الأراضي الأفغانية، حيث أعلنت السلطات الأمنية في 6 أغسطس/آب 2021، إغلاق معبر "ميلك" الحدودي في سيستان وبلوشستان جنوب شرقي البلاد.
وقال قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء حسن سلامي، خلال بيان في 13 أغسطس/آب 2021 إن "الحدود المفتوحة مع أفغانستان آمنة تماما ولا توجد بها أي مشاكل، وإن قوات الأمن اتخذت كافة التدابير اللازمة ومستعدة بشكل جيد ولا يوجد ما يدعو للقلق".
ورغم إعلان طهران عزمها إقامة مخيمات مؤقتة في ثلاث محافظات لاستيعاب موجات الهجرة في الأيام الأولى للاشتباكات في أفغانستان، إلا أنها عدلت عن قرارها خشية أن يؤدي ذلك إلى مزيد من موجات الهجرة نحوها، بحسب تصريحات رسمية.
وصرح مدير عام شؤون الحدود بوزارة الداخلية الإيرانية، حسين قاسمي، في بيان 15 أغسطس/آب 2021، أن طهران "تخطط لتوفير مأوى مؤقت للمهاجرين على الحدود وإعادتهم إلى بلادهم بعد تحسن الأوضاع".
أما مدير عام إدارة الهجرة بوزارة الداخلية، مهدي محمدي، فقد قال بعد قاسمي بيوم واحد في 16 أغسطس/آب 2021، إنه "لا أساس لما يعلن عنه حول إنشاء مخيمات مؤقتة على الحدود، وإن هذه الادعاءات من شأنها أن تؤدي إلى هجرات أفغانية جديدة".
ثم عاد "قاسمي" ليعدل تصريحاته السابقة بالشكل الذي صرح به محمدي، وأفاد بأن "القوات الأمنية المتمركزة على الحدود الأفغانية لديها تعليمات بمنع من يحاول دخول إيران".
وكانت هجرة الأفغان إلى إيران قد بدأت بعد غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان عام 1979، واستمرت إلى ما يقرب من 42 عاما نتيجة الاحتلال الأميركي عام 2001 والحروب الداخلية وعدم الاستقرار هناك.
فالمهاجرون الأفغان في إيران كانوا يرسلون لبلادهم تحويلات تبلغ نحو 500 مليون دولار سنويا، وهو مبلغ كبير بالنسبة لواحدة من أفقر دول العالم، وسيزداد عنصر المال أهمية مع تقلص المساعدات الأجنبية برحيل القوات الغربية، وفقا لتقرير نشرته "رويترز" عام 2012.