صحيفة عبرية: لهذا يصر السيسي على "التابلت" بالمدارس رغم انهيار التعليم

قسم الترجمة | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة هآرتس العبرية أن العودة المدرسية كشفت فشل نظام التعليم في مصر رغم سعي الحكومة لإظهار الاستثمارات في ذلك القطاع.

وأثارت "الصور البائسة" المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، ضجة رافقتها دعوات لإقالة وزير التعليم طارق شوقي. 

وفي إحدى الصور التي أثارت غضب أولياء الأمور، ظهر التلاميذ وهم جالسون على الأرض ويستمعون إلى معلمهم، ويحملون دفاترهم وكتبهم في أحضانهم حيث لا يحتوي الفصل الدراسي على طاولات دراسة أو كراسي.

وتظهر صورة أخرى ستة أو سبعة أطفال محتشدين حول طاولة دراسة واحدة. وتكشف الصورة أن هذا الفصل يضم ما بين 50 إلى 70 طالبا، دون تباعد اجتماعي في ظل انتشار فيروس كورونا.

نقص حاد

لكن المشكلة الأكبر هي النقص الحاد في الفصول الدراسية بالمدارس الابتدائية والمدرسين أيضا، حيث تقدر وزارة التعليم المصرية أن النظام سيشهد هذا العام عجزا يتراوح بين 200 إلى 300 ألف معلم وأكثر من 28 ألف فصل دراسي. 

وأنفق وزير التعليم 9 مليارات جنيه مصري (1 دولار = 15.7 جنيه) لشراء أجهزة لوحية (تابلت) لطلاب المرحلة الأولى من الثانوية، ولم يخصص سوى 12 مليار جنيه لبناء مدارس وفصول جديدة من إجمالي ميزانية التعليم البالغة 56 مليار جنيه. 

وأثار هذا القرار انتقادات واسعة حيث علق أحد الناشطين المصريين على تويتر قائلا "تمثل الأجهزة اللوحية 16 بالمائة من إجمالي ميزانية التعليم".

وغرد آخر "العام الدراسي يظهر أنه ليس لدينا حكومة، بل مجرد عصابة منشغلة بالسيطرة على البلد".

وقبل ثلاث سنوات، قررت الحكومة تزويد 1.2 مليون طالب في السنة الأولى من المدرسة الثانوية و625 ألفا آخرين في السنة الثانية بأجهزة لوحية لتوفير تكلفة طباعة الكتب المدرسية.

وخلافا لنصيحة خبراء التعليم وإدارة التعليم الذين حذروا من أن أكثر من 60 بالمائة من مدارس الدولة غير مستعدة للتكيف مع هذه الأعجوبة التقنية، اشترت الحكومة 1.8 مليون جهاز لوحي بتكلفة تزيد عن 3.6 مليار جنيه مصري (حوالي 230 مليون دولار).

وتفتقر بعض المدارس ولا سيما في المناطق الريفية، إلى بنية تحتية لائقة للإنترنت، إذا كان لديها أي بنية أساسية على الإطلاق، تقول هآرتس.

كما لم يعرف الكثير من الطلاب كيفية استخدام الكمبيوتر اللوحي. 

وطالب البرلمان الحكومة بإعادة النظر في القرار والاستثمار أولا في تحديث البنية التحتية قبل أن يتحول الطلاب إلى استخدام الأجهزة اللوحية.

لكن وزير التعليم أصر وواصل برنامج الكمبيوتر اللوحي، قبل أن ينتهي الأمر بتخزين جزء كبير من الأجهزة في مخازن المدارس.

 ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الدولة طلبت من كل طالب دفع 100 جنيه مصري لتأمين الجهاز، وهي تكلفة باهظة للغاية للعديد من الأسر المصرية، خاصة تلك التي لديها طفلان أو ثلاثة في المدرسة الثانوية.

وهذا العام 2021، أصبح النقص في المعلمين حادا لدرجة أن وزير التعليم جاء بفكرة تطوع المعلمين وخريجي الجامعات العاطلين عن العمل للتدريس.

 وسيتقاضى كل متطوع 20 جنيها مصريا (حوالي 1.25 دولارا أميركيا) لكل ساعة تدريس.

وبهذه الطريقة، يمكن للحكومة تجنب الاضطرار إلى توظيف مئات الآلاف من المعلمين براتب منتظم بشروط ومزايا، ويمكن فصل المعلمين "المتطوعين" في أي وقت. 

وسعى وزير التعليم إلى تبديد المخاوف من أن هؤلاء المعلمين ليسوا ماهرين أو ذوي خبرة كافية من خلال تقديم دورات تدريبية سريعة أو تعيين معلمين متقاعدين للتدريس في البرنامج الجديد.

وقال العديد من المدرسين إنهم حضروا الدورة التدريبية وخضعوا لاختبارات القبول والمقابلات التي أجريت في القاهرة، واجتازوها جميعا، فقط ليكتشفوا أنهم لن يحصلوا حتى على واحدة من هذه الوظائف المؤقتة.

وأوضح وزير التربية والتعليم في مقابلة صحفية أن "الفشل ليس فشله ولكنه يعود لمن سبقوه الذين لم يطوروا نظام التعليم بشكل صحيح، وهو الآن يحصد الثمرة المرة".

وقدم حجة أخرى مألوفة، إذ ألقى اللوم على "العناصر الأجنبية المعادية" الذين يخرجون للإضرار بسمعة الحكومة. 

وكإجراء رادع، حظر الوزير التصوير في الفصول الدراسية أو باحات المدارس، ومنع الأهالي والزائرين من دخولها، وحذر من نشر صور تظهر حالتها.

وقال الوزير إن الحكومة خصصت 56 مليار جنيه مصري (36 مليون دولار) سنويا للتعليم الابتدائي.

استثمار جدلي

وتفاخر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بأن الحكومة استثمرت في التعليم عشرة أضعاف ما استثمرت في 2013. 

وتجاهل مدبولي أن يذكر أنه في عام 2013 كان سعر صرف الجنيه المصري 6.7 للدولار، بينما يبلغ اليوم 15.7 للدولار، تقول الصحيفة العبرية.

 كما أنه لم يذكر فصلا دستوريا ينص على أن الحكومة مطالبة بتخصيص 6 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي للتعليم - 4 بالمائة للتعليم الابتدائي والثانوي و2 بالمئة للتعليم العالي، فيما خصصت الحكومة 2.4 بالمائة فقط لنظام التعليم بأكمله.

وتحظى مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي بالثناء على إصلاحاتها الاقتصادية، وتتوقع المؤسسات المالية الدولية نموا بنسبة 2.5 إلى 4.5 بالمائة خلال 2021 والعام الذي يليه.

وارتفع العجز إلى 5.13 مليار دولار مقارنة بـ 3.83 مليار دولار في العام 2020، لكن التوقعات تشير إلى أن مصر ستكون قادرة على سد هذه الفجوة بمجرد استئناف قطاع السياحة.

وزادت إيرادات السياحة في الربع الحالي إلى 1.75 مليار دولار (ارتفاعا من 350 مليون دولار فقط في صيف عام 2020 عندما كان وباء كورونا في ذروته).

لكن هذا لا يزال أقل بنسبة 50 بالمائة تقريبا مما كانت عليه الإيرادات في نفس الفترة منذ عامين.  

بيد أن الأرقام المشجعة التي تصدر على أساس شهري أو ربع سنوي لا تتعلق بقدرة مصر طويلة الأجل على المنافسة في السوق العالمية بمنتجات عالية الجودة مصنوعة في مصر. 

كما أنها لا تعالج النقص الهائل في القوى العاملة الماهرة اللازمة لتطوير وتطبيق التقنيات المبتكرة - والتي تتطلب جميعها نظاما مدرسيا عالي الجودة من المراحل الأولى.

وتشير الصحيفة إلى أن نقص التمويل لبناء المدارس وإضافة الفصول الدراسية أو تعيين مدرسين دائمين هو مجرد عنصر واحد من مكونات نظام التعليم المصري الفاشل.  

وبدأت بعض المدارس تنفيذ تغييرات في طريقة إجراء الاختبارات، وإدخال المزيد من التنوع في مواد الفصل باستخدام مقاطع الفيديو والألعاب التعليمية. 

ولكن حتى في هذه الأماكن، لا يزال يتعين على الأطفال الإجابة على الأسئلة التي تستند فقط إلى الكتب المدرسية لأن "هذه هي الإجابات الوحيدة التي يعرفها المعلمون"، كما قالت إحدى الطالبات في مقابلة على قناة الجزيرة القطرية.

وقالت الطالبة إنه عندما اقترح والدها بدائل وشجعها على قراءة المطبوعات الأخرى قبل الاختبار، أخبرته بأنه "لا جدوى، فالمدرس يريد فقط الإجابات التي علمنا إياها". 

ويتم تبادل مليارات الجنيهات المصرية كل عام في صناعة التدريس الخصوصي بالبلاد في كل مرحلة من مراحل التعليم، مع نفس المعلمين الذين يدرسون في المدارس في الصباح لتكملة دخلهم بدروس خصوصية في المساء. 

وقال أحد الطلاب من الإسكندرية: "يتعاملون معنا بقسوة في الفصل عن عمد، لذلك نلجأ إلى الدروس الخصوصية".

وخلال أكتوبر/تشرين الأول 2021، نشرت صحيفة "أخبار اليوم" المحلية قصة فتاة في الصف الثاني رفعت دعوى قضائية ضد وزير التربية والتعليم لأن المدرسة التي كانت ترغب في الالتحاق بها رفضت قبولها.

وقالت إن المدرسة "صغيرة جدا"، لكنها أكملت الصف الأول بتفوق وبأعلى الدرجات الممكنة.

وغير راغبة في التراجع، ادخرت الفتاة لمدة عام حتى حصلت على 100 جنيه ورفعت دعوى ضد وزير التربية والتعليم. 

وقبلت المحكمة دعواها وأمرت وزارة التربية بدفع تعويض لفائدتها قدره 3000 جنيه مصري.

وأعلنت الفتاة أنها ستحول المبلغ كاملا لوالدها بخلاف الـ 100 جنيه التي استثمرتها في الدعوى. 

وقد يكون انتصارها قد احتل عناوين الصحف، لكن هذا لا يجعل المستقبل الذي ينتظرها في النظام المدرسي أكثر إشراقا.