أستراليا "مهددة بالنووي".. كيف تستخدمها أميركا لمواجهة التنين الصيني؟
فصول الحرب الباردة بين واشنطن والصين لا تنتهي، بعد أن عمقت الولايات المتحدة وجودها ونفوذها في منطقة الشرق الأقصى بشكل غير مسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وجاء حصول أستراليا على صفقة غواصات نووية متطورة بتقنيات عالية من واشنطن، كدلالة على مدى حرص البيت الأبيض على زيادة القوة العسكرية للحليف الأقرب في هذه البقعة الإستراتيجية، وصناعة وحش عسكري يكبح نفوذ الصين الجامحة إذا لزم الأمر.
ولم يكن حصول أستراليا على الغواصات النووية سهلا، إذ دفعت كانبرا الثمن لتظهر للدول الأخرى مدى ولائها للولايات المتحدة، بعد أن أغضبت باريس تحديدا، بإلغاء صفقة غواصات فرنسية باهظة الثمن.
حصول أستراليا على الغواصات، جاء وفقا لاتفاق "أوكوس" مع الولايات المتحدة وبريطانيا، الذي يعدها بأحدث أسلحة الحرب، وأصبح السؤال المطروح هل نمت أستراليا لتصبح أكثر من مجرد مصدر إزعاج للصين؟
سلاح معقد
صفقة الغواصات الأميركية الأسترالية الأخيرة حملت واقعا أبعد من إتمام عقد أسلحة مجرد إلى خيار إستراتيجي وإعادة تموضع جيوسياسية دفاعية للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، أمام قوة الصين العظمى المتنامية إلى درجات بعيدة.
ففي 16 سبتمبر/ أيلول 2021، أثار توقيع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، اتفاقية شراكة أمنية جديدة عرفت باسم "الميثاق الأمني لدول أوكوس" حفيظة الصين التي أبدت ردة فعل غاضبة تجاهه.
وقد أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ونظيره الأسترالي سكوت موريسون، عن اتفاقية التحالف، التي ستحصل بموجبها كانبرا على القدرات اللازمة لبناء 8 غواصات نووية متقدمة.
وجاءت نقطة التحول في أنه للمرة الأولى في التاريخ، ستشارك فيها الولايات المتحدة التقنية الحساسة مع دولة أخرى غير بريطانيا.
ولمعرفة مدى أهمية وقوة الصفقة الأخيرة، يلقي تحقيق صحيفة "فاينانشال تايمز" الأميركي، الصادر في 20 سبتمبر/ أيلول 2021، الضوء على مميزات الغواصات النووية.
أوردت الصحيفة أن "الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية هي أكثر الآلات تعقيدا التي يصنعها البشر، حتى أعقد من مكوك الفضاء".
وعن طبيعة عملها ذكرت: "هناك مفاعل نووي في الخلف، ومتفجرات شديدة الانفجار في المقدمة وفي المنتصف، وفندق يعيش فيه الملاحون، وكل شيء غارق تحت الماء لشهور في كل مرة، تتحرك فيها الغواصة".
كما "يمكن للغواصات التي تعتمد على الطاقة النووية أن تحمل وقودا كافيا لمدة تصل إلى 30 عاما من التشغيل، وتحتاج فقط للعودة إلى البر للصيانة والإمدادات على فترات متباعدة".
وقالت فاينانشال تايمز، على لسان رئيس مركز الأمن الأميركي ريتشارد فونتين، إن "أستراليا ستنشر صواريخ (توماهوك) المشمولة في اتفاق التعاون مع واشنطن ولندن، التي يمكن إطلاقها إما من السفن أو الغواصات، ما يمثل إضافة رئيسة لقدرات كانبرا التسليحية".
ويرى أن تحميل الغواصات بصواريخ (توماهوك) المدمرة، سيعمل على ترقية القوة الضاربة للبحرية الأسترالية.
إذ إن توماهوك يحول القطع البحرية إلى أصول إستراتيجية يمكن أن تستهدف منشآت على بعد ألف ميل (1600 كيلومترا)، وهو قادر أيضا على تدمير أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة، وعلى حظر الطائرات تماما.
هذا الأمر سيمنح كانبرا قدرة مضاعفة على ضرب أهداف في الصين في حال نشوب أي نزاع، وهو أمر مهم للولايات المتحدة وحلفائها، حيث سيكون لديهم عدد أقل من القطع العسكرية قبالة سواحل بكين مقارنة بالجيش الصيني.
حيثيات الصفقة
النقطة الأساسية من دعم واشنطن العسكري لأستراليا، بهذه الغواصات الجديدة تحديدا، القدرة العالية على التحرك بشكل أسرع وأبعد، والتخفي تحت المياه، ومنع القوة البحرية الصينية القوية والصاعدة من الانتشار بالقرب من سواحلها، كما تمنحها كذلك القدرة على مباغتة الصين وتهديد شواطئها.
وعلى مدار سنوات، شكل الصعود العسكري الطامح للجيش الصيني قلقا أميركيا إضافيا، وهو ما أكده ماثيو كروينيغ الخبير العسكري في المجلس الأطلسي والمسؤول السابق بوزارة الدفاع "البنتاغون"، ووكالة الاستخبارات المركزية.
وأوضح كروينيغ في 21 سبتمبر/ أيلول 2021، أنه يتعين ردع الصين، وإن الغواصات الهجومية التي نساعد أستراليا على بنائها مصممة خصيصا لتدمير السفن الحربية المعادية، وهذه هي بالضبط القدرات التي نحتاجها في المحيطين الهندي والهادئ لدعم الحلفاء وردع الصين".
ولعل ما حفز واشنطن على الإسراع بإتمام تلك الخطوة المتقدمة مع كانبرا، ما حدث في يوليو/ تموز 2021، عندما كشفت صور الأقمار الصناعية الأميركية، عن بناء صوامع جديدة غربي الصين، ومنها يمكن إطلاق صواريخ نووية عابرة للقارات.
كذلك القدرة الكبيرة للصين في تقنية الغواصات النووية، فهي ثالث أكثر دول العالم امتلاكا للغواصات بـ 12 غواصة، خلفا للولايات المتحدة في المركز الأول بـ 68 غواصة، وروسيا الثانية بـ 29 غواصة.
أما السبب الآخر لاختصاص أستراليا بهذه الصفقة، غير حلفاء آخرين في المنطقة، مثل اليابان أو كوريا الجنوبية، تكمن في كون كانبرا الشريك المفضل لواشنطن، ولعلاقات تاريخية وثيقة.
فهي أحد أقرب حلفاء الولايات المتحدة، وقاتلت إلى جنبها لأكثر من قرن في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي كوريا والعراق وأفغانستان، ومع هذه الصفقة تقف إلى جوارها مرة أخرى ضد التهديد الصيني المتزايد.
ولم تقف بكين أمام تلك التطورات في محل الصمت، حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان، 17 سبتمبر/ أيلول 2021 أن "تحالف أوكوس يلحق ضررا خطيرا بالسلام والاستقرار الإقليميين، ويزيد من حدة سباق التسلح، ويقوض معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية".
بينما ذهب موقع "غلوبال تايمز" الإخباري الصيني، الناطق باسم الحكومة الشيوعية، إلى ما هو أبعد عندما قال: "إن هذه الاتفاقية قد تؤدي إلى توجيه ضربة نووية إلى أستراليا في حالة اشتعال صراع".
الخطر الصيني
صعود الصين يمثل الأولوية الأولى على طاولة رؤساء البيت الأبيض المتعاقبين، وهو ما برز بشدة خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة.
وتناظر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والحالي جو بايدن بخصوص الصين، وأيهما أكثر قدرة من منافسه على كبح جماح العملاق الآسيوي وتحجيمه.
حينها، قال ترامب: "في حال تولي بايدن الرئاسة فإن الصين ستكون المسؤولة".
أما بايدن فاتهم ترامب بأنه "استسلم أمام بكين"، وتعهد أمام ناخبيه بخفض العلاقات الأميركية الصينية إلى مستوى غير مسبوق، يتعدى الرئيس السابق.
وفي الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 2020، أفردت مجلة "إنتليجنس أون لاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، تقريرا عن العلاقات الأميركية الصينية في ظل إدارة الرئيس الجديد جو بايدن".
التقرير خص "الصين" باعتبارها الأولوية رقم واحد، على طاولة بايدن، خاصة وأنه ورد ذكرها في تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية، باعتبارها منافس الولايات المتحدة حاليا على جميع الجبهات.
ووفق "إنتليجنس أون لاين": "تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية المكون من 157 صفحة، ذكر اسم الصين حوالي 60 مرة مقارنة بـ 11 مرة فقط لروسيا، و2 لأفغانستان، بينما لم يرد لكوريا الشمالية أي ذكر على الإطلاق".
لذلك فإن تصعيد أستراليا كقوة عسكرية وسياسية شرسة في الشرق الأقصى من خلال تطويرها في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الإلكترونية، وتكنولوجيا الكم وأنظمة الغواصات وقدرات توجيه ضربات عسكرية بعيدة المدى، يهدف إلى محاصرة الصين، وتقويض نفوذها في آسيا والمحيط الهادئ.
ومع بداية حكم إدارة بايدن أعلنت أن منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، باتت محورا لتركيز سياستها الخارجية الرئيسة.
وشهدت المنطقة سلسلة من الزيارات رفيعة المستوى من مسؤولين أميركيين كبار، بمن فيهم كامالا هاريس، نائبة الرئيس بايدن، التي توجهت إلى أستراليا وكوريا الجنوبية وفنلندا.
المصادر
- هل أصبحت أستراليا أكثر من مجرد مصدر إزعاج للصين بعد اتفاقية الغواصات؟
- هل تحُدّ غواصات أستراليا من طموحات الصين البحرية؟
- أوكوس: أستراليا تدافع عن دورها في الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسط إدانة فرنسية
- "أزمة الغواصات".. اتصال مرتقب بين ماكرون وبايدن وأستراليا تدافع عن صفقتها
- غواصات نووية لكانبرا بموجب معاهدة دفاعية جديدة مع واشنطن ولندن والصين تندد
- أوكوس: الصين تنتقد اتفاقية أمنية بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وتصفها بأنها "غير مسؤولة"
- "أوكوس".. توسع الحرب الباردة الجديدة في آسيا والمحيط الهادئ (تحليل)