طائرات انتحارية مسيرة.. هكذا شقت طريقها من إيران إلى أيدي الحوثيين
أكدت مجلة نيوزويك الأميركية أن صورا لطائرات بدون طيار مرتبطة بإيران استخدمت في هجمات نفذها الحوثيون في اليمن.
وقال خبراء إن طائرة بدون طيار ظهرت في معرض للأسلحة أقامه المتمردون الذين يحكمون معظم أنحاء اليمن في وقت سابق من العام 2021، تشبه بشكل كبير طائرة بدون طيار يعتقد أنها استخدمت في وقت لاحق في هجوم مميت على ناقلة نفط قبالة سواحل عمان.
طائرات "إيرانية"
وربط المسؤولون الأميركيون ومحللون آخرون النظام المستخدم في تلك العملية وغيرها بإيران.
وتعرضت سفينة ميرسر ستريت، التي ترفع علم ليبيريا وتعمل لصالح شركة مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، إلى انفجارين متتاليين في يوليو/تموز 2021 أثناء إبحارها عبر خليج عمان.
أدى الانفجار الأخير إلى مقتل قبطان السفينة، وهو مواطن روماني إلى جانب ضابط أمن بريطاني.
الحادث الذي أثار غضبا دوليا، عزته الولايات المتحدة وإسرائيل إلى طائرات مسيرة أحادية الاتجاه صنعتها إيران، والتي نفت تورطها في هذا الهجوم.
أما المشتبه به الرئيس فهو النموذج الذي أشار إليه الخبراء والمسؤولون الأجانب باسم "شاهد -136"، أو ما يسمى بـ "طائرة بدون طيار انتحارية" يتراوح مداها 2000 -2200 كيلومترا، أو ما يقرب من 1240 إلى 1370 ميلا.
وفي ذات السياق قالت الممثلة الدائمة للمملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة باربرا وودوارد في أغسطس/آب"نحن واثقون، بناء على تقييمنا للحطام الذي تم العثور عليه في سفينة ميرسر ستريت أن النظام المستخدم في الهجوم كان طائرة بدون طيار -شاهد -136- والتي يتم تصنيعها فقط في إيران".
ولكن تم التعرف أيضا على هذه الطائرة الفريدة من نوعها في أماكن أخرى، لا سيما في اليمن، حيث تمتلك جماعة الحوثيين، طائرة مشابهة جدا يشار إليها باسم وعد.
ورفض الطرفان المزاعم القائلة بأن إيران تزود الحوثيين بهذه الأسلحة، لكن هذا النفي لم يصمد طويلا.
إذ أظهرت بعض الصور أن الطائرة بدون طيار المعروفة باسم شاهد -136 شاركت في محاولة الحوثيين الهجوم على القوات المدعومة من السعودية في محافظة مأرب اليمنية سبتمبر/أيلول 2020.
واستخدمت القيادة المركزية الأميركية صورة من هذا الحادث في تقييمها الخاص لربط إيران بهجوم سفينة ميرسر ستريت.
كما أظهرت صورة نشرت في يناير/كانون الثاني 2021، مثل هذه الأسلحة المنتشرة في محافظة الجوف اليمنية.
وفي نفس اليوم الذي نشر فيه تقرير المجلة الأميركية، نشر الحرس الثوري الإيراني مقطع فيديو لطائرة بدون طيار مشابهة لكن لم يتم الكشف عنها تستخدم لضرب دبابة أثناء عمليات تدريب.
وجرى بث المزيد من لقطات تدريب طائرات بدون طيار مماثلة في مايو/أيار 2021.
ويشير تحليل جديد للصور لخبير يتابع الأنشطة الإيرانية في المنطقة ويرغب في عدم الكشف عن هويته إلى أن هناك أوجه تشابه كبيرة بين الطائرة بدون طيار التي أسقطت في مأرب والطائرة المعروضة في "معرض الشهيد" الذي أقامه الحوثيون في 11 مارس/آذار.
ويفصل التحليل أوجه التشابه بين المركبة الجوية غير المأهولة التي عرضها الحوثيون في المعرض، وبقايا ما يسمى بمركبة جوية بدون طيار "شاهد -136" تم انتشالها بعد سقوطها في محاولة الهجوم على قوات الحكومة اليمنية بمحافظة مأرب في 23 سبتمبر / أيلول 2020.
ولم ترد على الفور بعثة إيران الدائمة لدى الأمم المتحدة ولا الحوثيون على طلب نيوزويك للتعليق.
لكن، أطلعت البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة أغسطس/آب مجلة نيوزويك على رسالة سلمتها إلى مجلس الأمن الدولي انتقدت فيها استخدام المملكة المتحدة مصطلحات غير مؤكدة مثل "مرجحة للغاية "، و"تقييمات أولية"، بالإضافة إلى المصطلحات الغامضة مثل "الشركاء الدوليين"، لاتهام طهران "بشكل تعسفي" بمهاجمة ميرسر ستريت.
"ادعاءات إسرائيلية"
وقالت السفيرة الإيرانية في الأمم المتحدة زهراء إرشادي إن "هذا الادعاء الذي لا أساس له - أثير لأول مرة، لأغراض سياسية واضحة، من قبل النظام الإسرائيلي مباشرة بعد الهجوم".
وأشارت إلى أن الاتهام "خاطئ من الناحية الواقعية وغير مسؤول سياسيا وأخلاقيا، وبالتالي فهو مرفوض رفضا قاطعا".
وقالت إرشادي "عقب هذا الحدث مباشرة، اتهم المسؤولون الإسرائيليون إيران بالحادث، وهذا ما يفعلونه عادة".
وأضافت "إنها ممارسة معتادة للنظام الإسرائيلي. وهدفها تحويل انتباه الرأي العام العالمي عن جرائمه وممارساته اللا إنسانية في المنطقة".
وتحقيقا لهذه الغاية، فإنهم يتهمون الآخرين بارتكاب مخالفات. وفي جميع الأحداث تقريبا في الشرق الأوسط تتهم إسرائيل إيران، "وهم يفعلون ذلك على الفور ولا يقدمون أي دليل".
وكان هجوم ميرسر ستريت هو الأحدث ضمن حملة غامضة مستمرة في البحر، حيث هددت الهجمات المتعددة التي استهدفت ناقلات النفط بإشعال التوترات في المياه الإستراتيجية للمنطقة وتعطيل التجارة الدولية.
وبالتوازي مع سلسلة الهجمات التي استمرت عامين قبالة شبه الجزيرة العربية والتي ألقت الولايات المتحدة وإسرائيل باللوم فيها على إيران، كانت هناك ضربات متعددة ضد السفن الإيرانية التي تنقل الوقود إلى سوريا.
ويعتقد المسؤولون في طهران أن إسرائيل تقف وراء هذه الأعمال حيث أشارت إرشادي إلى حوادث محددة في يناير/كانون الثاني ومارس/آذار وأبريل/نيسان، وأوضحت أن أحدثها أسفر عن مقتل ثلاثة سوريين.
ولا ترغب الدول والكيانات المحتملة تحمل مسؤولية مشاركتها في مثل هذه العمليات، وتعمل على إخفاء بصماتها في البحر والبر، حيث انتشرت هجمات طائرات بدون طيار مجهولة في أماكن أخرى مثل العراق.
وقال مسؤول عسكري أميركي سابق وخبير طائرات بدون طيار لمجلة نيوزويك: "بصراحة، كنت أفكر في الأمر على أنه نوع من الفن.. في المرة الأولى التي يرسم فيها الرسام، لا أحد يعرف من رسمها".
وفي حالة الهجمات المنسوبة لإيران في خليج عمان، واصل المسؤول الرافض للكشف عن اسمه إن القيمة الحقيقية ليست بالضرورة في العمل نفسه ، بل في هوية منفذيها.
وقال المسؤول السابق، في تحليله للمقارنة بين الطائرات المسيرة المستخدمة في هجوم ميرسر ستريت يوليو/ تموز والتي عرضها الحوثيون قبل أشهر في مارس/آذار، إنه " وبنسبة 80 بالمئة الطائرات هي نفسها".
لكن محللين آخرين أكدوا وجود اختلافات رئيسة، حيث قال خبير استخباراتي وخبير أسلحة إيراني لمجلة نيوزويك: "تستخدم إيران تقنيات أرخص وأسهل، تسهل عليها إمكانية إنكار استخدامها".
وقال إن الطائرتين المسيرتين اللتين شوهدتا في الصور "من الواضح أن لهما تصميم مشابه لكنهما ليسا متماثلتين".
وتابع أن "طائرة شاهد -136 تستخدم محركا من نوع وانكل، لكن وعد بها محرك تقليدي ترددي". وأكد الخبير الذي شارك التحليل مع نيوزويك ما ذهب إليه المحلل الإيراني.
ويعتقد أن "طائرتي وعد وشاهد 136 هما في الأساس نفس الطائرة بدون طيار.. قد يكون لديهم محرك مختلف لكنهما متماثلتان".
ويقارن جزء من تقييم القيادة المركزية الأميركية لهجوم ميرسر ستريت الذي نشر في 6 أغسطس / آب المواد مفتوحة المصدر لأنظمة جوية إيرانية بدون طيار من طراز دلتا.
وتعد إيران القوة الإقليمية الوحيدة التي اعترفت بإدارة الحوثيين كسلطة شرعية في اليمن.
وكانت القيادة في البلاد غير مستقرة منذ عام 2012، عندما أطاحت ثورة برئيسها علي عبد الله صالح، الذي بقي في الحكم أكثر من ثلاثة عقود. وواجه خليفته، عبد ربه منصور هادي احتجاجات حاشدة وحركات تمرد كبيرة.
وسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء في أوائل عام 2015 وسط اضطرابات على مستوى البلاد.
وأشعل الاستيلاء حملة بقيادة السعودية لدحر الحوثيين وإعادة السلطة إلى هادي الذي فر إلى مدينة عدن الجنوبية وغادر البلاد في نهاية المطاف إلى الرياض.
وبعد ست سنوات ونصف على اندلاع هذه الحرب الأهلية، لا يزال اليمن منقسما، ويسيطر الحوثيون على ما يقرب من 80 بالمئة من البلاد.
وفي محاولة لتحويل الصراع إلى المملكة العربية السعودية، شنت جماعة الحوثيين مجموعة من الهجمات الصاروخية وأخرى بطائرات بدون طيار استهدفت المملكة عبر الحدود الشمالية.
وتشارك واشنطن الرياض شكوكها بشأن دور طهران في الصراع اليمني.
لكن بعد أسبوعين فقط من توليه منصبه، دفعت المخاوف المتزايدة بشأن العواقب الإنسانية للغارات الجوية التي قادتها السعودية الرئيس جو بايدن إلى الإعلان عن وقفه المساعدة العسكرية الهجومية للعمليات هناك.