بدفع من طهران.. هل يستطيع العراق طرد المعارضة الإيرانية المسلحة؟
أثارت تصريحات أطلقها مسؤولون إيرانيون عن توصل بلادهم إلى اتفاق مع العراق لنزع سلاح المعارضة الكردية الإيرانية وطردهم من أراضي إقليم كردستان، تساؤلات كثيرة حول حقيقة هذه الاتفاقية، ومدى إمكانية تطبيق ذلك من حكومة بغداد في الوقت الحالي.
وفي 24 سبتمبر/ أيلول 2021 أعلن وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب، أن "العناصر الإرهابية المضادة للثورة في إقليم كردستان العراق ستنزع السلطات العراقية سلاحها في أقرب وقت ممكن بعد الاتفاقات التي تم التوصل إليها".
وقبل ذلك، قال أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بالعاصمة طهران في 12 سبتمبر/ أيلول 2021، إن "نشاط الإرهابيين في كردستان مثير للقلق"، مؤكدا أنه "لا بد من طردهم من شمال العراق".
الحلقة الأضعف
وبخصوص إمكانية تطبيق الاتفاقية المزعومة بين العراق وإيران، قال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية السابق، حامد المطلك، إن "التدخل الإيراني في الداخل العراقي بحجة المعارضة الكردية الموجودة على الأراضي العراقية، أصبح فيه الكثير من اللغط".
وأوضح السياسي العراقي في حديث لـ"الاستقلال" أن "العراق أصبح الحلقة الأضعف، وكل الأطراف تريد أن تكون أراضيه ساحة لتصفية حساباتها على حساب سيادته وكرامته، وعلى الحكومة أن لا تتعاون مع أي معارضة ضد دول الجوار، وفي الوقت نفسه أن لا تسمح لدول الجوار بالتدخل والتطاول على السيادة العراقية".
وأضاف البرلماني السابق أن "على الحكومة العراقية أن تنظر إلى خصوصية الشعب العراقي واستقلال العراق وإبعاده عن دوائر الصراع والتدخل سواء من إيران أو غيرها، ولا نريد أن يكون لطهران مبرر للتدخل في البلاد لأن هناك معارضة إيرانية".
وتابع: "لا نستطيع أن نحكم بوجود اتفاقية من عدمها، وربما تكون هناك اتفاقية سرية، لكن إذا وجدت فهي ضد مصلحة واستقلال البلاد، وعلى الحكومة أن لا تذهب في مثل هذه الاتفاقيات على حساب كرامة العراق ومستقبلة".
ودعا المطلك "حكومة إقليم كردستان إلى الحديث عن الاتفاقية إذا كانت موجودة وعدم ترك المجال لمثل هذه التصريحات".
وأكد أن "العراق الآن غير قادر على فرض سلطته وهيبته والقانون على أراضيه، لأن التدخلات كثيرة من الأطراف الخارجية، والنزاع الداخلي السياسي على أشده بين أقطاب سياسية تمتلك السلاح والمال".
ورأى البرلماني السابق أن "القرار الوطني العراقي ضعيف جدا، ولا أعتقد أن يستطيع تنفيذ أي شيء من هذا الاتفاق، وخير دليل على ذلك اتفاق سنجار القاضي بإخراج حزب العمال الكردستاني من قضاء سنجار لم يطبق حتى الآن".
وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وقعت بغداد مع حكومة الإقليم اتفاقا لضمان حفظ الأمن في قضاء سنجار بمحافظة نينوى من قوات الأمن الاتحادية بالتنسيق مع قوات الإقليم، وإخراج كل الجماعات المسلحة إلى خارج القضاء، وكذلك إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" فيها، وإلغاء أي دور للكيانات المرتبطة بها في المنطقة.
حقيقة الاتفاق
وعلى الصعيد ذاته، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد إحسان الشمري خلال تصريحات صحفية في 25 سبتمبر/ أيلول 2021، إنه لا يوجد اتفاق رسمي بين العراق وإيران لنزع سلاح الفصائل المسلحة الكردية المناوئة لطهران.
وأوضح الشمري أن ما حدث هي تفاهمات إيرانية عراقية بألا تكون الأراضي العراقية مصدرا لتهديد الأمن القومي لجيرانها، مشيرا إلى أن حكومة بغداد أكدت أنها لن تسمح لأي جهة أيا كانت أن تستخدم أراضيها لزعزعة استقرار دول الجوار.
ولفت الشمري إلى أنه من المتوقع أن تذهب الحكومة العراقية في هذا الصدد أولا نحو إقليم كردستان على اعتبار الجغرافيا التي توجد بها هذه الفصائل أو هذه الجماعات لعقد حوارات سريعة.
وأردف، قائلا: "الأمر الآخر هو التنسيق عالي المستوى لضبط الحدود ما بين العراق من جهة وإيران من جهة أخرى، أما الحديث عن اتفاق سريع أو مذكرة تفاهم فلا وجود له حتى الآن".
من جهته، نفى الأمين العام لوزارة البيشمركة الكردية في إقليم كردستان العراق، جبار ياور، خلال تصريحات صحفية في 26 سبتمبر/ أيلول 2021 علمه أو اطلاعه على اتفاق كهذا، وقال: "لم أطلع أو يصل إلى يدي أي شيء رسمي من الجهات الحكومة في بغداد يتعلق بمثل هذه الاتفاقية".
وفي موازاة ذلك، قال الخبير الأمني والسياسي العراقي مؤيد الجحيشي، خلال تصريحات صحفية في 26 سبتمبر/ أيلول 2021 إن "المسؤولين العراقيين المعنيين بالموضوع أكدوا أنهم غير مطلعين على الاتفاق، فالموضوع لا يتعدى كونه خطابا موجها لداخل الحدود الإيرانية".
فهو رسائل يجب أن يسمعها الإيرانيون مفادها بأن عهد إبراهيم رئيسي سيقضي على جميع المعارضة الإيرانية، كما قال.
وتابع: "لكن لو أقر أي مسؤول عراقي أن هناك مجرد نقاش حول الموضوع، لقلنا إن هناك بالفعل حالة سابقة حصلت مع منظمة مجاهدي خلق، عندما أخرجوهم من العراق بطلب إيراني وموافقة أميركية وفرنسية والحكومة العراقية آنذاك عام 2005".
وأوضح الجحيشي أن "تجربة إخراج منظمة مجاهدي خلق من العراق، تمت لأنهم كانوا موجودين ضمن جغرافيا تسيطر عليها سلطة الحكومة العراقية، ولا سيما في بغداد وديالى، وتمكنوا من إخراجهم في وقتها، وكذلك لم ترفض الولايات المتحدة في حينها طلب إيران".
جس النبض
وبشأن الهدف من حديث الوزير الإيراني، قال الجحيشي إن "تصريحاته غير منطقية من الأساس، ولو افترضنا وجود اتفاق بين بغداد وطهران لنزع سلاح، فالجيش العراقي لا يحل محل قوات حرس الإقليم وينتشر على حدود إيران".
وأرجع ذلك إلى أن الإقليم له خصوصية مثبتة بالدستور، ومن ثم فإن القوات الكردية يفترض أن تكون هي المعنية بأي اتفاق.
واستند الجحيشي في حديثه الصحفي على وجود قوات حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، وأنه رغم الضغوطات التركية والهجمات المتواصلة على الأراضي العراقية، لكن العراق لم يستطع نزع سلاحهم وطردهم من أراضيه.
ولفت الخبير العراقي إلى أن "تصريحات الوزير الإيراني ربما تكون أيضا بالون اختبار للعراقيين لمعرفة ردهم حول الموضوع، لذلك هي غير قابلة للتنفيذ؛ لأن القضية مختلفة تماما عن حالة منظمة مجاهدي خلق".
وكان الجيش العراقي، وصف في 21 سبتمبر/ أيلول 2021 تصريحات رئيس هيئة أركان الجيش الإيراني محمد باقري بشأن وجود تهديدات ضد طهران من الأراضي العراقية، بغير المبررة مؤكدا رفضه استخدام أراضيه للعدوان على أي من دول الجوار.
وقالت رئاسة أركان الجيش العراقي "نعرب عن استغرابنا للتصريحات غير المبررة التي نسبت أخيرا إلى رئيس هیئة الأرکان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد حسين باقري، بشأن وجود تحركات معادية من الأراضي العراقية تجاه الجمهورية الإسلامية".
وتابع: "تؤكد رئاسة أركان الجيش أن العراق يرفض بشدة استخدام أراضيه للعدوان على جيرانه، وأنه متمسك بحسن الجوار والعلاقات الأخوية مع دول الجوار".
وفي التاسع من سبتمبر/ أيلول 2021، كشفت وسائل إعلام عراقية أن "الحرس الثوري استهدف مواقع تابعة للمعارضة الإيرانية في إقليم كردستان العراق".
وذكرت "شبكة رووداو" العراقية الكردية أن "الحرس الثوري قصف بطائرات مسيرة وبالمدفعية مواقع للأحزاب الكردية الإيرانية في ناحية سيدكان بمنطقة بالكايتي التابعة لمحافظة أربيل"، مؤكدة أن "القصف لم يوقع خسائر بشرية بين المدنيين".
وأوضحت الشبكة الكردية أن "الحرس استخدم طائرات مسيرة لقصف مناطق من ناحية سيدكان وقضاء جومان يوجد فيها عناصر بيشمركة تابعون لأحزاب كردستان إيران".
وأعلن الحرس الثوري الإيراني في وقتها أنه دمر أربعة مقار لجماعات وصفها بـ"المعادية للثورة" في كردستان العراق.
فيما اتهم نائب مقر "حمزة سيد الشهداء" التابع لحرس الثورة العميد مجيد أرجمند فر، دولا أجنبية وعربية بدعم "الجماعات المعادية" في شمال العراق، وفق وكالة "تسنيم" الإيرانية.
المصادر
- وزیر الاستخبارات الإيراني يوجه تحذيرا لـ"القواعد الأمريكية والإسرائيلية" في كردستان
- رئاسة اركان الجيش العراقي ترد على تصريحات إيرانية "غير مبررة"
- خبير: ليس هناك اتفاق رسمي بين طهران وبغداد لنزع سلاح الفصائل الكردية
- هل اتفق العراق وإيران على نزع سلاح "المعارضة" في كردستان؟
- أربيل: اتفاق سنجار نُفذّ شكليا فقط