أرقام كارثية على مدار عقدين.. كم بلغت خسائر أميركا منذ غزو أفغانستان؟
يصادف 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ذكرى 20 عاما على الاجتياح الأميركي لأفغانستان، على إعلان الرئيس آنذاك جورج بوش "الابن" عملية "الحرية الدائمة"، حينها ظنت إدارة البيت الأبيض أن المهمة سهلة سريعة، وخلال بضعة أشهر ستحسم أمورها على أكمل وجه.
العملية العسكرية التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2001، استمرت عقدين من الزمن، والوفد الأول من المقاتلين، تبعته وفود أخرى، والحرب السريعة، تحولت إلى غزو استمر لسنوات طويلة، إلى أن رحل آخر جندي أميركي عن البلاد نهاية أغسطس/آب 2021.
ولأول مرة وقف الأفغان وأنشدوا نشيدهم الوطني: "ستشع هذه الأرض أبد الدهر، كالشمس في السماء الزرقاء" وهم ليسوا تحت قبضة محتل.
بقي سجل الحصاد المر لأطول عملية عسكرية في تاريخ الولايات المتحدة باقيا، إذ تكبدت في هذا الغزو، خسائر كارثية في العتاد والأرواح والأموال، إضافة إلى الأزمات السياسية والاقتصادية المتعددة والباقية طويلا.
خسائر كارثية
إنها حكاية بلدين، أحدهما ضعيف الإمكانيات والأدوات ولكن لديه دوافع أيديولوجية عالية، وتاريخ محمل بالمقاومة ضد المحتلين، والآخر متطور بشكل هائل من الناحية التقنية والعسكرية، لكنه اعتمد الغطرسة والقيادة السيئة فدفع الثمن غاليا.
كانت أفغانستان بؤرة حقيقية للاحتلال الأميركي على مدار 20 عاما، ومع قرار الرئيس الأميركي جو بايدن الانسحاب الكامل من البلاد، أعلنت وزارة الدفاع "البنتاغون"، أن تكلفة الحرب منذ أكتوبر/تشرين الأول 2001 إلى سبتمبر/أيلول 2021 قدرت تكلفتها بنحو 778 مليار دولار.
فيما أنفقت وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية نحو 44 مليار دولار لمشاريع إعادة الإعمار، ليبلغ بذلك إجمالي التكلفة 822 مليار دولار، إضافة إلى 85 مليار دولار أخرى لإنشاء وتدريب الجيش الأفغاني، الذي هزم لاحقا وانهار في أيام معدودات.
حتى أن مجلة "فورتشن" الأميركية، وصفت التقديرات المادية، في تقرير أصدرته بتاريخ 19 أغسطس/آب 2021، ذكرت فيه "أن الحرب الوحيدة، التي زادت تكلفتها المادية عن الحرب الأفغانية، بالنسبة للولايات المتحدة، هي الحرب العالمية الثانية، إذ أنفقت فيها واشنطن قرابة 5.1 تريليون دولار".
الانسحاب الأميركي الكامل من أفغانستان، لن يوقف أيضا نزيف الخسائر الاقتصادية تحديدا، حيث تستمر واشنطن في تحمل تكاليف الحرب لفترة طويلة، حتى بعد اكتمال عملية الخروج، والسبب الرئيس أن واشنطن مولت الحرب الأفغانية بأموال مقترضة.
ويقدر باحثو جامعة براون في دراستهم الصادرة عام 2019، أنه تم بالفعل دفع أكثر من 500 مليار دولار من الفوائد المدرجة في المبلغ الإجمالي البالغ 2.26 تريليون دولار.
لكنهم أكدوا أنه بحلول العام 2050، ستصل تكلفة الفائدة وحدها على ديون الحرب الأفغانية إلى 6.5 تريليون دولار، أي ما يعادل مبلغ 20 ألف دولار لكل مواطن أميركي.
المثير في رصد تلك المليارات الضائعة ما جاء في تقرير الكونغرس الأميركي في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عن تخصيص الإدارات المتعاقبة ما يقرب من 36 مليار دولار للحوكمة أو"الحكم الرشيد" والتنمية، لكن ضاع كثير من هذه الأموال من خلال الفساد والهدر والاحتيال وسوء الاستخدام على مر السنين.
وقدرت هيئة الرقابة المسؤولة عن الإشراف على جهود إعادة الإعمار في أفغانستان أن حوالي 19 مليار دولار قد ضاعت بهذه الطريقة ولم تنفق بالشكل المطلوب ما أدى في النهاية إلى سقوط الحكومة والدولة الهشة ككل.
قتلى وجرحى
وفيما يتعلق بالجانب العسكري، كانت الخطة الأميركية التي قدمها الجنرال تومي فرانكس القائد العام للقيادة المركزية آنذاك "CENTCOM"، على جورج بوش ووزير الدفاع "حينئذ" دونالد رامسفيلد، أن غزو أفغانستان سيكون باستخدام قوة تقليدية قوامها 60 ألف جندي.
وهو ما اعترض عليه رامسفيلد، خشية تكرار سيناريو السوفييت قديما، وطلب دعم قبائل الشمال المحاربة لحركة طالبان، وهو ما حدث مع انخراط 5 آلاف جندي أميركي مدعومين بقوات حلف شمال الأطلسي "الناتو".
مع مرور الزمن والتعمق في المعارك وزيادة حدة الاضطرابات، زاد عدد القوات الأميركية مع ضخ واشنطن مليارات الدولارات، لمحاربة حركة طالبان وتمويل إعادة الإعمار.
وبلغ عدد أفراد الجيش الأميركي ذروته بوجود نحو 120 ألف جندي في عام 2011.
ووفقا لمشروع بحثي جرى بين جامعتي براون وبوسطن الأميركيتين، بعنوان "Cost of War" في 2019، فإنه قتل أكثر من 3500 من عناصر قوات التحالف في أفغانستان، من بينهم 2300 جندي أميركي منذ أن بدأت الحرب عام 2001.
أما عدد المصابين بجروح خطيرة وعاهات مستديمة من قوات التحالف عموما يقدر بما يزيد عن 22 ألف شخص، من بينهم 19 ألف أميركي.
هذه الأرقام تبدو قليلة نسبيا على حرب استمرت عقدين، لكن إذا ما وضعت في صف من فقدوا حياتهم من قوات الأمن والمدنيين الأفغان بسبب السياسة الأميركية، فإن إجمالي الخسائر البشرية يكون كارثيا.
إذ ذكر تقرير جامعة براون أنه قتل من صفوف الجيش والشرطة الأفغانية ما يتجاوز 69 ألفا و100 شخص، إضافة إلى سقوط أكثر من 71 ألف قتيل من المدنيين الأفغان.
سقوط مرير
ومع الحديث عن هذا الإخفاق، لا يمكن إغفال الخسارة الإستراتيجية، كمحور أساسي، حيث إن هدف الولايات المتحدة الأول من غزو أفغانستان هو إسقاط حكم طالبان وسحقها تماما وإزالتها من الوجود كما بشر الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش.
ورغم الأسلحة المهولة والقصف المتواصل على الجبال والمدن لإبادة مقاتلي تنظيم القاعدة، والدخول معهم في معارك وحشية من أشهرها "تورا بورا" و"عملية أناكوندا" ومعركة "شاهي كوت"، فإن التنظيم ظل باقيا وصمد أمام الضربات الشرسة، ومارس أسلوب حرب العصابات على مدار عشرين سنة، ما بين الكر والفر.
وكانت الإدارة الأميركية حينئذ تنفق وتجهز قاعدة من المؤسسات الحكومية والأمنية الأفغانية كتابع لها، ودفعت بمليارات الدولارات لبناء قوات الأمن، بما في ذلك الجيش الوطني الأفغاني وقوات الشرطة، وعناصر الاستخبارات.
لكن السنوات أثبتت أن البناء كان على شفا جرف هار، ومع الانسحاب الأميركي، سقطت الحكومة الأفغانية في أيام معدودة، وسحق الجيش الجرار المجهز على أعلى المستويات أمام قوات طالبان، التي عادت أدراجها إلى الحكم، واقتحمت العاصمة كابول، وكأن الزمن لم يمر، وبالتالي فإن الهدف الرئيس للغزو لم يتحقق، وبقيت الحركة.
وفي 13 أغسطس/آب 2021، كتب محلل الشؤون الخارجية، في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إيشان ثارور، مقالة قال فيها: "إن انهيار أفغانستان السريع، جزء من هزيمة بطيئة وممتدة للولايات المتحدة".
وأضاف: "بعد أن بدت العاصمة كابول في مرمى مقاتلي طالبان، يمكن القول إن الحركة نفسها في وضع أكثر قوة منذ عام 2001 قبل أن يزيحها الغزو الأميركي من سدة الحكم".
وأكمل "مع تقدم طالبان السريع، بدا الجيش الأفغاني الذي استغرق بناؤه سنوات من التدريب والدعم المالي الكبير المقدم من الولايات المتحدة، مترنحا ومحبطا".
وقال: "إن رؤساء الولايات المتحدة، كانوا رويدا رويدا يخسرون حربا حظيت بدعم كبير، بل إن القادة السياسيين والعسكريين آثروا إخفاء أخطائهم وترك الحرب تحيد عن المسار، وقد أدركت الإدارات الأميركية المتعاقبة أنه لن يكون من السهل القضاء على طالبان".
وانتهى الأمر في صيف قائظ شديد الحرارة اجتاحت فيه حركة طالبان أرجاء أفغانستان، واستولت على المراكز الإقليمية واحدا تلو الآخر، مع التجهيزات والمعدات العسكرية باهظة الثمن، وقد تلاشى الوجود الأميركي مخلفا وراءه المغارم والغنائم وتاريخا لا ينسى.
المصادر
- Afghanistan’s rapid collapse is part of a long, slow U.S. defeat
- أفغانستان: كم كلفت الحرب ضد طالبان واشنطن وحلفاءها خلال 20 عاما؟
- مبالغ مالية خيالية وخسائر بشرية هائلة.. كم بلغت تكلفة الحرب في أفغانستان خلال 20 عاما؟
- The true cost of the 20-year war in Afghanistan, in 5 charts
- بالأرقام.. كلفة الحرب الكاملة في أفغانستان