مركز أبحاث تركي: هذه خطة بوتين لضمان فوز حزبه في أي انتخابات
كان مصطلح "ليسينيتس" الذي يعني "المحرومين من حقوقهم"، شائعا بين مواطني السوفييت في عهد الاتحاد السوفييتي، لكنه لم ينته بانقضاء تلك الحقبة.
أطلق هذا اللقب على ممثلي الطبقات الذين وصموا بأنهم يشكلون تهديدا على "دكتاتورية البروليتاريا (واحدة من أقل الطبقات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع)"، وفقا لدساتير عامي 1918 و1925 للجمهورية السوفييتية الاشتراكية، وحرموا من حق التصويت والترشح.
هذا لم يعد مجرد ذكرى نستحضرها بين الحين والآخر من كتب التاريخ فحسب، حيث إن روسيا لا تزال تتبنى سياسات تقييدية مماثلة، وفق ما يقول مركز الأبحاث الإنسانية والاجتماعية "إنسامر" التركي.
وبحسب الباحث محمد أخيادوف، يلاحظ أن إدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باتت تلجأ إلى أساليب أكثر قسوة في تعاملها مع المعارضة - خاصة خلال فترة الانتخابات - بسبب حالة عدم اليقين التي ظهرت كنتيجة لتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
وأضاف: لم تكن انتخابات مجلس الدوما التي أجريت خلال سبتمبر/أيلول 2021 استثناء.
فقبل الانتخابات مباشرة، جرى منع المواطنين الروس الذين يحملون جنسية أخرى أو تصريح إقامة أو يملكون حسابا مصرفيا في بلد أجنبي أو يكون دخلهم الرئيس من خارج البلاد، من حق الترشح.
وتابع: وبعبارة أخرى، تخلصت الحكومة الحالية من الشريحة التي تشكل أكبر "تهديد" عليها وأبعدتهم عن صناديق الاقتراع.
كذلك، حرم حوالي 9 ملايين مواطن روسي من حقهم في التصويت اعتبارا من سبتمبر/أيلول 2021، وفقا للتقرير الذي أعدته حركة الدفاع عن حقوق الناخبين "غولوس".
وبحسب أخيادوف، لا يتوقع من الانتخابات البرلمانية أن تؤدي إلى تغيير كبير في سياسة البلاد نظرا لأن البرلمان الروسي خاضع تماما لإدارة بوتين.
لذلك، لا ينبغي إغفال أن الفوز بالانتخابات مهم للغاية بالنسبة لبوتين الذي يعرف أنه يجب أن يسيطر على الأغلبية في البرلمان لضمان استمرار سلطته وحكومته.
وفاز حزب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأغلبية برلمانية بعد انتخابات شابتها مزاعم تزوير. ومع فرز جميع الأصوات تقريبا، فاز حزب روسيا الموحدة بحوالي 50 بالمئة من الأصوات، ما يمثل انخفاضا طفيفا عما حققه في الانتخابات السابقة.
ومنع أكبر منتقدي بوتين من الترشح، ووردت تقارير عن حشو أوراق الاقتراع وعن التصويت الإجباري. ورفضت لجنة الانتخابات الروسية مزاعم حدوث مخالفات واسعة النطاق.
الطريق الأسهل
ويقول الباحث: يبدو أن السلطة التنفيذية في روسيا تعتمد على سيطرة الكرملين على السلطة التشريعية إلى حد كبير.
ومن هنا، فلا مفر أمام إدارة بوتين غير اللجوء إلى طرق ووسائل مختلفة للحفاظ على سيطرتها على السلطة التشريعية بما أن فقدانها ذلك يعني نهايتها.
وبما أن تمرير المرشحين من فلتر السلطة والضغط على الناخبين وتزوير النتائج كانت من أهم ركائز الانتخابات التي أجريت في روسيا منذ منتصف العقد الأول من القرن 21 وحتى يومنا هذا، وجب النظر في جميع الأساليب المذكورة لتحليل الاقتراع بشكل صحيح، بحسب ما يراه الكاتب.
وأوضح: كان منع المعارضة ـ أفرادا كانوا أو أحزابا ـ من الترشح في الانتخابات، من أكثر الأساليب التي استخدمتها السلطة الحالية في روسيا للحصول على الأغلبية المطلقة.
فمثلا، منع عدد كبير من مرشحي المعارضة والمستقلين من المشاركة بسبب التعديلات التي أجريت على قانون التطرف والتنظيمات الإرهابية قبل الانتخابات بأشهر قليلة.
والأدهى، أن المصطلحات والكلمات المستخدمة في القانون المعني غامضة وعامة لدرجة تجعل من الممكن استخدامها ضد أي شخص وأي مجموعة تقريبا.
فبحسب هذا القانون، فإن "مشاركة" أي شخص في أنشطة المنظمات التي تعتبرها الدولة "متطرفة" أو "إرهابية"، كافية لمنعه حق الترشح ولو لم يقم بأي نشاط فعلي.
وبالطبع، أثر هذا القرار أكثر ما فعل على مؤيدي المعارض أليكسي نافالني، الذي تم تصنيف جميع تنظيماته التي يرأسها بأنها متطرفة بقرار من المحكمة في 9 يونيو/حزيران 2021.
كذلك، أدى هذا القانون إلى رفض طلب ترشح عدد من السياسيين المعارضين ذوي النفوذ أو انسحابهم الطوعي مع تزايد الضغوط، وفقا للكاتب.
وعلى الرغم من استحالة معرفة أعداد الممنوعين من الانتخابات بهذه الطريقة، يقول الخبراء إنه قد يصل إلى مئات الآلاف، خاصة وأن المنع لا يعني بالضرورة التورط المباشر في أنشطة منظمة محظورة.
فمجرد نشر تعليق لصالح هذه المنظمة على الإنترنت يعد سببا كافيا لمنع الترشح.
ويلفت إلى أن الذين جرى تغريمهم ثلاث مرات في السنة بسبب تنظيم مظاهرات غير مصرح بها لا يمكنهم الترشح تلقائيا.
وفي هذا الصدد، اعتقل أكثر من 17 ألف شخصا في أكثر من 125 مدينة، وجرى تسجيل أكثر من 9000 مخالفة إدارية وفتح 90 قضية جنائية عقب المظاهرات المؤيدة لنافالني، فقط في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى فبراير/شباط 2021.
إجراء مضاد
ويشير الباحث إلى أن الدعم الشعبي لحزب روسيا الموحدة انخفض كثيرا في السنوات الأخيرة.
فوفقا لاستطلاع أجراه صندوق الرأي العام في أغسطس/آب 2021، أعرب 29 بالمئة فقط من الناخبين عن نيتهم التصويت لصالح حزب روسيا الموحدة. فيما بلغت هذه النسبة 45 بالمئة في استطلاع أجرته نفس المؤسسة عام 2016.
وهذا يعني أن فرصة حزب روسيا الموحدة في الحصول على أصوات الأغلبية كاد يكون ضئيلا جدا لو كان انتخاب النواب يتم فقط من خلال تصويت القائمة الحزبية وليس وفقا لنظام التمثيل النسبي.
لكن الحزب يستطيع تحقيق الأغلبية دائما بما أن الانتخابات تجرى وفقا لنظام التمثيل النسبي، وهو ما حدث أيضا في الاقتراع الأخير.
ويشرح الكاتب بالقول: لا يزال حزب روسيا الموحدة بقيادة بوتين يحصل على أغلبية الأصوات بين الأحزاب السياسية المسموح لها بالمشاركة في الانتخابات من قبل السلطة السياسية الاستبدادية الحالية.
بينما سيستحيل ذلك لو أجريت انتخابات ديمقراطية حقيقية في روسيا وتمكنت أحزاب المعارضة من المشاركة.
واستدرك: الحق أن روسيا الموحدة تملك بطريقة أو بأخرى، أرضية تدعمها بشكل حقيقي.
يأتي هذا الدعم من جهتين: الأولى من الموالين للحزب والذين يتألفون عموما من العسكريين وقوات إنفاذ القانون وموظفي الخدمة المدنية.
ويعود ذلك إلى اعتقاد هذه المجموعة بأن مصالحها مرتبطة بشكل مباشر بالنظام الحالي، وقد انخفضت أعدادهم بعد عام 2016.
لذلك، يحاول الحزب وقف تراجع مستوى الدعم بآليات "الرشوة" والإكراه. وهنا تماما تبرز الجهة الأخرى التي تدعم روسيا الموحدة.
إذ تدعم هذه المجموعة الحزب بأصواتها تحت تهديد "الفصل من العمل" أو تحقيق مصالح صغيرة، حيث يتم دفع مبالغ إضافية لشرائح معينة بقرار مباشر من بوتين قبل الانتخابات، وفقا للكاتب.
أساليب ملتوية
ويقول الباحث إن الانتخابات الديمقراطية لها محددات لا بد من العمل بها، وأهم ما في ذلك حرية التعبير. بيد أن تلك الحرية تتعرض للهجوم منذ فترة طويلة في روسيا.
وما يؤكد ذلك، احتلال روسيا مكانها في ذيل مؤشر حرية الصحافة العالمي وتخصيص وقت لحزب روسيا الموحدة على القنوات التلفزيونية الوطنية ضعف الوقت المخصص للأحزاب الأخرى مجتمعة، وفقا لحركة غولوس.
وأردف: كان تزوير الانتخابات من أكثر القضايا التي نوقشت في روسيا.
وفي الانتخابات الأخيرة، جاء الاعتراض على استمرارها لمدة 3 أيام والسماح بإدلاء الأصوات إلكترونيا في عدة مناطق. وبحسب المعارضة، لم تكن هذه سوى طريقة أخرى طورها النظام لتزوير النتائج.
ويسترسل قائلا: كذلك، فإن عدم وجود نظم مراقبة فعالة يشير إلى تزوير الانتخابات.
وبالفعل، رفضت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إرسال مراقبين في الانتخابات الأخيرة.
وأوضحت سبب رفضها بأن "روسيا لا تسمح لها بإرسال العدد الذي تريده المنظمة من المراقبين".
أما روسيا فقد استخدمت تفشي جائحة كورونا ذريعة لتقييدها عدد المراقبين.
بينما تقول المعارضة إن النظام الحالي يحاول "رسم" نتائج الانتخابات التي يرغب بها من خلال إجرائها على مدى ثلاثة أيام تزامنا مع تقليص عدد المراقبين بحجة الحد من تفشي وباء كورونا.
ويضيف: في الصورة النهائية، استطاعت السلطة الحالية في روسيا حرمان عدد غير محدود من الناس من حقهم في الترشح والتصويت بشكل تعسفي، من خلال تنفيذ التغييرات القانونية التي تريدها بفضل سيطرتها على السلطتين التشريعية والقضائية.
ولا مقارنة بين عدد المستبعدين من الساحة السياسة من خلال القوانين في روسيا اليوم، والمستبعدين منهم في عصر الاتحاد السوفييتي.
ويختم الباحث مقاله بالقول: إن مثل هذه الضغوط لا تدفع مرشحي المعارضة البارزين للتراجع في ميدان الانتخابات فحسب، بل تؤثر سلبا في عزمهم على النضال السياسي أيضا.
ومع ذلك، من المؤكد أن السياسة القمعية ستستمر بالفتك في جسد المعارضة الروسية؛ فالسلطة الحالية تعلم جيدا أن البرلمان يجب أن يعمل لصالحها لتستطيع البقاء في عرشها، وفق تقديره.