تهدد بهجمات جديدة.. لماذا قصفت إيران الآن إقليم كردستان العراق؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تواصل القوات الإيرانية هجماتها العسكرية على مناطق شمال العراق منذ 9 سبتمبر/أيلول 2021، وتتوعد بتوسيعها، بحجة وجود هجمات مسلحة مصدرها فصائل إيرانية كردية معارضة تتخذ من الأراضي العراقية منطلقا لها، وهو الأمر الذي نفاه الجيش العراقي بشدة.

وفي 20 سبتمبر/أيلول 2021، أعلن الحرس الثوري الإيراني، تدمير 4 مقار لجماعات "معادية للثورة" في كردستان العراق، وأن القصف الذي استخدمت فيه طائرات مسيرة انتحارية وقتالية وقذائف المدفعية الذكية والدقيقة، طالت مراكز القيادة ومخازن الذخيرة لتلك الجماعات.

وفي 24 من الشهر نفسه، حذر وزیر الاستخبارات الإيراني إسماعیل خطیب، في تصريحات صحفية، "القواعد الأميركية والإسرائيلية" في كردستان، من أي تصرف يهدد أمن إيران، متوعدا برد "هجومي" على تلك المحاولات.

الهجمات الإيرانية أثارت تساؤلات عديدة عن توقيتها والهدف منها، ولا سيما أنها تأتي في وقت حساس يسعى العراق فيه إلى إيجاد أجواء هادئة في جميع أراضيه تمهيدا لانتخابات برلمانية مبكرة مقرر إجراؤها في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

"تصعيد إعلامي"

في ضوء الهجمات المكثفة التي تشنها القوات الإيرانية، أصدرت رئاسة أركان الجيش العراقي في 21 سبتمبر/ أيلول 2021 بيانا أعربت فيه عن استغرابها من التصريحات التي وصفتها بأنها "غير مبررة" للاستمرار في شن هجمات عسكرية داخل الأراضي العراقية.

وقالت الأركان العراقية في بيانها: إن "العلاقات الثنائية التي تربطنا مع الجارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وثيقة مبنية على التعاون وحسن الجوار، وقد شهدت تطورا ملحوظا بين البلدين في الآونة الأخيرة على جميع الأصعدة، خاصة في الجانبين الأمني والعسكري".

وأضافت: "على هذا الأساس نعرب عن استغرابنا  للتصريحات غير المبررة التي نسبت أخيرا  إلى رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد حسين باقري، بشأن وجود تحركات معادية من الأراضي العراقية تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

وأشارت رئاسة الأركان إلى أن "العراق يرفض بشدة استخدام أراضيه للعدوان على جيرانه، وأنه متمسك بحسن الجوار والعلاقات الأخوية مع دول الجوار"، مشددة على ضرورة "التزام الجميع بلغة الأخوة والتعاون في العلاقات المشتركة".

وفي السياق ذاته، وصف النائب عن لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي عبد الخالق العزاوي، تهديدات باقري بأنها "تصريحات لا تؤخذ على محمل الجد وإنما هي فقط للتصعيد الإعلامي"، منوها إلى أن "الحكومة العراقية غير قادرة على الرد على الاعتداءات الإيرانية على إقليم كردستان".

العزاوي، أكد خلال تصريحات صحفية في 19 سبتمبر/أيلول 2021 أن "إقليم كردستان لا يحتاج إلى حماية القوات الإيرانية، كما أن الإقليم لديه من يحميه"، لافتا إلى أن "هذه التصريحات من الجانب الإيراني هي فقط إعلامية".

وأفاد العزاوي بأنه "لم يكن هناك تنسيق للقوات الإيرانية مع الحكومة العراقية، كما أن الحكومة غير قادرة على الرد حتى الآن على مثل هذه الاعتداءات"، لافتا إلى أن "الجانب الإيراني يزعم أن لديه أهدافا داخل حدود إقليم كردستان، وهذا الأمر غير صحيح".

وفي 19 سبتمبر/ أيلول 2021، طالب محمد باقري، حكومة العراق باتخاذ خطوات لمنع أنشطة جماعات مسلحة (كردية إيرانية) مناهضة للجمهورية الإسلامية، متمركزة في جبال شمال العراق المحاذية للحدود الإيرانية.

ورجح باقري أن هذه الجماعات المسلحة التي تتخذ من إقليم كردستان العراق منطلقا لها قد كثفت أنشطتها خلال العام الأخير "بتحريض من الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية الرجعية في المنطقة".

وصرح رئيس الأركان بأن إيران لن تقبل بذلك وستواصل عملياتها بغية اقتلاع هذه الجماعات المسلحة، مضيفا أن الجمهورية الإسلامية لن تسمح بتنفيذ أي أعمال تخريبية عند حدودها.

رسالة إيرانية

وبخصوص علاقة التحركات العسكرية الإيرانية في مناطق شمال العراق بقرب الانتخابات العراقية من عدمه، قال الكاتب والباحث من إقليم كردستان العراق كفاح محمود: إن "الهجمات الأخيرة التي نفذتها القوات المسلحة الإيرانية هي امتداد لهجمات مماثلة منذ سنوات".

ولا يعتقد محمود بأن هذه العمليات الأخيرة لها علاقة بالانتخابات العراقية بقدر ما هي للاستهلاك المحلي الإيراني، وفق تصريحات صحفية في 21 سبتمبر/ أيلول 2021.

وبين أن القصف الإيراني يمثل "رسالة إلى معارضيها بأن الإدارة الإيرانية برئاسة إبراهيم رئيسي ستكون أكثر تشددا من سابقتها".

وأكد الكاتب الكردي، أن "هناك تنسيقا بين الإقليم والحكومة الاتحادية، ويعملان مع بعض لإيقاف هذه العمليات ومنع تفاقم الأوضاع والوصول إلى تهدئة ممتدة".

واستبعد محمود أن يكون قد جرى بحث ملف الأكراد الإيرانيين في شمال العراق خلال الزيارة الأخيرة التي أجراها رئيس حكومة بغداد مصطفى الكاظمي إلى إيران في 12 سبتمبر/ أيلول 2021.

وبموازاة ذلك، نقلت شبكة "رووداو" الكردية في 21 سبتمبر/ أيلول 2021 عن مسؤول قيادة قوات بيشمركة كردستان التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني "حدكا" قوله: "لم تحصل الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أية مكاسب من هذه العملية، لذا فهي تسعى لجذب الرأي العام تجاهها".

ونفت أحزاب كردستان إيران الاتهامات الموجهة بتلقيها الدعم من قبل دول، أو تنفيذها نشاطات بدفع من دول أخرى، مؤكدة أنها "لا تقوم بأي عمل يعرض مصالح حكومة إقليم كردستان إلى الخطر"، متهمة إيران بـ"اتباع كل الوسائل والحجج للضغط على حكومة إقليم كردستان".

ونقل تقرير صحفي في 14 سبتمبر/ أيلول 2021 عن مصدر سياسي كردي عراقي (لم يكشف عن هويته) قوله: إنه "ثمة تصعيد إيراني كلامي وعملياتي، ضد الأحزاب والقوى الكردية الإيرانية المقيمة في كردستان العراق، ولا ننسى تصاعد عمليات الاغتيال لرموز من المعارضة الكردية الإيرانية في كبريات مدن الإقليم، من قبل أجهزة الاستخبارات الإيرانية".

وأوضح المصدر الكردي لموقع "سكاي نيوز" الإماراتي، أن إيران تسعى من خلال هذا كله "خلق مناخ توتيري يضرب عصفورين بحجر، فمن جهة يجري استهداف الحركة الكردية الإيرانية، ومن جهة أخرى يتم ضرب الاستقرار في إقليم كردستان العراق".

وأردف قائلا: "وهي رسالة للعراق أيضا عشية الانتخابات، لاختلاق أزمة تتيح لطهران التصعيد وخلط الأوراق، بما يؤثر في المعادلات الانتخابية الداخلية العراقية، والقول: إن إيران هي اللاعب الأول في العراق، والذي لا يقبل إطلاقا الانتقاص من دوره أو حتى مزاحمته، ولو أتى ذلك عبر إرادة العراقيين المتجسدة في صناديق الاقتراع".

وأكد المصدر السياسي أن "قوات البيشمركة الكردية الإيرانية، المتمركزة في قواعد ومقرات أحزابها السياسية داخل أراضي إقليم كردستان العراق، لا تقوم بشن أية هجمات أو عمليات عبر الحدود العراقية – الإيرانية".

وأوضح أن هذه القوات "موجودة ضمن تفاهمات مع القيادة السياسية في كردستان العراق، من الحزبين الرئيسين، الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين، وبالنهاية ثمة قضية كردية عادلة في إيران يجب حلها".

أهداف أخرى

وعن الدوافع الإيرانية من الهجمات، قالت الباحثة مرفت زكريا خلال تقرير نشره "المركز العربي للبحوث والدراسات" في 16 سبتمبر/ أيلول 2021: إنها "تأتي بالتوازي مع تصاعد حدة الاحتجاجات الداخلية في إيران على خلفية سوء الأوضاع الاقتصادية واستمرار فرض العقوبات الاقتصادية وتوقف محادثات فيينا".

وتابعت الباحثة: "لذا، ترغب الحكومة الإيرانية الجديدة بقيادة إبراهيم رئيسي في ضبط إيقاع التهديدات الخارجية التي يمكنها التصعيد من حدة الأزمة في الداخل الإيراني".

ويتوازى ذلك، بحسب الباحثة، مع تصاعد حدة التهديدات القادمة من أفغانستان، ولاسيما بعد أن رفضت حركة طالبان الانتقادات الإيرانية بشأن التشكيل الحكومي الجديد.

فلطالما كانت طهران حذرة من عدم الاستقرار الموجود على حدودها الشرقية؛ حيث أدى الانسحاب الأميركي من أفغانستان إلى الدفع بأعداد كبيرة من اللاجئين الأفغان إلى إيران.

وهو ما تصاعدت على إثره حدة التظاهرات المنادية بقطع إيران علاقتها مع الحكومة الجديدة في أفغانستان بقيادة طالبان.

وخلصت مرفت زكريا في بحثها إلى أن "إيران تسعى لتعزيز نفوذها بالمنطقة خلال الفترة القليلة المقبلة، بالتوازي مع توجه الحكومة الجديدة".

وفي ذلك، تركز إيران على تطوير العلاقات مع دول الجوار وصد التهديدات المتلاحقة؛ سواء من الدول المعادية لها مثل إسرائيل أو بعض الجماعات الانفصالية، ولاسيما الأكراد الذين يعتبرون من أكبر القوميات الموجودة بالعالم التي لم تتمكن من تأسيس الدولة الخاصة بها، وفق قولها.

وحول تهديدات النظام الإيراني المتصاعدة، قال عمر الخاني زاده السكرتير العام لحزب "كومله" الكردي الإيراني خلال تصريحات صحفية في 14 سبتمبر/ أيلول 2021: "الأمور ليست بهذه البساطة أن يتم كل شيء وفق ما يشتهي نظام الملالي، والمطالبات والإملاءات الإيرانية الاستفزازية هذه لا يمكن تحقيقها".

وأضاف الخاني زاده، الذي ينتمي إلى أكبر الأحزاب الكردية الإيرانية: "الأمر لا يتعلق فقط بحكومة الكاظمي في العراق، بل وبالدرجة الأولى يرتبط بإقليم كردستان العراق، حيث توجد مقراتنا وقواعدنا، وثمة قوى وتوازنات دولية لن تسمح لطهران بتنفيذ مخططاتها الإرهابية بحقنا".