بعد رفض نفط إيران.. هذه خيارات ميقاتي لإنهاء أزمة الوقود في لبنان
رغم اكتساب حكومة نجيب ميقاتي ثقة البرلمان اللبناني، لكن تصريحاته الرافضة لشحنات الوقود الإيراني، لا تزال تثير التساؤلات بخصوص أسبابها، وتداعياتها على مستقبل حكومته، وفيما إذا كانت لدى ميقاتي خيارات يستعيض بها عن إيران الخاضعة لعقوبات أميركية.
وكان البرلمان اللبناني قد منح في 20 سبتمبر/أيلول 2021 الثقة لحكومة ميقاتي بموافقة 85 نائبا من إجمالي 100 حضروا الجلسة، حيث تنتظر الحكومة الجديدة الكثير من الأزمات، ولا سيما الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ عامين.
انتهاك للسيادة
ردة فعل رئيس الحكومة اللبناني على أول دفعة من الوقود الإيراني استوردها "حزب الله" على حسابه الخاص في 16 سبتمبر/أيلول 2021، كانت رافضة لها، والتي اعتبرها بأنها "انتهاك لسيادة لبنان".
وفي مقابلة مع محطة "سي إن إن" الأميركية، قال ميقاتي: "أنا حزين على انتهاك سيادة لبنان، ولكن ليس لدي خوف من عقوبات عليه، لأن العملية تمت في معزل عن الحكومة".
لكن وزارة الخارجية الإيرانية ردت على تصريحات ميقاتي، حيث قال المتحدث باسمها، سعيد خطيب زاده، خلال تصريحات في 19 سبتمبر/ أيلول 2021 إن "ما جرى هو صفقة تجارية بطلب من تجار لبنانيين، وهي صفقة عادية لا تحمل أي طابع للتدخل في الشأن اللبناني".
وأضاف خطيب زاده: "إذا رغبت الحكومة اللبنانية بشراء الوقود الإيراني لحل مشاكل شعبها فإن طهران مستعدة للتعاون معها". وتابع بالقول: "المهم بالنسبة لإيران هو تحقق السلام والاستقرار في لبنان، وطهران تقدم كل ما من شأنه أن يمكن الحكومة اللبنانية من النجاح في هذا المجال".
وفي 13 سبتمبر/ أيلول 2021، أعلن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أنه سيتم بيع المحروقات الإيرانية للبنانيين "بأقل من سعر التكلفة"، واصفا ذلك بأنه "مساندة وهدية من إيران وحزب الله".
فيما اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية في 20 سبتمبر/أيلول 2021 أن "استيراد لبنان للنفط من إيران ليس في مصلحته ويعرضه للخطر"، مشيرة إلى أن "أنشطة حزب الله تقوض المؤسسات اللبنانية وقد تعرض لبنان لعقوبات".
وقالت المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية الأميركية، جيرالدين غريفيث، خلال تصريحات صحفية: "نحن على استعداد لتوفير الدعم للبنان، ولكن يجب أن تكون هناك رغبة من قبل السلطة للقيام بواجباتها"، مضيفة أن "استيراد النفط من إيران، وأنشطة حزب الله المتزايدة تعرض لبنان للخطر".
وعن إمكانية فرض عقوبات على لبنان، قالت إن "العقوبات الأميركية تستهدف التعامل والتجارة غير الشرعية مع الدول الخاضعة للعقوبات مثل إيران، ولا يخفى على أحد أن أنشطة حزب الله تقوض المؤسسات اللبنانية وقد تعرض لبنان لعقوبات، ومن وجهة نظر إدارة الرئيس جو بايدن، فإن استيراد الطاقة والنفط من إيران لا يصب في مصلحة الشعب اللبناني".
6/8 عن ادخال حزب الله النفط الإيراني والخوف من عقوبات على لبنان، قال: "انا حزين على انتهاك سيادة لبنان ولكن ليس لدي خوف من عقوبات عليه، لان العملية تمت في معزل عن الحكومة اللبنانية" ...
— رئاسة مجلس الوزراء ���� (@grandserail) September 17, 2021
أسباب وانعكسات
وتعليقا على رفض ميقاتي للنفط الإيراني، قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني إبراهيم حيدر لـ"الاستقلال" إن "تعليق ميقاتي ينطلق من موقعه رئيسا للحكومة، وبالتالي هو يعتبر أن صهاريج الوقود الإيراني التي دخلت لبنان لم تكن مشرعنة، أي أنها دخلت عبر معابر تعتبر غير شرعية عائدة إلى حزب الله".
وتابع: "بالتالي هو (ميقاتي) قال هذا الكلام انطلاقا من أنه قد يكون خرقا للسيادة وهو بهذا يوجهه للأميركيين بأن حكومته ليس لها علاقة بإدخال المحروقات الإيرانية، لكنه استدرك أن ذلك ليس معناه أن الحكومة ستتعرض إلى عقوبات لأنها ليس لها علاقة".
واعتبر الكاتب اللبناني أن "الأمور في هذا الموضوع معقدة، فإن إعلان دخول المحروقات الإيرانية جرى قبل شهر أي قبل تشكيل حكومة ميقاتي، وقد أعلن حزب الله عن ذلك، رغم أنها لن تحل الأزمة، وإنما في جانب منها تزيد المأزق ولا سيما فيما يتعلق بالتوازنات داخل الحكومة ذاتها".
وأوضح: "دخول الوقود الإيراني جاء بالتوازي مع المفاوضات التي تجري لإدخال الغاز المصري والكهرباء الأردنية، وذلك يشير إلى أن الحكومة فيها الكثير من التناقضات، لكن الغالب فيها والقادر على فرض قراره، هو تحالف الرئيس ميشال عون وحزب الله، فهما المقرران في مسار الحكومة، وهذا قد يترك انعكاسات سلبية على مسار الحكومة وخطواتها، وبالتالي يشكل ضغوطا على ميقاتي".
من جهته، رأى المحلل السياسي اللبناني، توفيق شومان، في حديث مع "الاستقلال" أن "التصريح الذي أطلقه ميقاتي واضح أنه قد مر بسلام، والسبب أن الحكومة نالت الثقة في البرلمان، وأن كتلة الوفاء التابعة لحزب الله قد أعطته هذه الثقة".
وأضاف أن "حزب الله لم يقف عند هذه المسألة لأنه يعتقد أن تسوية الأمور الداخلية وعدم الدخول في سجالات قد ينعكس إيجابا على البلد، وبالتالي على مسيرة الحكومة التي يعول عليها تخفيف الانهيار المالي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان خلال هذه المرحلة، لذلك لم يصدر أي موقف عن الحزب، وإنما تجاهل الأمر، لذلك لا تداعيات لهذا الموضوع مستقبلا".
ويشهد لبنان أزمة محروقات شلت مختلف القطاعات الحيوية والأساسية فيه، ووصف البنك الدولي الأزمة بأنها "الأسوأ" على المستوى العالمي منذ قرن ونصف، وباتت معها احتياطيات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية بالكاد تكفي الحد الأدنى من الاحتياطي الإلزامي الذي يسمح بالتغطية القانونية لأموال المودعين في المصارف الخاصة.
وأدى نقص كميات الوقود في لبنان، إلى إعاقة حركة النقل وهدد بإغلاق المستشفيات، ليعلن الجيش أخيرا، بدء مصادرة كميات مخزنة من البنزين من محطات الوقود، فيما قرر مصرف لبنان المركزي مؤخرا إنهاء دعم الوقود.
خيارات أخرى
وبخصوص الخيارات التي قد يلجأ إليها ميقاتي لاستيراد النفط، قال الكاتب حيدر: "كان هناك اتفاق مع العراق وبمبادرة عراقية بالدرجة الأولى بمنح لبنان مليون طن من النفط لتشغيل الكهرباء، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ منذ الحكومة السابقة، لكن هناك التباسات تتعلق بالملف كله".
وأشار إلى أن "الإيرانيين دخلوا على الخط، حتى قيل إنهم مستعدون للتنقيب عن النفط بالمنطقة البحرية اللبنانية في البحر المتوسط، وبالتالي هذا يفتح ملفات كثيرة، في وقت لم تعلق الدول العربية بشكل مباشر حتى 21 سبتمبر/ أيلول 2021 على تشكيل حكومة ميقاتي، وهناك تخوف أن لا يكون هناك غطاء عربي كامل لهذه الحكومة".
وفي موازاة ذلك، قال المحلل السياسي، شومان، إن "هناك محاولة لنقل الغاز من مصر عبر الأردن وسوريا ثم لبنان، وهذا بحاجة إلى توافق وتنسيق إقليمي بين هذه الدول الأربع، وكذلك بحاجة إلى غطاء أميركي".
وأردف: "في الموقف العام يبدو أن الأميركيين غضوا النظر على هذا الأمر ووافقوا مبدئيا على استجرار الغاز من مصر عبر هذه الدول وصولا إلى لبنان، لكن تبقى المسائل العملية حول أي حد سينفذ الأميركيون وعودهم؟ وهذا سيكون قيد الاختبار".
ولفت شومان إلى أن "ميقاتي قال إنه سيطرق الأبواب العربية من أجل أن تلقى دعم معين سواء على مستوى الهبات أو المساعدات المالية أو مساعدة لبنان بما يحتاجه من مشتقات نفطية".
ورأى الخبير اللبناني أن "التوجه إلى السعودية سيكون من ضمن خطة ميقاتي بلا شك، لكن قد لا يكون من ضمن النتائج، أي أن رغبة لبنان ورئيس الحكومة هو طرق الأبواب الخليجية، لكن إلى أي حد ستستجيب هذه الدول، أعتقد هذا الأمر بحاجة إلى نقاش عميق بين الطرفين".
ولفت إلى أن "الخليجيين عموما لم يرحبوا بعد بحكومة ميقاتي، والأنباء في بيروت تقول إن رئيس الحكومة يرغب بزيارة المملكة العربية السعودية، لكن الرياض لم تعط موعدا له حتى الآن، لذلك لن تكون الرياض على جدول الزيارات المرتقبة والسريعة لرئيس الحكومة ميقاتي".
وأشار شومان إلى أن "المعلومات السائدة في بيروت تفيد بأن ميقاتي قد يذهب إلى مصر وربما إلى العراق وقطر أيضا، لكن على مستوى السعودية لا تزال الأمور غائمة لغاية الآن وغير معروفة".
وأعرب عن اعتقاده بأن "التعامل مع حكومة ميقاتي يضع الخليجيين بصورة عامة والسعودية بشكل خاص تحت الاختبار والاحتمال أيضا، لكن لا أتوقع تسوية هذه العلاقات بصورة عاجلة وسريعة، وربما بحاجة إلى جهد من الطرفين".
وخلص شومان إلى أنه "لا يوجد بدائل عربية سوى ما جاء من العراق إلى لبنان وهو مليون طن من النفط، لكن بالنسبة للدول الخليجية لا يوجد حاليا أي أفق، وهذا رهن المشاورات والنقاشات والمداولات السياسية، لذلك لا تعويل قريب على مساعدات خليجية إلى لبنان".