وفود رسمية وبيانات مشتركة.. كيف ترى أميركا وأوروبا الحل لأزمة تونس؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حراك دبلوماسي واسع منذ الأسبوع الأول من سبتمبر/أيلول 2021 تشهده تونس التي تعيش في ظل انقلاب دستوري، أسماه الرئيس قيس سعيد "إجراءات استثنائية"، وعطّل بموجبها عمل البرلمان وأقال الحكومة وجمع صلاحياتهما في يديه.

وفي 4 سبتمبر/أيلول 2021، حل في تونس وفد بارز المستوى من الكونغرس الأميركي قاده السيناتور كريس مورفي ممثلا عن الحزب الديمقراطي والسيناتور جون أوسوف ممثلا عن الحزب الديمقراطي، التقى أعضاء الوفد بالرئيس سعيد في قصر قرطاج، وبممثلي منظمات المجتمع المدني وأعضاء من مجلس النواب.

بعدها بيومين فقط، أصدر سفراء مجموعة الدول السبعة (G7) التي تضم كلا من الولايات المتحدة الأميركية واليابان وكندا بالإضافة إلى بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، بيانا دعوا فيه إلى "سرعة العودة في تونس إلى نظام دستوري يضطلع فيه برلمان منتخب بدور بارز".

هذه المواقف أثارت جدلا في تونس بين من يندد بتصاعد "وتيرة التدخلات الأجنبية" في الشأن التونسي خاصة بعد 25 يوليو/تموز 2021، وبين من أثار مخاوف جدية تهدد الاقتصاد الذي يعتمد بشكل أساسي على موارد مالية متأتية من الاقتراض بضمانات هذه الدول ومن دعمها أيضا.

زيارة ثانية

وصل الوفد الأميركي إلى تونس ضمن زيارة شملت 7 دول في المنطقة بالإضافة إلى الكيان الإسرائيلي.

الزيارة هي الثانية للأميركيين لتونس منذ الانقلاب في 25 يوليو/تموز 2021، حيث زارها كل من نائب وزير الخارجية بالنيابة جوي هود ونائب مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جوناثان فاينر ومدير مكتب شمال إفريقيا لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جوش هارس، والتقى حينها الوفد الرئيس سعيد وسلمه رسالة مكتوبة من نظيره جو بايدن. 

الزيارة الجديدة كانت مخرجاتها أكثر وضوحا من الأولى، حيث نشرت السفارة الأميركية بيانا عبر موقعها الرسمي كشفت فيه عن موقف البرلمانيين الأميركيين، وأكد السيناتوران مورفي وأوسوف أن "الولايات المتحدة تشارك الشعب التونسي هدفه المتمثل في حكومة ديمقراطية تستجيب لاحتياجات البلاد في وقت تكافح فيه أزمات اقتصادية وصحية".

كما حث الوفد - بحسب نص البيان - على العودة إلى المسار الديمقراطي واعتماد أي إصلاحات من خلال عملية شاملة، بما في ذلك مشاركة ممثلي الطيف السياسي وأعضاء المجتمع المدني.

وأكد الوفد أن الولايات المتحدة "ستواصل دعم الديمقراطية التونسية التي تستجيب لاحتياجات الشعب وتحمي الحريات المدنية وحقوق الإنسان".

وشملت اللقاءات بالإضافة لسعيد، اجتماعا بعدد من ممثلي المجتمع المدني خاصة من الذين يتلقون دعما من المؤسسات الأميركية.

فضلا عن لقاء اعتبر الأهم، ضم 4 نواب ممثلي كتل نيابية مختلفة، وهم سيدة الونيسي عن حركة النهضة ونائب رئيس مجلس النواب سميرة الشواشي عن حزب "قلب تونس" وعن حركة "تحيا تونس" مروان فلفال، بالإضافة إلى النائب المستقل حاتم المليكي.

تفاصيل اللقاء

واعتبرت سيدة الونيسي، أن طبيعة الجلسة التي ضمت النواب بالوفد الأميركي "كانت جلسة استماع، وبدا لنا من خلال اللقاء أن الوفد الأميركي يريد الاستماع إلى رأي مختلف عن الرأي الذي استمعوا إليه خلال لقائهم بالرئيس سعيد". 

وأضافت الونيسي، لـ"الاستقلال" أن الوفد الأميركي "توجه بسؤال واحد للطرف التونسي حول أسباب الدعم الشعبي الواسع لقرارات سعيد في 25 يوليو/تموز 2021".

واعتبرت الونيسي أن النواب المشاركين في اللقاء "كانت مواقفهم وطنية وجامعة ومتشابهة بدرجة كبيرة، أجمعت على ضرورة احترام الديمقراطية في البلاد، وأن القرارات التي تم اتخاذها من قبل سعيد لا يمكن أن تكون حلا للأزمات التي تعيشها البلاد منذ فترة، كما عبر الجميع عن تخوفهم على وضع الحقوق والحريات في البلاد". 

وأكدت أن الوفد الأميركي "كان يخشى لآخر لحظة أن لا يتم استقبالهم من قبل رئيس الجمهورية، خاصة بعد الحملة التي قام بها عدد من الأطراف السياسية والمجتمعية الداعية لمقاطعة زيارة الوفد الأميركي، بحجة تدخله في الشأن الداخلي".

ويبدو أن هذا ما يبرر أن الطرف الأميركي لم يصدر أي موقف واضح من الأحداث في تونس، كما لم يطرحوا أي تصور للحل أو طرح فكرة الوساطة بين الأطراف. 

لكن في الوقت نفسه، أوضحت الونيسي أن 3 من النواب الحاضرين أكدوا رفضهم لإجراء استفتاء في الوقت الراهن، والذي أيد الفكرة فقط المليكي، خاصة في ظل الإجراءات الاستثنائية التي تعيشها البلاد والتضييق على الحريات وعدم توفر مجال للتواصل مع المواطنين أو منابر إعلامية مفتوحة أمام معارضة الرئيس وهو ما يجعل من الحياة السياسية في حالة غير طبيعية".

وتقيم الونيسي الزيارة ككل بأنها "عادية" في سياق جولة بالمنطقة، إلا أنها كشفت موقفا متوقعا بدفاع النواب الأميركيين عن "قيم الديمقراطية التي يؤمنون بها، ودعوتهم إلى عودة الحياة السياسية الطبيعية بعمل المؤسسات الدستورية".

عقدة الاقتصاد

ما إن انتهت زيارة الوفد الأميركي، وما خلفته من جدل من جهة، وإحراج عميق لمؤسسة رئاسة الجمهورية أمام داعميها شعبيا وحزبيا، بالإضافة إلى مواقف الوفد الذي أكد على تمسك الولايات المتحدة بدعم التجربة الديمقراطية في تونس، صدر بيان عن سفراء الدول السبع الكبرى في تونس.

البيان اعتبره متابعون للشأن التونسي الأكثر وضوحا منذ 25 يوليو/تموز 2021، وهو الذي شمل الدول الأكثر تأثيرا في العالم، والتي تعتمد عليها تونس من أجل ضمانات الإقراض من مؤسسات التمويل الدولية.

وعرج البيان الذي صدر في 6 سبتمبر/أيلول 2021، ونشرته سفارات الدول السبع عبر صفحاتها الرسمية على الوضع السياسي المتأزم الذي تعيشه تونس، حيث حث "على سرعة العودة إلى نظام دستوري يضطلع فيه برلمان منتخب بدور بارز".

كما أكد على "الحاجة الماسة لتعيين رئيس حكومة جديد حتى يتسنى تشكيل حكومة مقتدرة تستطيع معالجة الأزمات الراهنة التي تواجه تونس على الصعيد الاقتصادي والصحي، وهو ما من شأنه أن يفسح المجال لحوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية المقترحة".

ويرى مراقبون أن "الكلمة المفتاح" في هذا البيان هي ما ورد في فقرته الأخيرة، حيث توجه مباشرة بالخطاب لرئيس الجمهورية قائلا: "كلما أسرع سعيد في تحديد توجه واضح بشأن سبل المضي قدما بشكل يستجيب لاحتياجات الشعب، كلما تمكنت تونس من التركيز بشكل أسرع على معالجة التحديات الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي تواجه البلاد".

ويذكر أن سعيد كرر في أكثر من مناسبة رفضه لتقديم خارطة طريق لإخراج البلاد من الوضع الاستثنائي الذي تعيشه، كما لا زال غير مهتم بتكليف رئيس جديد للحكومة يقوم بتعيين فريق له لإدارة مؤسسات الدولة التي تعيش حالة من فراغ غير مسبوق في ظل جمع سعيد لكامل الصلاحيات التنفيذية تحت يده. 

وتعيش تونس اليوم، إحدى أسوأ فتراتها الاقتصادية منذ العام 2011، بينما يسجل الدين العام مستويات تقترب من 90 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام 2021.

كما يواجه اقتصاد تونس في الفترة الأخيرة أزمة غير مسبوقة، مع تسجيل انكماش في النمو خلال الربع الأول بنسبة 3 بالمئة وارتفاع البطالة إلى 17.3 بالمئة، وانهيار عائدات السياحة نتيجة الأزمة الوبائية، وتفاقم المديونية.

والتحدي الأبرز لـ"سعيد" حاليا، هو تخفيف حالة الاحتقان الاقتصادي الذي تشهده البلاد، من خلال نيل ثقة الصندوق والبنك الدوليين، والمانحين الأجانب، وعودة تدفق الاستثمارات الأجنبية، إلا أن كل الإشارات الصادرة عن الدول الضامنة لتونس وفي مقدمتها الولايات المتحدة تشير إلى عكس ذلك، أمام تعطيل المؤسسات المنتخبة وإجهاض التجربة الديمقراطية.