حرائق وفيضانات وارتفاع بالحرارة.. فكيف سيكون شكل العالم بعد عقود؟

3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا تزال الحرائق المشتعلة في الغابات، والفيضانات والسيول التي ضربت العديد من دول العالم تؤرق المجتمع الدولي المتخوف من تصاعد آثار التغير المناخي التي قد تمتد إلى عقود وأجيال قادمة.

ففي آن واحد، تصارع العديد من دول أوروبا والشرق الأوسط الحرائق والفيضانات، وهي ظواهر ناتجة عن التغير المناخي الذي تسبب فيه الإنسان كما تقول العديد من التقارير. 

فمنذ بداية صيف 2021 الأكثر التهابا، لم تهدأ حرائق الغابات التي تجاوزت المعدلات السنوية المعتادة، وما إن يتم إطفاؤها وإيقاف حركتها في دولة حتى تشتعل في أخرى مسببة العديد من الخسائر المادية والبشرية.

وانتشرت الحرائق في فرنسا واليونان وتركيا والبرتغال وإسبانيا ودول أخرى وتسببت في إخلاء مناطق ومنتجعات سياحية، كما تضررت أيضا العديد من الدول العربية القريبة من البحر المتوسط من تلك الحرائق مثل تونس والجزائر والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي 16 أغسطس/ آب 2021، قالت وكالة رويترز إن اليونان شهدت أكثر من 500 حريق بعد أن سجلت درجات الحرارة ارتفاعات غير مسبوقة منذ عشرات السنين.

 وهو ما استدعى إخلاء العديد من القرى القريبة من العاصمة أثينا بعد خروج حرائق الغابات عن السيطرة بسبب شدة الرياح.

الحرائق المشتعلة في فرنسا تسببت هي الأخرى في تدمير 100 منزل على الأقل وتدمير وإخلاء مواقع للتخييم.

فيما شهدت تركيا أكثر من 280 حريقا جرى السيطرة عليهم بالكامل جنوب البلاد، في الوقت الذي كان يواجه الشمال التركي في منتصف أغسطس/آب 2021 فيضانات واسعة تسببت في وفاة نحو 70 شخصا، وفق تصريحات رسمية. 

أما الفيضانات والعواصف التي اجتاحت غرب أوروبا وخاصة ألمانيا وبلجيكا والنمسا والتشيك ولوكسمبورغ وهولندا، فقد تسببت بخسائر مادية فادحة وخلفت مصرع أكثر من 183 شخصا أغلبهم في ألمانيا، فضلا عن مئات المصابين والمفقودين والمشردين، وفق تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية . 

وفي 18 يوليو/تموز 2021 أعلنت الشرطة الألمانية وفاة 156 شخصا وإصابة أكثر من 600 آخرين جراء الفيضانات التي اجتاحت البلاد منتصف يوليو/تموز.

حرارة قياسية

وكالة المناخ الأميركية المعروفة باسم "الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي" أكدت أن يوليو/ تموز هو الشهر الأكثر حرارة بين شهور السنة، لكن ذات الشهر من عام 2021 كان الأشد حرارة على الإطلاق. 

وقالت الوكالة في تقريرها الصادر في 13 أغسطس/آب 2021 إنه وفقا لبيانات شهر يوليو/تموز يمكن أن يصنف عام 2021 بين أكثر 10 أعوام دفئا على مستوى العالم، وفقا لتوقعات التصنيف العالمي لدرجات الحرارة السنوية الصادرة عن المركز الوطني الأميركي للمعلومات البيئية NCEI.

وأوضحت الوكالة أن درجة الحرارة المجمعة بين اليابسة وسطح المحيطات في جميع أنحاء العالم سجلت ارتفاعا بمقدار 1.67 فهرنهايت (0.93 درجة مئوية) خلال يوليو/تموز.

وهي أعلى من متوسط درجة حرارة القرن الماضي البالغة 60.4 فهرنهايت (15.8 درجة مئوية) مما يجعله أكثر شهور يوليو/تموز سخونة منذ بدء تسجيل القياسات قبل 142 عاما.

كما اعتبرت وكالة المناخ الأميركية في تقريرها الصادر عن شهر يونيو/حزيران 2021 أن شهر هذا العام يقع ضمن أكثر 5 أشهر يونيو/حزيران حرارة. 

وقال مدير الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي "ريك سبينراد" إن "العلماء من جميع أنحاء العالم قدموا أحدث تقييم للطرق التي يتغير بها المناخ".

وتابع: "إنه تقرير واقعي للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، يخلص إلى أن التأثير البشري بشكل لا لبس فيه، يسبب تغير المناخ، ويؤكد أن التأثيرات، واسعة النطاق وتزداد كثافتها بسرعة". 

على الجانب الآخر تنبأ تقرير أممي في 9 أغسطس/آب 2021 بارتفاع درجات حرارة الأرض بـ 1.5 درجة مئوية عما كان متوقعا قبل 10 سنوات.

وتوقع التقرير تكرار الموجات الحارة الشديدة كل 10 سنوات بعد أن كانت تحدث مرة كل 50 عاما، وهو الأمر الذي استدعى أن تطلق الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة تحذيرا من اقتراب العالم من احترار جامح قد تمتد مخاطره إلى آلاف السنين.

كما حملت المسودة التي أعدتها الأمم المتحدة للتقرير المقرر نشره في فبراير/شباط 2022 توقعات متشائمة للوضع المناخي في منطقة الشرق الأوسط التي وصفتها بأنها ستكون مركزا للتغير المناخي.

وأوضحت المسودة أن التداعيات السلبية التي ستنعكس على الشرق الأوسط تشمل موجات جفاف وحر وحرائق بسبب ارتفاع الحرارة بدرجات غير مسبوقة.

وعن دواعي القلق يشير التقييم المنشور في المسودة إلى أنه يشمل مخاطر ارتفاع منسوب البحر وخسائر في تنوع الكائنات الحية البرية والبحرية ومخاطر أخرى مرتبطة بإنتاج الغذاء المعرض للخطر بالإضافة إلى المخاطر الصحية جراء الحرارة الشديدة وتبدل ناقلات الأمراض. 

ورجح التقرير ارتفاع درجات الحرارة في البلاد المطلة على البحر المتوسط أسرع من المعدل العالمي خلال العقود القادمة.

كما ستواجه بعض المناطق خطر شح المياه والفيضانات ما يهدد قطاعات الثروة السمكية والزراعية والسياحية.

وتوقعت الأمم المتحدة أن يواجه 93 مليون شخص في مناطق شمال المتوسط ضغطا أكبر جراء ارتفاع درجات الحرارة للغاية في غضون ثلاثة عقود. 

ويؤكد ذلك تقرير لوكالة يورو نيوز الإخبارية قال: إن البلدان التي تواجه البحر الأبيض المتوسط ستكون هي الأكثر تضررا من الحرائق.

وتحدث تقرير الوكالة المنشور في 12 أغسطس/آب 2021 عن الدول الأوروبية الأكثر عرضة لخطر حرائق الغابات حيث وضع إيطاليا وجزيرة صقلية على رأس القائمة ثم قبرص التي قال عنها: إنها في حالة تأهب يومية للحرائق منذ يونيو/حزيران من ذات العام.

ثم اليونان التي تواجه كارثة طبيعية ذات أبعاد غير مسبوقة حيث اشتعلت حرائق الغابات في جميع أنحاء البلاد بعد أسوأ موجة حر منذ زمن بعيد، ووصفها رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكس بأنها أسوأ كارثة بيئية شهدتها البلاد منذ عقود. 

وجاءت بعد ذلك تركيا حيث اندلعت الحرائق في أكثر من نصف الولايات التركية وكانت أكثر المناطق تضررا هما مدينتا أنطاليا وموغلا السياحيتان. 

كارثة على الأبواب

يقول تقرير مطول لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية: إنه لا يزال بإمكان الإنسانية اتخاذ موقف. 

وأشارت الصحيفة في 14 أغسطس / آب 2021 إلى أنه إذا بذلت البلدان جهودا منسقة لوقف إضافة ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي بحلول منتصف القرن، على سبيل المثال، وتعهدت بإعادة التشجير والوسائل الأخرى لإزالة الكربون من الهواء، فقد يستقر الاحترار العالمي عند حوالي 1.5 درجة. 

وأضافت الصحيفة: "هذا بدوره يعني حشد الإرادة لدرء مستقبل أكثر قتامة من ذلك الذي حبس العالم نفسه فيه بالفعل، وهو يعني أيضا من منظور السياسة، تحولا سريعا بعيدا عن الوقود الأحفوري؛ استثمارات كبيرة في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية؛ شبكة كهربائية معاد بناؤها؛ منازل ومبان أكثر كفاءة".

وبين التقرير أن الدول انتظرت وقتا طويلا للحد من الانبعاثات بحيث أصبح المستقبل أكثر سخونة، ومحاصرا بشكل أساسي بمزيد من حالات الجفاف، وحرائق الغابات، والمزيد من موجات الحرارة الشديدة وارتفاع مستوى سطح البحر، والفيضانات.

وأكدت الصحيفة أن الغازات الدفيئة التي تم ضخها بالفعل في الغلاف الجوي ستبقى هناك لفترة طويلة، وستسبب البؤس لسنوات قادمة، وأن الأرقام تظهر أن كوارث الأرصاد الجوية ستصبح روتينية ما لم يتخذ العالم خطوات دراماتيكية للسيطرة على الانبعاثات.

كريستينا فيغرس السكرتير التنفيذي السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ توقعت أن يطرأ على العالم تغيرات كبيرة. 

وقالت فيغرس في مقال نشرته صحيفة تايم الأميركية في 22 أبريل/نيسان 2020: إنه في غضون 5 إلى 10 سنوات ستصبح مساحات شاسعة من الكوكب غير صالحة للبشر بشكل متزايد.

وتابعت: "نحن لا نعرف كيف ستكون مناطق أستراليا وشمال إفريقيا وغرب الولايات المتحدة صالحة للسكن بحلول عام 2100، لا أحد يعرف ما يخبئه المستقبل لأبنائهم وأحفادهم".

أما أستاذ الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية بجامعة باريس يونس بلفلاح فقد توقع أن يتسبب هذا الخطر في زيادة نسب الفقر، وانحسار طبقة الأغنياء، مقابل تزايد الطبقات الفقيرة. 

واعتبر بلفلاح في تصريحاته لـ"تي آر تي" عربي أن "هذه التغيرات المناخية يمكن أن تؤثر على مستويات الهجرة بالنسبة للمستوى العالمي، حيث ستضطر بعض الشعوب للهجرة بحثا عن مصادر المياه".

وأكد بلفلاح أن التحدي الآن يتجاوز صانع القرار السياسي أو المؤسسات السياسية وهو أكبر من هذه المؤسسات حيث يصل إلى أخرى تبحث عن المنفعة الاقتصادية فقط. 

وأضاف: "المعني اليوم بهذه القضية ليست الحكومات وإنما الشركات الكبيرة في المستوى العالمي لأنها هي من تحدد السياسات الاقتصادية للدول".

بمعنى أننا "إذا أردنا أن نتكلم عن البيئة فيجب مساءلة بعض الشركات التكنولوجية، والشركات التي تعمل على الصناعات الثقيلة والأسلحة والسيارات وعن طريق اللوبيات الموجودة في هذه الشركات التي تؤثر على صانع القرار السياسي لأن القدرة أو السلطة تجاوزت مفهوم الحكومة أو حتى المؤسسات الدولية". 

وأشار إلى أنه يجب العمل على موافقة المصلحة الاقتصادية مع المصلحة البيئية حتى يمكن إقناع الشركات الكبيرة بضرورة الالتزام ببعض الأشياء، ومنها استخدام الطاقة النظيفة وربما حتى الاستثمار في البيئة. 

وقال بلفلاح: إنه بخلاف التقرير الأخير للأمم المتحدة هناك الكثير من التقارير الدورية التي تصدر بهذا الخصوص كل 3 أو 6 أشهر من مؤسسات دولية تتحدث عن مخاطر التغير المناخي. 

ويتوقع تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن يسبب تغير المناخ حوالي 250 ألف حالة وفاة إضافية في السنة بين عامي 2030 و2050 وأن تسهم الزيادة في معدلات الوفاة المرتبطة بالسلامة الغذائية في هذا العدد. 

كما تشير تقديرات المنظمة المنشورة في فبراير/شباط 2019 إلى إصابة 600 مليون شخص أي حوالي شخص واحد من كل 10 أشخاص في العالم بالمرض عند تناول أغذية ملوثة ووفاة 420 ألف شخص سنويا.

مع تنامي هذه الأرقام نتيجة لتغير المناخ الذي يبدل البيئة الزراعية والصناعية ويؤثر على سلوك الإنسان والحيوان.