زيارات واستثمارات.. ما أسباب التغيير المفاجئ في علاقة تركيا والإمارات؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد فصول من الخلاف بين أنقرة وأبوظبي، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد، في زيارة أثارت التساؤلات عن أسباب التغير المفاجئ بعلاقة البلدين، وسر توقيت التقارب.

اللقاء جرى 18 أغسطس/آب 2021، وبحث الجانبان العلاقات البينية، وقضايا إقليمية، وملف الاقتصاد الذي يشمل استثمارات إماراتية مرتقبة في تركيا، وفق بيان الرئاسة في أنقرة.

تطبيع العلاقات

في سياق هذه التطورات، نقلت قناة "سي إن إن تورك" عن مصادر تركية 19 أغسطس/آب 2021، قولها: إن مفاوضات التطبيع بين البلدين، والتي تجري منذ فترة أحرزت تقدما، وتأتي بالتوازي مع حراك مماثل مع مصر.

تلك المصادر أوضحت أن روسيا التي لديها علاقات جيدة مع تركيا والإمارات تتابع هذه المباحثات، لافتة إلى أن أنقرة تتواصل مع أبوظبي بناء على الرؤية القائمة على ضرورة عدم قطع العلاقات بين اللاعبين الرئيسين بالمنطقة.

وأشارت إلى أن الوضع في ليبيا، والتطورات في مصر، والشرق الأوسط، وأفغانستان، يجري تقييمها من قبل البلدين كلاعبين إقليميين هامين، فيما أكدت أن استثمارات الإمارات ستشمل الشركات التركية الرائدة.

الرئيس التركي من جانبه أعلن خلال مقابلة تلفزيونية 18 أغسطس/آب 2021، أن الإمارات تقوم قريبا باستثمارات كبيرة في بلاده.

وأشار إلى أن المباحثات مع المسؤول الإماراتي تركزت على موضوع الاستثمارات في تركيا ومجالاتها ونوعها، مؤكدا أنه جرى بحث خارطة الطريق المتعلقة بذلك.

في رده حول ذوبان الجليد بين البلدين، أوضح أردوغان، أن بعض التقلبات تحصل وحصلت بين الدول، وهنا أيضا حدثت بعض المواقف المماثلة.

وقال: إنه جرى التوصل إلى هذه المرحلة، بعد لقاءات عقدت مع إدارة أبوظبي خلال الأشهر الماضية، وكان في مقدمتها جهاز المخابرات.

وأعلن أنه سيعقد بعض اللقاءات مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الفترة المقبلة، معربا عن أمنيته "حل بعض المشكلات في المنطقة، لأن تركيا والإمارات تنتميان لذات الثقافة والمعتقد".

الرئيس التركي شدد في حواره التليفزيوني على أهمية أن يجري الفاعلون الرئيسون في المنطقة المحادثات والمفاوضات المباشرة بينهم وحلها.

من جهته، وصف المستشار السياسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش، لقاء طحنون بن زايد مع أردوغان في أنقرة بأنه "تاريخي وإيجابي".

قرقاش، كتب في "تويتر" 18 أغسطس/آب 2021: "اجتماع تاريخي وإيجابي للشيخ طحنون بن زايد مع فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان".

وأشار إلى أن "التعاون والشراكات الاقتصادية كان المحور الرئيس للاجتماع"، قائلا: إن "الإمارات مستمرة في بناء الجسور وتوطيد العلاقات، وكما أن أولويات الازدهار والتنمية محرك توجهنا الداخلي فهي أيضا قاطرة سياستنا الخارجية".

مسار جديد

وتعليقا على التغير السريع في علاقة البلدين، يقول الباحث المختص في الشأن التركي، محمود علوش: "لكل من تركيا والإمارات سياقها الخاص في هذا الانفتاح".

ويوضح لـ"الاستقلال"، أن "أنقرة تحاول إصلاح علاقاتها بدول رئيسة مثل مصر والسعودية والإمارات لأهداف؛ منها: إضعاف محاولة عزلها في صراع الطاقة شرق المتوسط، وتخفيف الضغوط المتزايدة على اقتصادها".

ويرى الباحث أن "هذا المسار بدأ مع مصر، والآن الإمارات وربما السعودية لاحقا؛ وهناك عوامل عدة ساهمت في نضوجه، كتراجع حدة الاستقطاب الإقليمي بعد المصالحة الخليجية ووقف إطلاق النار في ليبيا".

"والأهم من ذلك التحول الأميركي من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي كانت تعذي هذا الاستقطاب إلى إدارة ديمقراطية تسعى لتهدئته"، وفق علوش.

ويلفت إلى أن "الإمارات أيضا لديها سياقها الخاص وتسعى للتكيف مع الديناميكية الجديدة التي نشأت في المنطقة".

ويضيف: "تركيا قوة إقليمية عسكرية واقتصادية صاعدة ونفوذها يزداد على الساحة الدولية وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والآن تتحدث بنبرة تصالحية مع خصومها الإقليميين".

"كل ذلك يحفز الإماراتيين على تبني نهج مختلف معها، كما أنه في العامين الأخيرين ظهر تحد لم يكن محسوبا وغير من أولويات الفاعلين الإقليميين والعالم وهو وباء (كورونا)، وآثاره الحادة على اقتصادات المنطقة"، يوضح الباحث.

ويؤكد أن "الجائحة ضغطت بشدة على الاقتصادين التركي والإماراتي؛ لذلك تبدو أي مصالحة بين البلدين خيارا مربحا لهما بدلا من خصومة تستنزف القدرات وفرص الاستثمارات".

علوش، يقول: "الإمارات تملك ورقة قوية في السياسة الخارجية وهي المال والاستثمارات، استخدمتها بفعالية لبناء شبكة من التحالفات لتعزيز النفوذ الخارجي ومواجهة حركات الإسلام السياسي".

ويخلص الباحث إلى أن "هذه الورقة المغرية تستخدمها الآن لتقوية موقفها على طاولة المفاوضات مع الأتراك".

ويستدرك في نهاية حديثه: "لكن من السابق لأوانه الاعتقاد بأن المرحلة الجديدة ستزيل بالكامل رواسب المرحلة الماضية، وربما نشهد تنازلات تركية إماراتية في بعض القضايا المتداخلة بينهما لأجل إنجاح المصالحة".

تغييرات إقليمية

وعلى صعيد توقيت زيارة المسؤول الإماراتي، يقول الباحث في الشأن التركي، سعيد الحاج: "العقد الماضي وضع البلدين على طرفي نقيض، وكان هناك تقييم واضح مرتبط بثورات الربيع العربي، ثم موجة الثورة المضادة بعد 2013".

ويضيف لـ"الاستقلال": "لذلك كان واضحا أن الإمارات كانت أكثر دولة تناكف تركيا في المنطقة".

ويشير إلى أنه "خلال 2021 تراجع بعض دول إقليمية منها تركيا والإمارات بعض حساباتها وتوجهاتها، لسببين، الأول: عالمي يتعلق بإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وقراراته في تخفيف أدوار أميركا في المنطقة".

"وهذا يخلق تحديات لبعض الدول الإقليمية وخصوصا الدول الحليفة لأميركا، أن تزيد الاعتماد على نفسها وتخفف درجة الاحتقان والتوتر مع الأطراف الأخرى"، وفق رؤية الحاج.

الباحث، يضيف: "هناك مجموعة أسباب أخرى تتعلق بهذه الدول الإقليمية، وسياساتها الخارجية ومدى ما حققته من اختراقات في هذا الملف وذاك، وتحديدا في ليبيا وسوريا".

ويوضح أنه "لم يعد هناك مجال لانتصار طرف على آخر، وبالتالي ربما هناك قناعة باتت تتشكل لدى هذه الدول بأنه ينبغي عقد حوار، وأعتقد أن هذا المدخل الأساسي لزيارة طحنون، ولقاء أردوغان".

الحاج يلفت كذلك إلى أن "الحديث عن استثمارات إماراتية، هي خطوات لإظهار حسن النوايا، وأن الاستثمار والاقتصاد يجمع بين دول العالم حتى لو كان هناك خلافات سياسية".

ويرى أن "التقارب لم يكن مفاجئا، فهناك حوارات سابقة مع السعودية ومصر، ويبدو أن هذه الحوارات الأولية مع الإمارات جعلت هذه الزيارة ممكنة، لكن هذا لا ينبئ أن البلدين سيكونان حليفين".

"وإنما الحوارات ستزداد للبحث في المشتركات في الإقليم، وهذا ربما يفتح مجالا للتنسيق ببعض الملفات حتى لو في الحد الأدنى، سواء في ليبيا وسوريا أو ملفات أخرى"، بحسب قول الحاج.

ويؤكد أن "موقف تركيا واضح بأنه كان لها سعي لخلخلة المحور المناكف لها في شرق المتوسط باستثناء اليونان، وكان هناك رغبة تركية في ترسيم الحدود مع مصر وتحسين الحدود معها، واليوم المحادثات مع الإمارات".

"تحاول تركيا أن لا تبقى وحيدة في شرق المتوسط وهو أمر مفتاحي بالنسبة لها، إذ إن هذا الملف بات له أولوية بالنسبة لسياستها الخارجية"، يوضح الحاج.

ويعتقد أن "تركيا مستعدة لتدوير زوايا الخلاف مع أبوظبي، وربما الأخيرة أيضا أرسلت إشارات حول الأمر نفسه".

سياق التقارب

من جهته، يقول مدير "مركز دبي لبحوث السياسات العامة" محمد بهارون بحديث صحفي 20 أغسطس/آب 2021: إن "الزيارة جاءت بعد خطوات أنقرة لإصلاح علاقاتها مع مصر ثم السعودية".

ويرى بهارون، أن تزامن الزيارة مع أحداث أفغانستان "محض مصادفة، لأن التقارب بدأ منذ فترة، وسبقته اجتماعات ثنائية، وقبل ذلك إجراءات واضحة قامت بها أنقرة.. ، والزيارة جزء من إجراءات متدرجة وهذا يضمن استدامتها".

ويؤكد أن "اللقاء تحكمه العلاقات الدبلوماسية ومن الطبيعي أن يلتقي قادة الدول الصديقة لا سيما أن هناك مصالح وتحديات مشتركة على مستوى الجزيرة العربية وحوض البحر المتوسط".

ويرى الأكاديمي الإماراتي، عبدالخالق عبدالله، أن اللقاء وبعده خطاب أردوغان الإيجابي يكشفان عن آفاق العلاقات مع الإمارات، مع تصريح أنور قرقاش، هي مستجدات تقع ضمن سياق توافقي إقليمي عام بدأ مع المصالحة الخليجية.

وفي تصريح صحفي 19 أغسطس/آب 2021، يقول: إن "الوفاق التركي الإماراتي جزء من السياق التوافقي، وسبقه حوارات مصرية تركية، وسعودية تركية؛ لكن كعادتها الدبلوماسية الإماراتية سباقة وتتخذ قراراتها بصفة وتمهد الطريق لغيرها".

المستشار السابق لولي عهد أبوظبي يؤكد أن أهم ما يميز الوفاق الإماراتي التركي، هو أنه "قائم على أرضية اقتصادية استثمارية وتجارية راسخة"، لافتا إلى أنه "بالرغم من الفتور السياسي إلا أن العلاقات الاقتصادية لم تتأثر".

ويتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 8 مليار دولار عام 2020، والإمارات ثاني أكبر شريك تجاري عربي لتركيا، فيما يبلغ حجم استثمارات البلدين 5 مليار دولار.

ومرت مساعي تحسين العلاقات بين تركيا والإمارات بخطوات تدريجية معلنة وغير معلنة، ففي أبريل/ نيسان 2021، تبادل وزيرا خارجية البلدين التهاني بحلول شهر رمضان في اتصال هاتفي هو الأول منذ 5 سنوات.

وترافق ذلك مع تصريحات إيجابية صدرت عن مسؤولين من البلدين كان أبرزها لأنور قرقاش، الذي شدد فيها على أن بلاده "لا تعتز بأي خلاف مع تركيا"، لافتا إلى أنها "الشريك التجاري الأول لتركيا في الشرق الأوسط".

وأكد قرقاش في تصريحات أخرى أن بلاده ترغب في تطبيع العلاقات مع تركيا، ليرد وزير الخارجية التركي بالقول: إن بلاده "تلقت رسائل إيجابية من الإمارات وإنها تأمل بأشياء ملموسة".

وفي ضوء هذه التصريحات، أقدم الجانبان على خطوات منها تخفيف الإمارات بعض القيود التي فرضت على التجار ورجال الأعمال الأتراك، واستئناف الرحلات الجوية وتخفيف قيود منح التأشيرة من الإمارات.

إلى جانب تسمية أنقرة سفيرا جديدا لأبوظبي وقبوله من الأخيرة، وتخفيف حدة التصعيد الإعلامي من وسائل الإعلام الرسمية بين البلدين.