طريف الأخرس.. "حوت اقتصاد" داعم للأسد استبعدته بريطانيا من عقوباتها
عادت أسماء الأخرس زوجة رأس النظام السوري بشار الأسد لواجهة المشهد، عبر أحد أفراد عائلتها المقربين طريف عبدالباسط الأخرس، الذي أزالته الخزانة البريطانية من قائمة العقوبات المفروضة عليه سابقا، وأوقفت تجميد أصوله.
بدا للسوريين مستغربا بشدة موقف لندن من طريف، المتهم بتمويل النظام في حربه ضد السوريين، ولا سيما أن بريطانيا لم تكشف عن خلفيات القرار الصادر 12 أغسطس/آب 2021.
الإجراء المفاجئ جاء بعد مراجعة عادية لعقوبات المملكة المتحدة المفروضة بموجب "قواعد المجموعة الأوروبية للتعاون الإقليمي" والتي تبنتها عام 2019.
صحيفة "ذا تليغراف" البريطانية، اعتبرت شطب لندن طريف من قائمة العقوبات هو الأول بموجب القواعد الجديدة التي تبنتها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي يناير/ كانون الثاني 2021.
ثروة وفساد
يعرف طريف ابن عم والد أسماء فواز الأخرس، بأنه صاحب الألقاب المتفردة في عالم الاقتصاد السوري، الذي تتحكم به عائلة الأسد ومقربون منها، ويعلوها بأنه ثاني أكبر مصدر على مستوى سوريا وفقا لـ"هيئة تنمية وترويج الصادرات".
الرجل السبعيني اختير كأحد "شيوخ كار"، الصناعات الغذائية السورية لعام 2009، حسب "مجلة الاقتصادي"، ومن الذين حصلوا على لقب "شهبندر التجار" في مدينة حمص التي ينحدر منها، لعام 2010.
وطريف الذي يوصف بأنه "جيب الأسد الواسع"، ليس برجل أعمال ناشئ، بل ورد اسمه في قائمة أبرز 100 رجل أعمال سوري لعام 2010.
لكن زواج الأسد من قريبته أسماء، أعطاه فرصة استثنائية لزيادة ثروته المالية خلال العقدين الأولين من القرن الـ21.
يملك طريف "مجموعة الأخرس" التي تأسست عام 1973، وساهم في تأسيس عدة شركات، أشهرها "المباني لإنتاج الخرسانة الجاهزة"، و"مطاحن الشرق الأوسط"، وشركة للأسواق التجارية تملك المول التجاري "ترانس مول" في مدينة حمص.
تعود له كذلك شركة تصنيع وتعليب اللحوم المستوردة والمحلية، وشركتان للنقل البري والبحري باسم "عبر الشرق"، تحتكر نقل 30 بالمئة من المواد الغذائية المستوردة إلى سوريا.
الثورة السورية التي اندلعت ضد نظام بشار الأسد مارس/ آذار 2011، كشفت اصطفاف طريف الأخرس بجانب النظام، بل حجز مقعدا له في قائمة أبرز رجال الأعمال الذين يدعمونه.
لكن الأخرس الذي يحمل أيضا الجنسية اللبنانية، تلقى كيانه الاقتصادي الضربة الأولى، حينما أدرج اسمه على قائمة العقوبات الخاصة بالاتحاد الأوروبي لأول مرة في سبتمبر/ أيلول 2011.
الضربة الثانية جاءت عام 2014 حينما أصدرت المحكمة العليا البريطانية حكما بسجن الأخرس 12 شهرا بتهمة إهانة المحكمة؛ لعدم دفعه 26 مليون دولار لشركة أميركية ضمن صفقة صادرات غذائية إلى سوريا.
كما رفض الاتحاد الأوروبي الطعن الذي قدمه الأخرس في أبريل/ نيسان 2016 بطلب رفع العقوبات عنه.
لكن حدثا غير متوقع لحق بطريف الأخرس، في فترة كان يزعم فيها النظام السوري إطلاق حملة لـ"مكافحة الفساد".
إذ حجز النظام في ديسمبر/ كانون الأول 2019، على أمواله و"مصانع الشرق الأوسط للسكر" الذي يملكه أبناء طريف، مرهف، وديانا، ونورا، وذلك ضمانا لرسوم ومخالفات جمركية تبلغ 100 مليار ليرة سورية.
ذلك قبل أن تتراجع وزارة المالية في حكومة الأسد عن قرارها في نفس الشهر، وترفع الحجز على أموال الأخرس بزعم "زوال الأسباب الداعية لذلك".
فيما عزا مراقبون سوريون وقتها هذا التراجع لدفع طريف الأخرس مرغما أموالا لسد عجز خزينة دمشق الفارغة بوصفه أحد "حيتان الفساد" ما بعد عام 2000.
دعم لجرائم الأسد
رفع لندن العقوبات عن رجل أعمال معروف بدعم النظام السوري، علقت عليه صحيفة "ذا تليغراف" بقولها: "إضفاء الشرعية على رجال الأعمال الموالين للنظام مثل طريف الأخرس، أمر بالغ الأهمية بالنسبة للأسد".
وأشارت إلى أن بشار "يسعى إلى الاعتراف وإعادة الاندماج في المجتمع الدولي ودعم إعادة الإعمار".
من جانبها احتجت 28 منظمة سورية على رفع اسم طريف الأخرس من قائمة العقوبات البريطانية.
وقالت في بيان مشترك: "القرار لا يساعد على دعم الجهود الدولية الهادفة لمعاقبة الأشخاص أو الكيانات التي تساعد نظام الأسد في عمليات القمع التي تمارسها ضد الشعب السوري".
تلك المنظمات طالبت لندن بإعادة طريف الأخرس إلى قائمة العقوبات، مؤكدة أن القرار "يرسل رسالة خاطئة للشعب السوري مفادها بأن من يدعم الأسد ماليا أو اقتصاديا لن يحاسب على أعماله".
وأضاف البيان أن هذا "يشجع رجال الأعمال والاقتصاديين في سوريا على زيادة تعاونهم مع الأسد وأجهزته القمعية، ودعمها ماليا".
كيف أفلت؟
مدير موقع "اقتصادي" والباحث السوري يونس الكريم، قدم شرحا وافيا لأسباب رفع بريطانيا عقوباتها عن طريف الأخرس.
يقول الكريم لـ"الاستقلال": "يعود سبب رفع العقوبات عن طريف لتغير نوع العقوبات التي تفرضها بريطانيا عن النظام المعمول بالاتحاد الأوروبي، وهي عقوبات أخف".
"يقصد بها عقوبات حظر مزاولة الأعمال التجارية والمالية من قبل المواطنين البريطانيين والشركات البريطانية مباشرة مع الأشخاص المراد معاقبتهم، باستثناء أنواع معينة من أعمال الإغاثة"، وفق الباحث.
ويشير إلى أن هذه العقوبات "تفرض نتيجة علاقة مشبوهة لرجال الأعمال المعاقبين بصفقات تتعلق بالنفط أو صناعته أو التعامل مع الحكومة السورية أو المسؤولين في صفقات تجارية أو مالية دون الإغاثية أو ارتكاب جرائم حرب".
ويوضح أنه "حال نجح رجل الأعمال بنفي علاقته بالنظام المعاقب، ولم يظهر مستند يؤكد تورطه في دعم جرائم الحرب، يجري رفع العقوبات خلال المراجعة السنوية للقائمة".
"وهو ما عمل عليه طريف الأخرس المدعوم من أسماء الأسد عندما جرى الحجز على أمواله لصالح وزارة المالية السورية".
وبين مدير موقع "اقتصادي" أنه حينما "رفعت المالية الحجز على أموال طريف بشكل مفاجئ، كان الأخير قد فاوض النظام حسب الإعلام للخروج من سوريا، إذ سيطر على استثماراته رجال أعمال مثل سامر فوز".
ويلفت إلى أن "الأخرس لم يعد يسمع عنه أية أخبار، وهو ما استخدمه مع الحكومة البريطانية كإثبات لرفع العقوبات".
"خلاف طريف مع النظام السوري والحجز على أمواله كان مسرحية للتهرب من العقوبات البريطانية، وبالتالي يعتقد أن ما أثير بشأن خلاف الأسد مع رجل الأعمال رامي مخلوف هو الآخر جزء من المسرحية"، وفق اعتقاد الكريم.