اتهمت الإسلاميين والمغرب.. من المسؤول عن حرائق الغابات بالجزائر؟

12

طباعة

مشاركة

وجهت السلطات الجزائرية أصابع الاتهام إلى حركتي "رشاد" الإسلامية المعارضة و"الماك" المطالبة بانفصال منطقة القبائل، بالوقوف وراء إشعال حرائق الغابات التي طالت البلاد في أغسطس/آب 2021، مشيرة إلى أن "إحداهما مدعومة من المغرب وإسرائيل".

وأعلنت السلطات الجزائرية، في 18 أغسطس/آب 2021 السيطرة على كافة حرائق الغابات في عموم البلاد، بعد تمكنها من إخماد 7 حرائق خلال الـ24 ساعة التي سبقت الإعلان. 

تسببت حرائق الغابات في وفاة ما لا يقل عن 90 شخصا، بينهم 33 جنديا، بعد اندلاعها وسط موجة حر شديدة في 9 أغسطس/آب 2021، أغلبهم سقطوا بولاية تيزي وزو بمنطقة القبائل (شرقي العاصمة الجزائر)، ووصفت بأنها الحرائق الأشرس التي تشهدها البلاد.

في الوقت الذي توجهت فيه السلطة بالجزائر إلى اتهام أطراف خارجية بالمسؤولية عن الحرائق، كشفت تحقيقات أن الأمر متعلق بصفقة فساد عقدها النظام القديم.

شماعة الخارج

الرئاسة الجزائرية، قالت بعد اجتماع للمجلس الأعلى للأمن في 18 أغسطس/آب 2021: إن "الشرطة اعتقلت 22 شخصا للاشتباه في إشعال تلك الحرائق"، مشيرة إلى أن "المسؤولية الأساسية في ذلك تقع على عاتق جماعتي "رشاد الإسلامية" و"الماك".

وأضافت: أن"الماك تتلقى الدعم والمساعدة من أطراف أجنبية، خاصة المغرب، والكيان الصهيوني". وتابعت: "تكثف المصالح الأمنية جهودها من أجل إلقاء القبض على باقي المتورطين، وكل المنتمين للحركتين الإرهابيتين اللتين تهددان الأمن العام والوحدة الوطنية".

في مايو/أيار 2021، صنفت السلطات الجزائرية، حركة "استقلال منطقة القبائل"، وحركة "رشاد" الإسلامية الناشطتين في الخارج ضد النظام، على قائمة "المنظمات الإرهابية".

وكان القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى للأمن الذي ترأس اجتماعه الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، ضد المنظمتين اللتين لا وجود لهما فعليا في الجزائر، قبل أقل من شهر من الانتخابات التشريعية.

في 19 أغسطس/آب 2021، قالت الحكومة الجزائرية: إنها ستعيد النظر في علاقاتها مع جارتها المغرب بعد اتهامها الرباط بالقيام بأفعال عدائية، وأشارت في بيان إلى أنها ستكثف المراقبة الأمنية على حدودها الغربية.

وقال تبون: إن معظم الحرائق اندلعت بفعل أعمال "إجرامية" في الأصل، وأن "الأفعال العدائية المستمرة التي يقوم بها المغرب ضد الجزائر اقتضت إعادة النظر في العلاقات بين البلدين"، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس" عن بيان الرئاسة الجزائرية.

وأضاف البيان أنه سيكون هناك أيضا "تكثيف للرقابة الأمنية على الحدود الغربية" مع المغرب، والمغلقة منذ 1994.

في 11 أغسطس/آب 2021، أعطى ملك المغرب محمد السادس أوامره لتجهيز طائرتين من طراز "كنادير" المخصصة لإطفاء الحرائق، من أصل 6 تعود لأسطول المملكة، ووضعها رهن إشارة الجزائر في جهودها لإخماد حرائق غابات منطقة القبائل (شمال البلاد).

وأعلن بيان الخارجية المغربية، بأن الملك أعطى تعليماته لوزيري الداخلية والشؤون الخارجية، من أجل التعبير لنظيريهما الجزائريين، عن استعداد المغرب لمساعدة الجزائر في مكافحة حرائق الغابات التي تشهدها العديد من مناطق البلاد.

لكن السلطات الجزائرية قابلت عرض المغرب بالصمت، فيما طلبت مساعدة الاتحاد الأوروبي لإخماد الحرائق.

حجج واهية

في 11 أغسطس/آب 2021، بينما اجتاحت الحرائق منطقة القبايل لمدة يومين، أجرى سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش، زيارة تفقدية إلى بجاية وتيزي وزو، المدينتين الرئيستين في المنطقة.

تسبب حجم الحرائق في تدمير الغابات وعدة قرى ونجوع كبيرة، ما دفع السلطات الجزائرية إلى طلب مساعدات دولية لإرسال طائرات كنداير لمساعدة رجال الإطفاء والمتطوعين ووحدات الجيش. 

نقلت وسائل إعلام غضب شنقريحة من قلة الآليات المتاحة في البلاد لمواجهة هذه الحرائق وعلى وجه الخصوص غياب طائرات "كنادير" المعروفة بقدرتها على إطفاء الحرائق والحفاظ على مناطق كاملة من الغابة. 

وطالب رئيس الأركان بتقرير مفصل عن الإخفاقات التي حالت دون توفر الجزائر على هذه الطائرات في الماضي.

باشرت الجزائر إجراءات شراء قاذفات القنابل المتخصصة في مكافحة الحرائق، واختار الجيش الشركة الروسية المصنعة للطائرات (Beriev Aircraft Company)، التي من المنتظر أن تسلم الجزائر 4 طائرات من نوع Beriev-200، وهي طائرة مائية متعددة المهام بسعة 12 ألف لتر، وهي طائرات يمكن أيضا استخدامها لنقل القوات والمواد.

لم توضح وزارة الدفاع الجزائرية، التي أعلنت عن الصفقة مواعيد استلام الطائرات من الشركة الروسية أو عددها، لكن وفقا لتقارير تداولتها الصحافة الدولية تقدر قيمة الصفقة بـ 154 مليون يورو، وهو رقم بسيط بالنسبة للوزارة التي بلغت ميزانيتها لعام 2021 ما يعادل 1.230 مليار دينار أي 7.7 مليار يورو.

عارض العقيد مصطفى لهبيري، الذي شغل منصب مدير الحماية المدنية (الإطفاء)، لمدة 17 عاما -من 2001 إلى 2018- دائما شراء طائرات كنداير.

في مقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية في يوليو/ تموز 2009، أوضح لهبيري أن "مكافحة الحرائق الجوية الفعالة تتطلب على وجه الخصوص أسطولا من خمسة عشر إلى عشرين طائرة كنداير وطيارين مؤهلين وإمكانية الوصول إلى المياه". 

وأضاف أنه "ليس من المربح لدولة مثل الجزائر، التي لا تحتوي على غابات كبيرة، أن تستحوذ على "كنادير" التي لن تستخدم إلا من خمسة عشر إلى عشرين يوما في السنة".

صفقة فساد

يوجد في شمال البلاد أكثر من 4.1 مليون هكتار من الغابات، التي دمرتها الحرائق جزئيا، وهي قريبة من البحر، والعديد من السدود والبحيرات التي تسمح للطائرات بالتزود بسرعة بالماء.

في مقابلة أخرى مع صحيفة "ليبيرتي" اليومية في عام 2012، جادل لهبيري لإقناع الجزائريين بأن "كنادير ليست فعالة".

الحقائق على الأرض تقوض حجج العقيد مصطفى لهبيري، إذ تتمتع الجزائر تقريبا بنفس التضاريس الجغرافية ونفس الغطاء النباتي مثل البلدان المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، وتعتبر مساحة الغابات فيها أكبر من مساحة اليونان (3.7 مليون هكتار) أو البرتغال (3.2 مليون هكتار)، وتستخدم الدولتان كاندير بشكل منهجي كجزء من آلية الحماية المدنية للاتحاد الأوروبي لمكافحة الحرائق. 

وهي نفس الطائرات التي طلبتها الجزائر يوم 11 أغسطس/آب 2021 من الفرنسيين لإطفاء الحرائق في منطقة القبايل.

بدل طائرات "كاندير" اختارت الجزائر طائرات الهليكوبتر، وبين عامي 2009 و2011 تفاوضت مع المجموعة الصناعية الإيطالية (Finmeccanica) لتسليم 24 طائرة هليكوبتر من طراز (Augusta Waest land) ست طائرات للإطفاء فيما تتسلم الشرطة والجيش باقي الطائرات، بمبلغ إجمالي قدره 460 مليون يورو، وفق تحقيق نشرته مجلة "جون أفريك" الناطقة بالفرنسية في 18 أغسطس/آب 2021.

عملت هذه المروحيات الست في الجزائر منذ 2013 على مكافحة الحرائق، لكن في عام 2014، بدأت الشرطة الإيطالية تحقيقا أوليا بعد الاشتباه في وجود فساد في الصفقة، وأصدر القضاء الإيطالي في 2015 أمرا بتفتيش مقرات الشركة الإيطالية، بشبهة إرشاء مسؤولين جزائريين لمنح الصفقة للشركة - التي لم تكن تصنع طائرات إطفاء الحرائق- عندما أعلن عن الصفقة.

وفي السياق، أفادت "جون أفريك" بأن القضية التي أخذت حيزا هاما على وسائل الإعلام الدولية آنذاك، لم تدفع القضاة الجزائريين على الحذو حذو نظرائهم الإيطاليين، متسائلة إن كانت العدالة في الجزائر ستفتح تحقيقا في الصفقة البالغة 460 مليون يورو، بعد أن سلطت حرائق الغابات المأساوية الضوء على فشل ذريع في حماية الجزائر؛ سببه الفساد.