سجن سري للإيغور.. لماذا تدعم أبوظبي انتهاكات الصين بحق الأقلية المسلمة؟
كعادتها في نقاط عدة الشرق الأوسط، تعهدت الإمارات بمواجهة تيار الإسلام السياسي وثورات الربيع العربي خوفا من انتقال حلم الديمقراطية أو شرارة الثورة إلى أبوظبي، ولكن أن تلعب الإمارة الخليجية نفس الدور في الصين، فإن هذا يثير التساؤلات.
سيل من المعلومات أوردتها تقارير دولية كشفت دور الإمارات في دعم سياسات الصين وحملاتها الأمنية ضد أقلية الإيغور المسلمة في إقليم "شينجيانغ" ذاتي الحكم.
تلك الحملات بحق مسلمي الإقليم المعروف بـ"تركستان الشرقية"، غربي البلاد، حظيت بثناء الرئيس الصيني شي جين بينغ وتقديره الكبير لمعاونة أبوظبي بكين في مواجهة الإيغور.
آخر التقارير والمعلومات في هذا الإطار كان ما كشفه تقرير لوكالة "أسوشييتد برس" الأميركية 16 أغسطس/ أب 2021.
الوكالة قالت إن "السلطات الصينية تدير سجنا سريا في دبي تحتجز فيه الإيغور، وربما يكون أول دليل على أن الصين تدير ما يسمى بـ(الموقع الأسود) خارج حدودها".
بعد كشف دور الإمارات في دعم سياسة الصين ضد الإيغور، تثار التساؤلات عن دوافع الإمارة الخليجية لمساندة جمهورية تقع في الجزء الشرقي من قارة آسيا، في اضطهاد أقلية مسلمة دون هوادة لاقتلاع جذورهم وقطع نسبهم.
صديق بديل
صحيفة "نيزافيسيمايا" الروسية قالت في تقرير لها 17 أغسطس/ أب 2021، إن استخدام أراضي دبي كمركز لملاحقة المسلمين الإيغور في الشرق الأوسط، مؤشر على تنامي النشاط الاستخباراتي الصيني داخل الإمارات.
الصحيفة أشارت إلى أن الصين اعتقلت عام 2020 وحده، 1421 من الإيغور، في عملية عرفت بـ"الشبكة السماوية" أو "صيد الثعالب"، وتشمل قائمة معارضين تتهمهم بكين بدعم انفصال تركستان الشرقية.
وأضافت أن بكين أقامت علاقات اقتصادية وثيقة مع أبوظبي،كما أن هناك عناصر من أجهزة سرية صينية قامت باعتقال مشتبه بهم داخل مراكز احتجاز سرية بالإمارات.
اندفاع الإمارة العربية نحو الصين ودعم سياساتها ضد الأقلية المسلمة، يفسر تقرير صحفي نشر في 18 أغسطس/ أب 2021، سياسة السلطات الإماراتية تجاه الصين.
وقال: "على مدى عقد من الزمان وحتى الآن، يرى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الحاكم الفعلي للإمارات، أن لندن وواشنطن غير موثوقين، ولا سيما بعد ثورات الربيع العربي وحديثهم عن احترام حقوق الإنسان".
وأوضح التقرير أن "بن زايد بدأ في البحث عن أصدقاء بدلاء منذ عام 2011، أي أصدقاء لن يلقوا عليه محاضرات حول حقوق الإنسان، وكانت روسيا خيارا، لكن الرئيس فلاديمير بوتين متقلب".
ولفت إلى أن "الأمر لم يقتصر على تشابه مواقف الإمارات والصين بمجال حقوق الإنسان، والحساسية الشديدة من الديمقراطية والإسلاميين، ولكن بكين تمثل سوقا كبيرة لنفط الخليج في وقت يتحول فيه الغرب إلى البدائل الخضراء".
وأشار التقرير إلى أن "أميركا قلقة من توثيق العلاقات بين الإمارات والصين، وسبق أن تلقت أبوظبي إشارة تحذيرية في هذا الصدد".
السفارة الأميركية في أبوظبي، رفضت في يونيو/حزيران 2020، عرضا إماراتيا للتبرع بمئات من اختبارات فيروس كورونا صينية الصنع لفحص موظفيها.
والنتيجة أن الإمارات كانت أول مستهلك للقاحات الصينية بالمنطقة، وأكبر مشتر لطائرات بكين المسيّرة، وكانت أول دولة عربية والوحيدة التي تتلقى موافقة مبدئية من أميركا على شراء طائرات "إف 35" الشبحية.
"ولكن ظلّت ردود فعل أميركا محدودة على التوجه الإماراتي، وربما يكون هذا أحد الأسباب التي تشجع الإمارات على توثيق العلاقة مع الصين، وفي قضايا حساسة"، وفقا للتقرير.
ونوه التقرير إلى أن "بن زايد، يحاول كسب الصين دون خسارة أميركا، متجاهلا قلق الأخيرة من هذه العلاقة المتنامية مع بكين ما دام هذا القلق مقتصرا على الإشارات والكلام".
وحسبما أورده التقرير فإن "منح الإمارات مساحة بأراضيها للصين كي تستجوب المعارضين وأبناء الإيغور يمثل ثمنا بسيطا بالنسبة لابن زايد، للحصول على تأييد صوت إضافي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".
طعنة بالظهر
وهنا يعتبر المفكر الموريتاني وأستاذ الأخلاق السياسية في جامعة الدوحة، محمد مختار الشنقيطي، أن دعم أبوظبي للسياسة الصينية إزاء أقلية الإيغور "طعنة في الظهر للمسلمين، وقطع للأرحام الدينية والإنسانية معهم".
ويشير خلال تصريح صحفي 30 يوليو/ تموز 2019 أن "دافع أبوظبي لذلك أيدولوجي بالأساس".
الشنقيطي يقول: "قادة الإمارات تجاوزوا المجاملات والمداراة السياسية إلى التأييد والدعم، وهذا منسجم تماما مع الحرب التي يشنها حكام أبوظبي على كل مظاهر الإسلام في الشأن العام في أرجاء العالم كله".
"للأسف الشديد الإمارات ليست الوحيدة التي جاملت الحكومة الصينية على حساب المسلمين، فقد فعلت ذلك دول إسلامية عديدة"، يضيف الأكاديمي الموريتاني.
واستدرك بأن "الدول الأخرى تجامل الحكومة الصينية بدوافع سياسية واقتصادية، بينما يتواطأ حكام أبوظبي معها بدوافع أيديولوجية".
"تتمثل في حقدهم على القوى السياسية الإسلامية، وسعيهم إلى اقتلاع أي مظهر من مظاهر الإسلام في الفضاء العام"، حسب قول المفكر.
وتابع أن "الدعم الإماراتي يأتي في سياق خدمة بعض القوى الدولية، التي تدرك أن الإسلام بالنسبة للمسلمين مصدر عزة واستقلال وزادهم في معركة إحياء الحضارة الإسلامية".
الشنقيطي مضى يقول: "الواجب إن كانت تلك الدول عاجزة عن نصرة المسلمين أن تبادر على الأقل بوساطة بينهم وبين الحكومة الصينية، بما يضمن لهم الكرامة ويحفظ وجودهم من الاجتثاث والاضطهاد الحالي".
شكر وثناء
المواقف الإماراتية الداعمة للصين، دفعت رئيس الصين لتقديم الثناء والشكر للإمارات على دعمها لسياسات بلاده بخصوص أقلية الإيغور المسلمة في إقليم "شينجيانغ".
جاء ذلك خلال لقاء شي جين بينغ ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في العاصمة الصينية بكين، 23 يوليو/ تموز 2017، حسب وكالة الأنباء الصينية "شينخوا".
الرئيس الصيني قال إن بلاده تعتبر الإمارات شريكا إستراتيجيا بالشرق الأوسط، وتدعم جهودها في حماية أمنها وسيادتها الوطنية ومصالحها التنموية، فضلا عن دورها بالقضايا الإقليمية والدولية.
بحسب الوكالة، أعرب شي، عن امتنانه لدعم الإمارات سياسات بكين المتعلقة بإقليم شينجيانغ، في إشارة إلى الحملات الأمنية المخالفة لحقوق الإنسان التي تنفذها الصين ضد مسلمي الإيغور.
حكومة بكين قدمت شكرها وتقديرها لـ37 دولة، في النصف الأول من أغسطس/ أب 2021، بما فيها روسيا والسعودية وباكستان على دعمهم موقف بكين بخصوص إقليم شينجيانغ ذاتي الحكم غربي البلاد.
تلك الدول رفضت التوقيع على رسالة وقعتها 22 دولة ذات عضوية بـ"مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة، تنتقد معاملة الصين للأتراك الإيغور وغيرهم من أقليات الإقليم، وتدعو لوقف سياسة الاحتجاز الجماعي التي تنتهجها ضدهم.
ومنذ 1949، تسيطر بكين على إقليم تركستان الشرقية، وهو موطن أقلية الإيغور التركية المسلمة، وتطلق عليه اسم "شينجيانغ"، أي "الحدود الجديدة".
وتفيد إحصاءات رسمية بوجود 30 مليون مسلم في الصين، منهم 23 مليونا من الإيغور، فيما تقدر تقارير غير رسمية عدد المسلمين بقرابة 100 مليون، أي نحو 9.5 بالمائة من السكان.
منذ 2009، يشهد الإقليم، أعمال عنف دامية، قُتل فيها حوالي 200 شخص، حسب أرقام رسمية.
حينها نشرت بكين قوات من الجيش في الإقليم، خاصة بعد ارتفاع حدة التوتر بين قوميتي "الهان" الصينية و"الإيغور"، في مدن أورومتشي وكاشغر وختن وطورفان.
المصادر
- بعد الحديث عن “سجن صيني” للإيغور في دبي.. هل باتت الإمارات تفضل علاقتها مع بكين على أمريكا؟
- محتجزة سابقة تقول إن الصين تقيم سجنا سريا لمسلمي الإيغور في دبي
- بكين تنفي.. أسوشيتد برس عن شابة صينية احتجزت في "موقع أسود": الصين لديها سجن سري في دبي
- الشنقيطي: دعم الإمارات للصين ضد مسلميها "طعنة بالظهر" (مقابلة)
- الصين تشكر الإمارات على دعمها سياسات بكين تجاه "الإيغور"
- Дубай превратился в опорный пункт китайской разведки
- الإمارات تضحي بطائرات F-35 الأمريكية مقابل الصداقة مع الصين