مؤتمرات وبيانات.. ما أسباب تصعيد المعارضة الموريتانية ضد الرئيس الغزواني؟

12

طباعة

مشاركة

في 16 أغسطس/آب 2021، دعت أحزاب المعارضة الموريتانية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى حوار وطني لمعالجة الصعوبات والأزمات في البلاد.

جاء ذلك في بيان أصدرته 7 أحزاب على هامش مؤتمر صحفي لها، وصلت فيه حد وضع الرئيس أمام خيارين؛ "إما حل مشاكل المواطنين أو الاستقالة".

لم تكن هذه المرة الأولى التي تدعو فيها المعارضة إلى حوار وطني، لكن لهجتها في البيان الأخير ظهر فيها نوع من التصعيد؛ ما أثار تساؤلات عن أسباب ذلك وعن مطالب تلك الجهات.

مطالب المعارضة

شددت الأحزاب في بيانها على ضرورة تبني سياسة جدية "لمحاربة الرشوة والفساد"، كما دعت الحكومة إلى "تخفيف معاناة المواطنين من خلال تنفيذ رقابة على ثمن المواد الأساسية (شهدت ارتفاعات في أسعار بعضها مؤخرا)".

رأت الأحزاب في المؤتمر الصحافي الذي جرى بنواكشوط أنه "بعد عامين من حكم ولد الشيخ الغزواني وتعهده بإجراء حوار وطني للتوصل إلى حلول دائمة لمشاكل البلاد ودون خطوط حمراء، فإن الأمل في الحوار قد تبدد مع التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس الجمهورية".

ودعا رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الإصلاح فورا وحل مشاكل البلاد أو الاستقالة.

وأضاف أن ولد الغزواني “جاء أو جيء به لحل مشاكل موريتانيا، وعاش طيلة عشر سنوات مع نظام يعرفه، كما يعرفه القاصي والداني، وبعد كل هذا يأتي ليقول: إن موريتانيا لا تعيش أزمة”.

وبين أن موريتانيا “تعيش عدة أزمات على مستويات قبلية وجهوية ولفظية”، معتبرا “أن الرئيس ربما ينتظر الموريتانيين حتى يتقاتلوا”.

أشارت الأحزاب في البيان، إلى أنها “لاحظت منذ بعض الوقت وبصفة تدريجية تضييقا ورفضا لكل أشكال الاحتجاج ومواجهة ذلك باستخدام القوة والقمع".

وطالبت بالتطبيق الصارم لكل القوانين من أجل محاربة الاسترقاق وكل ممارساته الاجتماعية.

كما طالبت الأحزاب المعارضة الحكومة بتخفيف معاناة المواطنين عبر القيام برقابة أسعار المواد الأساسية، وتوفير الأمن للمواطنين والمحاربة الفعلية للجريمة".

ولفتت إلى أنه بعد مضي سنتين من ممارسة السلطة "لا بد من الاعتراف أن ذلك الأمل قد خاب وأن القطيعة المنشودة مع ممارسات الماضي لم تكن على مستوى التوقعات".

وزاد البيان أن "الأزمة متعددة الأبعاد التي تواجهها البلاد ما تزال قائمة كما هي".

وأضاف أن البلاد لا تزال “عرضة لتحديات جسام على رأسها مشكل الوحدة الوطنية، تلك الوحدة التي لم تزل مجرد أمنية بفعل سياسات التمييز والإقصاء على أساس الانتماء العرقي”.

وشارك في المؤتمر الصحافي حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" ذو المرجعية الإسلامية وأكثر أحزاب المعارضة تمثيلا في البرلمان الموريتاني وحزب التحالف الشعبي التقدمي وحزب “الرك” بزعامة الناشط الحقوقي بيرام ولد الداه ولد أعبيد وحزب "المستقبل".

غاب عن المؤتمر الصحافي باقي أحزاب المعارضة، وهي تكتل القوى الديمقراطية واتحاد قوى التقدم وحزب "الصواب"، واكتفت بالتوقيع على البيان، وهي أحزاب تجري اتصالات مع الحكومة من أجل المشاركة في التشاور المرتقب.

أسباب التصعيد

في أبريل/نيسان 2021، دعا حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" إلى "تنظيم حوار سياسي يعزز المكتسبات، ويصحح الاختلالات، ويضع أسس شراكة وطنية حقيقية".

وشدد على "أولوية استعداد الجميع للتضحية بكل المستطاع لحفظ وحدة هذا البلد، وتحقيق العدل فيه، وضمان السلم الأهلي والانسجام الاجتماعي، ونشر الأخوة والمحبة ".

وأكد على أن محاربة الفساد في صدارة الضرورات المستعجلة، لافتا إلى أن حزبه لن يمل من التأكيد عليه "إدراكا لحجم الضرر الواقع بسببه، ولأنه يمثل نقطة ارتكاز أساسية في مسار إصلاحي شامل يحتاج شراكة الجميع، ويتطلب صرامة تحارب كل الفساد بماضيه وحاضره، وتضع أسس حكامة رشيدة تستأصله وتمنع تجدده".

في يوليو/تموز 2021، استبعد ولد الغزواني في مقابلة مع قناة "فرانس 24" الفرنسية، إجراء أي حوار سياسي مع المعارضة، مؤكدا أنه "عندما نتحدث عن الحوار الوطني، فإننا نميل إلى الاعتقاد بأننا في خضم أزمة، وهذا ليس هو الحال في موريتانيا".

وقال السالك ولد سيدي محمود، نائب رئيس حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" في موريتانيا: إن المعارضة منحت الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني "من الفرص ما يكفي".

لكن الحصيلة بعد سنتين من حكمه "كانت سيئة"، ولذا قررت "الضغط على النظام"، عبر "أنشطة سلمية علنية"، لدفعه إلى إجراء إصلاحات، وفق ما قال في حوار أجراه مع وكالة "الأناضول"  التركية في يونيو/حزيران 2021.

وفي 24 فبراير/شباط 2021، انخرطت أحزاب سياسية، في حوار مع الحكومة، بعد اجتماع عقدته جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان (12 حزبا من المعارضة والموالاة).

غاب عن الاجتماع حزب "تواصل" الذي ظل متمسكا بالدعوة لحوار وطني جامع منذ العهد السابق، حتى جعلها إحدى ثوابته، وذهب إلى القول: إنه "لن يقبل أن تتحكم أطراف دون أخرى في مجريات التحضير لأي حوار سياسي مرتقب بموريتانيا".

وإذا كانت الأحزاب المعارضة قد قررت في 2019 إعلان الهدنة، مع تولي ولد الشيخ الغزواني الحكم، إلا أن الحزب واصل على نفس الخط، مطالبا بما يسميه "التحول التوافقي".

بعد أشهر من انتخابه في يونيو/ حزيران 2019، حرص ولد الغزواني، على استقبال أغلب قادة الأحزاب المعارضة وأبرزهم رئيس حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية"، محمد محمود ولد سيدي.

لكن الحزب سرعان ما اعتبر، في بيان نوفمبر/تشرين الأول، أن "الروح الإيجابية التي غلبت على خطاب المعارضة خلال 2020 لم تجد في الضفة الأخرى (السلطة) ما يلزم من وعي لتحديات المرحلة، واستعدادا لتوظيف اللحظة لوضع أسس عمل وطني تاريخي".

وقال البيان: إن سنة من حكم الرئيس ولد الغزواني "طبعتها الارتجالية في التعاطي من جائحة كورونا، والتباطؤ الكبير في تنفيذ توصيات لجنة التحقيق البرلماني بشأن ملفات الفساد، وتعيين مشمولين في ملفات فساد في مناصب حكومية، وعدم الاستجابة لدعوات الحوار السياسي".

"عقد منهك"

انتخب ولد الشيخ الغزواني رئيسا للبلاد في يوليو/تموز 2019، وتسلم مهامه رسميا في الثالث من أغسطس/آب من العام نفسه إثر أزمة سياسية تعيشها البلاد منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.

بدأ ولد الغزواني ولاية رئاسية من 5 سنوات، إثر فوزه بنسبة 52 بالمئة في انتخابات أجريت في 22 يونيو/حزيران من ذلك العام.

وبعد أشهر من انتخابه حرص الغزواني على استقبال أغلب قادة الأحزاب المعارضة بمن فيهم رئيس حزب "التحالف الشعبي التقدمي" مسعود ولد بلخير، وأعقب ذلك هدوء سياسي استمر طيلة الفترة التي مضت من ولايته.

لكن بعض قادة الأحزاب السياسية أكدوا في تصريحات سابقة أن المهلة التي منحتها المعارضة لنظام الرئيس ولد الغزواني، كانت موضوعية وضرورية في بداية وصوله السلطة، لكنها طالت أكثر من اللازم، وأدت إلى تردي الأوضاع.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، دعا حزب "تواصل" إلى "إنهاء ممارسات إقصاء وتهميش المعارضة، والكف عن مضايقة أطرها ورجال أعمالها"، مطالبا بـ"عقوبات رادعة على من يثبت تورطه بقضايا فساد".

واعتبر الحزب أن "عدم تصريح الرئيس السابق بممتلكاته، كان إحدى أهم الأسباب التي وفرت أخطر البيئات وأكثرها مناسبة لشيوع الفساد وتجذيره وإفلات ممارسيه من العقاب".

قال المحلل السياسي أحمد ولد محمد المصطفى في تصريح سابق للأناضول: إن "المعارضة خارجة من عقد منهك من الاستهداف الممنهج في عهد الرئيس السابق، من خلال الاعتقالات والمضايقات والإقالات والشيطنة الإعلامية".

"لكن تزايد حالة الاستياء والإحباط من تصرفات النظام الجديد خصوصا في محاربة الفساد، والتخلص من رموزه، إضافة للمحسوبية بالتعيينات الحكومية، جعلت الخطاب المعارض يبرز من جديد"، وفق ما قال.