عودة "الأسرة الحاكمة" لتونس.. هكذا يسير قيس سعيد على خطى المخلوع

12

طباعة

مشاركة

"فخور بك أخي".. بهذه الكلمات هنأ نوفل سعيد 29 يوليو/تموز 2021، شقيقه الرئيس التونسي قيس سعيد، بـ"الانقلاب الدستوري" الذي جرى في البلاد ضد المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يسجل فيها نوفل تدخله في الشأن السياسي للبلاد، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما عاشته تونس وبعض الدول العربية من تغول للأسر الحاكمة وكان أحد أسباب تفجر الربيع العربي 2011.

وبشكل غير متوقع وبعيدا عن الشكليات، كتب نوفل سعيد في تدوينة قبلها، أن تصريحات الرئيس التونسي "ليست انقلابا وهي متوافقة تماما مع الدستور". 

وهو ما اعتبره مراقبون طريقة غير رسمية لإضفاء الشرعية على قرار قيس سعيد، تجميد عمل البرلمان، ومنح نفسه سلطة تنفيذية في مواجهة خطر وشيك يهدد البلاد، وفق بيان سعيد.

في 25 يوليو/ تموز 2021 أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد عن إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد أنشطة وصلاحيات البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، والإجراءات القانونية ضد من كانت الحصانة تمنع محاكمتهم.

قرب مريب

اتخذ شقيق ساكن قصر قرطاج من صفحته على فيسبوك التي يتابعها أزيد من 29 ألفا منصة للتعبير عن آرائه السياسية دون تحفظ.

كما جعل من التعليق على القرارات التي تهم البلاد تخصصا له، في كل مناسبة أو بعد كل كلمة يلقيها الرئيس.

نشأ الشقيقان، المنحدران من "بني خيار" التي تقع في ولاية نابل، في رادس إحدى ضواحي تونس العاصمة، واتبع كلاهما شعبة القانون. 

مر نوفل أولا بالمدرسة العليا، وكان مساعدا في كلية العلوم القانونية في تونس، قبل أن ينضم إلى شركة للتدقيق والمحاسبة والاستشارات، ثم أصبح محاميا.

دعم نوفل دائما شقيقه دون قيد أو شرط وحلل معه الأحداث التي تصنع العالم وتحطمه، إذ تربط الرجلين علاقة أخوة وثيقة للغاية لدرجة تثير مخاوف البعض.

إلى حدود اليوم التالي من تنصيب قيس سعيد عام 2019، لم يكن نوفل -مدير حملة الرئيس- يتدخل في الحياة السياسية.

إذ عمل على تسليط الضوء على شقيقه ولم يكن حتى ذلك الحين شخصية عامة.

على مدار أشهر، قام المحامي بدور المراقب ووجه هيئات ومسؤولين تونسيين في منشورات بمواقع التواصل الاجتماعي.

توجيهات شقيق سعيد جاءت فيما يتعلق بنقاط معقدة للغاية متعلقة بالدستور، والتي ذكرها الرئيس في أحد خطاباته.

مدافع متأهب

من الواضح أن نوفل سعيد ملتزم بقضية أخيه والدفاع عنه في جميع الأوقات، إلا أن توقيت تعليقه الأخير يبدو أنه لم يكن موفقا، إذ أثار الكثير من الجدل.

عاش الأخ والمتحدث الشخصي والمعجب الأول بقيس سعيد، لحظة ابتهاج خلال إعلان 25 يوليو/ تموز 2021، ليس فقط باعتبارها لحظة تاريخية ولكن أيضا على أنها انتقام. 

صمت الرئيس وتعبيراته بلغته العربية، ثبت نوعا من عدم الفهم لدى الرأي العام الذي توقع من رئيس الدولة أن ينفذ وعوده بسرعة أكبر. 

وكتب نوفل سعيد عن ذلك: "قل ما تريد عنه، قل إنه كان بطيئا، لكنه أظهر التسامح والصبر، فقام مع شعبه ضد نظام أساء إليهم، وتركهم حفاة القدمين وجياعا".

وأضاف مخاطبا التونسيين: "أثق في رئيسي، لقد فهم الناس أن وقتهم قد حان، وأنهم إما سيعيشون بكرامة أو لن يعيشوا".

وبنفس الضراوة، أكد في نهاية المئة يوم الأولى من رئاسة قيس سعيد أن "محاولات التقليل من شأن رئيس الجمهورية لن تؤدي إلا إلى زيادة شعبيته".

وتابع: "في الوقت الحالي، تثبت الأحداث أنه على حق، لكن التونسيين ينتظرون خارطة الطريق التي سترسم مستقبل البلاد".

في بداية أغسطس/ آب 2021، شدد عبر "تويتر" على أنه "لا مجال للرجوع إلى منظومة الاستبداد والالتفاف على الثورة".

أستاذ القانون الدستوري وشقيق رئيس الجمهورية، مضى قائلا: " لمن لم يفهم لا رجوع إلى الوراء".

وأضاف نوفل سعيد: "الوعي التاريخي المفوت ينتج سياسات لا شعبية ومفوتة، تحركات الشعوب هي التي تصنع التاريخ".

وواصل: "أدركوا حركة التاريخ… في النهاية أترك لكم حرية وضع شعار المرحلة... ".

من عهد الاستبداد

في عدة صور تعود إلى صيف 2019، ظهر قيس سعيد، المرشح الرئاسي التونسي آنذاك بصحبة شقيقه ومدير حملته الانتخابية نوفل سعيد.

وإلى هنا فالأمر طبيعي؛ لكن الشبه بين الرجلين كان لافتا ومثيرا للتعجب، والسبب بالطبع معروف: إنهما إخوة.

وقبل أن يعرف لدى الجمهور، ظهر نوفل سعيد في تكتم لأول مرة مع شقيقه، وهو ما نظر إليه الكثيرون آنذاك على دعم لمرشح لا يملك إمكانيات ضخمة.

لكن نظر آخرون للأمر بكثير من القلق من تكرار مشهد عاشوه قبل ثورة 2011 بتحول أسرة الرئيس المحتمل إلى حكام أيضا، تماما كما كانت أسرة زين العابدين بن علي.

الظهور العلني لنوفل سعيد، بدأ بانتقاد الإسلاميين وتوجيه ملاحظات للرابطة التونسية للثقافة والتعددية.

وانتقد نوفل سعيد في 28 يوليو/ تموز 2021 في تدوينة له، الإسلاميين زاعما أنهم يناشدون القوى الأجنبية لدعمهم.

وقال: "إن دعوة القوى الأجنبية للتدخل في الشؤون الوطنية دليل على اليأس المطلق".

تدوينة شقيق الرئيس كانت موجهة لرضوان المصمودي من حركة النهضة، الذي دعا إلى الدعم الخارجي ووقف الانقلاب، بعد قرار سعيد تجميد البرلمان.

الأكثر اطلاعا

تدخله ذلك جعل تقارير صحفية محلية تصفه بأن لديه رأيا في كل شيء وأنه يعبر عنه أكثر من الرئيس نفسه.

وكان أكثر ما أثاره من جدل إصراره على تحديد عيوب الدستور، وهو الموضوع الذي يثير اهتمام الشقيقين.

كما أن التعليق على قرارات مجلس نواب الشعب أصبح من الأنشطة المفضلة لديه.

وفي فبراير/ شباط 2020، صعد للتنديد بالوضع الشاذ في البلاد والمأزق السياسي إثر رفض البرلمان لحكومة الحبيب الجملي.

منذ أبريل/ نيسان 2020، تطرق لموضوع "السياحة البرلمانية" أو الانتقال من معسكر سياسي لآخر.

مطلع أغسطس/ آب 2021، نشرت صحفية "نيويورك تايمز" تفاصيل لقائها قيس سعيد.

وأفادت أنه ألقى أمام صحفييها "محاضرة حول دستور أميركا وتعهد بالحفاظ على حرية الصحافة؛ لكنه لم يسمح لهم بإلقاء أي سؤال". 

على إثر ذلك كتب نوفل عبر "تويتر" أن "لقاء الرئيس مع الصحفيين الأميركيين كان للتعبير عن مساندته ودعمه لهم، إثر تعرضهم للإيقاف لفترة قصيرة في تونس".

وجزم بأن "اللقاء لم يكن لإجراء حوار صحفي"، حسب نص التدوينة.