التصعيد العسكري بين "حزب الله" وإسرائيل.. هل يخفف الضغط على إيران؟

طالما كانت الأراضي العربية مسرحا للصراع بين إسرائيل وإيران، إذ تعمد طهران إلى تصفية حساباتها مع تل أبيب عبر أذرعها العسكرية في الأراضي اللبنانية أو السورية، بينما تقصف آليات الاحتلال الجوية والمدفعية الأراضي العربية بلا هوادة.
وتزامن توعد أميركا وبريطانيا وإسرائيل لإيران بتوجيه ضربة عسكرية لها ردا على هجوم استهدف ناقلة تديرها شركة إسرائيلية قبالة خليج عُمان، مع تصاعد التوتر في جنوب لبنان بين "حزب الله اللبناني" وإسرائيل، بتبادل للقصف المدفعي والصاروخي.
مجموعة الدول الصناعية السبع، قالت في 6 أغسطس/ آب 2021 إن "كل الأدلة المتوافرة تشير بوضوح" إلى مسؤولية إيران بالهجوم الذي استهدف الناقلة يوم 29 تموز/ يوليو 2021 بخليج عمان.
وأكدت المجموعة أن "سلوك إيران ودعمها لقوى وفرقاء مسلحين يهددان السلام والأمن الدوليين".
لكن إيران نفت تلك الاتهامات، وحذرت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد زاده في 2 أغسطس/ آب 2021، من أنها سترد على أي "مغامرة محتملة" دفاعا عن أمنها ومصالحها القومية.
لماذا لبنان؟
على وقع الاحتقان بين إيران والدول الغربية وإسرائيل؛ تبادل "حزب الله اللبناني" والاحتلال الإسرائيلي هجمات صاروخية ومدفعية يوم 5 أغسطس/ آب 2021، ثلاثة أيام متتالية دون تسجيل خسائر بشرية بين الطرفين.
في 6 أغسطس/ آب 2021، أعلن "حزب الله" أنه ردا على الغارات الجوية الإسرائيلية على الجرمق والشواكير، قصفت مجموعات تابعة له مواقع الاحتلال في مزارع شبعا بعشرات الصواريخ.
وفي أول ربط للأحداث بين الضغط على إيران وتبادل الهجمات بين "حزب الله" وإسرائيل، قال رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري: إن "لبنان ليس جزءا من الاشتباك الإيراني – الإسرائيلي".
الحريري أشار إلى أن "الدولة بقواها العسكرية والأمنية الشرعية هي المسؤولة عن حماية المواطنين".
وعبر حسابه بـ"تويتر"، وصف الحريري الوضع على الحدود مع العدو الإسرائيلي "بالخطير جدا جدا، ويشكل تهديدا غير مسبوق للقرار 1701".
وتبنى مجلس الأمن القرار "1701" في أغسطس/ آب 2006، الداعي لوقف العمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل، إثر اندلاع مواجهات بين الطرفين، في يوليو/ تموز من العام نفسه.
وحذر الحريري من أن "استخدام الجنوب منصة لصراعات إقليمية غير محسوبة النتائج والتداعيات، خطوة في المجهول تضع لبنان كله في مرمى حروب الآخرين على أرضه".
وتعليقا على اختيار لبنان ميدانا للتصعيد، أرجع المعارض الإيراني الأحوازي نشأت العبيدي، في تصريح صحفي يوم 7 أغسطس/آب 2021 ذلك إلى قرب "الحقل اللبناني" من إسرائيل، وتصاعد النفوذ الإيراني في دول الإقليم.
العبيدي قال: إن "لبنان مساحة احتكاك مع إسرائيل، ويعتقد العقل الإستراتيجي الإيراني أن أية مواجهة مع إسرائيل ستدفع القوى الغربية للانخراط في الأمر رغما عنها".
ولفت إلى أن ذلك "أمر سيتطلب التواصل مع إيران، التي تعتبر نفسها الآمر الناهي على مليشيا حزب الله".
وتابع: "كذلك يعود الأمر إلى حساسية الملف اللبناني ودور حزب الله، إذ هناك ثمة انقسام حاد بشأنها، بالذات من زاوية دور هذه المليشيات في إدخال لبنان في بؤرة الصراع الدولي مع إيران".
المعارض الإيراني يرى أن "ذلك الانقسام الذي ربما يتحول لمواجهات أهلية داخلية، سيكون متنفسا لإيران لابتزاز جميع الدول الإقليمية وحتى القوى الدولية من خلال لبنان".
أهم ما يميز "حزب الله" عن باقي المليشيات الإيرانية إقليميا وفق العبيدي، هو "احترافها".
وأوضح أن "هذه المليشيا اشتغلت عليها إيران 4 عقود كاملة، ومنخرطة في كل أجهزة الدولة ومؤسسات الحكم في لبنان، وتسيطر نفسيا وأمنيا على الكثير من الجماعات والقوى السياسية اللبنانية".
"وطبعا بنيتها العسكرية والتزامها التنظيمي أكثر رصانة من باقي المليشيات، لذلك فهي المرشح الأول لتكون محل اعتماد إيراني، بالذات في هذا الوقت الضاغط على النظام الإيراني"، حسب قول العبيدي.
توقيت الهجمات
وبشأن توقيت الهجمات، قال رئيس "مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث" بلبنان العميد المتقاعد والخبير العسكري هشام جابر: إن "القصف الإسرائيلي، رغم خطورته، استهدف حقولا ومناطق غير مأهولة".
وأكد أن "تدخل الطيران الإسرائيلي غير المألوف، سعت من خلاله الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي يرأسها نفتالي بينيت، تسجيل نقطة قوة وجرأة واندفاع خلافا لحكومة سلفها بنيامين نتنياهو".
جابر، أوضح عبر تصريح صحفي في 6 أغسطس/ آب 2021، أن "إسرائيل استغلت توقيت غاراتها بمعركتها المفتوحة مع إيران، لما يعرف بحرب الناقلات، والدعوى ضدها بمجلس الأمن".
في نقطة أبعد، يجد الخبير العسكري، أن هدف إسرائيل من غارتها "تكثيف الحشد الدولي ضد إيران وحلفائها وممثليها، وأنها تضع نصب أعينها عرقلة مفاوضات فيينا النووية بين أميركا وإيران".
ولفت جابر إلى أن "إسرائيل أول المتضررين من الاتفاق، وتسعى لإجبار أميركا ضم عناوين جديدة للملف النووي، وفي طليعتها: الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، ونشاط حزب الله، أي نشاط إيران بالمنطقة".
في المقابل، رأى الكاتب الإيراني المعارض، ناشمي سرايداري، خلال تصريح صحفي في 7 أغسطس/ آب 2021، أن "النظام الإيراني يحاول من التصعيد في لبنان إبعاد العمليات العسكرية إلى خارج أراضيه".
سرايداري، قال: "في بنية النظام الإيراني ما يشبه التوجهات الخطابية والسياسية التي كانت إبان النظام الناصري في مصر".
ولفت إلى أن "كل دعاية النظام الإيراني في الداخل تقول: إن هذا النظام شرعي لأنه يتبنى قيم التصدي والممانعة والصمود في وجه القوى العالمية، التي يسميها النظام بـ(قوى الاستكبار)".
الكاتب الإيراني يعتقد أنه "حال توجيه ضربة عسكرية للنظام الإيراني بشكل مباشر وواضح، فإن انهيارا شاملا سيصيب تلك الدعاية".
وأكد أنها "ستفقد مضامينها وفاعلية تأثيرها على الطبقات الإيرانية المسحوقة، التي مارست عليها دعاية النظام الإيراني تأثيرا طوال 40 عاما".
سرايداري، أضاف: "أما الطبقات الأكثر تجشما وقابلية للانتفاض في وجه النظام، وهم مؤلفون من ملايين الشبان وأبناء الطبقة الوسطى التي تم تفقيرها، فزخمها واضح في المظاهرات التي تجتاح البلاد".
وجزم بأن "هؤلاء سيكسرون حاجز الخوف دفعة واحدة لو تعرض النظام الإيراني لضربة عسكرية من القوى العالمية، وهذه أكبر مخاوف النظام التي تهدد أساسه".
ويرى الكاتب الإيراني أن "القوى الدولية تدرك ذلك تماما، فهي لن تدخل في مواجهة عسكرية مع النظام الإيراني بغية احتلال إيران".
وأوضح أنها "فقط لكسر هيبته المزيفة، فهي تعرف أن الشعب الإيراني كفيل بإسقاطه في المحصلة".
تداعيات محتملة
وعلى صعيد تداعيات التوتر على المنطقة العربية، يقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي المقيم في لندن عماد الدين الجبوري: "إيران من وراء هذا الاستهتار في المياه الدولية والقانون الدولي، تريد تخفيف الضغط عنها ما يصب لصالحها بمفاوضات الملف النووي".
ويضيف لـ"الاستقلال" أن "حزب الله ذراع إيران وقراراته تطبخ بطهران ثم تنفذ"، مشيدا بوعي أهالي جنوب لبنان "الذين رفضوا إطلاق الصواريخ من أراضيهم ليس دفاعا عن إسرائيل، وإنما رفضا لتضرر لبنان لأجل أهداف إيرانية".
الجبوري، يشير إلى أن "حزب الله وإن أراد فعل شيء فلن يستطيع بسبب فقدان الحواضن الشعبية في جنوب لبنان، ورأينا ذلك واضحا حتى في تصريحات حسن نصر الله، حين أعلن أنه لا يريد وجود جبهة لبنانية على إسرائيل".
ويلفت الجبوري إلى أن "تداعيات ما يجري سينعكس على المنطقة العربية، لأن العدوان الذي يصدر من إيران يظهر إسرائيل بمظهر المدافع، وفي ظل غياب الإرادة العربية فإن تداعيات الصراع بين إيران وإسرائيل تصب لصالح الجانبين".
الكاتب العراقي يؤكد أن "تمدد إيران في العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان جاء بموافقة الإدارات الأميركية، ما يعيدنا للنقطة ذاتها، وهي أن صراع إسرائيل وإيران يجري على أرض ومياه العرب، الذين يدفعون الثمن وكأنهم لا إرادة لهم".
ويعرب عن تصوره أن "ما يجري ضد الإرادة والواقع العربي، وأن إرادات خارجية تتصارع ونحن مسلوبي الإرادة، وعلينا الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك".
ويستدرك: "لكن لا تزال هناك إرادة عربية مع الشباب الثائر في العراق وسوريا واليمن ضد التمدد الإيراني وأذرعه، وأن صراعات إيران وإسرائيل هذه لا تنطلي عليهم".
الكاتبة والمحللة السياسية روزانا بومنصف، تعتقد أن "حزب الله لا ينوي إشعال حرب رغم قدراته العسكرية كونها تهدد آخر ركائز صموده مع الأزمات التاريخية التي تعصف بلبنان، وتحديدا بعد انفجار مرفأ بيروت 4 أغسطس/ آب 2020".
بومنصف، أوضحت خلال تصريح صحفي في 6 أغسطس/ آب 2021، أن "إسرائيل تسعى للاستفادة من الأزمة اللبنانية، للاستشراس ضد حزب الله، خصوصا أن البلاد تعيش شبه انهيار بالبنى التحتية".
وألمحت إلى أن "إيران تستفيد أيضا من الوضع، لمقارعة إسرائيل بساحة جديدة خارج ساحتها الداخلية، تضاف إلى سوريا والعراق".
ولأن لبنان على مسافة أشهر من انتخابات ربيع 2022، "فالكل يترقب إقليميا وضع لبنة لنظام سياسي مختلف، والسؤال عن موقع حزب الله فيه". لذا، تستبعد المحللة ذهاب لبنان لتصعيد مع إسرائيل.
وترجح أن "يستمر تبادل الرسائل مع حزب الله"، معتقدة أن "هامش الخطأ كبير، وربما يجر الطرفين إلى حرب خطيرة غير مسحوبة، إذا أخطأ كلاهما تقدير الأهداف، عند قصف غارة، أو إطلاق صاروخ".
وفي هذا السياق، نقل موقع صحيفة "هآرتس" العبرية في 6 أغسطس/ آب 2021، عن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي ران كوشاف قوله في إفادة لصحفيين إسرائيليين: "ليس لدينا مصلحة في التصعيد".
المصادر
- إسرائيل تغير قواعد الاشتباك ضد لبنان.. حرب مع حزب الله أم مناورات إقليمية مع إيران؟
- تحليل: الوضع في لبنان قد يفجر حربا بحرية بين إيران وإسرائيل
- من لبنان.. إيران تحاول حصر قواعد الاشتباك خارج أراضيها
- الحريري: لبنان ليس جزءًا من الاشتباك الإيراني الإسرائيلي
- حزب الله والجيش الإسرائيلي يتبادلان لليوم الثالث قصفاً حدودياً جنوبي لبنان
- حزب الله يطلق صواريخ من جنوب لبنان في اتجاه إسرائيل والجيش الإسرائيلي يرد
- دول مجموعة السبع تحمّل إيران مسؤولية الهجوم على ناقلة النفط في بحر عمان
- إيران تحذر من أي "مغامرة" بعد اتهامها باستهداف سفينة يديرها إسرائيلي