"اختناق وجمود".. لماذا تحركت إسرائيل وأميركا لإنقاذ السلطة الفلسطينية؟
تبدو أفضل السيناريوهات "قاتمة" أمام مستقبل السلطة الفلسطينية التي تواجه أزمات على جميع الأصعدة، بدءا بـ"الجمود السياسي" وليس انتهاء بـ"الاختناق الاقتصادي".
هذه الأزمات دفعت الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل للتحرك خوفا من "انهيار" السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، ودخول الأوضاع في نفق مجهول.
تحذيرات أميركية
جاء التحذير الأول في 16 يوليو/تموز 2021، على لسان مسؤول أميركي خلال محادثات عقدها في إسرائيل، حيث قال: إن السلطة الفلسطينية في وضع اقتصادي وسياسي "صعب وخطير".
ونقل موقع "واللا" الإخباري العبري، عن مسؤولين إسرائيليين أن نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي هادي عمرو نقل التحذير لمسؤولين إسرائيليين بعد محادثات عقدها في رام الله مع مسؤولين فلسطينيين.
وبعد الاطلاع على الأوضاع هناك، طالب إسرائيل باتخاذ خطوات لتعزيز الوضع الاقتصادي والسياسي لحكومة رام الله.
وقال الموقع إن "مسؤولين إسرائيليين كبارا شاركوا في المحادثات أشاروا إلى أن عمرا أكد لهم قلقه من محادثاته في رام الله"، قائلا: "لم أر السلطة الفلسطينية في مثل هذا الوضع السيء من قبل".
وأضاف: "شدد المسؤول الأميركي على أن تضافر الأزمة الاقتصادية في السلطة الفلسطينية، والأزمة السياسية الداخلية وغياب الشرعية العامة لها يخلق وضعا خطيرا وغير مستقر".
وتابع: "قال عمرو لكبار المسؤولين الإسرائيليين: إنها مثل غابة جافة تنتظر أن يشتعل فيها شيء ما".
وحذر عمرو في محادثاته من أنه "إذا لم يكن لدى السلطة الفلسطينية المال اللازم لدفع الرواتب، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من التدهور في نهاية المطاف".
وبحسب الموقع "قدم عمرو سلسلة إجراءات اقتصادية يمكن لإسرائيل اتخاذها لتحسين الوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية بشكل سريع نسبيا"، دون مزيد من التوضيحات بخصوص هذه الإجراءات.
وقال: "رد الإسرائيليون بأنهم يعتقدون أن الوضع الاقتصادي في السلطة الفلسطينية يتحسن بالفعل مع نهاية الإغلاق الذي فرضه فيروس كورونا، لكنهم أعربوا عن استعدادهم لاتخاذ خطوات للمساعدة".
وتواجه السلطة الفلسطينية أزمة مالية شديدة بسبب تداعيات فيروس كورونا، إضافة إلى اقتطاع إسرائيل مبالغ مالية كبيرة من عائدات الضرائب الفلسطينية.
وفي 11 يوليو/تموز 2021، صادقت الحكومة الإسرائيلية على اقتطاع مبلغ 182 مليون دولار من عائدات الضرائب الفلسطينية.
وهو يوازي ما تدفعه الحكومة الفلسطينية من مخصصات مالية شهرية لعوائل الشهداء والجرحى والأسرى، بذريعة أن هذه المبالغ "تذهب لتمويل الإرهاب".
ويرى الأستاذ في السياسة العربية الحديثة والتاريخ الفكري بجامعة كولومبيا في نيويورك، جوزيف مسعد، أن "أيام السلطة الفلسطينية معدودة، وأن الذين شكلوها ومولوها يدركون الآن أنه لم يعد لها نفوذ كبير على الشعب الفلسطيني وأن كل ما تبقى منها هو أجهزتها القمعية".
وانتقد مسعد في مقال بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني "القتل المروع للمعارض الفلسطيني نزار بنات في 24 يونيو/حزيران 2021 بأيدي قوات أمن السلطة".
ووصف ما جرى بأنه ليس أكثر من تجسيد لسبب إنشاء السلطة الفلسطينية من خلال اتفاقيات أوسلو في سبتمبر/أيلول 1993 "كهيئة متعاونة مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي برعاية أميركية".
جمود وفلتان
إلى جانب الأوضاع الاقتصادية، تشهد الحالة السياسية في الأراضي الفلسطينية جمودا كبيرا بعد إلغاء عباس الانتخابات التي كانت مقررة في مايو/أيار 2021، بذريعة عدم سماح إسرائيل بإجرائها في القدس المحتلة.
وأكثر من مرة، أكد عباس وعدة مسؤولين من السلطة الفلسطينية وحركة التحرير الوطني "فتح"، استحالة إجراء الانتخابات بدون القدس، وهو ما رأت فيه العديد من الأطراف ذريعة لتأجيلها وإبقاء رئيس السلطة في الحكم خشية إخفاقه في النتائج.
ومما عقد الموقف، صدور أنباء عن عدم معارضة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تأجيل الانتخابات، وسط عدم وجود موقف صارم من واشنطن يسمح بإجرائها في القدس، حيث كانت الولايات المتحدة أول من أثار دوليا ضرورة تجديد الشرعيات الفلسطينية.
وفي 16 أبريل/نيسان 2021، نقلت صحيفة "القدس" المحلية عن مصدر مطلع أن إدارة بايدن، "لا تمانع بتأجيل الانتخابات إذا اضطر الفلسطينيون إلى ذلك".
كما تصاعد السخط الشعبي ضد السلطة بعد "اغتيال" قوات الأمن "بنات" عقب اعتقاله من منزله بالخليل جنوب الضفة الغربية.
وقال الكاتب الفلسطيني إياد القرا: "عملية اغتيال نزار بنات التي ارتكبتها السلطة في الضفة، وما تبعها من احتجاجات وتحركات شعبية واسعة، فتحت الباب مجددا أمام التساؤلات حول واقع السلطة".
ولعل التحرك الأميركي المباشر لإخراج السلطة من أزماتها الشعبية والمالية، ومخاوف إنقاذها من الانهيار، "يأتي في سياق إنقاذ محمود عباس الذي يقود السلطة نحو الانهيار"، وفق ما قال "القرا" في مقال نشره موقع صحيفة فلسطين المحلية في 24 يوليو/تموز.
ويرى أن السلطة "تواجه تحركات شعبية واسعة في الضفة الغربية، بسبب الفلتان الأمني وعملية اغتيال بنات، والاعتداءات على المتظاهرين، واستمرار قمع الحريات والاعتقال على خلفية الرأي، والاعتداءات على الصحفيين والنشطاء والمحامين".
وبين القرا أن كل ذلك "أنتج حالة من العصيان، يمكن أن تتسع لتشمل مناطق عدة مركزية مثل الخليل ونابلس".
وبرأيه فإن الانهيار الاقتصادي مرده "استمرار العمل باتفاقية أوسلو التي كبلت الاقتصاد الفلسطيني، الذي لم يعد قادرا على الاستمرار في التعامل معها، وفي ظل سيطرة شركات كبرى يمتلكها المتنفذون في السلطة".
وأردف القرا: "يمكن للاحتلال أن يسعف السلطة للخروج من أزمتها، لكنه لن يتمكن من منحها الشرعية الشعبية والوطنية التي تفتقدها، نتيجة سياستها البوليسية في الاغتيال والقمع".
من جانبه، قال الكاتب رشيد شاهين: "عمرو لم يتوان عن توجيه الانتقادات الشديدة لقيادة السلطة وتحميلها جزءا كبيرا من المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، خاصة بعد استماعه لشهادات فلسطينيين من المجتمع المدني الذين لم يترددوا عن فضح ممارسات السلطة وحجم الفساد الذي ينخر مؤسساتها".
فضلا عن "الانتهاكات الخطيرة والمستمرة لحقوق الإنسان ومصادرة حرية التعبير والرأي والتجاوزات الخطيرة لأجهزة القمع الفلسطينية والتي كان آخر ضحاياها الشهيد نزار بنات، وما شاهده العالم من سحل واعتداءات على الصحفيين وغيرها من الممارسات"، وفق ما كتب في مقال على موقع "رأي اليوم" خلال يوليو/تموز 2021.
استجابة إسرائيلية
بعد التحذير الأميركي بأسبوع، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس: إن "تل أبيب بحثت مع الولايات المتحدة، مبادرات اقتصادية واجتماعية لتقوية السلطة الفلسطينية".
وكتب غانتس في تغريدة عبر "تويتر"، 23 يوليو/تموز: "التقيت هذا الصباح مع القائم بأعمال السفير الأميركي في إسرائيل مايكل راتني، وناقشنا أهمية المبادرات الاقتصادية والاجتماعية لتقوية السلطة الفلسطينية، وكذلك إجراءات بناء الثقة لصالح أمن المنطقة".
وتابع: "في مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة، فإن الرابطة التي لا تتزعزع بين الولايات المتحدة وإسرائيل أمر حيوي، سنواصل العمل معا لمواجهة التحديات المحلية والإقليمية".
وبعد تصريحات المسؤول الأميركي، قالت وسائل إعلام عبرية: إن إسرائيل "تدرس اتخاذ عدة إجراءات لتخفيف الأزمة الاقتصادية التي تمر بها السلطة الفلسطينية، منها احتمال تقليص جبي التزامات السلطة المالية، بهدف دفع وضعها الاقتصادي إلى الاستقرار".
بدوره، رأى الكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة في تغريدة على تويتر أنه "لا تحتاج دولة الاحتلال لمن يوصيها بذلك (تخفيف الأزمة)، فهي تعي تماما أكثر من بايدن ماذا يعني انهيار السلطة، إنها الاختراع العبقري؛ كما وصفها كاتب إسرائيلي، والذي صمم لخدمة الاحتلال".
حسب الإذاعة العبرية، فقد طلبت إدارة بايدن من إسرائيل المساعدة في حل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها السلطة.
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) July 20, 2021
لا تحتاج دولة الاحتلال لمن يوصيها بذلك، فهي تعي تماما أكثر من بايدن ماذا يعني انهيار السلطة.
إنها "الاختراع العبقري"؛ كما وصفها كاتب إسرائيلي، والذي صُمّم لخدمة الاحتلال.
وقال مكتب غانتس في 19 يوليو/تموز 2021: إن وزير الدفاع تحدث مع عباس "بأجواء إيجابية وناقشا الحاجة لدفع إجراءات بناء الثقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، مما سيساعد الأمن والاقتصاد في المنطقة بأسرها".
وفي 17 يوليو/ تموز، نشرت قناة إسرائيلية، ما قالت إنها قائمة مطالب ينوي عباس تقديمها لواشنطن كشرط لاستئناف مفاوضات السلام المتوقفة مع إسرائيل منذ أكثر من 7 سنوات.
وأفادت القناة (12) الخاصة، بأن الرئيس عباس أعد القائمة التي "لا تزال سرية"، في ضوء رصده إشارات توحي بأن إدارة بايدن تميل لدفع مبادرة حوار إسرائيلي- فلسطيني تحت رعايتها.
وتوقفت مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية منذ أبريل/نيسان 2014، لعدة أسباب؛ بينها رفض إسرائيل إطلاق سراح أسرى قدامى، ووقف الاستيطان.
وتضم القائمة التي نسبتها القناة لعباس، مطالب؛ بينها إعادة وقف الاستيطان، وافتتاح مؤسسات فلسطينية شرق القدس، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه في الحرم القدسي الشريف بدلا من الترتيبات الإسرائيلية الحالية، ووقف إخلاء الفلسطينيين من منازلهم هناك، وإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين المحتجزين قبل اتفاقية أوسلو.
وفي هذا السياق، استبعد الباحث في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي أي تغيير قائلا على تويتر: "وزراء صهاينة يهاتفون محمود عباس ويعبرون عن دعمهم له، هذه توصية إدارة بايدن لضمان الاستقرار. يحافظون على السلطة لأنها تمنحهم أرخص احتلال في التاريخ، لكن الاتصالات لا تمنع الاستيطان والتهويد وتدنيس الأقصى".
وزراء صهاينة يهاتفون محمود عباس ويعبرون عن دعهم له
— د.صالح النعامي (@salehelnaami) July 25, 2021
هذه توصية إدارة بايدن التي حذرت من أن سلطة عباس تمر في أقسى ظروفها وأن دعم إسرائيل لها مهم "لضمان الاستقرار"
يحافظون على السلطة لأنها تمنحهم أرخص احتلال في التاريخ
لكن الاتصالات لا تمنع الاستيطان والتهويد وتدنيس الأقصى#ارحل
المصادر
- عوامل انهيار نظام عباس البوليسي
- مسئول أمريكي: السلطة فقدت شرعيتها الداخلية ويتوجب على "إسرائيل" مساعدتها
- "غانتس": بحثنا مع واشنطن مبادرات لمساعدة وتقوية السلطة الفلسطينية
- Gantz speaks with PA leader, in 1st call from senior Israeli minister in 4 years
- رشيد شاهين: هل في تحذيرات هادي عمرو من انهيار السلطة الفلسطينية موقف امريكي جديد؟
- قناة عبرية تنشر "مطالب" عباس لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل