ثوابت "تركيا الجديدة".. كيف اقتحم الرئيس أردوغان قلعة الأكراد الحصينة؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لقيادات حزبه ونوابه البرلمانيين، تحضير أنفسهم للانتخابات المقبلة (2023)، التي يحتمل أن تشهد منافسة شرسة، شد رحاله صوب ولاية ديار بكر لاستمالة الناخبين الأكراد.

جاءت الزيارة في 9 يوليو/ تموز 2021، بعد عامين ونصف العام من آخر زيارة له إلى المدينة ذات الغالبية الكردية، والتي تعد أكبر مدن جنوب شرق الأناضول. 

الزيارة المفصلية التي أجراها الرئيس التركي، أعادت إلى الأذهان البدايات وعلاقة الحزب الحاكم بالعنصر الكردي.

وشهد يوم 14 أغسطس/ آب 2001، بروز مولود جديد على الساحة السياسية التركية الملتهبة دائما، بتشكيل حزب العدالة والتنمية، بقيادة أردوغان، ورفاقه المنبثقين من حزب الرفاه الإسلامي، مقدمين أنفسهم كحركة محافظة، تحترم مبادئ الدولة التركية وقيمها.

منذ ذلك التاريخ، سعى أردوغان إلى كتابة عقد جديد بين الجمهورية والمواطن، أساسه المساواة والنهضة الحديثة.

ومنذ تشكيل الحزب، سلم له الشعب التركي حكم البلاد عبر صناديق الاقتراع، ورسموا صورة جديدة للمسرح السياسي، خفتت معها النبرة القومية، لصالح نبرة وطنية محافظة، تؤكد أن الجميع شركاء في الوطن، لا سيما العنصر الكردي.

ويمثل الأكراد بحسب تقديرات غير رسمية 20 بالمئة من سكان البلاد، بحوالي 15 مليون نسمة، يعيش معظمهم في المناطق الجنوبية الشرقية، ودخلوا في حروب وصدامات متعددة مع الأنظمة المختلفة.

مبادرات ولفتات

ومنذ صعوده يطرح حزب العدالة والتنمية التركي، مبادرات مستمرة لاحتواء الأزمة الكردية، وسعت أنقرة، إلى فك الارتباط بين أكراد تركيا، وحزب العمال الكردستاني الذي دأبت على اتهامه بالإرهاب، وشن عمليات ضد مصالحها.

لم تكن زيارة أردوغان مدينة ديار بكر، في شرق الأناضول، الواقعة على ضفاف نهر دجلة، والتي يقارب تعدادها السكاني قرابة مليوني مواطن، بالعادية أو العابرة ضمن زيارات وجولات متكررة يجريها الرئيس. 

طبيعة الزيارة والتركيز الإعلامي عليها، بالإضافة إلى الفعاليات والقرارات التي اتخذها أردوغان، كان لها ما وراءها، وحملت مدلولا على إستراتيجية جديدة ومختلفة ينتهجها الحزب الحاكم تجاه العنصر الكردي بشكل عام. 

وفي 10 يوليو/ تموز 2021 نشرت دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، مقطعا مصورا لإنشاد الرئيس أغنية من التراث الشعبي الكردي، مع مجموعة من شباب ولاية ديار بكر.

ويظهر أردوغان في المقطع أثناء حضوره تجمعا شبابيا، وهو يردد أغنية "كونول داغي" للفنان الشعبي التركي "نشأت أرتاش" في منطقة إتش قلعة.

وكذلك أقام صلاة الجمعة في جامع "قورشونلو" التاريخي بالمدينة، وهو المسجد الذي اتخذه أنصار حزب "العمال الكردستاني"، المصنف على قوائم الإرهاب من قبل الدولة التركية، مقرا لهم في عام 2015، مع إعلانهم بعض الأحياء في المدينة مناطق حكم ذاتي كتلك التي أنشئت في الشمال السوري.

إذ جرى ترميم الجامع وتوجيه رسالة للمحافظين الأكراد من هناك، قبل أن تشن السلطة هجومها عليهم وتحبط هذه المحاولات. 

"سروك" أردوغان 

كان من اللافت خلال زيارة أردوغان إلى ديار بكر، العبارة التي استقبله بها الأهالي والأنصار حين وصل إلى المدينة، "يعيش (سروك) أردوغان".

وكلمة "سروك" في اللغة الكردية تعني "القائد"، ويطلقها الكرد على قادتهم وأبطالهم، لذلك حملت مدلولات هامة عن نظرة قطاع عريض من الأكراد لأردوغان أنه قائدهم الفعلي. 

وتوجه أردوغان في معرض زيارته إلى الأمهات الكرديات المعتصمات لقرابة 700 يوم على التوالي، أمام مقر "حزب الشعوب الديمقراطي" بولاية ديار بكر، للمطالبة باستعادة أبنائهن المختطفين لدى منظمة "بي كا كا".

وفي ذلك دلالة على رسالة أردوغان إلى الأكراد الرافضين للانفصال، ومساندة حزب العمال الكردستاني، أنهم جميعا في خندق واحد. 

والتقى أردوغان والوفد المرافق له، بالأمهات، معربا عن دعمه لهن، وتتهم الأمهات حزبي "الشعوب الديمقراطي" و"العمال الكردستاني" بالضلوع في خداع واختطاف الشباب والزج بهم للقتال في صفوف المنظمة الإرهابية، ضد الدولة. 

ويمثل اعتصام الأمهات أهمية بالغة للدولة التركية ولقطاع من الأكراد في صراعهم ضد الأحزاب الرامية إلى الانفصال، كما يحظى بتسليط الضوء الإعلامي عليه، فضلا عن دعم وزراء وسياسيين وفنانين ورياضيين ومنظمات مدنية ورجال دين وأفراد من كافة فئات المجتمع.

وكانت جعبة الرئيس التركي مليئة بالمفاجآت خلال تلك الزيارة، إذ أعلن عزم حكومته إخلاء سجن ديار بكر قريبا، وتحويلة إلى مركز ثقافي.

وقال: "إن عصابات (كا جي كا)، و(بي كا كا)، و(ب ي د)، التي تستغل الأخوة الأكراد، تعد أكبر مصيبة جاءت على هذه المنطقة وهذا الشعب في الألف عام الأخيرة".

وأضاف: "سنخلي قريبا سجن ديار بكر الذي اشتهر في الماضي بالقسوة والتعذيب والمعاملة غير الإنسانية، ونحوله إلى مركز ثقافي".

وأشار إلى أن منظمة "بي كا كا" بدأت ارتكاب جرائمها شمالي العراق بعدما عجزت عن ذلك في تركيا. وأوضح أن "أولئك أعداء للأكراد والإنسانية ومنطقتنا وحضارتنا".

 

تركيا جديدة

وفي 12 يوليو/ تموز 2021، أفرد الكاتب الصحفي التركي محمد آجات، مقالة عن الزيارة الرئاسية إلى المدينة، تحت عنوان: "رسائل أردوغان القوية من ديار بكر".

وقال آجات: "كان إعلان الرئيس أردوغان عن إغلاق سجن ديار بكر وإنشاء مركز ثقافي مكانه من بين الرسائل التي أعطاها، ولا شك أن احتفاظ حزب العدالة والتنمية بوجوده في الجنوب الشرقي يعني الضمان الأساسي لسلامة تركيا".

وأضاف: "تخيل للحظة أن حزب العدالة والتنمية خرج من المعادلة وأن المنطقة بأكملها أصبحت حزب الشعوب الديمقراطي". 

وأورد: "السبب الرئيس وراء استخدام حزب الشعوب الديمقراطي أحيانا لخطاب الكراهية ضد حزب العدالة والتنمية وأردوغان، هو أن (الأول) لم يتمكن أبدا من الحصول على هوية الحزب الوحيد الذي يمثل الأكراد، حيث يواصلون التصويت للحزب بشكل جماعي". 

رحلة أردوغان إلى ديار بكر، حملت روحا جديدة للأكراد، لكنها لم تنفصل عن إستراتيجية العدالة والتنمية، الذي يضع القضية الكردية كنقطة أساسية في إدارته للدولة ككل.

وذكرت الباحثة التركية بورجو أوزجيليك، الأستاذ المساعد في مادة النزاع وبناء السلام والسياسة في الشرق الأوسط في كلية السياسة والدراسات الدولية في جامعة كامبردج البريطانية، ذلك في ورقة بحثية أصدرتها لمركز "كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.

وفي الورقة التي جاءت بعنوان "حزب العدالة والتنمية والقدرة على الصمود في تركيا"، حيث قالت الباحثة: إن الحزب المذكور "مصمم على التحلي بالنفس الطويل، ويركز على إنشاء (تركيا جديدة) تتسم بالنفوذ الاقتصادي والسياسي بحلول المئوية الأولى لقيام الجمهورية في العام 2023".

وأضافت: "لقد تسبب العنف الذي يحظى بغطاء من حزب العمال الكردستاني، بالقضاء على الفرصة التي حصل عليها حزب الشعوب الديمقراطي بشق النفس لتمثيل المدنيين في أنقرة، الأمر الذي كان ليفتح صفحة جديدة ليس فقط فيما يتعلق بتوسيع الحقوق الكردية، إنما أيضا بنشر الديمقراطية الحقيقية في مختلف أنحاء تركيا".

وتظهر النتائج أن التفضيلات السياسية للأكراد (لحزب العدالة والتنمية) تدحض الافتراض بأن الاقتراع يتم فقط على أساس الولاءات الإثنية المتشددة، وفق تقديرها.

لذلك يحاول حزب العدالة والتنمية إعادة تموضعه فيما يخص استقطاب الأكراد.

 وفي 9 يوليو/ تموز 2021، نشرت صحيفة "حرييت" أن "أردوغان يعتزم إجراء زيارات للولايات ذات الغالبية الكردية في الفترة المقبلة، من أجل كسب أصواتهم، وكذلك في المدن الكبرى التي يوجدون فيها، في مؤشر إلى أن الانتخابات قد تجرى نهاية العام المقبل، قبل موعدها".

وشددت أن "تأثير الناخب الكردي بات مهما في الانتخابات الأخيرة التي جرت في عام 2019، وهي انتخابات الإدارة المحلية، إذ أدى تحالف المعارضة مع حزب (الشعوب الديمقراطية) الكردية، إلى إطاحة حزب (العدالة والتنمية) من حكم ولايات كبرى، وأهمها إسطنبول والعاصمة أنقرة".

وفي هذا الصدد أعطى أردوغان تعليمات لنوابه وقيادات حزبه خلال زيارته إلى ديار بكر، طالبا منهم التواضع بشكل كبير في العمل عند طرقهم باب المواطنين، وتقديم خدمة متميزة للبلديات، والاهتمام بالأوضاع الاقتصادية، وإيلاءها أهمية كبيرة وتحويل المعاناة إلى مكاسب شعبية.