تجميد شركة آيس كريم تعاملها مع المستوطنات.. لهذا أغضب أميركا وإسرائيل

إسماعيل يوسف | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 19 يوليو/تموز 2021 أوقفت شركة "بين آند جيري" بيع منتجاتها من الآيس كريم في الأراضي الفلسطينية المحتلة وأنهت تعاقدها مع مصنع منتجاتها في إسرائيل.

الشركة أبلغت المصنع الإسرائيلي حامل الرخصة أنها لن تجدد شراكتها معه بعد انتهائها آخر العام 2021، قائلة إن بيع منتجاتها في الأراضي المحتلة "غير مطابق لقيم الشركة".

وهو ما يعد انتصارا جديدا لحركة مقاطعة إسرائيل، التي اكتسبت زخما أكبر بعد العدوان على قطاع غزة مايو/أيار 2021.

أهمية هذا الانتصار لحركة "مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" على إسرائيل (BDS)، هو نجاحها في ضم شركة أميركية شهيرة للمقاطعة لأول مرة منذ تأسيسها عام 2005. لذلك كانت ردود الأفعال جنونية في تل أبيب.

ما أقلق دولة الاحتلال هو الانتصارات المتتالية لحركة المقاطعة الدولية، في وقت تسارع فيه الأنظمة العربية للتطبيع.

ماذا حدث؟

تشتهر شركة "بين آند جيريز" للمثلجات بمواقفها المؤيدة والداعمة لعدد مختلف من القضايا السياسية والاجتماعية التي تقول إنها تؤمن بها. 

وسبق أن أعلنت تأييدها حركة "أكيوباي وول ستريت" المنادية بالمساواة الاقتصادية في أميركا، عام 2011، وتأييدها حركة "بلاك لايفز ماتر" المناهضة للعنصرية ضد الأميركان من أصل إفريقي مؤخرا.

لذا كانت استجابتها جيدة حين دعتها حركة مقاطعة إسرائيل لوقف شراكتها مع إسرائيل؛ لأن مصنعها للآيس كريم يقع في أرض عربية محتلة.

البيان الأصلي الذي أصدرته شركة يونيليفر نيابة عن بن آند جيري، قال: "نعتقد أن ذلك يتعارض مع قيمنا للبيع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما نسمع وندرك المخاوف التي يشاركنا بها معجبونا وشركاؤنا الموثوق بهم".

أوضح: "لدينا شراكة طويلة الأمد مع حامل الترخيص، الذي يصنع آيس كريم بن آند جيري في إسرائيل ويوزعها في المنطقة، ولكننا غيرنا ذلك وأبلغناه بأننا لن نجدد اتفاقية الترخيص عندما تنتهي صلاحيتها في نهاية العام المقبل".

وأضاف: "على الرغم من أنه لن يتم بيع منتجات بن آند جيري في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد الآن، إلا أننا سنبقى في إسرائيل من خلال ترتيب مختلف".

لم يكتف رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، بتهديد شركة يونيليفر، المالكة لـ"بن آند جيري"، بأنه سيتخذ خطوات ضدها وسيسعى لجعل العالم يقاطعها، لكنه وصمها بـ "معاداة السامية".

وسعى بينيت لتجنيد كل الجماعات المؤيدة لإسرائيل في أميركا لتغيير قرار "بن آند جيري" وقف بيع منتجاتها في مستوطنات الضفة الغربية وشرق القدس وحشد نواب بالكونغرس، وأطلق حملة لمقاطعة الشركة.

بينيت تحدث هاتفيا مع مدير شركة "يونيليفر" واحتج على قرار المجموعة عدم بيع منتجاتها في المستوطنات الإسرائيلية، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" 22 يوليو/ تموز 2021.

قال لرئيس الشركة الأميركية: إن قراره "خطوة معادية"، و"إسرائيل ستتصرف بحزم ضد أي مقاطعة موجهة ضد سكانها".

أيضا وجه السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة جلعاد إردان رسائل إلى حكام الولايات الـ 35 التي لديها قوانين مناهضة لحركة "بي دي إس" يطالبهم فيها بفرض عقوبات على شركة "بن آند جيري" بسبب قرارها.

وقال وزير الخارجية يائير لابيد: إنه ينوي مطالبة هذه الولايات بفرض قوانين تتضمن عقوبات ضد شركة الآيس كريم الأميركية.

تشمل الولايات التي بها تشريعات مناهضة لحركة المقاطعة: فلوريدا وإلينوي ونيويورك ونيوجيرسي وكاليفورنيا وماريلاند وتكساس، ولكن ليس من بينها فيرمونت، حيث يقع المقر الرئيس لشركة بن آند جيري.

شاركت وزارة الخارجية الأميركية في المعركة وتعهدت بمعارضة "حركة مقاطعة إسرائيل"، معتبرة أن هدف الحركة هو "نزع الشرعية عن إسرائيل" وأن هذا ما تعارضه واشنطن بشدة، دون أن تعلق على قرار الشركة مباشرة.

هل تعاقب يونيليفر؟

في أعقاب الضجة الإسرائيلية، أصدرت شركة يونيليفر الأم، التي لها وجود كبير جدا في تل أبيب، بيانا منفصلا قالت فيه: إن "بن آند جيري ستبقى في إسرائيل".

لم يذكر البيان ما تردد عن خلاف الشركة الأم مع مجلس إدارة بن آند جيري (التي اشترتها يونيليفر) وحاول التركيز على "التزامها بوجودها في إسرائيل".

قالت يونيليفر: إن "الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني هو وضع معقد وحساس جدا".

أوضحت أنها: "استحوذت على بن آند جيري عام 2000، وكجزء من اتفاقية الاستحواذ، التزمنا بحق العلامة التجارية ومجلسها المستقل في اتخاذ قرارات بشأن أهدافها الاجتماعية".

حركة مقاطعة إسرائيل العالمية (BDS) اعتبرت ما جرى "نجاحا كبيرا تسبب في صدمة لنظام الفصل العنصري في إسرائيل، وأكد مخاوفه من الحركة وتأثيرها الإستراتيجي المتزايد في جميع أنحاء العالم".

قالت: إن تحركاتها "تزيد من عزل نظام القمع الإسرائيلي ضد السكان الأصليين الفلسطينيين".

اعتبرت رد الفعل الإسرائيلي العنيف وتعهد رئيس وزرائها بـ "التصرف بحزم" ضد قرار الشركة بوقف بيع الآيس كريم في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، "يعكس مخاوفهم أن يدفع ذلك شركات عالمية أخرى نحو المقاطعة".

رغم ترحيبها بخطوة شركة الآيس كريم الأميركية ووصفها بأنها "مهمة في سبيل إنهاء التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي وانتهاك حقوق الفلسطينيين"، دعت حركة بي دي إس شركة "بين آند جيري" لإنهاء كل نشاطها في إسرائيل.

مع هذا رأت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن مقاطعة الشركة للمستوطنات الإسرائيلية ورفضها العمل هناك سيؤدي لسلسلة قضايا قانونية ضدها بسبب عقودها مع الشركة الإسرائيلية.

وقالت: "في السنوات الثماني الماضية، أصدرت 33 ولاية أميركية قوانين تفرض عقوبات عبر صناديق التقاعد لأي شركات تقاطع الأشخاص أو الشركات الإسرائيلية، على غرار القيود المفروضة على التمييز ضد المثلية الجنسية".

أوضحت في مقال رأي 21 يوليو/ تموز 2021 أن: "بين آند جيري شركة فرعية مملوكة بالكامل لشركة يونيليفر، وهذا يعني أن الأخيرة مسؤولة عن تحمل نتائج هذه المقاطعة".

هذا يعني أنه في حوالي 12 ولاية أميركية على الأقل، سيتم منع صناديق التقاعد لموظفي الدولة من الاستثمار في شركة يونيليفر، ومنع الكيانات الحكومية من شراء سلع أو خدمات من هذه الشركة.

وقالت وول ستريت جورنال: "إذا اتضح أن السلطة الفلسطينية اتصلت بشركة بن آند جيري أو مسؤوليها وطلبت منهم مقاطعة إسرائيل، فستكون هناك عقوبات جنائية ضد شركة يونيليفر".

والسبب أنه منذ السبعينيات، حظر القانون الفيدرالي على الشركات الأميركية المشاركة في أي مقاطعات أجنبية لأي دولة. 

انتصارات BDS

انتصار "حركة المقاطعة" في هذه المعركة لم يكن الأخير، فقد حققت عدة نجاحات متتالية ضد دولة الاحتلال أوجعتها وأضرتها ماليا.

آخر هذه الانتصارات كان يوم 5 يوليو/ تموز 2021، حين أعلن صندوق تقاعد نرويجي عن سحب استثماراته من 16 شركة على خلفية عملها في مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية.

القرار سبقه، في مايو/ أيار 2021، قرارا آخر للصندوق السيادي النرويجي، أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم، بإيقاف تعامله مع شركتين للأسباب ذاتها.

سبق هذا 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 قيام دول أوروبية بدمغ منتجات المستوطنات بعلامات مميزة كي لا يشتريها الأوروبيون لأنها مصنوعة في أرض محتلة.

وقررت وضع تنبيه على السلع الإسرائيلية التي يتم إنتاجها على أراضي الضفة الغربية والجولان السوري المحتلين، يوضح أنها منتجات "مستوطنات إسرائيلية".

وتميز سياسة الاتحاد الأوروبي بين المنتجات المصنعة في إسرائيل (فلسطين المحتلة 48) وتلك المصنعة في المناطق التي لا يعترف الاتحاد الأوروبي بالسيادة الإسرائيلية عليها (أرض 67).

وقد كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية 14 يونيو/ حزيران 2015 أن المقاطعة الأوروبية لمنتجات المستوطنات كبدت الاقتصاد الإسرائيلي خسائر تقدر بـ 6 مليارات دولار فقط عامي 2013 و2014. 

ومن إنجازاتها عام 2020 دعم 452 منظمة مدنية بالعالم للنداء الفلسطيني الذي يطالب الأمم المتحدة بالتحقيق في الفصل العنصري الإسرائيلي، وتعهد نحو 100 فنان بمقاطعة الأنشطة المدعومة من النظام الإماراتي، بعد تطبيعه.

وقدرت جامعة الدول العربية خسائر إسرائيل من المقاطعة بنحو 90 مليار دولار عام 1999 فقط، فضلا عن 46 مليار دولار خسائر مباشرة وغير مباشرة جراء مقاطعة الشركات العالمية.

وأشار موقع "تايمز أوف إسرائيل" في 7 يوليو/ تموز 2015 لتحذير "تقرير حكومي" أن الاقتصاد الإسرائيلي سيخسر 40 مليار شيكل (10.5 مليارات دولار) سنويا، وربما يفقد آلاف الأشخاص عملهم، إذا تعرضت إسرائيل لمقاطعة دولية كاملة.

وأوضح تقرير نشرته CNBC "سي إن بي سي" الأميركية 14 يوليو/ تموز 2017، أن المقاطعة تكلف الاقتصاد الإسرائيلي نحو 80 مليار دولار بأثر تراكمي بين عامي 2014 و2024.

مساندة إماراتية

عام 2016 صدر حكم من محكمة فرنسية ينص على ضرورة وضع علامات على البضائع المنتجة في الضفة الغربية وشرق القدس وهضبة الجولان تشير إلى أنها مصنعة في "مستوطنة إسرائيلية".

حينئذ طعن مصنع الخمور (نبيذ بساغوت)، الذي يقع في مستوطنة تحمل الاسم نفسه شمال القدس على القرار الفرنسي أمام المحكمة الأوروبية العليا.

وقد قضت محكمة العدل الأوروبية 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 بضرورة "وضع علامات على المنتجات المصنوعة في المستوطنات الإسرائيلية تبين أنها منتجات أراض محتلة وعدم تسويقها كمنتجات إسرائيلية".

المفارقة أنه مقابل هذا القرار الذي أصدرته المحكمة الأوروبية لوضع علامات على الخمور الإسرائيلية القادمة من مستوطنة بساغوت تبين ذلك، جبرت الإمارات خاطر المصنع الاسرائيلي وأبرمت صفقة معه لاستيراد خموره.

وأبرم مجلس مستوطنات الضفة الغربية المحتلة صفقات لتصدير منتجاته إلى أبو ظبي، شملت نوعين من خمور المستوطنات ونبيذا وعسلا، بحسب ما نشر موقع التلفزيون الإسرائيلي i24news يوم 7 ديسمبر/ كانون الأول 2020.

في 14 يناير/ كانون الثاني 2021، نشرت وكالة رويترز تقريرا بعنوان: "أرض النبيذ والعسل؟ صادرات مستوطنات إسرائيلية للإمارات تثير حنق الفلسطينيين".

أكد التقرير أن الإمارات لم تذكر ما إذا كانت ستضع علامات خاصة على سلع المستوطنين تبين أن منشأها المستوطنات.

وسبق أن وصفت منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية غير الحكومية 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 مصنع النبيذ بساغوت بأنه "أقيم على أرض مسروقة" من الفلسطينيين في رام الله تقدر بـ 80 دونما.

وانتقد زيارة وزير خارجية واشنطن السابق مايك بومبيو للمصنع، وقوله: "إن الولايات المتحدة ستصنف المنتجات الإسرائيلية من مستوطنات الضفة الغربية على أنها إسرائيلية".

وبسبب دور الإمارات في محاربة المقاطعة والترويج للبضائع الإسرائيلية، دشنت جمعيات ومنظمات عربية وأخرى تابعة لمسلمي أميركا وأوروبا 3 أبريل/ نيسان 2021 حملة لمقاطعة الدولة الخليجية.

وصفت الحملة عبر هاشتاج #مقاطعة_الإمارات، حكومة أبوظبي بأنها "بوابة إسرائيل وفرعها الجديد في جزيرة العرب"، على خلفية ما تبع تطبيعها رسميا مع تل أبيب من علاقات تجارية ودبلوماسية.