لماذا فشلت روسيا في تجنيد مرتزقة سوريين للقتال بإفريقيا الوسطى؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تواصل روسيا سياستها في تجنيد المرتزقة السوريين في بلدان جديدة، ضمن سعيها لإيجاد موطئ قدم خارج حدودها، عبر استغلال حالة العوز الاقتصادي الشديد لهؤلاء العناصر.

المقلق أن موسكو باتت تدخلاتها الأمنية في دول تمزقها الحروب تحرص على زج سوريين في معارك "لا ناقة لهم فيها ولا جمل"، وتمويلهم وتدريبهم للقيام بأنشطة ترقى إلى مستوى جرائم الحرب.

وكل ذلك يجري تحت عين وإشراف وتسهيل من النظام السوري، الذي يسمح بتنقل هؤلاء من بلداتهم إلى نقطة تجميعهم الأخيرة، والمتمثلة بقاعدة "حميميم" الجوية الروسية بريف اللاذقية تمهيدا لنقلهم للخارج.

مفاجأة جديدة

ومما شكل مفاجأة جديدة في الشارع السوري، هو رغبة روسيا في زج مجموعات جديدة من المرتزقة السوريين وإرسالهم إلى جمهورية إفريقيا الوسطى.

ومنذ منتصف يونيو/حزيران 2021، انتهت مدة عقود صالحة لـ5 أشهر، وقعتها روسيا مع مرتزقة سوريين أرسلتهم إلى ليبيا بعد أن جندتهم من مختلف مناطق سوريا.

وعرض ضابط روسي مسؤول عن المرتزقة السوريين الموجودين في ليبيا، عقدا جديدا لهم، للقتال هذه المرة في إفريقيا الوسطى، وفق وسائل إعلام سورية.

ونقلت شبكة "السويداء 24" المحلية، رواية مرتزق سوري يقاتل في ليبيا قوله: "عرض الضابط الروسي المسؤول علينا في ليبيا، توقيع عقد جديد وإرسالنا إلى إفريقيا الوسطى".

وأردف: "البعض وافقوا وتم نقلهم عبر قاعدة الجفرة الجوية إلى هناك، والأكثرية تخوفوا، وينتظرون العودة إلى سوريا".

وأوضحت "السويداء 24" أن روسيا كانت ترسل من 4 إلى 5 رحلات وسطيا خلال كل شهر من سوريا عبر قاعدة "حميميم" إلى ليبيا.

وتضم كل رحلة 300 مقاتل، لكن موسكو منذ مطلع أبريل/نيسان 2021 خفضتها إلى رحلة أو رحلتين شهريا، وبراتب 1200 دولار شهريا للمقاتل.

ويجب أن يحصل هؤلاء على موافقات أمنية من جهاز المخابرات العسكرية التابع لنظام بشار الأسد للسفر خارج سوريا، تأمنها شركات أمنية مختصة بعمليات التجنيد، ولها مكاتب في المحافظات لجذب الشباب.

وأكدت "السويداء 24" أنها حصلت على وثيقة تضم أسماء حوالي 20 ألف شخص سوري، ممن سجلوا في شركات أمنية تستقطب المرتزقة إلى ليبيا، بعد حصولهم على موافقات أمنية، وهي أرقام تتزايد وتدل على أن روسيا بات بمتناولها جيش من المرتزقة في سوريا.

كما رصدت شبكة "فرات بوست" المحلية، عودة 15 مرتزقا من أبناء محافظة دير الزور كانوا في منطقة الجفرة الليبية ووصلوا إلى محافظتهم قادمين من مطار حميميم.

وذكرت الشبكة في 6 يوليو/تموز 2021، أن العائدين رفضوا تجديد العقد مع موسكو ومدته 5 أشهر أخرى، لأن العقد الجديد ينص على قتالهم إلى جانب الشركات الأمنية الروسية في جمهورية إفريقيا الوسطى.

وكشفت "فرات بوست" أن أسباب العودة المباشرة هي لسوء معاملة هؤلاء المرتزقة وتقنين مخصصات القتال، إضافة إلى تعرضهم لخطر خطفهم من قبل المليشيات المسلحة هناك بهدف طلب فدية.

حماس روسي

وتواجه روسيا اتهامات دولية من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ببذل جهود لـ"الاستيلاء على السلطة" في إفريقيا الوسطى عن طريق مرتزقة تابعين لها.

وقالت صحيفة "نيغريسيا" الإيطالية في تقرير استقصائي حديث: إن القوات المسلحة لإفريقيا الوسطى استعانت بالقوات الروسية والرواندية ومرتزقة شركة "فاغنر"، في صدها لهجوم الجماعات المسلحة المتمردة، التي سيطرت نهاية العام 2020 على أكثر من 80 بالمئة من أراضي البلاد.

ويعمل المرتزقة الروس بقيادة شركة "فاغنر" إلى جانب قوات جمهورية إفريقيا الوسطى ويتهمون بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد المدنيين وعرقلة جهود حفظ السلام التي تبذلها الأمم المتحدة.

وتؤكد تقارير صحفية أن رجل الأعمال الروسي، يفغيني بريغوزين، المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، هو مالك شركة " فاغنر"، والتي باتت أشبه بـ"جيش بوتين السري".

وتقاتل "فاغنر" وفق مصالح روسيا في كثير من دول العالم، حيث أدرجتها واشنطن في قائمة العقوبات على المؤسسات الروسية في يونيو/حزيران 2017.

وفي الوقت الحالي، تعمل "فاغنر" على تجنيد المرتزقة عبر وكلاء محليين في سوريا وتمارس أنشطتها بتنسيق تام مع الحكومة الروسية، وتنفذ عمليات أمنية في الخارج ترقى لـ"جرائم حرب" نيابة عن القوات الحكومية الروسية للتهرب من المسؤولية القانونية المترتبة على هذه العمليات.

ولدى روسيا قوات في إفريقيا الوسطى تدرب جيشها، حيث تعود جذور علاقة الجمهورية الغنية بالمعادن بموسكو إلى عام 2018، عندما أرسلت روسيا 5 من الضباط العسكريين و170 من المدربين للمساعدة في تدريب قواتها المسلحة.

لكن إفريقيا الوسطى دخلت في صراع دموي منذ مارس/آذار 2013 عندما أطاح مسلحو تحالف "سيليكا" وأغلب عناصره من المسلمين بالرئيس فرانسوا بوزيزي -حكم خلال الفترة بين عامي 2003 و2013- الذي تناصره مليشيات "أنتي بالاكا" المسيحية المدعومة فرنسيا. 

لكن الضغوط الدولية أجبرت زعماء "سيليكا" على الاستقالة في يناير/كانون الثاني 2014 بعد سيطرتها على السلطة في مارس/آذار 2013.

وعقب ذلك جرى توقيع اتفاق سلام بالعاصمة السودانية الخرطوم في فبراير/شباط 2019، بين حكومة إفريقيا الوسطى والمجموعات المسلحة التي تسيطر على غالبية المناطق في البلاد.

وشاب الاتفاق عمليات "تأخير" في تنفيذ بنود الأمر الذي يهدد بإلغائه جراء استمرار المعارك المفتوحة على كل الجبهات.

وأمام هذه المعطيات، تبدو روسيا متحمسة لزيادة أعداد المرتزقة في إفريقيا الوسطى، في وقت تعتزم فيه إرسال 600 جندي إضافي إلى قواتها الموجودة هناك، وفق ما أعلن المسؤول عن تدريب الجنود الروس ألكسندر إيفانوف، أواخر يونيو/حزيران 2021.

ومع وصول الدفعة الإضافية الجديدة سيرتفع عدد جنود روسيا في إفريقيا الوسطى، إلى 1135 دون تقديم موعد محدد لوصولها، وفق ما نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية.

ومما يدل على حاجة روسيا لمرتزقة جدد في إفريقيا الوسطى هو كون مرتزقة "فاغنر" تنشط إلى جانب تدريب الجيش هناك، في حراسة الشخصيات الهامة وحماية منشآت الذهب والألماس واليورانيوم في مناطق الصراع.

تجنيد مفضوح

وفي هذا السياق، عرض المحلل السياسي والخبير في الشأن الروسي، نصر اليوسف، طبيعة الإستراتيجية التي تتبعها روسيا حاليا في طريقة التدخل بالدول الإفريقية.

وأوضح اليوسف لـ "الاستقلال" أن "الاتحاد السوفييتي سابقا كان يوعز لكوبا لتجنيد الشباب من ذوي الطبيعة الإفريقية" مردفا: "وهذا ما تسير عليه روسيا اليوم في إفريقيا الوسطى من خلال تجنيد السوريين، فهي لا تريد الزج بالروس لكي لا يكون التدخل مفضوحا ويمكنها أيضا تكذيب زج المرتزقة بأنهم ليسوا من روسيا".

وأرجع المحلل السياسي أسباب اعتماد روسيا على عمليات التجنيد من سوريا لما قال إنه "لرخص تجنيدهم نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة في بلادهم، مقابل التكاليف العالية إذا ما أرادت موسكو استقطاب مقاتلين من روسيا أو أوكرانيا أو بيلاروسيا".

واعتبر أن وجود السوري في إفريقيا الوسطى هو بمثابة "ستار لتدخل روسي غير مباشر"، مستدركا بالقول: "إلا أن هذا التدخل مفضوح لدى المعارضين الروس الذين يعرفون ما تفعله فاغنر من جرائم".

وأشار الخبير في الشأن الروسي إلى أنه "عندما ذهب صحفيون استقصائيون للوقوف على ما تفعله فاغنر في إفريقيا الوسطى أقدمت فاغنر على قتلهم".

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية نشرت تقريرا ذكرت فيه أن "محققين أمميين توصلوا إلى أن مجموعة من مرتزقة روس قتلوا مدنيين، ونهبوا منازل، وقتلوا المصلين في أحد مساجد إفريقيا الوسطى في عملية عسكرية كبيرة مطلع 2021".

وأضاف تقرير الصحيفة الذي نشرته أواخر يونيو/حزيران 2021 أن "المحققين الأمميين خلصوا إلى أن المرتزقة الروس المنتشرين في البلد باسم مستشارين عسكريين غير مسلحين، قادوا القوات الحكومية إلى معركة خلال هجوم لطرد المتمردين من عدة بلدات في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2021".

وحسب الصحيفة فإنه وإلى جانب ارتكاب الانتهاكات رسخ المرتزقة الروس وجودهم في مركز التعدين الرئيس بالبلد الإفريقي الفقير الذي يحوي احتياطيات كبيرة من الماس.

قتال في المجهول

كما أكد تقرير استقصائي لشبكة "سي إن إن" بالتعاون مع منظمة "ذا سنتري" (دولية مستقلة) قيام مجموعات من المرتزقة الروس والسوريين بالمشاركة مع قوات حكومية بالهجوم على مسجد بمدينة مباباري وسط إفريقيا الوسطى، مما أدى إلى مقتل نحو 20 شخصا من المدنيين كان قد فروا إليه هربا من المعارك والقصف.

وبحسب مصادر تقرير الشبكة المنشور منتصف يونيو/حزيران 2021، فإن أولئك المرتزقة كان يزعمون أنهم يطاردون عناصر من جماعة "سيلكيا" تحصنوا في المسجد، ولكن "إحدى الناجيات من المجزرة وتدعى فطومة (اسم مستعار) أكدت أن جميع من كان في المكان هم من الأبرياء".

لقد وثقت روسيا علاقتها برئيس إفريقيا الوسطى الحالي فوستان آرشانج تواديرا والمستمر في منصبه منذ 2016 بعد فوزه بولاية ثانية في 27 ديسمبر/كانون الأول 2019.

لكن هذا الرئيس الذي لا يكاد يسيطر سوى على العاصمة بانغي، بينما تستحوذ الجماعات المتمردة المسلحة على نحو ثلثي البلاد، أتاح هيمنة شركات روسية على الذهب والألماس.

كما سمح بجلب المرتزقة الروس لحمايته، في ظل انعدام الأمن والتنافس على السلطة في هذا البلد الذي شهد 4 انقلابات ناجحة وانقلابين فاشلين منذ عام 1979، فاتحا الباب على مصراعيه أمام تعزيز روسيا لنفوذها ومصالحها الاقتصادية في إفريقيا.

ويبدو واضحا أن هؤلاء المرتزقة من السوريين باتوا كما يرى الصحفي السوري حسن الشريف في دائرة "القتال المجهول وضمن بيئة غريبة بلغتها وسكانها كإفريقيا الوسطى، بخلاف ليبيا التي لم يواجهوا صعوبات من حيث التأقلم".

واعتبر الشريف في حديث لـ"الاستقلال" أن "فشل روسيا في عمليات التجنيد إلى إفريقيا الوسطى يرجع "لكون هؤلاء لم يعودوا دمى تحركهم روسيا في أي دولة ترى فيها مصالحها حتى ولو كان الخيار النهائي لهؤلاء أن يصبحوا قتلة مأجورين".

وألمح إلى أن "روسيا في الوقت الحالي لن تخسر هؤلاء المرتزقة حتى ولو رفضوا القتال في وجهات ودول جديدة، لأنها بحاجة إليهم في الداخل السوري ضمن معادلة الصراع المليشياوي مع إيران".

وكذلك: "حاجة روسيا لهؤلاء الذين أغلبهم من الفارين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية في صفوف قوات الأسد، للقيام بحراسات على خطوط الغاز والنفط في ديرالزور وحماة وحمص التي تسيطر عليها روسيا وتسعى مستقبلا لاستثمارها بشكل أكبر".