"حاكم عسكري لكل قرية".. لماذا يرعب الريف المصري نظام السيسي؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في اقتراح يرسخ لمزيد من العسكرة، ويتجاهل دور الأجهزة التنفيذية، ويتعارض مع أعمال المحليات في إدارة القرى، عرض رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي "تعيين ضابط جيش في كل قرية" بالبلاد.

وقال السيسي، موجها حديثه لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي: "أنا بقترح يكون في كل قرية ضابط مسؤول عنها، ونشوف (نرى) مين (من) اللي (الذي) هيعمل حاجة حلوة، ومتزعلش (لا تحزن) يا دكتور مصطفى، المصلحة واحدة!". 

حديث السيسي جاء متسقا مع الواقع المصري الذي شهد "توغلا عسكريا" في مختلف قطاعات الدولة والمجتمع بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، إذ طغت العسكرة على كل مناحي الحياة.

عسكرة القرى

في 30 يونيو/حزيران 2021، وخلال ذكرى التظاهرات التي استغلها السيسي للإطاحة بالرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي عام 2013، عرض السيسي "مقترحا صادما" حول تطوير قرى الريف، عندما أوصى بتعيين ضابط لكل قرية داخل القطر المصري، وقال: "بقول للجيش هل ممكن يبقى لنا ضابط متواجد مسؤول عن كل قرية؟".

وبحسب صحيفة "الأهرام" الرسمية، في تقرير لها 24 يناير/كانون الثاني 2021، يصل عدد القرى على مستوى الجمهورية إلى 4209، إلى جانب نحو 30 ألفا و900 تابع وعزبة ونجع منضوين لتلك القرى، التي يعيش فيها نحو 58 مليون مواطن.  

وفي مارس/ آذار 2019، نشر مركز "مالكوم كير- كارنيغي" تقريرا للباحث في العلوم السياسية أحمد مرسي، عن "وجود الضباط والعسكريين في جميع مفاصل الحكم المحلي بمصر". 

وقال مرسي: "يوجد عدد كبير من الضباط السابقين في مستويات وأنحاء هيكل الحكم المحلي كافة، لتوفير الأمان الوظيفي لهم بعد التقاعد، ويساعد وجودهم على بسط نفوذ السلطة الرئاسية لتشمل كل أركان البلاد".

وذكر أن "50 بالمئة إلى 80 بالمئة من المحافظين لهم خلفية عسكرية منذ التسعينيات، في حين جاء 20 بالمئة آخرون من الشرطة أو أجهزة الأمن الداخلي".

وأكد الباحث أن "التركيز عادة على عدد المحافظين الذين يتم استقدامهم من القوات المسلحة، يخفي بشكل صارخ الحجم الحقيقي لتوغل المؤسسة العسكرية في الحكم". 

ويشغل الضباط المتقاعدون، بحسب التقرير، نسبة أكبر من المناصب الثانوية، مثل نائب المحافظ، ومدير مكتب المحافظ، والأمين العام، والأمين العام المساعد للمجلس المحلي في المحافظة. ويتكرر هذا بشكل واسع النطاق على كل المستويات الإدارية الدنيا من المراكز والمدن وأحياء المدن والقرى.

بالإضافة إلى ذلك يوجد للمحافظة، والمراكز التابعة لها، مدراء تخطيط للعقارات المالية، والمشاريع والشؤون الفنية والهندسية، ويدير هؤلاء مجموعة واسعة من الدوائر الخدماتية وفروع شركات المرافق العامة والكيانات الحكومية الأخرى، التي تحتاج جميعها إلى الموظفين، وفي كثير من الحالات، تملأ هذه الوظائف بالضباط السابقين.

ويصل عدد الضباط السابقين الذين يشغلون مناصب إدارية في الحكم المحلي بشكل عام إلى عدة آلاف، كما أورد الباحث المصري في تقريره.

تباينات الثقة 

الفكرة التي عرضها السيسي بتعيين ضابط على رأس كل قرية، أثارت جدلا في الأوساط الشعبية والسياسية.

وغردت الكاتبة المصرية مي عزام، متسائلة: "السيسي يقترح تكليف ضابط جيش لكل قرية يجري تطويرها ليتابع ما يتم.. انطلاقا من مفهوم المتابعة والرقابة وكلاهما ضروري لنجاح أي خطة لتقييم الأداء ومعرفة نقاط القوة والضعف عند التنفيذ.. لكن هل الضابط بيفهم في كل حاجة؟ ومن يراقب أداءه؟ ألا توجد هيئة مدنية يثق فيها الرئيس تقوم بالمهمة". 

أما خبير الإدارة الإستراتيجية، مراد علي، فقال: "مصر بها 5655 قرية، هل سيتم تفريغ 5655 ضابطا من مهامهم القتالية كي يديروا القرى؟ ثم هل مؤهلات الضابط المحترف في الدفاع الجوي أو المتخصص في المدفعية هي ذات المؤهلات المطلوبة فيمن يدير قرية بأعبائها من صرف، مياه، تعليم، صحة، زراعة، طرق، تراخيص؟".

بدوره، كتب الصحفي وائل قنديل، في 2 يوليو/ تموز 2021، مقالة بعنوان "ضابط لكل قرية وعسكري في كل غرفة نوم".

وقال قنديل: "في هذه الهستيريا المتصاعدة احتفالا بالدولة الجديدة (الملكية العسكرية)، لا بأس من فقرات أكروباتية يؤديها برشاقة راقص باليه أشخاص بحجم ووزن (الإعلاميين) عماد الدين أديب وإبراهيم عيسى، وبناء عليه، لا بد أن يقبل المصريون بضابط حاكما على كل قرية، بما يذكر بالأوضاع في عصر الاحتلال البريطاني، حين كان الحاكم العسكري هو سيد القرى".

ويأتي طلب السيسي، من وزير الدفاع محمد زكي، بتعيين ضابط ليكون مسؤولا عن كل مراحل العمل في تطوير الريف ضمن مشروع "حياة كريمة"، حاملا إرهاصات عديدة حول تلك الإستراتيجية التي تضع إمكانيات الجيش رهن التوغل في تفاصيل مدنية "أكثر تعقيدا". 

لكن الأمر الآخر في عسكرة الريف، والإعلان عن هذه الفكرة المستحدثة، يأتي ضمن ما هو قادم ويتحسب له رئيس النظام الذي شهد في فترات كثيرة من حكمه انتفاضات متعددة قمعها بالقبضة الأمنية، وجاء خروج المدن والقرى البعيدة عن العاصمة في مظاهرات مناهضة ضد سياسة الحكومة، ليؤكد مخاوف السيسي من تلك المناطق. 

ثورة القرى

وسبق أن توعد السيسي بنفسه خلال كلمة له في 29 أغسطس/آب 2020، بنزول الجيش إلى القرى، حيث وجه كلمة غاضبة إلى وزير الدفاع قائلا: "الدولة بمؤسساتها يا محمد يا زكي، مسؤولة عن الحفاظ على الدولة المصرية.. ولو الأمر استدعى هخلي الجيش ينزل كل قرى مصر". 

بعدها وجد السيسي نفسه أمام مظاهرات يوم جمعة الغضب في 25 سبتمبر/ أيلول 2020، عندما خرجت مسيرات في شوارع ضيقة بالمدن والقرى والنجوع وليس بالميادين الرئيسة خوفا من الملاحقات الأمنية، والطبيعة المركزية للحواضر الكبرى. 

وفي محافظة الجيزة ضمن نطاق "القاهرة الكبرى"، خرجت مظاهرات في قرى أم دينار والمنصورية والكداية التي شهدت أشرس الاحتجاجات، ومنشية فاضل وكذلك في منطقتي كفر الجبل ونزلة السمان قرب أهرامات الجيزة.

كما تصدت قوات الأمن حينها لمظاهرة حاشدة بمنطقة "ميت رهينة" في مركز البدرشين بمحافظة الجيزة، وقامت بإطلاق قنابل الغاز، وأضرم المتظاهرون النار في إطارات سيارات لمواجهة محاولات الفض.

في تلك الفترة دخلت قرى محافظات الأقصر وقنا والمنيا (الصعيد)، ودمياط (بدلتا النيل شمالا)، على خط الاحتجاجات، ما شكل حرجا بالغا للنظام. 

نيران المظاهرات استمرت ووصلت إلى قرية البواريك بمركز المنشأة في محافظة سوهاج (جنوب)، تلك التي ردد المتظاهرون خلالها هتاف "ارحل يا سيسي"، وفي ذلك اليوم أحرق متظاهرون لافتة عليها صورة السيسي في قرية منشأة العماري بمحافظة الأقصر (جنوب)، وأصبح المشهد أيقونة معبرة عن مدى سخط الشعب على منظومته الحاكمة. 

وشهدت قرى شمال البلاد، تظاهر محتجين في مناطق بمحافظات الدلتا، منها قريتا ميت أبو غالب وشطا، ورددوا هتافات عدة من بينها "لا إله إلا الله والسيسي عدو الله" و"ارحل يا سيسي" و"يسقط يسقط حكم السيسي".

كما تصدرت هاشتاجات "جمعة الغضب 25 سبتمبر"، و"ارحل يا سيسي"، قائمة الأعلى تداولا في مصر على مواقع التواصل، وتفاعل معها مصريون بعشرات آلاف من التغريدات.

تلك المشاهد، ربما استدعت السيسي بالنظام العسكري لمزيد من إحكام السيطرة على القرى، عبر استخدام سلاح ضباط الجيش لضمان عدم الخروج على السلطة.