في ظل أزمات لبنان المالية.. هكذا ضاعف تغير المناخ معاناة المزارعين

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بين الأزمة المالية التي يعيشها لبنان ذلك البلد العربي الذي يعتمد اقتصاده على السياحة؛ بدا قطاع الزراعة فيه عاجزا عن تلبية احتياجات اللبنانيين، خاصة مع التغيرات المناخية التي يشهدها العام.

وبينما يواجه المزارعون ظروفا صعبة تعجز الدولة اللبنانية عن إنقاذهم منها، أصبح نحو 6.7 مليون لبناني و1.7 مليون لاجئ على شفا أزمة الوصول إلى الغذاء.

موقع "Equal Times" البلجيكي، أكد أن قطاع الزراعة في لبنان يعاني كثيرا من الصعوبات والتحديات في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.

وعلى قطعة أرض خلف كوخه المتواضع، يتفقد السوري سالم الأزواق، حقوله المليئة بالورود التي يستخدم بعضها لصنع المربى، والبعض الآخر للزينة، مشيرا إلى تحولها إلى اللون الأصفر رغم أنه لا يستخدم أي مواد كيميائية.

سالم، فر من العاصمة السورية دمشق إلى لبنان في بداية الحرب بين النظام السوري والمعارضة السورية بالعام 2011.

استقر سالم، بقرية "المرج" في سهل البقاع اللبنانية، تلك المنطقة الخصبة التي غالبا ما توصف بأنها سلة خبز لبنان.

وزرع أول ورود عضوية منذ 6 سنوات، تحديدا بالعام 2015، لكن هناك أزمة واجهته، ويبدو أنها كادت أن تفقده جهود سنوات.

ورود بلا كيماويات

يقول للموقع البلجيكي: "عندما كنت في سوريا، مرضت بعد العمل في الأسمدة الزراعية الكيماوية، ولم أرغب في المرور بتلك التجربة مرة أخرى"، موضحا أنه اليوم، في لبنان  يستخدم السماد والنباتات لإبعاد الحشرات، دون المواد الكيماوية. 

كان على سالم، التحلي بالصبر، في انتظار نمو زهوره الأولى، ولذلك فهو اليوم لم يندم على استثماره وجهده.

رغم أن العام الأول كان صعبا بسبب الأزمة الاقتصادية التي تشهدها لبنان، والتي تسببت في ارتفاع أسعار الأسمدة الكيماوية التي يتم استيرادها، إلا أن سالم، بدا سعيدا لأنه لم يستخدم أيا منها.

لبنان، البلد العربي الذي يقبع بين سوريا وفلسطين، كان يعاني من اقتصاد هش، وتعرض لأزمة مالية غير مسبوقة منذ العام 2019.

خلال عامين، فقدت الليرة اللبنانية، حوالي 90 بالمئة من قيمتها، وفي حين أن السعر الرسمي الذي حدده مصرف لبنان هو 1500 ليرة للدولار، وأصبح سعر البنك نحو 3900 ليرة؛ يعادل الدولار في السوق السوداء اليوم 13 ألف ليرة.

هذا التضخم لا شك كان له تأثير كبير على المزارعين اللبنانيين والسوريين في البقاع، وغيرها من الأراضي اللبنانية.

ومع اقتصاد يعتمد على البنوك والسياحة، ينتج لبنان القليل جدا، وبالتالي يتعين عليه استيراد 80 بالمئة من سلعه الاستهلاكية، بما في ذلك الأسمدة والبذور والأعلاف الحيوانية والمواد المختلفة.

الواردات، التي يجب دفع ثمنها بأسعار السوق السوداء، أصبحت باهظة التكلفة بالنسبة للعديد من المزارعين.

واحد من هؤلاء هو ريموند، الذي تخلى عن تربية الخنازير، في يناير/ كانون الثاني 2021، في قريته "تنورين" في شمال لبنان.

ريموند، يشتكي من حجم تأثير الأزمة عليه، قائلا للصحيفة: "لم يعد بإمكاني إطعام حيواناتي"، موضحا أنه يتم استيراد الغذاء للماشية ولقد أصبح باهظ الثمن.

الجهاد الزراعي

الدولة اللبنانية، من جانبها واجهت ارتفاع أسعار الواردات، بجمود شبه كامل.

وفي المقابل، أطلقت الجماعات السياسية مبادرات مجتمعية، مثل "حزب الله" اللبناني، الذي دعا إلى "الجهاد الزراعي"، في خطوة لاقت نجاحا محدودا.

وتقدم بعض البرامج الدولية مساعدات مالية للمزارعين من خلال منظمة "الأمم المتحدة للأغذية والزراعة" (الفاو)، وبرنامج الأغذية العالمي؛ لكن التغيير الحقيقي جاء من المجتمع المدني.

 

بلدة "سعد نايل" الصغيرة، في سهل البقاع، شهدت إطلاق مشروع زراعي مستدام في عام 2017، إذ اجتمع المزارعون اللبنانيون والسوريون والفرنسيون معا لإنشاء مشروع "بذورنا جذورنا".

واشترى هؤلاء أرضا لإعادة إنتاج البذور بدون مواد كيميائية.

شارلوت جوبيرت، إحدى المشاركات بالمشروع، تقول: "إنها بذور محلية، وبالتالي فهي رخيصة"، مؤكدة أن "المبيعات تتزايد منذ عام 2017".

لكنها أعربت للصحيفة البلجيكية عن تخوفها من قلة انتشار "الوعي البيئي"، ومع ذلك بدت متفائلة بأن المشروع "يكتسب أرضية".

وفي خطوة لتحسين الوعي الزراعي بالقضايا البيئية، أطلقت مجموعة من المهندسين الزراعيين والمزارعين اللبنانيين مشروع  "إزرع".

مبادرة "إزرع"، تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي والبيئي لمواجهة الأزمة، ولنشر الفكرة أنشأت صفحة للمشروع بـ"فيسبوك" في يناير/كانون الثاني 2020، تضم الآن أكثر من 125 ألف عضو.

المؤسس المشارك للمشروع سالم زوين، يؤكد أن المزارعين يتوجهون بشكل متزايد إلى البدائل البيئية؛ بدلا من الكيماوية.

ويعتقد أنها أكثر احتراما للبيئة وأقل تكلفة، وأنهم اليوم ليسوا مضطرين لاستيراد الأسمدة الكيماوية.

في منطقة طرابلس بشمال لبنان، اتبع سامر عازار، نصيحة "إزرع"، ومنذ يناير/ كانون الثاني 2020، وهو يزرع (الخس، والذرة الحلوة، والخيار الأرمني) دون استخدام أي مواد كيميائية.

عازار، يستخدم الحشرات والسماد، وبينما هو يفتح صندوقا مليئا بديدان الأرض الصغيرة، يؤكد أنه يبيع محصوله لمحلات البقالة العضوية في بيروت.

اليوم، يرغب المزارع المتدرب في تطوير مشروعه من خلال تصدير منتجاته، ومن خلال البيع في الخارج، يكسب المزارعون المال لأنهم يحصلون على الدولارات.

لا تزال صغيرة

ماري لين، المؤسس المشارك لـ"حديقة الخضروات الصغيرة" تقول إن "هذا ليس الحل الوحيد لبقاء الزراعة". 

مؤسسة لين، الاجتماعية، التي تربط المزارعين الذين يستخدمون تقنيات صديقة للبيئة بالمشترين، دخلت مؤخرا في شراكة مع "متجر المفاهيم الزراعية الحرفية" (Fox and Fig)، في بيروت.

وتساعد لين، المزارعين على معالجة منتجاتهم، بصنع طماطم مجففة بالشمس أو صلصة الطماطم، على سبيل المثال. 

وبالنسبة لها، سواء كان الناس على دراية بالاحترار العالمي أم لا ، "سيتعين على اللبنانيين اللجوء إلى السوق المحلية لمواجهة الأزمة المالية في البلاد".

وتوضح أن السلع الاستهلاكية، التي يجري استيرادها في الغالب، ارتفعت أسعارها بمقدار 240 بالمئة، بين أكتوبر/ تشرين الأول 2019 وأكتوبر/ تشرين الأول 2020، وأصبحت باهظة التكلفة لكثير من السكان.

وفي وقت تتكاثر فيه المشاريع الزراعية البيئية، يثبت نجاح "إزرع" أن الزراعة العضوية أصبحت ظاهرة اجتماعية.

لكن هذه المبادرات "لا تزال صغيرة"، حيث يوضح رئيس مركز البحوث الزراعية اللبناني رياض فؤاد سعادة، أن هذه المبادرات "لا تزال صغيرة الحجم ولن تنقذ الصناعة الزراعية اللبنانية".

في مكتبه بوزارة الزراعة، في الضاحية الجنوبية لبيروت، يجتمع مدير التنمية الريفية والموارد الطبيعية، شادي مهنا، دائما مع المزارعين الذين جاؤوا لطلب المساعدة".

مهنا، يؤكد أن "الوزارة تحاول دعم قطاع الزراعة، لكن مواردنا محدودة، وميزانيتنا تصل 0.25 بالمئة، من الميزانية الوطنية".

ويضيف: "لبنان لديه اقتصاد غير منتج، وبالتالي فإن الزراعة ليست أولوية".

ويفيد: "الدولة اللبنانية، تدعم بعض المنتجات المستوردة التي تعتبر أساسية مثل القمح، الذي يسمح للتجار بشرائه بسعر بنكي قدره 3900 ليرة للدولار وليس بأسعار السوق السوداء".

لكن الدعم "لا يفيد الفلاحين"، بحسب فؤاد سعادة، الذي يقول: "يستفيد عدد قليل فقط من التجار الانتهازيين الذين يستوردون المنتجات بأسعار منخفضة ثم يعيدون بيعها للمزارعين بأسعار السوق السوداء".

ويصر مهنا على أن "الوزارة تنفذ أقصى قدر من الضوابط" ، لكنه يعترف بأن "الانتهاكات مستمرة والمزارعين يدفعون الثمن".

ويعتقد المهندس الزراعي وائل يمين، أن المزارعين يعانون أيضا من السياسة العامة اللبنانية حيث يقول "يجب أن يتغير النظام بأكمله".

ويضيف: "يدعو موقع وزارة الزراعة على الإنترنت إلى استخدام مبيدات الآفات باهظة الثمن، لأن الشركات التي تعمل في الأسمدة الكيماوية تدفع مقابل نشر هذه المعلومات".

ويؤكد أنه "لا توجد معلومات لمساعدة المزارعين على بدء التحول البيئي".

وقد ترك هؤلاء المزارعون، لتدبر أمورهم بأنفسهم، مثل علي غزوي.

ويقول المزارع على مشارف "قرية المنصور" في سهل البقاع، إنه لم يتلق "أي مساعدة ولا نصيحة" لإيجاد بديل للأسمدة الكيماوية".

ولدفع ثمن البضائع المستوردة، تحمل غزوي، الكثير من الديون، ويؤكد أن وضعه حرج للغاية، وأن التأثير الذي طاله  ليس فقط على المستوى المالي ولكن أيضا على صحته، وفق تعبيره.

مدير مشتريات في شركة لبنانية كبرى للأسمدة الكيماوية، فضل عدم الكشف عن هويته، للموقع البلجيكي، يقول إن العديد من المزارعين يستخدمون أسمدة منخفضة الجودة.

وأشار إلى أنها "أرخص؛ ولكنها أيضا تشكل خطورة على صحتنا وتشكل مشكلة كبيرة للتربة".

وبحسب المهندس الزراعي يمين، فإن الزراعة اللبنانية في مأزق كبير، ويعتقد أن "الأمر سينتهي بالمزارعين بوقف نشاطهم، أو الخيار الأسوأ، وهو الانتحار باستخدام الأسمدة الكيماوية، كما هو الحال في الهند".

ووفقا لتحليل أجراه الأستاذ المشارك في الجامعة الأمريكية ببيروت، هادي جعفر، تقلصت مساحة الأراضي المزروعة بنسبة 10 بالمئة في سهل البقاع بين عامي 2019 و 2020.

ويبلغ عدد سكان لبنان 6.7 مليون نسمة، منهم حوالي 1.7 مليون لاجئون سوريون وفلسطينيون. 

وفيما يعد الوصول إلى الغذاء أمرا بالغ الأهمية بالفعل فإن انهيار قطاع الزراعة في لبنان ستكون له عواقب كارثية.