حميدتي يتصل بـ"الموساد" سرا.. كيف أوقعت إسرائيل بين جنرالات السودان؟
اشتعل السودان خلال الأيام الماضية بسبب ما كشفته مواقع عبرية عن وجود علاقات وقنوات اتصال خاصة بين قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو "حميدتي"، مع ضباط في جهاز الموساد (الاستخبارات والمهمات الخاصة) الإسرائيلي.
وفي 24 يونيو/ حزيران 2021، كشف موقع "أكسيوس" الأميركي عن لقاء "سري" جرى بين مسؤولين في الموساد و"حميدتي"، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني.
وذكر الموقع الأميركي، نقلا عن مصادر مطلعة (لم يسمها)، أن لقاء جرى خلال يونيو/حزيران في السودان خلال زيارة سرية للمسؤولين الإسرائيليين.
ومع أن حميدتي أشار في وقت سابق إلى أهمية العلاقات مع إسرائيل، لكن لم يدر في مخيلة البعض، خاصة كبار الجنرالات في السودان وعلى رأسهم رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان، أن نائبه سيسعى إلى علاقات منفردة وسرية وأكثر خصوصية مع دولة الاحتلال.
مكاشفات صادمة
وفي لقاء سابق مع قناة تلفزيونية سودانية (خاصة) أكد حميدتي أن بلاده ترغب في إقامة علاقات مع تل أبيب، وقال: "إسرائيل متطورة، ونحن عايزين (نريد) نشوف مصلحتنا وين (أين)".
وتابع حميدتي في تصريحاته حينها: "كل العالم شغال مع إسرائيل، والدول العظمى شغالة مع إسرائيل من ناحية تقنية ومن ناحية زراعية".
البرهان الذي يمثل أعلى سلطة حاكمة في البلاد، ويخوض معارك نفوذ على جبهات عدة، لا سيما مع حميدتي الذي يعمل بشكل منفصل وباستقلالية شبه كاملة، استشاط غضبا بسبب تحركات نائبه تجاه إسرائيل، واعتبر أن هناك خطرا على نظامه من هذا التعاون المنفصل، وبعث برسائل شديدة اللهجة إلى تل أبيب.
ولا يروق للشارع السوداني وكثير من الأحزاب السياسية الشعبية ذلك الانكفاء من كبار رجال الدولة والجيش على إسرائيل، وإقامة علاقات معها من كل حدب وصوب، في ظل مرحلة انتقالية حساسة، تشهد الكثير من الاضطرابات والأزمات السياسية والاقتصادية.
وأضاف الموقع الأميركي أن حميدتي يحاول إنشاء علاقة مستقلة مع الإسرائيليين من أجل تعزيز أجندته السياسية المحلية في السودان، بمعزل عن الجهات الأخرى.
خاصة وأنه في أكثر من مناسبة، أعلن أن بلاده ترغب في إقامة علاقات مع إسرائيل، وليس تطبيعا، للاستفادة من إمكانياتها المتطورة.
بعدها مباشرة وتحديدا في 26 يونيو/ حزيران 2021، أعلن موقع "واللا" الإسرائيلي الإخباري، أن البرهان اعتبر هذه الاتصالات تآمرا من "الموساد" على السلطات الشرعية في السودان، التي أبرمت اتفاق تطبيع مع إسرائيل.
وبحسب "واللا"، فإن مصادر مطلعة أشارت إلى أن الجناحين العسكري والسياسي في الحكومة السودانية على السواء لم يعلما بزيارة قادة الموساد للسودان، ولقائهم مع حميدتي والعناصر الموالية له، واكتشفوا ذلك لاحقا.
وقال إن "مسؤولين في الحكومة السودانية توجهوا بالشكوى والتذمر إلى القائم بأعمال السفارة الأميركية في الخرطوم، وعبروا عن استيائهم من الاتصالات مع حميدتي، وطلبوا أن تنقل إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، رسالة حول الموضوع إلى إسرائيل".
وذكر الموقع الإسرائيلي بمعلومات كانت نشرت في شهر أغسطس/ آب 2020، عن لقاء عقده حميدتي مع رئيس الموساد السابق، يوسي كوهن، في أبوظبي.
وحسب المصادر العبرية فإن هذه العلاقات تواصلت وتوطدت، منذ ذلك الحين، رغم أن البرهان عبر عن استيائه من هذه الاتصالات أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو ومبعوثيه، حيث اعتبرها محاولة إسرائيلية لتقويض سلطته.
وأعاد هذا الأمر الحديث عن طبيعة الخلافات الكامنة داخل مكونات الحكم في الخرطوم، وأن ملف تطبيع العلاقات مع إسرائيل أظهرها إلى السطح والواجهة مرة أخرى.
سعي حميدتي
بالعودة إلى تاريخ التطبيع القريب بين الخرطوم وتل أبيب، بدأ الحدث عندما التقى البرهان نتنياهو في أوغندا بشكل سري في فبراير/ شباط 2020، وهو اللقاء الذي كشفته وسائل الإعلام وأحدث دويا واسعا في السودان والشرق الأوسط، ليجد عسكر الخرطوم أنفسهم في حرج، ويعلنوا بداية عهود التطبيع.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أعلن الرئيس الأميركي (آنذاك) دونالد ترامب، بدء علاقات إسرائيلية سودانية رسمية وعن انضمام السودان إلى اتفاقيات أبرهام للسلام، التي أدت إلى علاقات سلام بين إسرائيل وبين كل من الإمارات والبحرين ولاحقا المغرب.
هذه العلاقة ووجهت بمعارضة في السودان، على الصعيد الشعبي وحتى داخل مؤسسات الحكم والأحزاب السودانية.
لكن "حميدتي" كانت له رؤيته وفلسفته الخاصة، فكما تنعزل قواته عن الجيش، يتحرك هو أيضا بمعزل عن الدولة ويسعى إلى إقامة علاقات منفصلة مع إسرائيل، يتجاوز من خلالها ضوابط النظام الحاكم، وهو ما بدأه قبل أشهر.
ففي حديث له مع قناة النيل الأزرق السودانية يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أعلن نائب حميدتي "أن بلاده سوف تقيم علاقات مع إسرائيل، وذلك للاستفادة من إمكانياتها المتطورة".
وقال: "ماضون في اتجاه بناء علاقات مع إسرائيل، دون خوف من أحد، ونحن محتاجون لإسرائيل".
دعا حديث حميدتي نحو التطبيع، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية الدكتور خليل العناني، للتعليق حينها، عندما كتب مقالة بتاريخ 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، يفند فيها أسباب تقارب قائد الدعم السريع مع إسرائيل.
وقال: "حميدتي، الطامح لرئاسة السودان ولو بعد حين، يعرف جيدا أن الطريق للسلطة لا بد أن يمر عبر بوابة تل أبيب، تماما كما يفعل بقية أقرانه من الحكام العرب سواء أولئك الذين طبعوا قبل عقود، أو من ينتظرون دورهم في التطبيع".
وضرب مثلا على ذلك بولي العهد السعودي محمد بن سلمان "الذي يبدو على أتم الاستعداد لمقايضة عرش بلاده، بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، ولكنه ينتظر اللحظة المناسبة للقيام بذلك".
وأضاف: تحدث حميدتي بقدر عال من الصراحة، وأحيانا الوقاحة، مبررا تطبيع بلاده بأنه ليس البلد الوحيد الذي يفعل ذلك، وأن بلاده ليست أقل أو أفضل ممن طبعوا مع إسرائيل خاصة تلك البلدان التي لها حدود معها مثل مصر والأردن. وكأن لسان حاله يقول "لن أكون ملكيا أكثر من الملك!".
الجانب الأخطر
عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي بالخرطوم الصادق فتحي، يقول إن "حميدتي طوال الوقت يتحرك ككيان منفصل عن الدولة، وهذه ليست أول اتفاقيات تعقد أو لقاءات خارجية تتم دون معرفة المجلس السيادي والحكومة".
"ولكن الأخطر هنا هو أن تكون هذه العلاقة مع كيان مغتصب وعدو مثل الكيان الصهيوني الذي يتربص ببلادنا منذ قديم الأزل"، وفق ما أضاف في حديثه لـ "الاستقلال".
وأضاف السياسي السوداني: "هل يستطيع الشعب أن يعرف تفاصيل العلاقة بين حميدتي وقواته وضباط الموساد! هل يستطيع أحد محاسبته ومقاضاته بتهمة الخيانة العظمى؟".
وواصل: "هل نستطيع أن نعرف النتائج المترتبة من وراء تلك العلاقة على دولتنا وشعبنا؟ كلها أسئلة مطروحة ولن نجد لها إجابة قطعا في ظل حالة الضبابية وانعدام الشفافية السارية خلال المرحلة الانتقالية".
واستطرد فتحي: "هناك مبدأ معروف في العلاقات الدولية، أن لكل شيء ثمنه، ولا بد أن يكون هناك ثمن أعطاه حميدتي لإسرائيل، مقابل التطبيع معهم، ومساندته في أجندته الخاصة ومستقبله السياسي".
وتابع: "ربما أراد حكم السودان كاملا، أو الحفاظ على موقعه وعلى قواته، دون الدخول في مهاترات الانصهار في الجيش، والجيش الموحد، وكل تلك القلاقل التي تزعجه".
وكانت صحيفة "الأخبار" اللبنانية نقلت عن مصدر مسؤول في الخرطوم في 26 يونيو/ حزيران 2021 أن السبب الرئيس لتحركات حميدتي الأخيرة تجاه إسرائيل جاء "بعد فشله في حشد دعم كل من تركيا وروسيا للحفاظ على قوات الدعم السريع مستقلة عن الجيش".
وأضافت عن مصدرها: "لجأ قائد هذه المليشيا، محمد حمدان دقلو، إلى حليف آخر يتقوى به ويساعده على الاحتفاظ بقواته وسلطته عليها، فوقع خياره على إسرائيل، وتحديدا (الموساد) الذي أوفد عملاء له إلى الخرطوم، الأسبوع الماضي، للقاء حميدتي".
وأورد أن: "الخطوة أثارت غيظ بعض المسؤولين السودانيين الذين اعتبروها بمثابة محاولة لتقويض سلطة رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، كونه هو من بادر، بداية، إلى الحوار مع (العدو)".
المصادر
- أثار غضب مسؤولين سودانيين.. لقاء سري بين حميدتي ومسؤولين في الموساد الإسرائيلي
- حميدتي والتطبيع بين السودان وإسرائيل
- حميدتي: العلاقة مع إسرائيل ستستمر وصولاً للتطبيع الكامل
- حميدتي: 90% من السودانيين يؤيدون العلاقات مع إسرائيل
- السودان | إسرائيل على خطّ الخلاف الداخلي: «حميدتي» يطلب مساعدة «الموساد»
- حميدتي: ماضون لبناء علاقات مع إسرائيل دون خوف من أحد
- تقرير: غضب في السودان من اتصالات إسرائيلية مع حميدتي