بعد 4 عقود من فشله الأول.. هل يدخل العراق السباق النووي مجددا؟
سلطت صحيفة إسبانية الضوء على إعلان العراق تطلعاته لبناء 8 مفاعلات، بتمويل أجنبي، استجابة لزيادة الطلب بنسبة 50 بالمئة، المتوقعة بنهاية هذا العقد.
وقالت "ألموندو": إن "العراق أكبر ثاني منتجي النفط في منظمة أوبك؛ إلا أن ذلك لم يحل دون معاناته من مشاكل خطيرة في إمدادات الطاقة".
كما أن تراجع سعر النفط، وقدم محطات التوليد، وسوء صيانتها، والعقوبات المفروضة على إيران -التي أعاقت استيراد غازها الذي يعد أساسيا لإبقاء البلاد موصولا بالتيار الكهربائي - قد تسبب في انقطاع التيار الكهربائي بشكل دوري ومحاولات احتجاج من الشعب، وفي هذا الوضع، أصبحت الطاقة النووية الحل الذي تفكر فيه بغداد.
نوايا بغداد
وأشارت الصحيفة إلى أن اقتراب فصل الصيف لا يؤدي إلا إلى زيادة استهلاك الكهرباء، في ظل درجات حرارة تتجاوز 40 درجة بالفعل في معظم أنحاء البلاد.
وصرح رئيس الهيئة العراقية للسيطرة على المواد المشعة، كمال حسين لطيف، لوسائل إعلامية، أن بغداد تريد بناء 8 مفاعلات قادرة على إنتاج حوالي 11 جيجاوات.
وعلل لطيف ذلك بحاجة بلاده إلى الاستجابة للزيادة بنسبة 50 بالمئة في توقعات الطلب بنهاية هذا العقد.
وأوردت الصحيفة أن "الأمر الأكثر تعقيدا يكمن في حل تمويل مشروع بهذا الحجم، في بلد غني بالموارد، توزع أرباحه بشكل سيء، في ظل الفساد المستشري بالبلاد".
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات العراقية تريد الحصول على تمويل من شركائها، بحوالي 33 مليار يورو، ويمكنهم استرداد الاستثمار في غضون 20 عاما.
ولفت لطيف إلى دولتين سبق له أن ناقش مشروعه معهما، وهما روسيا وكوريا الجنوبية، وكلاهما قادر على نشر منشآت نووية في البلاد.
ونوهت الصحيفة بأن الإعلان عن نوايا بغداد، على نحو متناقض، جاء في نفس الأسبوع الذي يصادف مرور 4 عقود على إزاحة إسرائيل التطلعات الذرية للرئيس الراحل صدام حسين آنذاك.
وتحديدا، في خضم الحرب العراقية الإيرانية، وبعد عام واحد فقط من محاولة الطيران الإيراني تدمير مفاعل أوزيراك - الذي كانت فرنسا تبنيه - دون جدوى، وأطلقت إسرائيل "عملية بابل"، وتمكنت بذلك من هدم المنشأة بحجة أنها يمكن أن تصنع أسلحة نووية، وهو ما نفته باريس وبغداد.
انخفاض السعر
ونقلت الصحيفة أن لطيف برر قراره قائلا: "تظهر بعض توقعاتنا أنه دون الطاقة النووية، سنواجه مشكلة خطيرة بحلول عام 2030".
وذكر أيضا أن بلاده "تسعى للحد من الانبعاثات الملوثة وتطوير عمليات تحلية المياه للحصول على مياه الشرب".
لكن، لا تزال المشكلة الكبرى بالنسبة للعراق متمثلة في الفجوات في الميزانية نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار النفط الذي عانى منه جراء جائحة فيروس كورونا.
وتجدر الإشارة إلى أنه فقط في الآونة الأخيرة سجلت أسعار النفط نوعا من التعافي.
وأوضحت الصحيفة أن "خطط العراق تسلط الضوء على مسألتين حاسمتين: ألا وهما الأمن النووي وانتشار الأسلحة النووية، في منطقة تمتلك فيها إسرائيل فقط أسلحة ذرية ومحطات طاقة نووية".
من جهتها، تحافظ إيران على محطة "بوشهر" وبرنامج تخصيب اليورانيوم، بنسب أعلى بكثير من مستويات الاستخدام المدني ردا على العقوبات الأميركية، التي تؤكد طهران على استخدامها السلمي، في مواجهة الانتقادات الإسرائيلية التي تدعي أنها ليست كذلك.
وفي ظل هذا الوضع، تهز "حرب سرية" بين إيران وإسرائيل البرنامج النووي الإيراني.
وفي 23 يونيو/حزيران 2021، أعلنت طهران عن "عطل فني" في "بوشهر"، مما أجبر المحطة على الإغلاق لبضعة أيام.
وأعلنت السلطات الإيرانية، منع "هجوم تخريبي" استهدف مركز إنتاج أجهزة طرد مركزي نووي قرب العاصمة، مما أثار شكوكا جديدة بشأن تدخل إسرائيلي. من جهتها، اتخذت السعودية أيضا خطوات نحو الحصول على الموارد النووية.
تخلص من التبعية
وأفادت الصحيفة بأن للعراق أهدافا أخرى وراء تطوير برنامجه النووي، تختزل في التخلص من التبعية الطاقية لإيران. وتحديدا، تسعى بغداد إلى إنهاء واردات الغاز من الدولة التي استفادت من هذه العلاقات التجارية وغيرها لزيادة نفوذها في الحكومة العراقية.
وفي مطلع يونيو/حزيران 2021، توصل الإيرانيون والعراقيون إلى اتفاق مبدئي يتعلق بسداد الديون، بعد اجتماع بين وزيري الطاقة في البلدين.
وأوضح الإيرانيون أن جزءا من المبلغ سيستخدم لشراء لقاحات روسية ضد فيروس كورونا، وهو سبب محتمل يفسر الإذن الأميركي بتسهيل تحويل الأموال.
كما أوضحت الجهات الإيرانية أن هذه التطورات ستسمح باستئناف نقل الغاز والكهرباء إلى العراق، لكن في الآن ذاته، تفكر حكومته في الطاقة النووية حتى لا تتكرر نفس الأخطاء.
فيما أصبحت الطاقة النووية في منتصف الجدل حول الطاقة في الاتحاد الأوروبي، وظلت مستبعدة للعديد من الدول الأعضاء، من بينها إسبانيا. لكنها تحولت في أجزاء كثيرة من مناطق العالم إلى أحد الخطط المستقبلية للطاقة، وفي هذا المعنى، يجري التخطيط لبناء محطات الطاقة النووية في روسيا أو دول أخرى في آسيا.
وأيضا، تراهن جمهورية التشيك وفنلندا على الطاقة النووية في الوقت الراهن، وترى هذه الدول "هذه الطاقة على أنها دعم يمكن التنبؤ به ومستقر لمصادر الطاقة المتجددة".
وأشارت مواقع إسبانية أخرى إلى أن فرنسا قد تحولت إلى الطاقة النووية أكثر من أي دولة أخرى في العالم في العقود الأخيرة، ويوجد حاليا 56 محطة طاقة قيد التشغيل ومحطة واحدة قيد الإنشاء.
وفي عام 2019، غطت الطاقة النووية ما يقرب من 71 بالمئة من احتياجاتها من الكهرباء.
في المقابل، أصبحت أكبر منتج للطاقة النووية في العالم، مجموعة "إي دي أف" المملوكة للدولة، مديونة بمبلغ 42 ألف مليون يورو ويجب أن تستثمر حوالي 100 ألف مليون من الآن وحتى عام 2030 لمواصلة تشغيل المفاعلات القديمة.
وختمت الصحيفة الإسبانية تقريرها بالقول: "لم يتقرر بعد ما إذا كان سيتم بناء مفاعلات نووية جديدة في فرنسا، لكن تم تأجيل هذا القرار وستتخذه حكومة باريس الجديدة بعد الانتخابات المقبلة عام 2022".