انتشار مقلق.. لماذا تكثف إيران وجود قوات "حزب الله" على حدود سوريا؟
تواصل إيران السير بخطوات عملية لرسم ملامح طبيعة الوجود العسكري لحزب الله اللبناني في سوريا، ولتكشف بذلك مدى البعد الإستراتيجي العميق لوكلائها من ناحية بناء النفوذ الدائم وتركيزهم في نقاط ضغط أمنية هامة خاصة على الحدود.
وأكدت شبكة "الشرقية 24" بتاريخ 13 يونيو/حزيران 2021 انسحاب حزب الله اللبناني بشكل كامل من مدينة البوكمال الحدودية مع العراق شرق دير الزور وتسليم مقراته لمليشيا لواء "زينبيون" الباكستاني.
وبذلك تكون إيران حصرت وجود المليشيات العراقية وعدد من عناصر الجنسيات الشيعية الأخرى في مدينة البوكمال التي جرى السيطرة عليها في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بعد معارك مع تنظيم الدولة.
معاقل وتحركات
تعد البوكمال حاليا معقل النفوذ الإيراني في سوريا ومحطة توزيع شاملة للمليشيات الإيرانية في البلاد، فضلا عن تحولها لمركز عمليات واجتماعات دورية لضباط الحرس الثوري الإيراني بقادة المليشيات.
ومما رصد من تحركات إيرانية تتعلق بتكثيف تموضع حزب الله اللبناني في سوريا استمرار الحزب بتملك وشراء الأراضي الواقعة على الحدود السورية اللبنانية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأوضح المرصد في تقرير له بتاريخ 17 يونيو/حزيران 2021 أن "المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية اشترت منذ مطلع عام 2021، أكثر من 320 قطعة أرض في منطقة الزبداني ومحيطها بريف دمشق (35 كم عن الحدود)".
وكذلك ما لا يقل عن 465 أرضا في منطقة الطفيل الحدودية مع سوريا التي باتت كما أشار المرصد السوري سابقا كقرية "الهيبة" الأسطورية في إحدى المسلسلات السورية، ويتزعمها شخص سوري مقرب من قيادات حزب الله اللبناني.
وأضاف المرصد أن عمليات مصادرة الشقق الفارهة والفيلل مستمرة من قبل المليشيات الإيرانية بدعم مطلق من قبل حزب الله اللبناني في منطقة بلودان بريف دمشق (35 كم عن الحدود) ليرتفع إلى 231 تعداد الشقق التي استوطنت فيها تلك المليشيات.
وتدخل "حزب الله" بقوة إلى جانب قوات بشار الأسد في سوريا بأمر مباشر من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي منذ عام 2012، مرسلا العناصر لمنع سقوط الأسد ومساعدته على قلب المعادلة العسكرية لصالحه.
تشير التقديرات إلى أن الحزب خسر 2000 من مقاتليه وأصيب الآلاف منهم مع تعرض بعضهم لإعاقات جسدية دائمة.
ومنذ انتهاء العمليات العسكرية في غالبية الأراضي السورية وبرود الجبهات خاصة بعد معارك ريفي حلب وإدلب مطلع 2020 التي شاركت فيها مليشيات إيرانية، ركز "حزب الله" على تثبيت حضوره بشكل يخدم المصالح الإيرانية.
ويخيم صمت مطبق من النظام السوري على قيام المليشيات الأفغانية والإيرانية والعراقية واللبنانية بعمليات اغتصاب أو شراء العقارات والمزارع بالقوة من المهجرين على الرغم من مخالفة القانون السوري الذي يمنع بيع وفراغ الأراضي الحدودية.
كما أن ذلك يتعدى حدود تغيير ملكيات أراضي السوريين لغيرهم من الجنسيات ليصل إلى عمليات تغيير ديموغرافي وفرض واقع جديد يقضي بتفريغ هذه المناطق من سكانها وتوطين عائلات المليشيات الشيعية لتتحول مستقبلا إلى مدن تابعة لإيران قرب الحدود السورية اللبنانية.
الكاتب والباحث السياسي اللبناني أسعد بشارة تحدث في تصريح لـ "الاستقلال" عن العقلية التي تفكر بها إيران في هذه المسألة بقوله إنها وحزب الله يتصرفان مع الحدود السورية اللبنانية وكأنها غير موجودة.
وهو ما يعني أن هناك سيطرة كلية على الحدود ذهابا وإيابا لا سيما أن حزب الله حرص على أن يتمركز في كل المنطقة المحاذية للحدود من الجانب السوري مما يعطل أي دور عمليا للجيش اللبناني، وفق تقديره.
وألمح بشارة إلى أن وجود ما سماه "تحسب" لدى حزب الله اللبناني "من إمكانية تطوير دور الجيش اللبناني ولكنه يمنع هذا الأمر ويبيح الحدود لكل أنواع التهريب المنظم والإمداد العسكري".
معابر مفتوحة
وأشار إلى أن "وجود حزب الله في المناطق المحاذية للحدود من منطقة المصنع إلى محافظة حمص هو وجود أساسي وأن أي تحرك للحزب هو قرار إيراني".
واستدرك بالقول: "خصوصا في ظل الحديث عن أن المجتمع الدولي سيضع موضوع ضبط الحدود السورية اللبنانية على الطاولة بناء على القرارات الدولية وخاصة القرار الصادر بترسيم الحدود بين سوريا ولبنان ولم ينفذ لأن إيران منعت تنفيذه".
ولحزب الله معابر خاصة غير شرعية، على الرغم من وجود 5 معابر بين سوريا ولبنان موزعة على طول حوالي 375 كيلومترا. وهذه المعابر هي "المصنع، الدبوسية، جوسية، تلكلخ، العريضة".
ويستخدم الحزب معابره لنقل الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا لمساندة النظام السوري وكذلك لإدخال الدعم من طهران إلى مواقعه في لبنان.
ويمكن القول إن وجود 74 نقطة حدودية للجيش اللبناني على الحدود بين الأراضي المتداخلة بين سوريا ولبنان، لا يعني أن القرار السياسي لضبط الحدود بيد الجيش.
وتخلق تلك المعابر أو "الخطوط العسكرية" المفتوحة لحزب الله بين سوريا ولبنان، أزمات داخلية لبيروت كونه يتم تهريب من خلالها المواد الغذائية والبضائع والوقود إلى الداخل السوري.
هذا فضلا عن نشاط تلك المعابر غير الشرعية في تهريب المخدرات وتجارتها انطلاقا من نقاط تصنيعه في مناطق سيطرة حزب الله اللبناني بسوريا.
وخاصة في مدينة القصير بحمص (15 كم عن الحدود اللبنانية) التي حولها الحزب منذ سيطرته عليها في يونيو/حزيران عام 2013 إلى مصنع للمواد المخدرة وحبوب "الكبتاغون" وزراعة الحشيش (القنب الهندي) وفق تحقيق صحفي نشر في فبراير/شباط 2019.
فيما يمتلك حزب الله اللبناني وفق المرصد السوري 14 مصنعا لإنتاج المخدرات في منطقة القلمون بريف دمشق الملاصقة للحدود اللبنانية، موضحا أنه يتم عبر مليشيات محلية الترويج للحبوب المخدرة في مناطق النظام والمعارضة بالإضافة لتهريبها خارج الأراضي السورية.
وفي هذا السياق اعتبر موقع "ستراتفور" الأميركي في تقرير تحليلي له صدر مطلع مارس/آذار 2021، أن إيران تستخدم وكلاءها في العراق وسوريا واليمن لزيادة الضغط على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
وأوضح الموقع أن دعم إيران للوكلاء الإقليميين يعتبر حجر الزاوية في إستراتيجيتها للأمن القومي، والتي توفر أيضا لطهران نفوذا ضد أميركا.
وهنا شرح المحلل العسكري السوري العقيد علي ناصيف، الأهمية الكبيرة لتمركز حزب الله على الحدود السورية اللبنانية على الرغم من مساعدة ومشاركة قادته "في وضع الخطط الإستراتيجية للمليشيات الأخرى كحزب الله العراقي وبقية التشكيلات الأجنبية الإيرانية على الأراضي السورية".
واعتبر العقيد في حديثه لـ "الاستقلال" أن "الطبيعة الجغرافية الجبلية للحدود بين سوريا ولبنان تمكن حزب الله اللبناني من إخفاء معظم قواته وأسلحته وخاصة الصواريخ".
والسبب الآخر "هو قربها من الحاضنة الشعبية له (الشيعة) كونه أدرى وأعلم بهذه المنطقة، وكذلك لعدم إمكانية إخلاء الحزب الساحة في لبنان فلا بد من الوجود الكبير فيه وبمحيطه دائما لأسباب داخلية لبنانية".
درع من الحدود
وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018، صنف المدعي العام الأميركي جيف سيشنز، حزب الله اللبناني كواحد من 5 مجموعات تعتبر من "أهم التهديدات الإجرامية المنظمة العابرة للحدود".
وتختصر إيران، لبنان اليوم بحزب الله المرتبط بها ماليا وعقائديا والذي ما يزال يعمق الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلد ويغذي أزمة تشكيل الحكومة.
وبالتالي وفق ما يرى مراقبون فإن الهندسات التي يطبقها "حزب الله" على لبنان من شأنها أن تحوله في المستقبل إلى مجرد "محافظة إيرانية".
وهذا ما أكده عبد الوهاب عاصي الباحث في مركز جسور للدراسات في تصريح لـ "الاستقلال" بقوله إن: "الانتشار الكثيف لحزب الله على الحدود مع لبنان بما لا يقل عن 15 نقطة غالبا ما يتعلق بتوفير الحماية وإجراءات الردع عن مناطق سيطرة حزب الله داخل بيروت".
وذلك وفق الباحث "عبر تشكيل حزام أمني على طول الشريط الحدودي مع سوريا يكون بمثابة ممر إمداد بديل له عن مناطق البقاع وجبل لبنان".
وحينما جرى تنفيذ أول عمل عسكري لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن منذ توليه منصبه ضد مواقع المليشيات العراقية في سوريا بتاريخ 25 فبراير/شباط 2021، كان هدف واشنطن واضحا لإيران من أن جميع وكلائها تحت دائرة الاستهداف في حال أي استفزاز أو مهاجمة للمصالح الأميركية.
وحتى في حال إجراء مفاوضات دبلوماسية حول إعادة العمل بالاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع القوى العالمية والذي انسحبت منه واشنطن في 2018 في عهد إدارة دونالد ترامب.
ولذلك ذهب الباحث عبد الوهاب عاصي للقول إن "إيران لا يبدو أن لديها مخاوف من قيام إدارة الرئيس جو بايدن بتفكيك المليشيات التابعة لها في سوريا".
واعتبر أن الضربات تلك كانت "مؤشرا على استعداد واشنطن لشن هجمات ضد مواقع إيران بسوريا على نحو أوسع سواء بشكل منفرد أو بالتعاون مع إسرائيل بما يؤدي إلى تقليص قدراتها على نقل الأسلحة والأفراد وبالتالي الأنشطة المرافقة لذلك".
وبين أن ملف الوجود العسكري الإيراني خارج الحدود بما في ذلك سوريا والذي كان يفترض أن يتم تداوله في مباحثات فيينا الجارية منذ مطلع أبريل/نيسان 2021 لإحياء النووي "يمكن أن تتم معالجته عبر السبل الدبلوماسية لا العسكرية من قبل الإدارة الأميركية الجديدة".
وأمام ما تقدم، يبقى السؤال العريض: ما الذي سيوقف هذا المد المليشياوي وانتزاع أراضي المهجرين بالقوة؟ خاصة أن تلك الإستراتيجية الإيرانية تصعب من عودة النازحين واللاجئين السوريين لمدنهم وتجعلها بعيدة المنال.
المصادر
- المرصد: المليشيات تواصل الاستيلاء على الأراضي قرب الحدود السورية اللبنانية
- باتفاق نووي أو بدونه.. دعوة لواشنطن لتفكيك وكلاء إيران بالمنطقة
- حولها "حزب الله" معقلاً لمليشياته ... ضبط شحنة مخدرات ضخمة في "القصير" بريف حمص
- إدارة بايدن ترغب في تفعيل قدرات الجيش اللبناني للتصدي لـ"حزب الله"
- ستراتفور: إيران سترفض أي مطالب بالتخلي عن وكلائها الإقليميين
- "رسالة واضحة"- ضربات أمريكية ضد فصائل موالية لإيران في سوريا