"نوايا واضحة".. لهذا تحاول روسيا دفع المهجرين شمالي سوريا لمصالحة الأسد

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بحثا عن أي ثغرة داخل جدار النازحين السوريين المحشورين في الشمال على الحدود التركية؛ تواصل روسيا مساعيها لتحقيق اختراق في ورقتهم السياسية "ذات التأثير الأكبر" على الملف السوري.

وتبدو موسكو أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، في كسب أي مسألة سورية داخلية ذات بعد دولي؛ تصب في مصلحة نظام الأسد وتقربه خطوة من العلاقة غير المباشرة مع المجتمع الدولي ومنظماته.

وآخر تلك المحاولات، هي تشكيل لجان عسكرية روسية بهدف إخضاع أهالي مدن وبلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق؛ لعملية تسوية أمنية جديدة.

خشية من العودة

وأكدت شبكة "صوت العاصمة" في 14 يونيو/حزيران 2021، أن تلك اللجان أجرت جولة في مدن الغوطة الشرقية ووجهت تعليمات لأعضاء لجان المصالحة التابعة للنظام السوري هناك لبدء استقبال الراغبين بالخضوع للتسوية الجديدة.

وتضمنت التعليمات الروسية، وفق الشبكة، دعوة جميع الأهالي الراغبين بالخضوع لعملية التسوية إضافة لذوي المهجرين قسرا نحو الشمال السوري الراغبين بالعودة إلى مدنهم.

وتقدر منظمات حقوقية، أعداد اللاجئين السوريين في دول الجوار بنحو 7 ملايين، فضلا عن نحو 5 ملايين نازح عن مدنهم وبلداتهم في الشمال السوري.

وتتحد هواجس النازحين السوريين داخليا واللاجئين خارجيا في شأن العودة، وهذا ما أظهرته نتائج الدراسة البحثية التي قدمها مركز "عمران" للدراسات من أن أكثر من 90 بالمئة من اللاجئين يخشون العودة لمناطق سيطرة نظام الأسد.

وكشفت الدراسة الصادرة في أكتوبر/تشرين الأول 2020 التي جاءت تحت عنوان "مؤشرات الاستقرار الأمني في سوريا وارتباطه بعودة اللاجئين والنازحين"، أن 63.8 بالمئة من المستطلع آراؤهم إنهم "يتفقون إلى حد بعيد"، و26.6 بالمئة "يتفقون إلى حد متوسط" بأن عودتهم إلى مناطق النظام تشكل في كثير من الأحيان مصدر تهديد لهم ولعائلاتهم.

كما خلصت الدراسة إلى أن أكثر من 86 بالمئة من المهجرين يعتبرون أن الأجهزة الأمنية التي هي أحد المسببات الأساسية للثورة ضد نظام الأسد، "غير قابلة للإصلاح أو إعادة الهيكلة".

ومن أبرز التحديات التي تواجه عودة النازحين داخليا، وفق الظروف الراهنة، تسلط أجهزة مخابرات الأسد، وغياب أي ضمانات دولية للعودة، فضلا عن الوضع الاقتصادي المتردي وحالة الدمار الواسعة في الأبنية السكنية.

إضافة إلى ذلك، الاغتيالات والاعتقالات التعسفية والخطف والتفجيرات، وهي من المؤشرات الأساسية المتعلقة بغياب الأمان والتي جميعها تسود حاليا مناطق نفوذ النظام السوري.

احتيال روسي

وبلغ تركيز موسكو على ملف النازحين واللاجئين ذروته حينما أطلق النظام بدعم ورعاية روسيا، مؤتمر عودة اللاجئين السوريين في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بالعاصمة دمشق.

لكن المؤتمر فشل ولم يساهم بعودة سوري واحد، خاصة أنه اعتبر "استهلاكا إعلاميا" في ظل غياب الدول الفاعلة في ملف اللاجئين، باستثناء لبنان، كما قاطع الاتحاد الأوروبي المؤتمر واعتبره "سابقا لأوانه".

ويستنكر مراقبون في الشأن السوري، الدعوات الروسية لأي عودة للسوريين المهجرين إلى مناطق نفوذ النظام التي تعاني من واقع معيشي صعب وتراكم الأزمات الاقتصادية.

وكذلك عجز كامل عن تأمين المحروقات وانهيار مستمر لليرة السورية؛ مما يضعف القوة الشرائية للمواطن، حيث لا تتناسب المداخيل المالية مع تأمين أبسط مقومات العيش.

وأطلقت أجهزة مخابرات النظام منذ مطلع يونيو/حزيران 2021، سراح 28 معتقلا من سجونها من أبناء مدن الغوطة الشرقية وروجت لذلك إعلاميا.

وتفاجأ الأهالي بأن الأشخاص الذين أطلق سراحهم جميعهم جرى اعتقالهم قبيل الانتخابات الرئاسية المزعومة التي جرت في 26 مايو/أيار ،2021 عبر حملات دهم واعتقال نفذتها مخابرات الأسد في الغوطة، الأمر الذي شكل صدمة كبيرة لدى الأهالي.

هذه الصدمة مردها أن الإفراج لم يشمل أيا من المعتقلين في سجون المخابرات الذين اعتقلوا على إثر مشاركتهم في الثورة السورية مارس/آذار 2011 وخاصة أن مصيرهم ما يزال غامضا.

أهمية الغوطة

وتحتل الغوطة الشرقية موقعا جغرافيا ملاصقا لدمشق إذ تقدر مساحتها بنحو 110 كلم مربع، ويبلغ عدد سكانها الآن نحو 400 ألف نسمة بعد أن كان يتخطى مليونين ونصف المليون قبل 2011.

وكانت تعتبر قبل عام 2011 سلة العاصمة الغذائية، وتشتهر بعجلة اقتصادية كبيرة لانتشار المعامل والصناعات التقليدية فيها كالأثاث، قبل أن تنضم بلداتها مبكرا للحراك الشعبي ضد حكم الأسد.

وفي عام 2012، خرجت معظم بلداتها ومدنها عن سيطرة النظام، ليبدأ الأخير بفرض حصار خانق على الغوطة الشرقية، لدرجة عدم وصول المساعدات الإنسانية لأشهر طويلة.

وفي مايو/أيار 2017، توصلت روسيا وإيران من طرف النظام وتركيا الداعمة للمعارضة في أستانا إلى اتفاق ينص على إنشاء 4 مناطق خفض تصعيد عسكري في سوريا بينها الغوطة الشرقية.

لكن النظام السوري خرق الاتفاق وشن بدعم جوي روسي وبري من الميليشيات الإيرانية هجوما على الغوطة في فبراير/شباط 2018.

وأجبرت فصائل المعارضة والمدنيين أمام كثافة القصف واستخدام الكيماوي وارتفاع أعداد الضحايا للقبول بالخروج إلى الشمال السوري وبقاء من يرغب بالتوقيع على تسوية أمنية مع النظام.

تحذير من المعارضة

وأمام المعطيات الحالية حول التحركات الروسية لإعادة استثمار الغوطة الشرقية، اعتبر عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري المعارض، محمد يحيى مكتبي، في حديث مع "الاستقلال" أنه "لا يوجد أي ثقة بهذه الديباجة الروسية حول المصالحات".

وأضاف "ننبه أهلنا السوريين ممن ربما تساوره ولو بنسبة واحد بالمئة من حسن الظن بأن يثق بالعودة الآمنة؛ لأن الروس لم يتوقفوا عن محاولة إعادة اللاجئين بطرق مختلفة إلى حضن الأسد، لكن الجميع يعلم بالمصير الذي ينتظرهم في حال أقدموا على قبول المصالحات".

واستدل عضو الهيئة السياسية في الائتلاف المعارض خلال حديثه على ما حصل لأهالي محافظة درعا ممن دخلوا في تسويات مع الروس مؤكدا "أنهم تعرضوا لعمليات اغتيال وخاصة لقادة الجيش الحر والإعلاميين".

وأشار مكتبي إلى أن "ما يلخص المشهد ويدل على عدم صدق النظام "هو ما قاله العميد عصام زهر الدين الذي كان قائدا في الحرس الجمهوري قبل مقتله في محافظة ديرالزور (أكتوبر/تشرين الأول 2017) حينما قال مخاطبا كل من قال لا لنظام الأسد من الشعب السوري (نصيحه من هالدقن لا ترجعوا لأن الدولة إذا سامحت فنحن لن نسامح)".

ورأى أن "الأكثرية الساحقة لن تتجاوب مع الخطة الروسية رغم كل الإغراءات، خاصة أن أغلبية المهجرين في الشمال السوري هم أهالي لشهداء ومعتقلين وعانوا الأمرين وتعرضوا لكل أنواع القتل والحصار والقصف والتهجير القسري، وبالتالي لا يمكن لهؤلاء أن يثقوا بنظام الأسد".

وشدد مكتبي على المطالبة "بعودة كل السوريين إلى مدنهم بشكل طوعي وآمن، بعد إنجاز الحل السياسي الذي يفضي إلى التخلص من خلاله من الأسد ونظامه وحلقته الضيقة التي قتلت الشعب".

ولم تنجح روسيا في أي محاولة لحث النازحين من الشمال السوري للعودة حتى إلى قراهم المتاخمة لمناطق المعارضة، بعدما عمدت إلى فتح عدد من المعابر بين مناطق سيطرة نظام الأسد والمعارضة في ريفي حماة وإدلب.

ومنذ عام 2018 تعمل وزارتا الدفاع والخارجية الروسيتان على محاولة دفع اللاجئين السوريين في الخارج للعودة، وأسست وزارة الدفاع الروسية مركزا في دمشق لاستقبال وتوزيع وإيواء اللاجئين والنازحين السوريين.

لكن روسيا بقيت تسير وحدها في هذا الاتجاه دون أي استجابة، نظرا لنواياها الواضحة في استغلال مسألة العودة في المفاوضات السياسية، خاصة أن واشنطن رفضت مقترحا من موسكو يتضمن وضع خطة مشتركة لعودة اللاجئين إلى الأماكن التي كانوا يعيشون فيها سابقا.

بهلوانيات روسية

بدوره، وصف المتحدث باسم هيئة التفاوض السورية المعارضة، يحيى العريضي في حديث لـ"الاستقلال"، التسويات الروسية الجديدة بـ"البهلوانيات الروسية".

وشدد على أن "الهدف الرئيس منها هو كسب روسيا للمواقف الدولية والترويج لعودة المهجرين إلى سلطة الأسد، مما يعني كسب ورقة سياسية تفاوضية لصالح النظام".

وألمح العريضي إلى أن "هاجس روسيا هي أن تعيد شرعنة النظام وتقنع السوريين بأنه هو المتصرف، ومن جانب آخر تريد موسكو تقديم نفسها للعالم على أنها الفاعل الإنساني وأنها المصلح".

وأكد المتحدث باسم هيئة التفاوض السورية المعارضة، أن "النظام لا يعنى بالإنسان السوري وهو ما أثبتته ممارساته القمعية".

ولفت إلى أن "نظام الأسد له تجربة واضحة في مناطق خفض التصعيد في الشمال السوري، حيث شرد الناس ثم أجرى بعض المصالحات مع بعض الشباب وعندما عادوا جرى لاحقا اعتقال أغلبهم".

وأوضح العريضي أن "لروسيا مصالح اقتصادية من فتح ملف التسويات، على رأسها مسألة المعابر التي تعتبر حالة حساسة في المشهد الحالي، كون المساعدات الأممية لمساعدة النازحين تأتي بمليارات الدولارات؛ وبالتالي موسكو تريد أن تستأثر بها وأن تجعل النظام هو المتحكم بها تحت ذريعة عودة هؤلاء".

كما أن واقع الحال يؤكد أن لروسيا "أهدافا خطيرة" من تحركاتها على الصعيد الداخلي، وتحديدا من بوابة عودة النازحين الذين ساهمت طائراتها في تشريدهم.

وحدد الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، رشيد حوراني لـ"الاستقلال"، أبرز الأهداف التي تقف وراء الخطوة الروسية هذه.

أول هذه الأهداف، "محاولة روسيا زرع الإحباط واليأس في نفوس السوريين الخارجين عن النظام، ودفعهم أمام عدم مبالاة المجتمع الدولي بالمسألة السورية إلى العودة لحضن النظام باعتباره أفضل السيء".

ثانيا، وفق حوراني، "التشكيك وعدم الثقة بالجانب التركي، وثالثا استفادة النظام من العائدين من الشمال بالتحقيق معهم أمنيا وجمع معلومات عن الشمال ومؤسساته المدنية والعسكرية وصولا إلى تجنيد عملاء للقيام بأعمال تخريبية".