تبون يشيد بإسلاميي الجزائر.. هل يمهد لتحالف معهم بعد الانتخابات؟

12

طباعة

مشاركة

في 8 يونيو/حزيران 2021، قال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إن التيار الإسلامي في بلاده "يختلف عن ذلك الموجود في دول أخرى".

جاء ذلك في ملخص نشرته الرئاسة الجزائرية حول مقابلة أجرتها معه قناة "الجزيرة"، أكد فيها تبون أن "الجزائر تخلصت من الإسلام الأيديولوجي إلى غير رجعة"، في إشارة إلى ما تعتبرها السلطات الجزائرية تيارات إسلامية متطرفة.

وأوضح أن "التيار الإسلامي الناشط في الجزائر يختلف عن باقي التيارات الإسلامية في الدول الأخرى".

في الثاني من يونيو/حزيران 2021، قال الرئيس الجزائري، في حوار مع مجلة "لوبوان" الفرنسية، إن "الإسلام السياسي الذي لا يعطل التنمية وتطوير البلد لا يزعجني".

تزامنت تصريحات تبون مع انطلاق الانتخابات النيابية المبكرة المقررة 12 يونيو/حزيران 2021.

توقع الصدارة

سجل التيار الإسلامي حضورا كبيرا في الانتخابات المبكرة بقرابة 4 أحزاب هي "حركة مجتمع السلم"، و"حركة البناء الوطني"، و"جبهة العدالة والتنمية"، و"حركة الإصلاح".

وفي مقابلة سابقة مع وكالة الأناضول قال رئيس "حركة مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري، إن حزبه الذي يعد أكبر حزب إسلامي في الجزائر من حيث الانتشار، "سيتجه نحو حكومة توافقية حتى في حال فوزه بـ 80 بالمئة من مقاعد البرلمان، خلال الانتخابات".

وأضاف: "لا نتصور أننا سنسير وحدنا لأن الوضع الاقتصادي خطير جدا ويحتاج إلى توافقات كبرى وحزام سياسي واجتماعي عريض لمساندة الحكومة".

وقال رئيس حركة البناء عبد القادر بن قرينة، في أبريل/نيسان 2021، في مقر الحركة بالعاصمة الجزائرية “نتوقع أن نكون في الصدارة” مشددا على أن حزبه يرى أن دوره هو العمل من أجل الإصلاح.

ومثل معظم الأحزاب الإسلامية الأخرى في الجزائر ركز حزب حركة البناء علانية على الاقتصاد وكفاءة الأداء الحكومي لا على الطموح الأشمل للحركة بدمج الشريعة الإسلامية في الدستور.

وقال ابن قرينة “في حالات كثيرة أظهرت الحكومة عجزها عن معالجة مشاكل الحياة اليومية”، مضيفا أن حزبه سيكون في مجلس الوزراء “جزءا من الفريق... لمعالجة مشاكل الجزائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.

ركز البرنامج الرسمي للحزب على إصلاحات السوق الحرة واستحداث التمويل الإسلامي لكنه ينأى بنفسه عن القضايا الاجتماعية رغم أن المدافعين عن حقوق المرأة يخشون أن يحاول عرقلة إصلاحات قانون الأسرة الذي يقيد حريات المرأة.

وكان ابن قرينة حصل على 1.5 مليون صوت في انتخابات الرئاسة عام 2019 ويرجح المحللون أن يجيء حزب حركة البناء، الذي انشق عن حزب إسلامي آخر في 2014، في الصدارة في انتخابات يونيو/حزيران.

إشارات النظام

في حوار مع أسبوعية "لوبوان" الفرنسية قال الرئيس الجزائري إن "إيديولوجية الإسلام السياسي لن يكون لها وجود في الجزائر". 

"الإسلام السياسي لم يكن عقبة في طريق التنمية في بلدان مثل تونس وتركيا أو مصر، مثل هذا النموذج من الإسلام السياسي لا يزعجني، لأنه لا يعلو فوق قوانين الجمهورية التي ستطبق بحذافيرها".

ويقول محللون، وفق تقرير نشرته وكالة "رويترز" في أبريل/نيسان 2021 إنه إذا فاز الإسلاميون في الانتخابات فمن الممكن أن يعين الرئيس عبد المجيد تبون قرابة عشرة منهم في مناصب وزارية لكنهم لن يتولوا وزارات الداخلية والمالية والعدل الرئيسة.

وبحسب المصدر ذاته، اكتسبت الأحزاب الإسلامية خبرة سياسية كبيرة منذ التسعينيات وأصبحت المشاركة السياسية بدلا من المواجهة هي العلامة التجارية لأحزاب الجزائر الإسلامية اليوم”.

وتبدو الأحزاب الإسلامية في الجزائر الأوفر حظا للفوز في الانتخابات التشريعية القادمة مستفيدة من أزمات الأحزاب التقليدية التي تصدرت المشهد السياسي طيلة السنوات الماضية في تحالف غير معلن مع المؤسسة العسكرية التي تهيمن على النظام.

وتفتح الأزمة في البلاد المجال أمام الإسلاميين للفوز بأصوات الناخبين من مؤيدي الأحزاب الوطنية القديمة التي دخل مسؤولون كبار فيها السجن بتهم الفساد بعد الاحتجاجات، غير أنها لا تزال منسوبة لبوتفليقة.

عندما تصدر الإسلاميون ممثلين بحزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في عام 1992 نتائج الانتخابات البلدية ثم التشريعية، ألغى الجيش الانتخابات الأمر الذي أطلق شرارة حركة عصيان مسلح وحرب أهلية سقط فيها 200 ألف جزائري قتلى قبل أن تضع أوزارها في 1999. 

ومتطرقا إلى ما واجهته بلاده من أزمة عنف سابقة، قال إن هذه الأيديولوجية هي التي حاولت فرض نفسها في تسعينيات القرن الماضي في الجزائر، لكن لم يعد لها وجود اليوم في بلاده.

"إسلاميون جدد"

رغم الغموض وعدم عقلانية النظام الجزائري، لكنه بهذه الإشارات يبدو أنه يريد أن يعطي ضمانات للتيار الاستئصالي ويريده أن يسترجع جزءا من نفوذه بعد إطلاق سراح الجنرال توفيق وعودة نزار، وذلك رغبة منه في خلق توازن بين هذا الجناح وذلك التابع لقايد صالح.

استقرأ البروفيسور، أيضا أن النظام بهذه الإشارات أعطى ضمانات لفرنسا، "التي يطمع أن تساعده اقتصاديا وسياسيا".

لم يستبعد صادق سلام أن تلجأ السلطة للإسلاميين لتخفيف الغليان في الشارع الجزائري، لكنه جزم بأن غرض السلطة هو القضاء على الحراك، وحتى لا يحظى بتأييد من الغرب، يروجون إلى أن الإسلاميين مهيمنين عليه.

لفت البروفيسور إلى أنه ينبغي وضع كلمة "إسلاميين" بين قوسين، بعد أن جرى ترشيح مستقلين على أنهم إسلاميين، في حين كثير منهم على تواصل مع أجهزة المخابرات التي تستخدمهم. 

اختيار الرئيس إجراء حوار "لوبوان" -مع الصحفي "كمال داوود وهو استئصالي متصهين، وصحفي آخر هو قريب الجنرال إسماعيل العماري"، وفق المتحدث- لم يكن عفويا بل يظهر أن الغرض منه طمأنة التيار الاستئصالي/ الذي يريد استرجاع جزء من نفوذه.

أبدى الإسلاميون المعروفون -المنتمون إلى الحركة والنهضة وحمس- استعدادهم للتحالف حتى مع دعاة الاستئصال، وفق المتخصص في التيار الإسلامي.

لكن هناك صنفا آخر ظهر خلال الحراك، هم شباب يتحدثون بلسان رموز إسلامية، وهم فاعلون جدد ليست لهم أي سوابق في التفاوض مع النظام الذي كان يعمد "منح بعض المقاعد للإسلاميين قبل ظهور النتائج"، وهو الأمر البعيد عن الديمقراطية.

السؤال المطروح، بحسب صادق سلام، هل من صالح النظام الذي يتظاهر بالتجديد أن يبقي على هذه الممارسات مع نفس الفاعلين السياسيين، أم أنه ينتقي صنفا جديدا من "الإسلاميين" لتجديد الحياة السياسية؟

خلص المتحدث، إلى أن "لا ضمانات على أن الانتخابات ستكون ديمقراطية ونزيهة"، وأن هناك "قطيعة فعلية مع الممارسات السابقة وقبول النتائج دون توقيف المسار الانتخابي إذا كانت النتائج غير مرضية لأصحاب القرار".

تتحكم السلطة بحسب البروفيسور في القرار "من وراء حجاب"، وهي لا تقبل مشاركتها في الحكم من أي قوى سياسية.

لفت صادق سلام إلى أن "الإسلاميين الجدد" هم جيل جديد بثقافة حديثة، وربما التحزب الذي كان تسبب في الصراع بين الأحزاب الإسلامية نفسها غير موجود في حالتهم، إذ لديهم انفتاح ومرونة تعلن عن القطيعة الحزبية الضيقة، لكن لا يمكن الحكم على أدائهم دون وصولهم إلى البرلمان، "كل ما نملكه الآن هي مؤشرات"، يقول المتحدث.

وختم: تجارب التسعينيات مقارنة بالجيل الجديد تبشر بممارسة جديدة للسياسة والقطيعة مع الممارسات السيئة.