لرفض أحكام دولية.. ماذا يعني تعديل السيسي قانون المحكمة الدستورية؟

12

طباعة

مشاركة

في 9 يونيو/ حزيران 2021، أعطت المحكمة الدستورية العليا في مصر، الضوء الأخضر للبرلمان لتعديل قانونها، ومد اختصاصها إلى خارج البلاد، بما يسمح لها برقابة قرارات المنظمات الدولية والأجنبية، ورفض أحكام دولية ضد نظام عبدالفتاح السيسي.

تعديل قانون المحكمة سيمكنها أيضا، من رفض أي أحكام أجنبية لا تعجب نظام السيسي واعتبارها كأن لم تكن، سواء كانت تتعلق بقضايا سياسية أو حقوق الإنسان أو منازعات اقتصادية أو غيرها، ما يتوقع أن يكون له آثار سلبية.

رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار سعيد مرعي، قال إن الجمعية العمومية للمحكمة، وافقت بالإجماع، على مشروع القانون المقدم من الحكومة، زاعما أن "كافة التعديلات تتفق مع صحيح الدستور".

توسيع الاختصاصات

بموجب التعديل، ستضاف مادتان جديدتان إلى قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 برقمي 27 مكرر و33 مكرر.

المادة 27 مكرر تنص على أن "تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة".

والمادة 33 مكرر تقرر أنه "لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بالقرارات والأحكام المشار إليها في المادة 27 مكرر أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها".

هذا التعديل معناه أن ترفض مصر تنفيذ أحكام تصدر ضدها أو قرارات ملزمة بدفع مستحقات، أو تعويضات مالية أو أدبية، أو الالتزام بنصوص معينة من معاهدات دولية، أو توقيع عقوبات.

في حال صدور حكم بذلك لا تقبله السلطة في مصر، سيطلب رئيس الوزراء من المحكمة الدستورية العليا، بكل بساطة، وقف تنفيذ تلك الأحكام أو القرارات، بحجة مخالفتها الدستور المصري.

طرحت الحكومة المصرية للمرة الأولى، مشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية العليا على البرلمان أوائل يونيو/ حزيران 2021.

ناقشت اللجنة التشريعية لمجلس النواب في 7 يونيو/حزيران 2021 مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، ثم أجلته لاستطلاع رأي الدستورية في مشروع القانون.

بحسب المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون: "إزاء خلو الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا من نص يتيح لها النظر في أي من القرارات الدولية التي يمكن أن تؤثر على الأمن القومي المصري فقد جرى إضافة نص يسند لها هذه الرقابة".

توضح المذكرة أن التعديل يستهدف توسيع اختصاصاتها لتشمل "الرقابة القضائية على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة المصرية".

يتيح هذا لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية "عدم الاعتداد بمثل هذه القرارات وبالالتزامات المترتبة على تنفيذها".

هدف التعديل كما يبدو هو إعطاء النظام كله "حصانة عالمية" من أي محاكمات دولية في قضايا تتعلق بحقوق الإنسان أو منازعات اقتصادية تقوم بتغريمه في قضايا يرفعها مستثمرون يتضررون من ممارسات النظام.

بعدما أعطى نظام عبد الفتاح السيسي لنفسه "حصانة داخلية" أمام العالم في قضايا اتهام عسكريين شاركوا في انقلاب 2013 ومتهمين بارتكاب جرائم إنسانية، يتجه لتوسيع هذه الحصانة لتشمل نظامه كله.

في 6 يوليو/ تموز 2018 أصدر برلمان السيسي بشكل عاجل "قانون معاملة كبار قادة القوات المسلحة" تضمن 6 مواد تحصن كبار الجنرالات من الجرائم التي ارتكبوها مثل القتل الجماعي للمتظاهرين والمعتصمين، والتعذيب والفساد.

القانون حصنهم داخليا من المساءلة القانونية عن الجرائم التي ارتكبوها منذ 2013 وحتى يناير/كانون الثاني 2016، ووفر لهم أيضا حصانات دبلوماسية لو سافروا خارج مصر، بعدما بدأت منظمات حقوقية تطالب باحتجازهم ومحاكمتهم.

ماذا يخشى السيسي؟

يتخوف نظام السيسي من صدور أحكام وقرارات تنفيذية من منظمات ودول ضد مصر في الفترة المقبلة، على خلفية بعض الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الحكومة المصرية، وبعض قياداتها بصفاتهم وأشخاصهم في الوقت الحالي.

يتخوف أيضا من أحكام قد تصدرها هيئات تحكيم دولية في منازعات ذات طبيعة اقتصادية، أو تتعلق بالتزاماتها الحقوقية، مثل الحريات الشخصية والعامة، بموجب المعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر.

حكومة السيسي تخشى على سبيل المثال المحاكمة التي تجري حاليا في إيطاليا لـ 4 ضباط مصريين بتهمة تعذيب وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني (فبراير/شباط 2016)، ومطالبة مصر بتسليمهم.

تخشى أن تتحول هذه القضايا وكشف الضباط، حال تسلميهم، معلومات حول مسؤولية النظام عن الواقعة، ما قد يترتب عليها مقاضاة مصر كسلطة.

الحكم الصادر في قضية ريجيني يمكن استغلاله أيضا في دعاوى جديدة تطالب السلطة بالتعويض، أو فرض عقوبات معينة. لذلك، تسعى لتحصين نفسها برفض ما يصدر عن القضاء الإيطالي مسبقا.

هناك كذلك دعاوى حاول عدد من الناشطين رفعها ضد السلطة في مصر وضد شخصيات بعينها من المسؤولين المصريين بين عامي 2013 و2015، سواء في قضية فض اعتصامي رابعة والنهضة أو التعذيب، أمام محاكم أميركية وبريطانية ودولية. 

رغم تعثر الإجراءات الخاصة بتلك الدعاوى، إلا أنها تبقى مصدر قلق للنظام المصري.

كذلك الدعاوى التي قد ترفع في محاكم أجنبية، من مصريين بالخارج، بحجة الاضطهاد على خلفية عدم استعداد مصر للاعتراف بالبهائيين وغيرهم أو بحقوق وحريات المثليين والمتحولين جنسيا.

تعاني مصر أيضا من منازعات الاستثمار، وصدرت ضدها أحكام مختلفة من جهات أجنبية بسبب الإخلال بالتعاقدات في سنوات ما بعد ثورة 2011.

أيد هذه التعديلات قضاة وسياسيون، بدعوى أنها تحمي مصر من التورط في دفع تعويضات لجهات أجنبية تحصل على أحكام دولية من الخارج.

أمين سر لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، علي بدر، يرى أن توسيع اختصاصات "الدستورية" لتشمل التأكد من اتفاق الأحكام والقرارات "الأجنبية" الصادرة في مواجهة مصر، مع الدستور، أمر هام ومطلوب.

قال: "لو في قرار أو حكم صادر من جهة أجنبية يلزم مصر بقرار يتعارض مع الشأن الداخلي، فالمحكمة الدستورية من حقها أن تقول: مش هنفذه، سواء الأمر يتعلق بالأمن أو الاقتصاد أو حقوق الإنسان أو غيره".

النائب السابق لرئيس المحكمة الدستورية المستشار محمد الشناوي، وصف التعديلات بأنها "حماية للبلاد من الأحكام الجائرة التي تصدر في الخارج دون استماع لوجهة النظر المصرية".

قال إنها "تستهدف إعفاء الحكومة من دفع أموال طائلة بسبب أحكام جائرة صدرت عن جهات دولية ومراكز تحكيم دون استماع لدفاع القاهرة عن نفسها خلالها"، بحسب ما نشر موقع "مدى مصر" في 9 يونيو/ حزيران 2021.

واعتبر المستشار السابق أن الغرض من تعديل مهام المحكمة "وجود آلية من الدولة للاعتراض على الأحكام والقرارات التي تصدرها جهات دولية بشكل متعسف تجاهها"، مشيرا إلى أن التفكير في ذلك مطروح داخل الحكومة منذ عامين.

تعديلات "سياسية"

مقابل المؤيدين، اعتبر قضاة ومحامون ونواب، أن التعديلات تعد إقحاما من الحكومة للمحكمة الدستورية في شؤون السياسة، وتجاوز لدورها المنصوص عليه في الدستور؛ كمحكمة تراقب تنفيذ مواده داخل الإقليم المصري فقط.

أشاروا إلى أن هذا الاعتراض على أحكام أجنبية ورفض تنفيذها يعد تحايلا على الالتزام الدستوري الخاص باحترام مصر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

قاض سابق بمحكمة القضاء الإداري، شدد على أن تعديل قانون الدستورية العليا بما يسمح لها برفض أحكام دولية ضد مصر يعتبر مخالفا لاتفاقية فيينا، التي وقعت عليها القاهرة.

قال لـ "الاستقلال" إن "فيينا" تحكم جميع المعاهدات الدبلوماسية واتفاقيات الأمم المتحدة وتسمح للدول بالتحفظ فقط على بعض مواد أو بنود الاتفاقيات التي توقع عليها دون رفضها كليا لو تعارض الأمر مع شرائعها السماوية.

لكنها تحظر وقف تنفيذ القرارات والأحكام الخاصة بتلك الاتفاقيات، أو المترتبة عليها بأحكام قضائية محلية، لأن اتفاقية فيينا هنا هي الأعلى قانونيا يجب الالتزام بها وإلا تحول العالم لفوضى، وفق قوله.

وأوضح المصدر أنه سبق في عهدي الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك التحفظ على مواد في بعض الاتفاقيات لمخالفتها الشريعة الإسلامية في المادة الثانية في دستور مصر لكن لم يتم رفض كل الاتفاقيات إلا في عهد السيسي.

سبق لمصر عام 1981، الموافقة على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966 "بشرط التقيد بتطبيق المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع".

تكرر الأمر في عهد حسني مبارك، حيث جرت الموافقة على اتفاقية الجندر لكن مع التحفظ على ما يخص بعض الحريات الشخصية مثل الشذوذ والمثلية لمخالفتها الشريعة.

صادقت مصر مع هذا على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واتفاقيات مناهضة التعذيب وحقوق الطفل وحظر التمييز العنصري.

أشار إلى أنه في حالات خاصة جدا ومحدودة، مثل حالة المستثمر اللبناني وجيه سياج تم رفض الحكم الدولي لأسباب سيادية لأن الأرض التي كان يطالب بها في طابا خاضعة للأمن القومي.

قال إن رفض الدستورية بموجب التعديل أحكاما واتفاقيات دولية بشكل إجمالي يهدد بهروب المستثمرين الأجانب ويعطي مصر سمعة البلطجي الذي يرفض تطبيق قوانين العالم عليه.

رئيس إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا أكد أيضا أن التعديلات تخالف الدستور وتضر بسمعة مصر خارجيا وبسمعة المحكمة الدستورية العليا، وتجعل منها أداة في يد الدولة لحل نزاعاتها الخارجية.

القاضي الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس الدولة، وتحدث لموقع «مدى مصر» بشرط عدم ذكر اسمه، استغرب إخضاع القرارات الصادرة عن المنظمات والهيئات والمحاكم الدولية، لرقابة المحكمة للتأكد من اتفاقها من عدمه مع أحكام الدستور المصري.

قال إن علاقة مصر بالدول والهيئات ومراكز التحكيم الأجنبية هي علاقة محددة باتفاقيات، ومعاهدات، وعقود شراكة، واتفاقيات تعاون، وكل اتفاق منهم يتضمن آلية للاعتراض على قراراته.

مناقضة للدستور

وانضمام مصر لتلك الاتفاقيات والمعاهدات يتبعه التزامها دوليا شأن باقي الدول المشاركة فيها في تنفيذ بنودها حتى في حالات النزاع، وفق قوله.

أكد أيضا أن الدستور المصري "يلزم باحترام الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية" وهذه التعديلات تنقض الدستور.

رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ناصر أمين، اعتبر هذه التعديلات "غير مشروعة"، وشدد على أنها تعرض قضاة «الدستورية» لضغوط سياسية في مسألة تقدير الأحكام أو الأدوار التي يقومون بها للحكومة.

اعتبر في تصريحه لـ "مدى مصر" أن "التعديلات تتجاوز دور المحكمة الدستورية المحدد دستوريا كمحكمة مصرية تعمل تحت ظلال أحكام الدستور المصري في الإقليم المصري".

قال إن "أضرار التعديلات الأخيرة أكثر من فوائدها للحكومة الراغبة في التحايل على التزاماتها الدولية، مشيرا إلى أن إقرار تلك التعديلات على قانون المحكمة الدستورية من شأنه أن يضر بسمعة مصر.

ويؤثر على كل اتفاقيات التعاون الدولي المبرمة بين الحكومة المصرية وحكومات العالم، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام الأجنبية، لأنه سيكون معروفا سلفا أن مصر يمكنها رفض تنفيذ أحكام مراكز التحكيم والمنظمات الدولية.

مصر نفسها قد تلجأ إلى أي من جهات التحكيم العالمية في يوم من الأيام لاستصدار حكم ضد دولة أخرى اعتدت على حقوقها المالية أو غيره، فكيف ترفض ما عليها بتعديل القانون وتريد ما لها؟.

والأهم أن قرارات «الدستورية» برفض أحكام أجنبية ستكون "أحكاما من جانب واحد تخاطب الحكومة المصرية، وليس لها أي صفة تنفيذية بالنسبة للجهات والمنظمات الدولية".

وهذا سيضر بسمعة المحكمة الدستورية العليا المصرية التي تتصدر المحاكم في الوطن العربي.

خلال مناقشة التعديلات في لجنة التشريعية ظهرت أيضا اعتراضات من نواب لتعارض التعديلات مع التزامات دولية وقعت عليها مصر، بحسب موقع "البوابة" 7 يونيو/ حزيران 2021.

رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد سليمان وهدان، قال إنه توجد اتفاقيات دولية وقعت عليها القاهرة، وتساءل: "هل بهذا التعديل ننعزل عن العالم ونرفض كل الأحكام الدولية"، منوها إلى أن "مصر خسرت 90 بالمئة من قضايا التحكيم الدولي".

النائب رضا غازي أوضح أنه "يوجد قرارات دولية ملزمة للدولة، فكيف ترفض المحكمة الدستورية قرارات دولية؟".

وتساءل النائب هشام هلال: هل درست الحكومة الآثار السلبية لهذا التعديل؟ وما موقف الاتفاقيات الدولية منه؟

وعقب تعيين السيسي رؤساء المحاكم المصريين بمن فيهم رئيس المحكمة الدستورية بموجب تعديل دستوري، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية 21 أغسطس/ آب 2019 عن قضاة قولهم إن هذا يؤدي لعدم استقلال القضاء.

قالوا إن تعيين عبد الفتاح السيسي رؤساء: المحكمة الدستورية العليا، ومحكمة النقض، والنيابة الإدارية "يثير بعض الأسئلة الشائكة".

قال أحد القضاة إن التغييرات الأخيرة تربط القاضي بالسلطة التنفيذية بدل أن يكون بعيدا عنها، وتجعل رئيس الجمهورية مسؤولا عن نقل القاضي وترقيته ومساءلته.

أشار إلى أن هذا "قد يدفع بعض القضاة إلى "المساومة" على العدالة مقابل علاقاتهم الجديدة بالسلطات، والسعي للحصول على "امتيازات" مقابل أحكامهم القضائية.

تقول منظمة "بيت الحرية" أو "فريدوم هاوس" (Freedom House)‏ الأميركية في تقريرها حول مصر لعام 2021 إنه لا يوجد قضاء مستقل في القاهرة و"السلطة التنفيذية تمارس نفوذها على المحاكم".

وأضافت: "عززت التعديلات الدستورية لعام 2019 سلطات السيسي الرقابية على القضاء وقوضت استقلاليته بعدما سمحت له بتعيين رؤساء الهيئات والسلطات القضائية".

كما أعطته حق النقض في المجلس الأعلى للهيئات والسلطات القضائية، الذي يتحكم في التعيينات والمسائل التأديبية لتلك السلطة، وفق قوله.