السجن المؤبد بحق "سفاح البوسنة".. هل ينصف الحكم الضحايا المسلمين؟
بعد مرور 26 عاما على مذبحة سريبرينيتشا، أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي حكما نهائيا يقضي بالسجن المؤبد على الجنرال الصربي راتكو ملاديتش المعروف بـ"سفاح البوسنة" بتهمة ارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.
بحضور أرامل وأمهات ضحايا المذبحة المروعة، التي أودت عام 1995 بحياة أكثر من ثمانية آلاف مسلم بوسني، داخل قاعة المحكمة، جلس الزعيم العسكري السابق لصرب البوسنة في قفص الاتهام يوم 8 يونيو/حزيران 2021 قبل النطق بالحكم النهائي في استئناف حكم المؤبد الصادر في شأنه.
تاريخ الحكم
وذكر موقع "هافينغتون بوست" في نسخته الإيطالية أن حكما أوليا صدر في عام 2017 ضد ملاديتش، البالغ 78 عاما، بالسجن المؤبد بتهمة الإبادة الجماعية في سريبرينيتشا وهي أسوأ مذبحة وقعت على الأراضي الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، وقع ارتكابها أمام أعين الجنود الهولنديين في بعثة الأمم المتحدة.
كما ارتكب ملاديتش جرائم أخرى خلال حرب البوسنة بين عامي 1992 و1995. كما تورطت قواته في حصار سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، الأطول في تاريخ أوروبا الحديث، الذي حصد أرواح حوالي 10 آلاف شخص.
أدانت المحكمة سفاح البوسنة بارتكاب عشر تهم من مجموع 11 وجهت ضده، وبرأته من تهمة إبادة جماعية ثانية تعلقت بحملة شنها لطرد غير الصرب من عدة مدن في بداية الحرب.
طعن المدعون في الحكم بالبراءة، لكن قضاء لاهاي رفض استئنافهم بالإضافة إلى رفضه استئناف ملاديتش للحكم المؤبد.
كما أدين الزعيم السياسي لصرب البوسنة السابق رادوفان كاراديتش بنفس الجرائم ويقضي حاليا عقوبة بالسجن مدى الحياة بعد أن تلطخت يداه بدماء آلاف الضحايا.
أفاد الموقع بأن ملاديتش استمع بسماعات الترجمة إلى النطق بالحكم وظهر بصحة جيدة إلى حد ما، وكان عابسا ومرتبكا من جميع التهم المؤكدة الموجهة إليه.
من جانبهن، استمعت أرامل وأمهات الضحايا في قاعة المحكمة إلى الحكم الصادر عن هيئة المحلفين برئاسة القاضية الزامبية بريسكا ماتيمبا نيامبي.
وبذلك ينهي الحكم في قضية الاستئناف جميع إجراءات الأمم المتحدة تقريبا بشأن الجرائم التي ارتكبت في حرب أسفرت عن مقتل أكثر من 100 ألف شخص وتشريد الملايين، يشير الموقع.
لفت الموقع إلى أن ترقبا كبيرا لصدور الحكم ساد كامل اتحاد البوسنة والهرسك، خاصة من قبل أقارب الضحايا، الذين توقعوا تأييدا بالسجن مدى الحياة للسفاح الصربي دون أن يخفوا شعورهم بالمرارة لاستغراق القضية 26 عاما قبل تحقيق العدالة.
وبين أن الحكم النهائي خيب آمال من طالب بتسليط عقوبات أخرى للإبادة الجماعية ارتكبتها قوات ملاديتش في ست بلديات أخرى في البوسنة.
ونقل تعليق رئيسة جمعية فوكا 92-95، هاليدا أوزونوفيتش بالقول "إن كل الممارسات التي تندرج ضمن مفهوم الإبادة الجماعية ارتكبت أيضا في بلدة فوتشا، أو برييدور، وفي مدن أخرى على غرار ممارسات اغتصاب منهجي، تم إثباتها بفضل شهادات 16 امرأة شجاعة".
وأضاف أن قوات ملاديتش "أنشأت معسكرات اعتقال ومارست الاضطهاد ودمرت 17 مسجدا في فوتشا بالإضافة إلى محاولاتها القضاء على أي آثار تدل على وجود البوسنيين في هذه المدينة".
مجرمو حرب
لهذا السبب، أكدت هاليدا أوزونوفيتش، أنه "نتوقع من القضاة في لاهاي أن يخبروا العالم أجمع أن الإبادة الجماعية قد ارتكبت في سريبرينيتشا وفي مدن أخرى أيضا، بهذه الطريقة فقط يمكننا منع تكرار الشر الناجم عن تمجيد مجرمي الحرب وتعليق لوحاتهم الجدارية في مدن مختلفة".
علق الموقع في هذا الصدد بالقول إن إنكار وقوع جرائم الحرب بات مشكلة متنامية، بدءا من الإبادة الجماعية في سريبرينيتشا.
وتابع بأن ملاديتش وإرثه يتسببان في انقسام داخل البوسنة إلى اليوم، ففي حين يعتبره البوسنيون مجرم حرب، لا يزال العديد من صرب البوسنة يرونه بطلا أدين ظلما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
من جهته، أعلن زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك، عشية صدور الحكم، أن محكمة لاهاي ليست مكانا للعدالة وأن أحكامها لم تصنع السلام لشعوب البوسنة والهرسك.
أردف الموقع أن تأثير قادة مثل ملاديتش وكارادزيتش يمتد إلى ما أبعد من البلقان، حيث يحظيان بإعجاب وتأييد من قبل أنصار اليمين المتطرف في الخارج لجرائمهم الدموية ضد مسلمي البوسنة.
يعتقد أن الأسترالي الذي ارتكب مجزرة مسجدي كرايستشيرش بنيوزيلندا في عام 2019، استوحى فكره المتطرف من قادة صرب البوسنة في فترة الحرب.
والأمر نفسه ينطبق على أندرس بريفيك، النرويجي العنصري المتعصب للبيض وقاتل 77 شخصا في عام 2011 في أوسلو وأوتويا بالنرويج.
وملاديتش اتهم لأول مرة في يوليو/تموز 1995 بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بعد انتهاء حرب البوسنة.
قرر بعدها الاختباء قبل أن يتم القبض عليه في عام 2011 من قبل الحكومة الصربية وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة قبل أن تغلق أبوابها، تاركة استئناف ملاديتش والمسائل القانونية الأخرى في أيدي آلية المحكمة الجنائية الدولية المتبقية التابعة للأمم المتحدة.
يأتي الحكم ضد الزعيم الصربي بعد 25 عاما من انعقاد المحاكمات في محكمة الأمم المتحدة الخاصة بجرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة والتي حكمت على حوالي تسعين شخصا.
من جانبه، ندد ملاديتش بالمحكمة زاعما أنها موالية للقوى الغربية، كما زعم محاموه أنه كان بعيدا عن سريبرينيتشا عندما وقعت المجزرة.
من جهته، شدد المدعي العام للأمم المتحدة، سيرج براميرتز، على أهمية الحكم بالنسبة للضحايا الذين يعانون يوميا من صدمة الصراع في التسعينيات.
وقال للصحفيين قبل صدور الحكم "إذا تحدثت إلى الناجين والأمهات (من سريبرينيتشا) اللائي فقدن أزواجهن وأطفالهن، سيتضح لك أن حياتهم توقفت بالفعل في يوم الإبادة الجماعية".
في الختام، أكد الموقع أن الحكم صدر بعد 26 عاما ضد شبح للزعيم ملاديتش، سفاح البوسنة الذي لا يرحم، خصوصا وأنه تقدم في العمر ويعاني مشاكل صحية.