انتصار المقاومة في غزة.. كيف أربك استثمارات المطبعين مع إسرائيل؟

12

طباعة

مشاركة

فاجأت "هبة القدس" الأخيرة، دول التطبيع بعد زعمها أن القضية الفلسطينية قد ماتت مع "صفقة القرن" و"اتفاقيات أبراهام"، لكن الشعوب أحرجت تلك الأنظمة بتضامنها مع المقاومة والشعب الفلسطيني أمام انتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلي، ثم فرحتها بانتصارها

فالتضامن الذي أظهرته الشعوب مع المقاومة ضد العدوان الإسرائيلي منتصف مايو/أيار 2021، أكد أن الأجيال القديمة والجديدة وفلسطينيي الداخل والخارج، لم ينس أي منهم القضية الأم، ودافعوا عن كل شبر في القدس.

وأوقعت الحرب بين قوات الاحتلال والفلسطينيين، معظم الأنظمة العربية في "حرج بالغ"، وكان الحرج الأكبر من نصيب من ركبوا قطار التطبيع الأخير، لا سيما الإمارات.

ففي عام 2020، طبعت 4 دول عربية علاقاتها مع إسرائيل، وهي: المغرب والسودان والإمارات والبحرين، لتلحق بالأردن (1994) ومصر (1979).

وبعدما هاجم مطبعون، الفلسطينيين واتهموهم ببيع أرضهم وحاربوا المقاومة واتهموها بـ"الإرهاب"، ألجمتهم معارك القدس وغزة.

ووصلت أجواء التطبيع، حد حث إمام الحرم المكي سبتمبر/أيلول 2020 المسلمين على عدم انتقاد اليهود بعد "اتفاقيات أبراهام"، لكنه عاد في 13 مايو/أيار 2021، ليصفهم بأنهم "أعداء الله"، ويدعو لانتصار الفلسطينيين عليهم.

واضطر سفراء الإمارات والبحرين في إسرائيل للاختباء في الملاجئ مع المستوطنين، بسبب صواريخ المقاومة ولم يتمكنوا من العودة لبلادهم بسبب غلق المطار، بحسب متابعين.

حرج هذه الأنظمة المطبعة دفعها إلى التحرك، فأعربت الخارجية البحرينية عن "استنكار المملكة الشديد" لاعتداء القوات الإسرائيلية على المصلين في المسجد الأقصى، في حين وصف وزير الخارجية السوداني تصرف إسرائيل بـ"القمعي".

الوقفات الاحتجاجية، في نحو 50 مدينة مغربية، دعما للفلسطينيين، ومطالب وقف التطبيع، أحرجت الحكومة والنظام فوصفوا ما جرى في غزة بأنه "عدوان ممنهج" و"جرائم حرب".

حرج بالغ

ورطة الإمارات، ليس فقط لأنها من قاد التطبيع بحماسة وكانت شوارعها تمتلئ بإعلانات السفر لتل أبيب، ولكن أيضا لأن "المقاومة استهدفت مشاريع صهيونية استثمرت فيها أبو ظبي".

وأكد محلل الشؤون الأمنية، بتلفزيون "بي بي سي"، فرانك جاردنر، في 19 مايو/أيار 2021 أن "حكومات الدول الموقعة لاتفاقات أبراهام وجدت نفسها في موقف محرج للغاية، خصوصا الإمارات والبحرين"،

العدوان على القدس وغزة أحرج الإمارات سياسيا، لأنها روجت للتطبيع باعتباره سببا لعدم ضم الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وبأنه سيسمح لها بامتلاك تأثير أكبر على إسرائيل، لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تجاهلها وضم أراض بجنوب القدس (حي الشيخ جراح).

العدوان أحرجها أيضا اقتصاديا، بسبب الخسائر التي تكبدتها نتيجة تعطل مشاريع إسرائيلية استثمرت فيها أبو ظبي ملايين الدولارات، مثل خط "عسقلان إيلات"، وحقل "تمار" للغاز.

خلال حرب غزة، أشعلت صواريخ المقاومة النيران في بعض صهاريج خط "عسقلان إيلات"، الذي استثمرت الإمارات فيه أكتوبر/تشرين الأول 2020 بمبلغ 800 مليون دولار، ضمن خطط نقل نفط الخليج عبره لأوروبا كبديل لقناة السويس.

أيضا استهدفت المقاومة بطائرات مسيرة، حقل "تمار" الذي اشترت شركة "مبادلة للبترول" الإماراتية في 26 أبريل/ نيسان 2021 حصة 22 بالمئة منه (كانت مملوكة لشركة ديليك الإسرائيلية) بقيمة 1.1 مليار دولار، فتوقف العمل به.

وبلغت خسائر إسرائيل، وبالتبعية الإمارات، من توقف حقل تمار للغاز 6 ملايين دولار يوميا، بحسب باحث متخصص في شؤون الطاقة لقناة الجزيرة.

ما أغضب الإمارات من المقاومة الفلسطينية في غزة أكثر أن صواريخها على إسرائيل عطلت مشروعين شاركت فيهما ماليا، وكانا يعدان كبديلين عن قناة السويس.

المشروعان هما، أنبوب "إيلات عسقلان" الذي خرج عن العمل بفعل صواريخ المقاومة، وخطة سكة الحديد "إيلات أسدود"، الذي وضعت إسرائيل مخططا له وأظهرت الحرب أن تأمينه مستحيل.

وبحسب الخبير في الشأن الإسرائيلي، صالح النعامي: "قدمت المقاومة بذلك خدمة هائلة للأمن القومي المصري".

لم يكن أمام الإمارات التي تعادي التيارات الإسلامية ومن بينها حركة "حماس" من خيار بشأن إدانة المقاومة وسعيها للدفاع عن القدس أو دعم المقاومة والحكم على نفسها بخطأ سياساتها التطبيعية، لذا جاء موقفها "مائعا متخبطا".

وظهر التخبط في إدانة الإمارات اقتحام المسجد الأقصى وتهجير الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، ثم إطلاق إعلامها ليهاجم "حماسا" ويساوي بين إسرائيل والفلسطينيين، ويصف عدوان غزة بأنه "عنف متبادل"!.

جند إعلام الإمارات نفسه لتبرير جرائم المحتل، زاعما أن العدو يقتل أطفال ونساء غزة بـ"الخطأ"، حسبما نشرت صحيفة "الإمارات اليوم".

وكتب الداعية الإماراتي، وسيم يوسف، مهاجما رد حماس على العدوان: "صواريخ بين مساكن ومنازل الناس، وحينما يأتي الرد تتباكى حماس وتصرخ أين العرب أين المسلمون؟" وأضاف: "جعلتم غزة مقبرة للأبرياء والأطفال!".

فيما كتب إماراتي آخر – ضمن الذباب الإلكتروني- يدعى "منذر الشحي" على تويتر يدعم إسرائيل علنا ضد غزة قائلا: "لن أقف أو أتعاطف مع أي جماعة إرهابية مثل حماس، لنصرة أي قضية".

وسعى مؤيدو الحكومة واللجان الإلكترونية في الإمارات بحملة هجوم على غزة والمقاومة، وتحريف الأخبار بما يصب في خانة تبرئة إسرائيل واتهام المقاومة بقتل شعبها.

وبالتزامن مع العدوان الإسرائيلي في القدس، هنأ حساب السفارة الإماراتية في إسرائيل (باللغة العبرية)، كيان الاحتلال بذكرى استقلاله، ما أثار جدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي.

أحلام التطبيع تبخرت

محرر الشؤون الأمنية في قناة "BBC"، فرانك غاردنر، أكد في 14 مايو/ أيار 2021 أن "الصراع المتفاقم بين إسرائيل والفلسطينيين وحرب غزة، تسبب في إحراج كبير للحكومات العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل مؤخرا".

واعتبر أن الترويج للاتفاقيات التي سميت بـ"أبراهام"، وشملت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، أصبح "رهينة للأحداث على الأرض".

وقال غاردنر: "بعدما أخبرت تلك الحكومات شعوبها بفوائد التعاون مع إسرائيل في مجالات التجارة والسياحة والبحوث الطبية والاقتصاد الأخضر والتنمية العلمية، تجد نفسها الآن في وضع محرج؛ بسبب قصف غزة والعدوان على المسجد الأقصى.

الوعود العربية (للشعوب) بأن اتفاقات أبراهام ستمنح دولا مثل الإمارات بعض النفوذ على إسرائيل لمساعدة القضية الفلسطينية اتضح أنها "جوفاء"، بحسب الباحث في معهد "رويال يونايتد سيرفيس للأبحاث" بلندن، مايكل ستيفنز .

وأوضح أن الحكومات العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل كانت تسعى لتحقيق مكاسب مع شراكتها وتطبيعها مع إسرائيل، لكنها تخشى أن تفعل هذا الآن "على حساب إثارة الاضطرابات الداخلية في بلدانها".

وأضاف ستيفنس: "لا يمكن للإمارات أن تتخلى عن اتفاقيات أبراهام، لكن العلاقات مع إسرائيل ستظل مجمدة حتى تهدأ الأحداث، وستستمر الاتصالات الثنائية في السر، خلف الأبواب المغلقة، كما حدث لسنوات".

لكن كيف سعت الإمارات لتمرير العاصفة الحالية ضد التطبيع، كي تستأنف استثمارات التطبيع، ولا تتهم بالتواطئ مع تل أبيب بعد هبة القدس والمسجد الأقصى؟. 

مصدر إماراتي رسمي قال لوكالة الأنباء الروسية "سبوتنيك" في 21 مايو/ أيار 2021 إن "الإمارات ستضطر لتقليص التعاون مؤقتا مع إسرائيل على خلفية الوضع الملتهب الحالي، لكن العلاقات لن تتأذى"!.

ونقلت الوكالة عن المصدر ذاته تأكيده: "رغم الاضطرابات الحالية، ستلتزم الإمارات باتفاقات أبراهام الموقعة في أكتوبر/تشرين الأول 2020".

"سبوتنيك" قالت إن "أبو ظبي تجد صعوبة في تبرير علاقاتها بالدولة اليهودية، واضطرت لإدانة إسرائيل بسبب الاعتداء على الفلسطينيين في القدس الشرقية، ولكن بمجرد أن أطلقت حماس، وابلا من الصواريخ على المدن الإسرائيلية، خففت حدة خطابها".

مصدر أبو ظبي برر للوكالة الروسية صمت بلاده علي قصف إسرائيل لغزة بقوله: "التغيير جاء بسبب تورط منظمة إرهابية (حماس) في الحرب"، في إشارة بأن "حماسا" فرع من جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها الإمارات "إرهابية".

وأكد أن "بلاده لا تنوي قطع علاقاتها مع إسرائيل، ونحن لا نخطط للتراجع عن اتفاقات أبراهام، قد تتباطأ الأمور قليلا بينما تستمر الأعمال العدائية، لكن موقفنا من إسرائيل لم يتغير، ولن يتغير"، كما يقول المصدر.

وزعم المصدر أن السلام مع "دولة إسرائيل" لا نتنياهو، الذي انتهت فرصته لتشكيل حكومة، ورئيس المعارضة يائير لابيد قد يشكل الحكومة، و"متوقع أن يحتضنه المسؤولون في أبو ظبي كما فعلوا مع نتنياهو".

وقال: "لبيبي (نتنياهو) الفضل في إبرام اتفاق التطبيع، لكن الاتفاق ليس مع القادة، بل مع الناس (الإسرائيليين)، ونتوقع تقوية هذه العلاقات، بغض النظر عمن سيصل إلى السلطة، لأنه في نهاية المطاف، هذا هو اختيار الشعب الإسرائيلي".

موقع إسرائيل ديفينس احتفى بهذه التصريحات، وأكد في 23 مايو/أيار 2021 أن "الإمارات قررت بالفعل تمرير عاصفة الموجة الحالية من رفض التطبيع، وأن تبطئ وتيرة التطبيع قليلا لكنها لن تنسحب من اتفاقات أبراهام".

من جانبها، قالت الخبيرة الألمانية في العلاقات الدولية، سينزيه بيانكو: إن "مصالح الإمارات مع إسرائيل إستراتيجية أكثر منها تكتيكية، لهذا لن تتراجع عملية التطبيع".

ونقل عنها موقع DW في 11 مايو/ أيار 2021 توقعها "تجميد المشاريع القائمة" مؤقتا مع استمرار التوتر في فلسطين، لكن دون أن تسمح أبو ظبي للوضع والمزاج العام في الشارع أن يملي عليها سياستها الإقليمية.

الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية، إلهام فخرو، توقعت أيضا ألا يؤثر ما جرى في القدس وغزة على تطبيع الإمارات مع إسرائيل.

ووصفت بيانات شجب الإمارات والبحرين لأعمال العنف في القدس والمسجد الأقصى، بأنها "مجرد علاقات عامة موجهة للجمهور العربي المحلي والإقليمي الذي يواصل دعم الفلسطينيين بأغلبية ساحقة".

وبررت فخرو ذلك لوكالة فرانس برس في 15 مايو/أيار 2021 بالقول: "لم يكن الهدف من اتفاقات أبراهام التطرق إلى ظروف الاحتلال العسكري وسلب الأراضي الذي يواجهه الفلسطينيون".

إعمار التطبيع!

في 11 مارس/أذار 2021، تعهدت الإمارات باستثمار 10 مليارات دولار "في قطاعات إستراتيجية باقتصاد إسرائيل"، بحسب وكالة الأنباء الرسمية "وام".

وبدل أن تشارك الإمارات في إعمار غزة بعد العدوان الأخير، كما فعلت بتقديم مبلغ 200 مليون دولار عقب عدوان 2014، تحدث موقع "خليج 24" الإماراتي المعارض 21 مايو/ أيار 2021 عن تأكيد "مصادر مطلعة" أن ولي عهد الإمارات محمد بن زايد تكفل لنتنياهو بإعمار ما دمرته الصواريخ الفلسطينية.

وذكر أن ابن زايد اتصل هاتفيا في21 مايو/أيار بنتنياهو؛ لبحث التطورات الأخيرة، وأن الأخير أبلغه بحجم الأضرار المادية التي قال إنها "تعد الأكبر بإسرائيل في تاريخها حيث ضربت الصواريخ الفلسطينية كل مكان".

"ابن زايد تعهد لنتنياهو بإعمار ما دمرته الصواريخ الفلسطينية وأبلغه بالتبرع بـ3 مليار دولار لصالح إسرائيل من أجل إعادة إعمار وترميم الأضرار"، بحسب موقع "خليج 24".

الأمر نفسه أكده موقع "إمارات ليكس" في 21 مايو/ أيار 2021 نقلا عن "مصدر إماراتي" أكد أن "ابن زايد تعهد بدعم اقتصادي كبير لإسرائيل يشمل عمليات إعادة إعمار ما دمر بفعل صواريخ المقاومة الفلسطينية".

كما أمر ابن زايد بتسريع تقديم وديعة بقيمة 10 مليارات دولار تدخل في البنوك الإسرائيلية خلال أيام ضمن الاستثمار في الاقتصاد الإسرائيلي وتعويض الخسائر.

وأمام هذا الكرم الإماراتي، شكر الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين وقوف ابن زايد بجوار إسرائيل بعد عدوانها على القدس وغزة ووصفه بأنه "صمام أمان المنطقة كلها"!.

وترغب الإمارات بسرعة إنهاء آثار أزمة حرب غزة الرابعة كي لا تؤثر على تطبيعها ومشاريعها مع إسرائيل، لهذا دعم ولي عهد أبو ظبي وقف إطلاق النار، بحسب وكالة الأنباء الإماراتية في 23 مايو/أيار 2021.

وخلال اتصال مع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بوقف إطلاق النار في غزة، دعا ابن زايد لـ"الحفاظ على وقف إطلاق النار واستكشاف مسارات جديدة لخفض التصعيد وتحقيق السلام".

يشار أن خسائر الاقتصاد الإسرائيلي بلغت 2.14 مليار دولار بنحو 0.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، خلال 11 يوما من العدوان على غزة، حسب مصدر مسؤول بوزارة المالية الإسرائيلية لصحيفة "يديعوت أحرونوت" في 21 مايو/ أيار.

فيما يرى مراقبون أن هبة القدس وحرب غزة التي أعادت الروح للقضية الفلسطينية ووحدت الفلسطينيين في الداخل والخارج والعرب، ستكون لها تداعيات على خريطة التطبيع.

وستضطر دول وقعت اتفاقيات تطبيع لتجميد بعض خطواتها، وتفرمل الدول "المنفلتة" في التطبيع بعض خططها، وإلا غامرت بإثارة غضب شعبي عارم، وربيع عربي جديد من القدس لعواصمهم هذه المرة.

ويؤكد خبراء أن أخطر ما تخشاه الدول المطبعة أن "تكون هبة القدس وحرب غزة شرارة لربيع عربي جديد يتخذ القدس مركزا له ويوحد الشعوب ضد المطبعين والديكتاتوريين".