"انقلاب عسكري قاده السيسي".. لماذا غيرت هولندا توصيف أحداث 2013 في مصر؟

12

طباعة

مشاركة

على غير المعتاد ورغم تحسن العلاقات بينهما، نشرت وزارة الخارجية الهولندية تقريرا رسميا سلبيا عن النظام المصري، أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

التقرير يشرح بالتفصيل الوضع في مصر، سياسيا واقتصاديا وحقوقيا ومجتمعيا، ويصف الحكم بـ"الانقلاب العسكري" وينتقد القمع والأمن والقضاء المسيس.

أهمية التقرير، كما شرحت الخارجية الهولندية في مقدمته، ترجع لاستخدامه في "تقييم طلبات اللجوء المقدمة من المصريين، واتخاذ قرار بشأن عودة طالبي اللجوء المصريين المرفوضين لبلدهم".

التقرير جاء ليوضح، لوزارة العدل الهولندية، أن المصريين يعانون تصاعدا في القمع لذا تتزايد مطالبهم للجوء لهولندا، ويتوقع بعده أن تزيد الوزارة المسؤولة عن قبول طلبات اللجوء من تسهيل عملية قبول تلك الطلبات.

توقيت مفاجئ

ركز التقرير (118 صفحة) على أوضاع المصريين الحقوقية (قرابة نصف التقرير) وأوضاعهم الاقتصادية (ربع التقرير)، واستهدف نقل صورة لوزارة العدل الهولندية عن أسباب تقديم العديد من المصريين طلبات لجوء.

كما تضمن التقرير في صفحاته الأخيرة تفاصيل حول عمليات سحب الجنسية من مصريين معارضين بالخارج، أو اعتقال نظام عبد الفتاح السيسي للصحفيين والباحثين العائدين من الخارج. 

ويغطي الفترة من تاريخ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013 حتى سبتمبر/أيلول 2021، وجرى تنفيذه بناء على طلب من وزارة العدل الهولندية في مارس/آذار 2020.

ولجدية التقرير، كان لافتا تأكيد خارجية هولندا أنها اعتمدت على "مصادر سرية"، بالإضافة إلى مراجع ومنظمات، والأهم "رحلة لمصر" وصفت بـ"المهمة"، أجراها فريق من الوزارة في سبتمبر/أيلول 2021.

كما بين التقرير أن "معلومات سرية" جرى جمعها عبر مقابلات هاتفية مع خبراء (لم تحددهم)، بالإضافة إلى معلومات من البعثة الدبلوماسية الهولندية بمصر ومصادر سرية أخرى لم يحددها.

وبسبب توقيت التقرير المفاجئ، صدرت تعليمات لإعلام السلطة في مصر بمهاجمته، وانتقده بشدة المذيع نشأت الديهي، وطالب باستدعاء سفير أمستردام للاحتجاج، فيما طالب الجالية المصرية بالتظاهر أمام مقر الخارجية الهولندية، للاحتجاج على التقرير.

واستغرب الديهي، وصف هولندا ما جرى في مصر بأنه انقلاب بعد 8 سنوات، وفسر ذلك بسؤال، هل للإخوان (المسلمين) يد في تقرير الخارجية الهولندية؟

كما بدأت حسابات محسوبة على اللجان الإلكترونية تهاجم ما أسمته "انتهاك حقوق الإنسان في هولندا وتعذيب الحكومة الهولندية لمواطنيها نفسيا".

بدوره، انتقد وكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب طارق رضوان، التقرير الهولندي واعتبره "هزليا"، متوقعا موجة هجوم غربية على مصر، وما أسماه "كر وفر سياسي سيعاد إنتاجه من جانب الغرب بدل دول سابقة"، لم يحددها.

ما قاله "رضوان" وإعلاميون، فسره أكاديمي مصري (طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) لـ"الاستقلال" بقوله إن "هناك حالة قلق في الأوساط السياسية المصرية بشأن تزامن عدة خسائر سياسية".

ومن أبرز هذه الخسائر، تسريب دبلوماسيين وعسكريين فرنسيين وثائق عسكرية فرنسية سرية تدين النظام المصري نشرها موقع "ديسكلوز" الاستقصائي الفرنسي في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وكشف الموقع توريط فرنسا في قتل مدنيين بصحراء مصر بـ"العملية سيرلي" وتورطها في التجسس وقمع المصريين بتوريد معدات مراقبة.

ثم بيان الخارجية الهولندية الذي يجلد نظام السيسي، وقبلها إدانة البرلمان الإيطالي رسميا للنظام المصري في 2 ديسمبر/كانون الأول 2021، بقتل الطالب، جوليو ريجيني.

وأيضا استبعاد رئيس الولايات المتحدة جو بايدن للسيسي من "قمة الديمقراطية"، بحسب الخارجية الأميركية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ثم بيان الضباط العسكريين المسجونين عما يجرى ضدهم بالمعتقل في 1 ديسمبر/كانون الأول 2021.

اللجوء لهولندا

عقب انقلاب السيسي، سعى معارضون غالبيتهم من الإسلاميين للهروب واللجوء إلى هولندا، لكنهم وجدوا صعوبات كبيرة لأنه جرى تصنيفهم كمؤيدين لجماعة الإخوان، حسبما قال بعضهم.

وبسبب رفض لجوء بعضهم، أثيرت أنباء عن تسليمهم لمصر "ما يهدد حياتهم".

ويعتقد أن تقرير الخارجية الهولندية جاء لهذا الغرض، أي تحديد حاجة هؤلاء للجوء؛ بسبب الأوضاع السيئة في مصر التي يرصدها التقرير، أو رفض تسليم معارضين.

وقد اعترف تقرير لمراسل صحيفة "الوفد" الليبرالية الموالية للنظام حاليا، في أمستردام 20 مارس/آذار 2016 أن الجهات المعنية بالبت في طلبات اللجوء في هولندا رصدت منذ انقلاب السيسي "تقدم نسبة كبيرة من المصريين بطلبات لجوء". 

لكن المراسل سعيد السبكي، زعم أنهم أبلغوا السلطات هناك أنهم ينتمون لجماعة الإخوان ويعانون اضطهاد نظام السيسي لهم، ورفضت السلطات الهولندية هذه الطلبات.

استند التقرير في توصيفه لما حدث في 3 يوليو/تموز 2013 على أنه "انقلاب عسكري"، لأن "اللواء السيسي"، كما وصفه، انقلب على الرئيس المنتخب الشرعي محمد مرسي، كما أطلق الجيش النار على المتظاهرين عدة مرات.

وتحدث عن قتل 1150 متظاهرا ومعتصما في يوم واحد، هو يوم فض اعتصام رابعة والنهضة، وإلقاء القبض على آلاف المتظاهرين.

وأوضح أن الشعب المصري اختار ممثلي جماعة الاخوان المسلمين بالأغلبية عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لكن الجيش نفذ انقلابا عسكريا ضدهم وتم حظر الجماعة.

ووصف التقرير انتخابات الرئاسة 2014 التي جاءت بالسيسي بأنها "غير ديمقراطية" وتحدث عن "شراء الأصوات".

وأشار ساخرا لمفارقة "إعراب خصم السيسي الوحيد في انتخابات 2018، عن دعمه له!"، بينما تم اعتقال منافسي السيسي الحقيقيين، وأبرزهم رئيس الأركان الأسبق، سامي عنان.

وأكد أنه لا توجد حاليا أحزاب ولا معارضة سياسية مهمة تقريبا، والآراء المخالفة تؤدي إلى مقاضاة جنائية وحتى السجن لمن يعارض، والحريات مقيدة بشدة على الأصعدة كافة.

ووصف التقرير التعديلات الدستورية التي جرت 2019، بأنها "جرى تمريرها في استفتاء خاضع لرقابة مشددة وأدت إلى مزيد من تركيز السلطة، وسمحت للسيسي بالبقاء في منصبه حتى عام 2030".

وتحدث التقرير باستفاضة عن الاعتقالات التي شملت كل أطياف الشعب المصري وليس الإسلاميين فقط في عهد السيسي لترسيخ "الدولة العسكرية".

وذكر التقرير الهولندي الرسمي أن "لدى جهاز مباحث أمن الدولة في مصر أكثر من 100 ألف موظف بخلاف شبكة من ملايين المخبرين، تستعين بهم حكومة السيسي للتحكم في المصريين".

وأشار إلى أن نشاط هذا الجهاز، المتورط في انتهاكات حقوق الإنسان، امتد لخارج مصر، وفقا لبحث أجرته قناة "دويتشه فيله" الألمانية في مارس/آذار 2017، وذلك للمراقبة والتجسس على المصريين المعارضين لنظام السيسي.

وسخر التقرير ضمنا من إنهاء السيسي حالة الطوارئ في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، لأن "مجلس النواب الموالي له، عدل في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ثلاثة قوانين نقلت أحكام الطوارئ للقوانين المصرية"، وعززت "الولاية العسكرية" على مصر.

وذكر التقرير أن المواطن المصري العادي لا يشعر بالنمو الاقتصادي الذي تتحدث عنه الحكومة، وتراجعت القوة الشرائية، بعد رفع الدعم عن السلع الأساسية ورفع سعر الخدمات وفق شروط صندوق النقد الدولي.

وتحدث عن تدهور الأوضاع المعيشية لملايين المصريين وأن أكثر من 30 بالمئة من المصريين دون خط الفقر، يعيشون بأقل من 50 يورو (قرابة 880 جنيها) في الشهر، وقمعهم حال احتجوا ضد الأوضاع.

هولندا ومصر

يعتبر تصنيف خارجية هولندا، رسميا، ما جرى في مصر عام 2013 "انقلابا عسكريا" تحولا كبيرا في موقفها، ربما تأخر 8 سنوات كاملة.

عقب انقلاب السيسي، بأسبوعين رفض رئيس وزراء هولندا، مارك روته، تسمية ما حدث في مصر بـ"انقلاب عسكري"، بحسب موقع "اليوم السابع" المقرب من النظام، في 17 يوليو/تموز 2013.

واعتبر، في حديث للتلفزيون الهولندي، أن ما حدث في مصر "أمر غير واضح المعالم حتى الآن"، وأن "هناك خلفيات قديمة لموضوع خروج الدكتور محمد مرسى من الحكم، وهي التي أدت إلى ما حدث".

واستنكر رئيس الوزراء محاولة المذيع الهولندي إجباره تسمية ما يحدث في مصر بأنه "انقلاب عسكري"، قائلا: "أنت تحاول أن تضع الأمر في موقف محدد، وأنا أرفض ذلك، وليس لدي تفاصيل كاملة لكي أحكم".

بعد شهر، صرح وزير الخارجية الهولندي، فرانس تيمرمانس، بأن "الوساطة الدبلوماسية فشلت في كسر الجمود السياسي في مصر، لأن حكام البلاد الجدد لا يرون أي جدوى من التحدث مع جماعة الإخوان المسلمين".

لكن الوزير، الذي سافر إلى مصر ضمن الجهود الدولية لتسهيل التوصل لحل وسط بين الجيش والإخوان، قال: "سيتعين عليهم (الجيش) القيام بذلك في نهاية المطاف"، بحسب وكالة رويترز في 7 أغسطس/آب 2013.

وقال "تيمرمانز" لوكالة رويترز: "بعد أن تحدثت إلى الرئيس المؤقت (عدلي منصور) ورئيس الوزراء (حازم الببلاوي) ووزير الخارجية (نبيل فهمي)، كان انطباعي أنهم ببساطة لا يرون أي ميزة في هذه المرحلة للتحدث مع الإخوان المسلمين".

وفي حديث "تيمرمانز" السابق لرويترز قال، ردا على استنكار وسائل الإعلام المصرية التدخل الأجنبي: "سواء هناك وساطة خارجية أم لا، سيتعين عليهم التعامل مع حقيقة أن عليهم التحدث إلى الإخوان، والأفضل عاجلا وليس آجلا".

لكن مع استقرار أوضاع الانقلاب، بفعل المجازر المتتالية والاعتقالات والقمع وتكميم الأفواه، تعاملت هولندا ودول أخرى مع الأمر الواقع، أي نظام السيسي.

وزار وزير الخارجية السابق نبيل فهمي هولندا لاحقا في 6 فبراير/ شباط 2014، ضمن عمليات الترويج للانقلاب، وأجرى لقاء مع نظيره، تيمرمانز، بحث فيه قضايا إقليمية ودولية، منها سوريا والسلام بالشرق الأوسط.

وذلك، بحسب تقرير، بدون تاريخ، لهيئة الاستعلامات المصرية التابعة لرئاسة الجمهورية على موقعها الرسمي، عن علاقات البلدين.

وفى 19 يونيو/حزيران 2014 تلقى السيسي برقية تهنئة بمناسبة توليه منصبه من ملك هولندا، فيليم ألكساندر.

وكان لافتا أنه في نفس شهر صدور اتهام خارجية هولندا للحكم بأنه "انقلاب عسكري" (أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2021)، التقي السيسي (أول الشهر ذاته)، مع رئيس وزراء هولندا، مارك روته، في مدينة غلاسكو الأسكتلندية، على هامش قمة المناخ.

وجرى الحديث عن التبادل التجاري والسياحة والهجرة، بالإضافة إلى التعاون القائم في مجال إدارة المياه، والزراعة، وإمكانية توطين الاستثمارات الهولندية في مصر، بحسب المتحدث باسم رئاسة الجمهورية.

وقد استمرت العلاقات وتبادل الزيارات بصورة عادية بين البلدين عقب انقلاب السيسي وكان لقاءات دبلوماسية أو تتعلق ببحث مسألة الهجرة، التي وضح ضمنا من اللقاءات إنها كانت تزعج هولندا.

وزارت وزيرة الدولة الهولندية للهجرة، إنكي برويكيرز، القاهرة في 26 سبتمبر/أيلول 2021، لسبل "تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الهجرة".

واستقبلها رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، ووزيرة الهجرة، نبيلة مكرم، حيث نوقشت قضايا الهجرة.

وأشار مدبولي إلى اهتمام مصر بالهجرة، و"أنها بذلت ولا تزال، جهودا كبيرة لمكافحة الهجرة غير الشرعية"، لكنه بررها ضمنا بقوله إن "سوق العمل يدخله مليون شاب سنويا، بما يفوق قدرات أية دولة"، بحسب الصحف المصرية.

لماذا التقرير؟

ليس من عادة وزارة الخارجية الهولندية إصدار تقارير ترصد الأوضاع السياسية والاقتصادية والحقوقية في مصر على غرار ما تفعله الخارجية الأميركية في تقريري "الحريات الدينية وحقوق الإنسان".

لكن بسبب تزايد طلبات اللجوء من المصريين التي يشير لها التقرير ضمنا، صدر ليوضح للجهات التي تبحث طلبات الهجرة في أمستردام كم المعاناة التي يعيشها المصريون خاصة من هربوا للخارج ويحتاجون للجوء ولا يمكنهم العودة.

وتحدث عن "القبض على صحفيين ومعارضين فور وصولهم مصر، وحبسهم إلى أجل غير مسمى، دون توجيه اتهامات واضحة، خصوصا لو كانوا إسلاميين أو حتى ملحدين ومعادين للإسلام أو غيرهم"، بحسب التقرير.

كما أشار إلى استغلال نظام السيسي قانون الجنسية لتجريد المعارضين في الخارج من جنسيتهم المصرية، مشيرا إلى حالة الناشطة غادة نجيب وزوجها الممثل هشام عبد الله.

فضلا عن مطالبة منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، مصر بتغيير التشريعات بعد سابقة حرمان المعارضين من الجنسية في 24 ديسمبر/كانون الأول 2020، بدعوى صدور أحكام ضدهم بناء على اتهامات زائفة.

لذا يرجح أن ينعكس التقرير على قرارات وزارة العدل الهولندية (التي طلبت إعداد التقرير)؛ لفهم سبب تزايد طلبات لجوء المصريين، فيما يخص قبول طلبات معارضين ومضطهدين بسبب حكم السيسي.

ولأن هولندا لا تقبل غالبا طلبات اللجوء عبر الإنترنت، يضطر المعارضون السياسيون والحقوقيون والصحفيون وغيرهم لتقديم الطلب داخل هولندا، بحسب موقع "visatls" في 2 ديسمبر/كانون الأول 2020.

ويسعى اللاجئ المصري للحصول على فيزا سياحية إلى هولندا، وبعد وصوله يقدم طلب اللجوء خلال فترة إقامته السياحية هناك.

وهناك خمسة شروط لتقديم اللجوء الى هولندا للمصريين هي، أن يكون الشخص تعرض للعنصرية في بلده، أو مشاكل دينية، أو مضايقات تمنعه من ممارسة فرائضه الدينية.

إضافة إلى الأشخاص المضطهدين بسبب قوميتهم أو انتمائهم الطائفي أو الاجتماعي، والشاذين جنسيا، والمرتدين ممن يعتنقون ديانة أخرى.

وغالبا ما تجمع السلطات هؤلاء اللاجئين غير الحاصلين على موافقة رسمية باللجوء في معسكرات أو أماكن خاصة.

وفي يوليو/تموز 2020، تظاهر هؤلاء اللاجئون منتقدين وضعهم لفترات طويلة في معسكرات ومخيمات، ورفض نصف طلباتهم للجوء، رغم علم السلطات الهولندية بحقيقة القمع في مصر وسوريا.

وقد تكررت مظاهرات طالبي اللجوء يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ونشرت صحف هولندية تقارير عن تظاهر لاجئين مصريين وسوريين وأفارقة؛ لتأخر البت في طلباتهم.

وقال موقع"Dutch news 24" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 إن أحد هذه المراكز في مدينة تير أبيل، ممتلئ بـ600 لاجئ، واضطر 550 آخرون للمبيت في خيام.