ليست القدس.. ما الدوافع الحقيقية لإلغاء عباس الانتخابات في فلسطين؟

12

طباعة

مشاركة

قبل 24 ساعة من بدء الحملات الانتخابية، ألغى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 29 أبريل/ نيسان 2021 "عمليا" الانتخابات التشريعية المقررة 26 مايو/ أيار 2021، بإعلان تأجيلها لأجل غير مسمى.

تبرير عباس تأجيل الانتخابات جاء بدعوى رفض إسرائيل إجراءها في مدينة القدس المحتلة، وهو ما نظر إليه كثيرون على أنه حيلة من عباس للتراجع، بعدما أدرك أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" التي يتزعمها، ستسقط في الانتخابات.

وتقول وسائل إعلام عبرية إن عباس يعلم أنه من المستبعد أن توافق تل أبيب على السماح للفلسطينيين بإجراء الانتخابات في القدس خصوصا بعد الاعتراف الأميركي بها عاصمة مزعومة لإسرائيل، ونقل سفارة واشنطن إليها.

سر الإلغاء

لم يكتف عباس بإصدار قرار فردي بالإلغاء دون مشاورة الفصائل الأخرى، ولكنه وضع العصا في عجلة حكومة الوحدة الوطنية المقترحة لامتصاص غضب خصومه، باشتراط اعترافهم باتفاقياته مع الاحتلال التي أسماها (القرارات الدولية).

هذا شرط مسبق تعجيزي ويخالف التوافقات ويوحي بتبني أبو مازن (عباس) خيارات جديدة بعيدة عن أجواء التوافقات والمسار الوطني ما يعني انتكاسة إستراتيجية المسار الوطني برمتها.

القيادي في حركة فتح عزام الأحمد، برر الإلغاء بزعم غريب قائلا إن "حركات التحرر لا تجري انتخابات تحت ظل الاحتلال".

كان من المقرر أن تجرى الانتخابات الفلسطينية على 3 مراحل خلال العام الجاري 2021: تشريعية (برلمانية) في 22 مايو/ أيار، ورئاسية في 31 يوليو/تموز، وانتخابات المجلس الوطني في 31 أغسطس/آب.

مراقبون يرون أن عباس يتخذ من القدس حجة لتأجيل أو إلغاء الانتخابات خوفا من الخسارة أمام حركة المقاومة الإسلامية حماس، في ظل انقسام حركة فتح.

آخر استطلاع للرأي، أجراه مركز القدس للإعلام والاتصال بالتعاون مع مؤسسة فريديريش إيبرت الألمانية 21 أبريل/ نيسان 2021، خلص إلى أن النسبة الأكبر من الفلسطينيين سيصوتون للقيادي المعتقل لدى إسرائيل مروان البرغوثي على حساب عباس.

أحد أبرز الأسباب الأخرى لتأجيل عباس للانتخابات هو خشية من ترسيخها انقسام حركة فتح رسميا إلى ثلاثة فصائل على الأقل بالنظر للقوائم المرشحة.

بسام أبو شريف المستشار السياسي السابق لرئيس السلطة محمود عباس، كشف أن قرار تأجيل العملية الانتخابية "هو نتيجة للوضع التنظيمي لحركة فتح".

قال لصحيفة "الرسالة" 29 أبريل/ نيسان 2021 إن "عدم قدرة عباس على ضمان النتائج سلفا كما كان يريد، إلى جانب صراعات فتح الداخلية الجزء الأساسي من دوافع ومسوغات صدور القرار بالنسبة له".

ذكر أبو شريف أن قرار التأجيل يرتبط برغبة عباس العودة لاستئناف مسار المفاوضات.

صحيفة المونيتور الأميركية ذكرت في 21 يناير/ كانون الثاني 2021 أن "قرار إسرائيل بشأن مشاركة القدس الشرقية في الانتخابات يعتمد على تقدير ما إذا كانت (الانتخابات) هناك ستفيد حماسا بشكل كبير أم لا؟".

أشارت إلى وجود "قلق من الوجود التركي المتزايد في القدس الشرقية يصب في صالح حماس وربما يزيد أو يعادل نفوذها هناك، وقلق من أموال تركية ضخمة تضخ في المدارس الفلسطينية لاستعادة البلدة القديمة".

الجيش الإسرائيلي كان يتوقع إلغاء الانتخابات لذا استعد مبكرا للاضطرابات المحتملة على خلفية تأجيلها ورفع، مع السلطة الفلسطينية، حالة التأهب، وفقا لتقرير القناة 12 نقلته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 30 أبريل/ نيسان 2021.

إسرائيل عرقلتها

لا ترفض إسرائيل إجراء الانتخابات في القدس فقط، بل ترفض الانتخابات الفلسطينية ككل، والجيش الإسرائيلي أفصح علانية عزمه التدخل لإفسادها، بحسب موقع "واللا" العبري 20 أبريل/ نيسان 2021.

أكد الموقع أن قيادة الجيش الإسرائيلي لن ترضى بأي حال من الأحوال بإجراء انتخابات فلسطينية، وأنها ناقشت كل الاحتمالات والنتائج لإلغائها وتستعد لأسوأ السيناريوهات.

"قيادة العمليات وقيادة الوسط في الجيش الإسرائيلي (العاملة بالضفة) رفعت توصيات لقائد هيئة الأركان بإلغاء الانتخابات وناقشوا معه كل السيناريوهات المتطرفة بخصوص الرد من جانب المقاومة وكيفية التعامل معها".

أوضح موقع "واللا" أن "الإلغاء من خلال الضغط على أبو مازن بدفعه أو إقناعه بتأجيل الانتخابات، أو عن طريق التدخل العسكري بالضفة الغربية".

أكد هذا بشكل آخر المحلل السياسي لصحيفة "جيروزاليم بوست" حيرب كينون 13 يناير/كانون الثاني 2021 بقوله: "ماذا سيحدث في حال فازت حماس؟ هل تريد إسرائيل حقا أن يجلس (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس) إسماعيل هنية أو (رئيس حماس في غزة) يحيى السنوار في رام الله بدلا من عباس؟".

وبيّن وجود "قلق إسرائيلي من إجراء الانتخابات ويعتبرون الأمر كارثة سواء لجهة احتمالات فوز حماس وتثبيت شرعيتها في الحكم بالانتخابات في غزة وربما الضفة الغربية أيضا، أو لجهة الانقسام داخل فتح لصالح الحركة".

المحلل الإسرائيلي "يوني بن مناحيم" قال لموقع نيوز ون الإسرائيلي 28 أبريل/ نيسان 2021 أن معارضة إسرائيل لإجراء الانتخابات وراء الخوف من فوز حمــــاس.

قال إن هذا لو حدث (وهو متوقع) "سيعزز قوتها في الضفة الغربية ويعرض للخطر حكم السلطة الفلسطينية والأمن الإسرائيلي".

بحسب المحلل فإن "تأجيل الانتخابات سيكون له تداعيات في الضفة الغربية وقطاع غزة".

إذ يرى أن هذه الخطوة ستعزز سياسة إسرائيل بشأن الفصل الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتضعف مكانة السلطة الفلسطينية وتصويرها في الشارع الفلسطيني على أنها نفذت كلام إسرائيل".

"ستكون حركة حمـاس أقوى كقائدة للنضال الفلسطيني خاصة إنها تقود الهجمات الصاروخية ضد إسرائيل"، وفق قوله.

ورأى أن "حركة فتح ستخرج من هذه الخطوة الانتخابية فاشلة ضعيفة ومنقسمة أكثر، بينما تخرج منها حركة حمــــاس قوية وموحدة"، بحسب بن مناحيم.

وأوضح أنه في المقابل "سيستمر تآكل مكانة محمود عباس والمؤسسات الفلسطينية (حكومة وبرلمانا) ففي ظل غياب عملية انتخابية منذ 2005، ستفقد مكانتها الشرعية في المجتمع الفلسطيني.

ومع تزايد الانقسام والصراعات الداخلية داخل حركة فتح، سيستمر مروان البرغوثي والقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان في تحدي رئيس السلطة الفلسطينية وتصويره على أنه جبان هرب من المواجهة، يقول ابن مناحيم.

تداعيات الإلغاء

قرار عباس بتأجيل الانتخابات يعني العودة إلى مربع الانقسام الأول بين الفصائل الفلسطينية وعودة التوتر بينها لأن قرار التأجيل قد يعني إلغاء الانتخابات بشكل كامل.

خطورة الإلغاء أن الانتخابات كانت جزءا من التوافق لإنهاء الانقسام، لهذا يتوقع أن يتبعها تعميق الخلافات بين الفصائل الفلسطينية وعودة للانقسام بصورة أسوأ.

"الحالة الفلسطينية ستصاب بانتكاسة على مستوى العلاقات الداخلية، والحقوق والحريات"، بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي.

"عملية التأجيل ليست مقتصرة على عقد الانتخابات التشريعية، بل على كل ما جاء في حوارات القاهرة وإسطنبول بشأن العلاقات الداخلية الفلسطينية بين كافة الفصائل"، حسبما قال لوكالة الأناضول 30 أبريل/ نيسان 2021.

وأضاف "في النهاية سنعود لمشهد الانقسام الأول، حماس تحكم قطاع غزة، وفتح الضفة الغربية".

 من جانبه يقول مدير مركز "يبوس" للبحوث بمدينة رام الله، سليمان بشارات، إن "قرار الرئيس الفلسطيني تأجيل الانتخابات لحين موافقة إسرائيل على عقدها في مدينة القدس، ودون تحديد موعد زمني يعني أن لا انتخابات قد تعقد؛ أي إلغاء الانتخابات". 

"بدل أن تكون الانتخابات خطوة نحو إنهاء الانقسام، تحول إلغاؤها لعامل إحباط وفقدان للثقة"، كما يقول بشارات، لوكالة الأناضول.

يترتب على هذا أن "السلطة الفلسطينية باتت في أزمة تمثيل سياسي، مع عدم قدرتها على تجديد الشرعيات". 

المحلل السياسي شرحبيل الغريب، أوضح لوكالة الأناضول 30 أبريل/ نيسان 2021 أن "قرار تأجيل الانتخابات سيزيد من حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني الموجودة".

أكد أن "قرار التأجيل أعطى ضوءا أخضر لانقسام فلسطيني جديد، ولتعزيز حالة التفرقة"، و"القرار سيزيد المشهد الفلسطيني الداخلي تعقيدا، وسيدخل الشعب الفلسطيني في شرخ سياسي جديد".

"وربما سيدخل الشعب الفلسطيني في نفق مظلم بعد أن كان يعتقد أن هذه الانتخابات ستشكل له بارقة أمل كبيرة، من أجل إصلاح النظام السياسي ومعالجة إفرازات الانقسام".

"عباس أراد الانتخابات سلما لشرعية جديدة، فكانت النتيجة معاكسة تماما، لا هو قبل بالانتخابات، ولا قبل بتوحد مقاومة الاحتلال فأصبح بلا شرعية انتخابية ولا شرعية نضالية"، بحسب المحلل السياسي ياسر الزعاترة.

حتى حكومة الوحدة الوطنية المقترحة لن تشهد النور لشروطها التعجيزية ولن ترضي أحدا من الفصائل حول المناصب كما يتوقع مراقبون فلسطينيون.

باختصار، تأجيل الانتخابات هو مكسب لحركات المقاومة لأنه كشف للشعب الفلسطيني من يقف مع مصالحه بالقوة ومن يفرط فيها ويستسلم للاحتلال.

سيكون انتصارا آخر، ولكن لحكومات أنظمة الثورة المضادة، فهذا مطلبها وفقا لصحيفة "يسرائيل هيوم"، التي أكدت أن مسؤولين كبارا من المخابرات المصرية والأردنية زاروا رام الله مارس/ آذار 2021 للضغط على عباس لإلغائها خشية فوز حماس.

الموقف الغربي

كان ملفتا قول عباس في ختام اجتماع القيادة الفلسطينية بمدينة رام الله، إن قرار التأجيل "يأتي بعد فشل كافة الجهود الدولية في إقناع إسرائيل بمشاركة القدس في الانتخابات".

أوضح أن فلسطين "لن تجري الانتخابات دون مشاركة مدينة القدس المحتلة"، بعدما فشلت الجهود الدولية في إقناع إسرائيل بمشاركة القدس في الانتخابات.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي، أوضح لوكالة الأناضول 30 أبريل/ نيسان 2021 أن "عباس لام الاتحاد الأوروبي، لعدم قدرته على الضغط على إسرائيل، بينما لم يخلق هو (عباس) أي ضغط على إسرائيل". 

الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والشؤون الأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، وصف قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية بأنه "مخيب بشدة للآمال".

قال عبر تويتر: "نجدد التأكيد على دعوتنا إسرائيل لتسهيل إجراء هذه الانتخابات في كافة الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك في القدس الشرقية".

أيضا دعت كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، السلطة الفلسطينية إلى تحديد موعد انتخابي جديد، ودعت إسرائيل للسماح بإجراء انتخابات في جميع الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك شرق القدس.

بحسب بيان مشترك للدول الأربع الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، 30 أبريل/ نيسان 2021، أعربوا عن أسفهم لتأجيل الرئيس عباس الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في 22 مايو/أيار من العام الجاري 2021.

قالوا في بيانهم: "نحث السلطة الفلسطينية على تحديد تقويم جديد للانتخابات في أقرب وقت، ومستعدون لدعم انتخابات حرة ونزيهة وشاملة (بفلسطين) جنبا إلى جنب مع شركائنا الأوروبيين".

ودعوا إسرائيل إلى تسهيل تنظيم الانتخابات في الأراضي الفلسطينية، بما فيها شرق القدس.

أشار البيان إلى أن المؤسسات الفلسطينية الديمقراطية تحمل أهمية حيوية للشعب الفلسطيني وحل الدولتين.

وأضاف: "نؤمن إيمانا راسخا بأن تقرير مصير المؤسسات الديمقراطية القوية والشرعية والتمثيلية والخاضعة للمساءلة في الأراضي الفلسطينية أمر بالغ الأهمية لمستقبل حل الدولتين".

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركي نيد برايس كان قد قال: "إن إجراء انتخابات ديمقراطية أمر متروك للحكومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني لتحديده، الأمر ليس متروكا لنا".

ولكن في 16 أبريل/نيسان الجاري 2021، نقلت صحيفة "القدس" المحلية عن مصدر مطلع أن إدارة جو بايدن "لا تمانع تأجيل الانتخابات إذا اضطر الفلسطينيون إلى تأجيلها".

أرجع المصدر تفهم واشنطن تأجيل الانتخابات إلى التخوفات من "صعود قوى فلسطينية (المقاومة) إلى موقع القرار ترفض حل الدولتين ونبذ العنف والتخلي عن الخطاب المعادي لإسرائيل والولايات المتحدة، أو التخلي عن التحريض"، حسب وصفه.

وحققت حركة حماس فوزا كاسحا في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في العام 2006، والتي لم يعترف محمود عباس بنتائجها.

وأدى ذلك إلى انقسام السلطة الفلسطينية، حيث تولت حركة فتح مقاليد السلطة في الضفة الغربية، فيما سيطرت حماس على قطاع غزة منذ 2007