تلعب على الحبلين.. ما موقف واشنطن من قضية الصحراء الغربية؟

12

طباعة

مشاركة

أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في 29 أبريل/نيسان، محادثات هاتفية مع وزيري الخارجية المغربي ناصر بوريطة والجزائري صبري بوقادوم، التي تناولت موضوع التراشق الإعلامي بين البلدين.

فور انتهائها، قال بوقادوم في تغريدة له، إن الطرفين تناولا قضايا عدة منها الصحراء الغربية، فيما أتت تغريدة بلينكن، لتؤكد أن المباحثات كانت عن التعاون في ملفي الساحل وليبيا، وهي نفس المضامين التي تناولها مع بوريطة. 

وسائل إعلام جزائرية روجت لتصريح وزير خارجيتها فيما نقلت أخرى مغربية عن موقع أميركي استند إلى مصادر دبلوماسية، بأن بلينكن أكد لبوريطة أن الرئيس الأميركي جو بايدن لن يتراجع عن اعتراف سابقه دونالد ترامب بالصحراء على الأقل في الوقت الحالي.

هذا التباين في التصريحات بين البلدين، يطرح تساؤلا عن إمكانية سعي إدارة بايدن إلى الحفاظ على نفس المسافة مع الجزائر والمغرب في ملف الصحراء، وما أهداف واشنطن من ذلك؟

تعزيز العلاقات

في بيان لها عن المحادثة، قالت السفارة الأميركية بالجزائر، إن الوزيرين ناقشا تعزيز العلاقات الثنائية القائمة على القيم والمصالح المشتركة، وناقشا فرص تقوية التعاون في إفريقيا لتعزيز الرخاء الاقتصادي والاستقرار الإقليمي.

وأعرب بلينكن عن تقديره لدور الجزائر في تعزيز الاستقرار في منطقة الساحل وليبيا، كما أشاد بجهود الجزائر في تنويع الاقتصاد والطاقة ورغبتها في جذب المزيد من الشركات الأميركية.

وفي تغريدة نشرها في 29 أبريل/نيسان، عشية المباحثات، قال بوقادوم: ‏في اتصال هاتفي مع أنتوني بلينكن، إنه تم التطرق إلى سبل إحياء وتقوية الشراكة الإستراتيجية بين الجزائر والولايات المتحدة في مختلف المجالات.

وأفاد أيضا أن المحادثة تضمنت "تبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك خاصة الأوضاع في الصحراء الغربية، ليبيا ومالي".

قال وزير الخارجية الأميركي في تغريدة: "محادثات جيدة مع وزير الشؤون الخارجية الجزائري بوقادوم، لإعادة التأكيد على أهمية علاقتنا لكي تساعدنا على تطوير مصالحنا المشتركة”.

وأضاف: “ناقشنا رغبتنا في إقرار الاستقرار والازدهار في ليبيا ومنطقة الساحل، وكنت سعيدا بتوجيه أمنياتي لجميع المغاربة بهذا الشهر الكريم”.

نشر بلينكن، تغريدة أخرى أكد من خلالها أن محادثاته مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، كانت جيدة وتضمنت مجموعة من المصالح الأمنية والسلام الإقليمية المشتركة، بما في ذلك التطورات في ليبيا ورغبة البلدين في رؤية الاستقرار والازدهار هناك.

بيان للخارجية الأميركية أوضح أن بلينكن رحب بالخطوات المغربية لتحسين العلاقات مع إسرائيل، مشيرا إلى أن العلاقة المغربية الإسرائيلية ستحقق فوائد طويلة الأمد للبلدين.

كما ناقشا فرص زيادة التعاون في إفريقيا لتعزيز الازدهار الاقتصادي والاستقرار حيث سلط وزير الخارجية الأميركي الضوء على دور المغرب الرئيس في تعزيز الاستقرار في منطقة الساحل وليبيا. 

وناقش الجانبان أيضا الإصلاحات بعيدة المدى لملك المفرب محمد السادس على مدى العقدين الماضيين وفق البيان، كما شجع بلينكن الرباط على مواصلة تنفيذ هذه الإصلاحات وإعادة تأكيد التزامه بحماية وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية. 

قلق إسرائيلي

تحت عنوان "سبق صحفي" نشر موقع "أكسيوس" الأميركي تقريرا في 30 أبريل/نيسان المنقضي، لأحد محرريه من تل أبيب، نقلا عن مصدرين مطلعين قولهما، إن بلينكن أخبر بوريطة بأن الرئيس جو بايدن "لن يتخلى عن الاعتراف بمغربية الصحراء، على الأقل في الوقت الحالي".

وجاء القرار، وفق الموقع بعد تداول ملف الصحراء على نطاق واسع من قبل كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية، خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وتعيش الرباط حالة من الترقب منذ ديسمبر/ كانون الأول 2020 عندما اعترف الرئيس الأميركي السابق بسيادة المغرب على الصحراء الغربية بإعلانه افتتاح قنصلية بمدينة الداخلة، لتصطف واشنطن بذلك مع الرباط في صراعها مع جبهة "البوليساريو" -المدعومة من الجزائر- على المنطقة المتنازع عليها منذ سنة 1975.

وأصدر ترامب مرسوما رئاسيا اعترف من خلاله بمغربية الصحراء ودعمه لمقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهو قرار أصبح رسميا وتم نشره في السجل الفيدرالي.

فتح الاعتراف الباب أمام توقعات ذهب جلها في ذلك الوقت إلى أن بايدن، الذي لم تكن سوى أسابيع قليلة تفصله عن تولي المنصب، سيتراجع عن قرار سلفه، وهو ما فعله مع العديد من القرارات الأخرى.

دعم بايدن لجبهة البوليساريو عندما كان عضوا في الكونغرس عزز أيضا هذه التوقعات.

وفي فبراير/شباط 2021، وجه السيناتور الأميركي، جيم إنهوف، إلى جانب 26 عضوا من مجلس الشيوخ، رسالة مكتوبة إلى بايدن لمطالبته بالتراجع عن قرار ترامب بشأن الاعتراف بمغربية الصحراء.

في الشهر نفسه، تلقى بايدن طلبا بنفس الفحوى من جبهة البوليساريو وآخر من البرلمان الجزائري. 

بعد أيام من تلقيه هذه الطلبات، أكد الرئيس الأميركي في أول مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، "التزامه التاريخي الثابت بأمن إسرائيل".

وشدد على دعم الولايات المتحدة في تطبيع العلاقات، بين إسرائيل ودول من العالم العربي والإسلامي، في إشارته إلى المغرب والإمارات والبحرين والسودان.

واجه المغرب انتقادات من المناهضين الذين وصفوا الخطوة بـ"التطبيع مقابل الاعتراف"، وذهب مراقبون إلى أنه لم يكن ليقدم عليها لولا أهمية ملف الصحراء الذي يعتبر قضيته الأولى والأهم، وكذا أهمية اعتراف البلد الأقوى، أميركا، ودلالاته في توازنات الملف. 

القلق وصل صداه إلى تل أبيب، إذ كشف "أكسيوس" أن إسرائيل عبرت أكثر من مرة عن قلقها من التراجع عن سياسة الاعتراف الأميركي بـ"مغربية الصحراء"، والذي قد "يضر بعملية التطبيع مع المغرب".

منذ بداية النقاش حول تراجع بايدن عن قرار سلفه، استبعد الدكتور حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط في جنيف، في حوار تلفزيوني على قناة "فرانس 24"، أن يلغي بايدن أي قرارات متعلقة بإسرائيل، في إشارة إلى أن خدمة الأجندة الإسرائيلية هي إحدى الثوابت في البيت الأبيض أيا كان رئيسه.

قبلة إفريقيا

في 2019 وضع مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، خطة شدد فيها على أهمية الوجود في إفريقيا، لوقف النفوذ الصيني والروسي داخل القارة التي لا تعيرها أميركا الاهتمام المفروض. 

بدأت أمريكا بالتحرك في فبراير/شباط 2020، عندما أجرى وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، زيارة لإفريقيا، شملت أنغولا والسنغال وإثيوبيا، وتزامنت مع بدء التدريب العسكري الأميركي المشترك والأكبر "فلينتلوك 2020"، مع عدد من الدول الإفريقية في موريتانيا.

لم يكن اختيار الدول الثلاث عشوائيا، بل إنها تتمتع بعلاقات قوية مع الصين، التي قدمت 60 مليار دولار دعما ماليا مختلفا للقارة خلال قمة الحزام والطريق التي نظمتها بكين في 2019.

في فبراير/شباط 2020، عين ترامب، المدير التنفيذي لمؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية، آدم بوهلر، ليتولى منصب الرئيس التنفيذي لمبادرة "ازدهار إفريقيا"، التي أطلقها في 2018.

المبادرة تقودها الحكومة الأميركية لزيادة التجارة والاستثمار المتبادلين إلى حد كبير بين الولايات المتحدة وإفريقيا، وذلك بغرض مواجهة المنافسة الفرنسية والبريطانية والروسية والصينية والأوروبية في الشراكات الاقتصادية مع الدول الإفريقية.

وتخطط الولايات المتحدة، من خلال الاتفاق مع المؤسسة، لاستثمار مليار دولار في اتفاقيات ثنائية مع المغرب خلال السنوات الأربع المقبلة، فيما تضمن الاتفاق صفقات موجهة نحو تشجيع الاستثمارات في إفريقيا عبر الرباط، من خلال اتفاقية لدعم مبادرة "ازدهار إفريقيا"، وفق المؤسسة.

وقال مديرها التنفيذي، الذي كان بين الوفد الذي حل بقصر الرباط في ديسمبر/كانون الأول 2020 لتوقيع اتفاق التطبيع، إن "قيادة المغرب في القارة جنبا إلى جنب مع اقتصاده النابض بالحياة والمتنامي، تجعل من البلاد قاعدة مثالية لمبادرة "ازدهار إفريقيا"، كذلك لخلق فرص مثيرة للاستثمار". 

تراجع بايدن عن كل سياسات وقرارات ترامب، لكن تراجعه عن الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية مسألة في غاية الصعوبة لسببين، أولهما أن علاقة الولايات المتحدة بالمغرب أقوى من علاقتها بالجزائر، وإن كانت تنوي بناء قاعدة عسكرية في جنوب الجزائر.

والثاني قوة اللوبي الصهيوني في المنطقة، الذي لم يتراجع عن "مشروع أبراهام" التطبيعي مع إسرائيلي ولا يزال يدعمه.

وعموما، تهتم الولايات المتحدة في العقدين الأخيرين بإفريقيا، وهو أمر مرجح لأن تتزايد في المستقبل القريب؛ نظرا لأهمية القارة في المشاركة في التنمية في العالم لما تحتوي عليه من ثروات.